حتى الآن لا يعرف أغلب التونسيين الشيء الكثير عن المهدي جمعة، المرشح لرئاسة الحكومة التونسيةالجديدة. فمنذ الإعلان عن اختياره لترؤس الحكومة لم يتحدث الرجل إلى وسائل الإعلام إلا مرة واحدة عقب لقائه بمصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان التونسي). وكان تصريحه مقتضبا جدا قال فيه بالخصوص إنه «سيحترم كل ما جاء في خارطة الطريق» التي يجري على أساسها الحوار الوطني في تونس، برعاية أربع منظمات وطنية (نقابة العمال واتحاد الأعراف وعمادة المحامين ومنظمة الدفاع عن حقوق الإنسان) لتجاوز الأزمة التي دخلتها البلاد بعد اغتيال محمد البراهمي عضو المجلس التأسيسي والقيادي في التيار الشعبي (حزب قومي عربي) حيث طالبت المعارضة، وأطياف من المجتمع المدني، منذ ذلك الوقت بوجوب استقالة حكومة علي العريض وتكوين حكومة كفاءات مستقلة. والمؤكد أنه سيكون بإمكان التونسيين التعرف بشكل أفضل على المهدي جمعة بمجرد أن يقع تعيينه بصفة رسمية من قبل المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية بعد استقالة علي العريض أمس. وما يعرفه التونسيون عن المهدي جمعة أنه يبلغ من العمر 52 سنة، وأصيل محافظة المهدية الساحلية (وسط شرق تونس)، وأنه خريج كلية الهندسة بتونس أواخر الثمانينات اختصاص ميكانيكا، وأنه اشتغل في مؤسسات عالمية كبرى مما اضطره للإقامة خارج تونس لفترات طويلة قبل أن يعين وزيرا للصناعة في حكومة علي العريض المستقيلة. ولكن ورغم قلة الظهور الإعلامي لالمهدي جمعة منذ اختياره لتشكيل الحكومة الجديدة فإنه أجرى منذ ذلك الوقت العديد من المشاورات واللقاءات مع كل الحساسيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية. ومن خلال شهادات بعض الذي قابلهم بدأت تتكون فكرة عن توجهات الرجل وشخصيته. ويقول بعض هؤلاء إنه يجيد الإنصات، وإن له شخصية قوية، كما أن العديد ممن تعاملوا معه كوزير للصناعة أثنوا على العمل الذي قام به في هذه الوزارة في وقت وجيز، معتبرين أن تخصصه في الهندسة الميكانيكية قد يكون ساعده على إدارة هذه الوزارة دون مشاكل تذكر. ورغم أن عملية اختيار المهدي جمعة لترؤس الحكومة الجديدة لم تكن محل إجماع من كل الأحزاب المشاركة في الحوار الوطني، إذ حظي بالخصوص بدعم أحزاب الائتلاف الحاكم وعلى رأسه حركة النهضة الإسلامية، وأحزاب أخرى قريبة منها، في حين امتنع عدد من أحزاب المعارضة عن المشاركة في عملية الاقتراع التي جرت لتحسم بينه وبين جلول عياد وزير المالية في حكومة الباجي قائد السبسي، فإن أغلب القيادات السياسية المعارضة أكدت أنها ستحكم عليه من خلال مدى احترامه لخارطة الطريق ومن خلال قراراته والإجراءات التي سيتخذها كرئيس للحكومة. ومن الملاحظات التي وقع تداولها بشأن اختيار المهدي جمعة لترؤس الحكومة الجديدة غياب التجربة السياسية لديه مثلما اعترف هو بنفسه في منتدى اقتصادي عقد الصيف الماضي بفرنسا، وهو ما يطرح نقاط استفهام حول الكيفية التي سيتصرف بها في بلد تتالت فيه الأزمات السياسية وتشهد فيه الساحة توترا مستمرا بين الفرقاء السياسيين، فضلا على وجوب أن يكون محاطا بطاقم كفء في الميدان الأمني نظرا للتهديدات التي أصبحت تواجهها تونس. ويظل اختيار الفريق الحكومي الجديد أول الامتحانات أمام المهدي جمعة. فخارطة الطريق تنص على أن تكون الحكومة مصغرة (بين 15 و20 عضوا على أقصى تقدير) ومن كفاءات مستقلة غير معنية بالاستحقاقات الانتخابية المقبلة. وقد بدأت بعد التجاذبات حول هذه المسألة، حيث يشترط جزء من المعارضة وعلى رأسها الجبهة الشعبية (تجمع لأحزاب يسارية وقومية) عدم اختيار أي عنصر من حكومة علي العريض لتقلد حقيبة وزارية في الحكومة الجديدة، في حين ترى أحزاب الائتلاف الحاكم أن في حكومة علي العريض بعض العناصر المستقلة التي يمكنها أن تواصل مهامها مع المهدي جمعة (وقع تداول أربعة أسماء) على رأس هؤلاء لطفي بن جدو وزير الداخلية، معللين الأمر بالأوضاع الأمنية التي تمر بها البلاد والتي لا تسمح بتغيير في هذه الوزارة. وبالنسبة للفريق الحكومي الجديد، فقد علمت «الشرق الأوسط» من مصادر مطلعة أن رئيس الحكومة المعين تقدم أشواطا مهمة في تكوين حكومته، وأنه لم يبق غير ثلاثة أو أربعة أسماء لم يحسم فيها بعد. وقد وقع الحديث عن عديد الأسماء يمكن أن تكون ضمن الحكومة الجديدة، من بينها شخصيات وقع ترشيحها لتولي منصب رئاسة الحكومة إلى جانب المهدي جمعة، قبل أن يحسم الأمر لفائدته، ومن بينها محمد الناصر الوزير في عهد بورقيبة، ومصطفى كمال النابلي محافظ البنك المركزي السابق، وجلول عياد وزير المالية في حكومة الباجي قائد السبسي، وراضي المدب الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال. كما ينتظر وفق ما علمته «الشرق الأوسط» من المصادر المطلعة ذاتها أن تكون المرأة ممثلة في حكومة المهدي جمعة في غير منصب وزيرة المرأة. فمن المرجح أن يقع التخلي عن هذه الوزارة وإدماج مهامها في وزارة أخرى مثلما سيجري بالنسبة للعديد من الوزارات الأخرى حتى تكون الحكومة الجديدة مصغرة بحق مثلما تنص على ذلك خارطة الطريق. أما بخصوص أهم الرهانات التي سيواجهها المهدي جمعة، فضلا عن التحديات السياسية والأمنية، فيبقى الملف الاقتصادي من أكبر الملفات التي سيكون رئيس الحكومة الجديد مدعوا للاشتغال عليها. وأول بند في هذا الملف هو إيجاد حل للأزمة الأخيرة التي فجرها قانون المالية لسنة 2014 الذي كان سببا في اندلاع موجة من الاحتجاجات في عدد من الجهات داخل البلاد خاصة بسبب بعض الإتاوات التي أقرها خاصة بالنسبة لعربات النقل. وهي إجراءات أعلن علي العريض تعليق العمل بها أمس ساعات قليلة قبل تقديمه لاستقالته رسميا. وأهم ما يطرح في هذا الشأن هو كيفية تصرف المهدي جمعة أمام مطالبة العديد من أحزاب المعارضة بإقرار قانون مالية تكميلي والتخلي عن عديد الإجراءات التي نص عليها قانون مالية 2014 والتي رأت فيها «إجحافا في حق الفئات الضعيفة وحتى المتوسطة». وعدا هذا الإشكال «الطارئ» فإن المهدي جمعة سيجد نفسه أمام اقتصاد كل مؤشراته سيئة تتجلى في عجز الميزانية بنحو 8 في المائة، وارتفاع نسبة التداين التي وصلت إلى نحو 50 في المائة من الناتج الإجمالي الخام لتونس، ونسبة تضخم ب6 في المائة، وعجز في الميزان التجاري بنحو 5 مليارات دولار، وتراجع نسبة تغطية الواردات (70.6 في المائة)، ووجود نحو 800 ألف عاطل عن العمل منهم نحو 250 ألف شاب متخرج من الجامعات، وتراجع الاستثمار الوطني والخارجي وتدهور قيمة الدينار أمام الدولار الأميركي واليورو بنحو 9 في المائة منذ بداية السنة، علما بأن هذه الأوضاع كانت ولا تزال سببا في التحركات الاجتماعية والاحتجاجات والاعتصامات وقطع الطرقات، مما جعل الوضع الاجتماعي والأمني في تونس مهزوزا وغير مستقر على مدى الأشهر الأخيرة. هذا الوضع الاقتصادي الخانق دفع ببعض الأوساط إلى الحديث عن وجوب إقرار هدنة اجتماعية خلال الفترة المقبلة حتى يتسنى للحكومة الجديدة الشروع في معالجة هذه المصاعب الاقتصادية في ظروف أكثر هدوءا، خاصة أن بعض الجهات ترى أن علاقة رئيس الحكومة الجديد سواء مع نقابة العمال أو مع اتحاد الأعراف تبدو جيدة ويمكن أن تساعد على الدفع في هذا الاتجاه.