دخلت العديد من الدول العربية في السنوات الأخيرة مجال المنافسة والتواجد في المشهد العام لمعارض الكتاب بقوة، فإلى جانب معرضي بيروت والقاهرة ثاني أهم المعارض العربية، ظهر معرض أبو ظبي ومعرض الشارقة ومعرض الجزائر الذي احتل في زمن قصير المراتب الأولى عربيا من حيث الأهمية، بشهادة العديد من الناشرين اللبنانيين والسوريين الذين تقربت منهم "الخبر" في المعرض الدولي للكتاب العربي ببيروت المنعقد بين 6 إلى 19 ديسمبر الحالي. يعتبر الحديث عن معرض بيروت للكتاب العربي منذ سنوات كالحديث عن مغارة علي بابا وكنوزها التي لا تحصى، وعقد أي مقارنة بينه وبين أي معرض آخر ستكون بلا معنى ولا نتيجة، لأن عراقة هذا المعرض باعتباره أول معرض عربي للكتاب تجعله بلا منافس، لكن تغير الأوضاع على المستوى العربي وبروز معارض جديدة منها معرض الجزائر، يدفعنا إلى أن نقف لنبحث عن مكامن قوة كل معرض ونقائص المعارض الأخرى مقارنة ببعضها. معرض الجزائر للبيع والباقي "بريستيج" يعترف ناشر لبناني رفض ذكر اسمه أن معرض الجزائر الدولي للكتاب يعد مهرجانا حقيقيا على كل المستويات، ويضيف "معرض الجزائر أفضل بالنسبة لنا كناشرين، مقارنة بمعرض بيروت وباقي المعارض أيضا التي طغى عليها البريستيج والمظهرة فقط". ويرى الناشر أن "أول عامل لقياس نجاح أي معرض هو نسبة المبيعات والأرباح المحققة، مؤكدا "حسب كل زملائي في المهنة سواء من لبنان أو من سوريا وغيرها من الدول العربية، تتجاوز نسبة مبيعات كل ناشر 75%، بل إن الأغلبية لا تعيد كتبها، وقد تنتهي في الأيام الأولى للمعرض".. يتبنى الموقف نفسه قاسم منصور ممثل دار النشر سعودية "دار النشر العربية للأبحاث والنشر"، فبالنسبة له تشكل المبيعات أهم هاجس للناشرين، ويحقق له معرض الكتاب بالجزائر تطلعاته الربحية يقول "أنا ناشر، ما يهمني هي المبيعات بشكل أساسي ومعرض الجزائر ممتاز في هذا الجانب، ومبيعاتنا جيدة فيه"، مضيفا بكثير من الأريحية والتباهي "بلغت نسبة مبيعاتنا في الطبعة السابقة 75%، وهناك عدد كبير من العناوين انتهت نسخها في اليوم الأول". الجزائريون لا يقرؤون..فرضية خاطئة والتنظيم أهم النقائص وإن اعتقد البعض لوقت قريب جدا أن الجزائريين لا يقرؤون، فإن مقارنة بسيطة بين عدد زوار معرض بيروت الذي لا يتجاوز بضع مئات نهاية الأسبوع، وزوار معرض الجزائر الذين بلغوا يوم عطلة أول السنة الهجرية محرم ذروتها ب200 ألف زائر يدحض هذه الفرضية، ويؤكد القاسم هذا بقوله "يا الهي في الجزائر هناك أيام لو رميت حفنة من الرمل لن تسقط حبة منها على الأرض من تزاحم الزائرين". وإن كان عدد من المتتبعين والمهنيين يسجلون نقائص على المعرض إلا أن آخرين يشيرون إلى تحسن الظروف سنة بعد أخرى، وإن كانوا يفضلون تنظيمه في الخيمة لأنها توفر التواجد لكل الناشرين في مكان واحد، ما يعطي الفرص المتساوية للجميع. ويبقى التنظيم إحدى النقاط القوية في معرض بيروت للكتاب العربي، خاصة الندوات التي تنظم في قاعة واحدة والبيع بالتوقيع الذي يعلن عنه عبر مكبرات الصوت، حيث لا يمكن أن يضيع أي زائر عن موعده. يقول مدير إحدى أعرق الدور اللبنانية والذي رفض ذكر اسمه لاعتبارات تجارية وشخصية، كما قال، "إن معرض الجزائر لو يتم التعامل معه بنفس احترافية معارض أبو ظبي والشارقة وبيروت، فلن يجاريه أي معرض بعد ذلك سواء في قوة الحضور وارتفاع نسبة المبيعات، أو من حيث مستوى النشاط الثقافي المكثف"، مضيفا "إن لمسة التنظيم الاحترافي تنقص كثيرا معرض الجزائر مقارنة بالمعارض الأخرى". لا مقارنة بين 35 مليون و3 ملايين ويرفض المدير العام للمعرض ورئيس النادي الثقافي العربي سميح البابا إجراء أي مقارنة بين معرض بيروت وأي معرض آخر، خاصة في الظروف الحالية، فقد أعاق الوضع الأمني حسبه تنقل اللبنانيين من أجل زيارة المعرض، وهو نفس السبب الذي أدى إلى غياب دور النشر العربية، لافتا الانتباه إلى أن معرض بيروت عبارة عن مبادرة خاصة من النادي الثقافي العربي واتحاد الناشرين اللبنانيين، لا تتدخل في دعمه أو تمويله أية جهة لا وزارة ولا رئاسة ولا هيئات أو أحزاب، وهذا لضمان استقلاليته، ما ميّزه عن أغلب معارض الدول العربية التي ترعاها الدولة وتقدم لها الدعم المادي واللوجستيكي. كما أن المعرض بالنسبة لسميح البابا يعتبر فعل مقاومة بالنسبة للمثقفين والناشرين اللبنانيين الذين يصرون رغم كل الظروف على التواجد. بينما يرى أن معرض الجزائر هو إضافة للمشهد العام العربي، ووجوده تثمين للخطوة التي قام بها منذ 57 سنة حين أسس أول معرض للكتاب العربي، متمنيا له النجاح والتقدم دائما. ويتبنى الناشر قاسم منصور الموقف بقوله "لقد تأثر المعرض كثيرا في هذه الطبعة بالوضع الأمني والوضع السوري خاصة"، معتبرا أن معرض الجزائر قد يعوّض اللبنانيين خسارتهم المالية ويغطي هذه الثغرة. بيروت للعناوين والجزائر للمبيعات تعترض من جهتها مسؤولة لجنة النشاط الثقافي بمعرض بيروت للكتاب العربي نرمين خنسا عن المقارنة بين المعرضين، وقالت إنها ستكون مجحفة قليلا بالنظر إلى عدة اعتبارات منها التباين الكبير بين عدد سكان الجزائر 35 مليون نسمة، ولبنان 3 مليون نسمة، كما أن الوضع الاقتصادي متأزم في لبنان والكل يشتكي. أضف إلى ذلك الوضع المادي. كما تشير المسؤولة إلى أن معرض بيروت مخصص للكتاب العربي فقط، بينما نجد في باقي المعارض كل الكتب، فبيروت تنظم معرضين: واحدا للكتاب الفرانكفوني وآخر للكتاب العربي، مضيفة "لا ننسى أيضا رعاية الدولة الجزائرية لمعرضها، عكس معرض بيروت المستقل تماما عن أي دعم خارجي، ما عدا اشتراكات دور النشر". ويمكن أن نستقي هذه الاستقلالية من خلال التنوع الهائل للكتب، حيث يقر أغلب دور النشر ومسؤولة اللجنة الثقافية في المعرض أنه لا رقابة على الكتب، ففي معرض الكتاب العربي ببيروت تجد الكتاب الديني بكل أصنافه ومذاهبه وتوجهاته، كما تجد الكتاب الذي يتحدث عن العلاقات الجنسية بكل تشعباتها ومحرماتها، وكتبا عن الإلحاد والسياسة والتاريخ، تتمازج كلها في خليط جميل يجعل من معرض بيروت معرض العناوين، بينما يبقى معرض الجزائر للمبيعات والإقبال بامتياز، في انتظار إعادة النظر في التنظيم وتكييفه وفق الكم الهائل من الزوار وأهمية النشاط الثقافي المكثف.