ستة أشهر فقط تفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، فيما لايزال هذا الاستحقاق غائبا أو مغيّبا في النقاش السياسي، في واحدة من أسوأ السيناريوهات المتوقعة لاستحقاق بهذا الحجم والأهمية.. وينص القانون العضوي المتعلق بالانتخابات على أن استدعاء الهيئة الناخبة يكون في غضون الأشهر الثلاثة التي تسبق تاريخ إجراء الانتخابات، ما يعني أن ما تبقى من تحضيرات ذات الطابع السياسي بالنسبة للأحزاب التي تأمل في خوض السباق، هو ثلاثة أشهر فقط، طالما أن الثلاثة الأخرى التي تعقب دعوة الهيئة الناخبة، ستكون جزءا من الجانب الإجرائي في الاستحقاق. فمن المسؤول عن هذا الركود والغموض، ومن يتحمل تبعات ذلك وأثرها على الاستحقاق القادم؟ يرى رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، بوجمعة غشير، أن اللوم فيما تعيشه البلاد من ركود سياسي، يقع على الأحزاب والطبقة السياسية بصفة عامة، لكونها عجزت عن خلق حراك مجتمعي، قادر على دفع مساعي البحث عن رئيس للجمهورية تفرزه معاناة الجزائريين، يكون قادرا على انتشال البلاد من أزمتها. ويغوص الناشط الحقوقي في تشخيص الوباء الذي انتاب الطبقة السياسي في البلاد، فيقول: "الأحزاب ثلاثة أصناف، الأحزاب ذات الطباع الديني، وهذه الأحزاب فقدت الأمل بسبب ما حدث في كل من مصر وبدرجة أقل تونس، والأحزاب الديمقراطية، وهذه حجمها صغير جدا مقارنة بطموحها الكبير، أما أحزاب السلطة، فهي تنتظر الضوء الأخضر من الجهات العليا كي تنخرط في العملية". وبرأي بوجمعة غشير، في اتصال مع "الشروق" أمس، فإن قضية بحجم الانتخابات الرئاسية، تبدو أكبر بكثير من تطلعات الطبقة السياسية "الافتراضية"، أي المشكّلة بناء على ما هو مرسوم من أدوار لهذا الطرف أو ذاك، لأن ما هو في واجهة المشهد، لا يعدو أن يكون مجرد متسابقين من أجل الحصول على ما يتبقى من فتات على المائدة السياسية للسلطة، التي نجحت في إقناع شركائها بلعب دور الأرنب في سباقات العدو الريفي. ويقول في هذا الصدد: "لقد نجحت السلطة في أن تخلق طبقة سياسية ليس بين أهدافها إيجاد بديل ديمقراطي، قادر على النهوض بالعملية السياسية، بل من أجل أن تساعدها على تزيين الواجهة، وتكريس الوضع القائم، مقابل وعود بالحصول على القليل من الامتيازات، وإعطاء الانطباع باقتسام ظاهري للسلطة". واستدل المتحدث على قبول أحد رؤساء الأحزاب (دون أن يكشف عن هويته) بأن يلعب دور تزيين الواجهة، وهو الذي كان يهاجم سياسات السلطة وتوجهاتها، ما دفعه للحكم على الممارسة السياسية بأنها مزيفة. ومضى يقول: "المشهد السياسي كله مزيّف وغير حقيقي. الأحزاب الكبرى هي أحزاب سلطة، وتلك التي تحولت لاحقا إلى المعارضة، هي بحاجة لاسترجاع عذريتها المفقودة وإقناع الجزائريين بقبول اعتذارها عن الأخطاء التي وقعت فيها طيلة وجودها في السلطة". وقدّر المتحدث بأن صنّاع الفعل السياسي لم يلقوا الإشارة بعد، بشأن الاستحقاق المقبل، وتوقّع بأن يهبّ الجميع ل"تسخين البندير" في الوقت المناسب، وقال: "عندما يصدر القرار يتجنّد الجميع بالشروع في الحملة للمرشح المعني". وانتقد بوجمعة غشير طبيعة تعاطي بعض المرشحين المفترضين للانتخابات الرئاسية: "هناك طامعين في الترشح للانتخابات الرئاسية، لكنهم ينتظرون الضمانات من جهات معينة، قبل إعلان ترشحهم"، وأشار هنا إلى كل من رئيس الحكومة الأسبق، مولود حمروش، ومرشح رئاسيات 2004، علي بن فليس، اعتقادا منهما بأن دعم السلطة هو السبيل الوحيد للوصول إلى قصر المرادية.