بدا لكثيرين في مصر أن الدبلوماسي المخضرم عمرو موسى وضع نهاية لتاريخ سياسي حافل، بالحلول خامسا في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت في مايو (أيار) من العام الماضي، لكن الرجل الذي تعلقت به آمال المصريين في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك لخلافته لا يزال يملك ما يعطيه لبلاده ويخوض المنافسة من أجل ذلك. وانتخب موسى (76 عاما) أمس لرئاسة لجنة لتعديل دستور مصر المعطل، الذي شارك في كتابته العام الماضي، قبل أن يعلن عندها انسحابه من الجمعية التأسيسية التي وضعته؛ احتجاجا على مواد بالدستور تم تمريرها من دون توافق. وبالنسبة لموسى الذي شكا كثيرا مما اعتبره تعسف رئيس الجمعية التأسيسية السابقة المستشار حسام الغرياني في منح الأعضاء حق التعبير عن الرأي، خلال شهور عضويته فيها، بدا الرجل أمس في أولى الجلسات حريصا على سماع طالبي الكلمات، دون أن يتخلى عن حزمه الرشيق. ومنح 30 عضوا بلجنة تعديل الدستور أصواتهم للدبلوماسي المخضرم، بينما ذهب لمنافسه سامح عاشور نقيب المحاميين 16 صوتا من أصل 48 عضوا شاركوا في أولى جلسات لجنة إعداد الدستور المشكلة من 50 عضوا. عمرو موسى، القاهري ذو الجذور الريفية، ولد عام 1936 ليشهد مع مولده سقوط دستور عام 1930، الذي أشرف على وضعه إسماعيل صدقي باشا، ضد إرادة أكبر الأحزاب الليبرالية في مصر، حزب الوفد، الذي منح قبل أشهر لموسى رئاسته الشرفية مدى الحياة. توفي والده صغيرا فانتقل إلى قرية محلة مرحوم بمحافظة الغربية (شمال القاهرة)، حيث حصل تعليمه الإلزامي بها، وانتقل إلى مدينة طنطا حيث أكمل تعليمه الابتدائي فالثانوي بها. تخرج موسى في كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1957، قبل عام واحد من إعلان دستور الوحدة بين مصر وسوريا، وعمل كمحامٍ تحت التمرين فور تخرجه قبل أن ينتقل إلى السلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية المصرية منذ عام 1958، حيث عمل في سفارة مصر في سويسرا قبل أن ينضم إلى بعثة مصر في الأممالمتحدة بين عامي 1968 و1972. وعين موسى في منصب مستشار وزير الخارجية حتى عام 1977، ثم مندوب مصر المناوب في الأممالمتحدة مطلع الثمانينات، فسفيرها في الهند حتى عام 1986، إلى أن أصبح مندوب مصر الدائم لدى الأممالمتحدة في مطلع التسعينات. غادر موسى نيويورك عام 1991 متجها إلى القاهرة ليصبح وزير خارجية مصر خلال السنوات العشر اللاحقة، وهي السنوات التي تمكن موسى خلالها من ترسيخ مكانته في أذهان المصريين ومثلت له فرصة لتأكيد شخصيته الكاريزمية، التي عبر عنها أحد مشاهير الفن الشعبي في مصر المطرب شعبان عبد الرحيم، في أغنيته الشهيرة «أحب عمرو موسى.. وأكره إسرائيل». في عام 2001 أصبح موسى أمينا عاما لجامعة الدول العربية، وظل في منصبه وحتى 2011 ليخلفه المصري نبيل العربي. ويحسب له قيادة الدور العربي في النزاع العربي الإسرائيلي، بداية من مؤتمر مدريد للسلام وحتى مؤتمر كامب ديفيد عام 2000، حيث نجح موسى في ضبط إيقاع الخطى العربية لتتناغم مع الثوابت العربية الفلسطينية في رؤيتها للملف المعقد. وفي عام 2012 رشح موسى نفسه لرئاسة الجمهورية في أول انتخابات بعد ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام مبارك في 2011. وباعتباره دبلوماسيا مخضرما أجاد موسى توظيف عناصر قوته، وهو ما وضعه ضمن أكثر المرشحين ال13 حظا في دخول جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة، لكن المفاجأة التي أربكت المصريين هي انحصار المنافسة عندها بين محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين، وأحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد مبارك. وأسس موسى حزب المؤتمر الوطني ليكون صوتا جديدا للقوى الليبرالية في البلاد، لكنه تخلى عن رئاسته مؤخرا ليتفرغ لدور جديد أعقب ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013 التي أطاحت بحكم مرسي. ويقود موسى بشكل رسمي منذ يوم أمس أعمال لجنة الخمسين التي ستضع خلال شهرين دستورا جديدا للبلاد.