يَتحول جزء المكان الذي تَقتطعه الكاميرا إلى «حقل» «Champs» ويتحول الجزء المتبقي منه إلى «خارج الحقل» «Hors champ». المخرج غالبا ما يبحث عن إطار أو موقع كاميرا ما، ويؤثث الإطار بشكل يجعل من هذا الجزء من المكان المقتطع أي «الحقل» بكل ما يحتويه من شخصيات وأشياء في ترتيب معين صورة وصوتا، يعبر عن الكل. إن عملية التسجيل السينمائي إذن هي تَعبير بالوحدة عن التنوع تجعل جُزئي المكان، المرئي»الحقل» واللامرئي»خارج الحقل»، يرتبطان بعلاقة دَالة. في مستوى آخر، يمكن اعتبار «الحقل ك» كناية عن الجزء الشاسع اللامرئي «خارج الحقل». يستعيد مكون «خارج الحقل» في علاقته ب»الحقل»، نفس علاقة القراءة بالأدب والمقروء بشكل عام، حيث يقوم ذهن القارئ بتخيل المحكي الأدبي، الذي لا يوجد إلا من خلال كلمات، التي هي مجموعة من الأصوات الدالة، دالة عن غياب ما. يمكن أن يلعب «الحقل» في اللغة السينمائية دور الدال عن «خارج الحقل» المدلول بشكل مؤقت إلى حين أن يتحول هو الآخر إلى «حقل» أي الدال في سياق مشهد، كمتوالية من اللقطات وفي سياق لعبة تقابل وتبادل الأدوار بينها. يوجد «خارج الحقل» في فيلم ما بمستويين، مستوى متعلق بالتقطيع التقني أي جزء المكان الذي يتوارى خلف الكاميرا حيث يعتبر «خارج الحقل « كأحد مكونات اللقطة، والمستوى الثاني المتعلق بالبناء السردي الذي يقيم نوع من الانتقاء داخل الحكاية أو المادة الأولية، ويحدد الجزء الذي سيحتفظ به في السيناريو، وبعد ذلك الفيلم، والجزء الذي سوف لن يظهره فعل السرد كمادة حكائية، على أن يتم تضمينه في الجزء الظاهر كمعلومات متفرقة،أو يبقى فقط كخلفية للكتابة، والذي نعبر عنه مجازيا ب»خارج الحقل» . في حالة فيلم يتبنى كتابة فيلمية لا تعتمد الثنائية النمطية «الحقل» (Champ) وضد الحقل(Contre champ) في تقطيع المشاهد، أي حينما لا يقوم المخرج باختيار القطع لتصوير استمرارية الحركة، أو نظرة، أو حوار بين شخصيتين ب»ضد الحقل»، والتَوقف عند «الحقل» بعد خروج الشخصية منه، فإنه يجعلنا نتأمل آثار هذا الانسحاب، ذلك الحضور الذي تحول فجأة إلى غياب، في نظرات الشخصيات الأخرى التي بَقيت في الإطار أو الأشياء التي تًركت وحيدة تشهد وتدل عن فقدان ما، فيتحول فعل عابر، لا نوليه في الواقع أي اهتمام ، أي أن تقوم شخصية بالابتعاد، وهي تقوم ببعض الخطوات، في سياق هذا الاختيار، فيتحول إلى فعل بدلالة ، وشحنة مجازية قوية . في إحدى مشاهد فيلم «الليالي المتوحشة 1992 Les nuit fauves ، للمخرج الفرنسي الراحل سريل كولار Cyril Collard ، يَعترف جون (سريل كولار) لصديقته لُورا(كورين بورنجر) أَنه أَخفى عليها، طيلة عَلاقتهما، إِصابته بداءِ فقدانِ المناعةِ. تَجهش الأَخيرة بالبكاء، وهي تُعاتبه لأنه لم يخبرها، لا خوفا من المرض والموت، لكن لأنها تُحبه إلى درجةِ أَنها كانت مستعدة أن تتقاسمَ معه كل شيء، حتى مرضه القاتل. في هذا المشهد، الشخصيتان تقفان عند نافدة زجاجية، حيث نرى انعكاس الكاميرا وجزءا من الطاقم التقني للفيلم. جون وهو يتحدث إلى لورا يتحرك، ويخرج من الإطار، ونراه في النافذة يذهب ليقف بجانب الكاميرا ليتأملها وهو يتخلى عن تقمص دور جون و يعود لدوره كمخرج (سيريل كولار هو في نفس الآن مخرج الفيلم المقتبس عن سيرته الذاتية التي تحمل نفس العنوان)، الشيء الذي لم يؤثر على مصداقية المشهد وقوته، ولم يثر تعاطفنا مع الشخصيتين، أو تَماهينا مع هذا الموقف الإنساني بعيدا عن الحبكة الدرامية وإنجازات الشخصيات الخارقة. إن خروج جُون المؤقت، وعودته إلى اللقطةِ يتحول إلى استشراف لرغبته لوضع حد لعلاقته مع لُورَا التي سوف لن تتقبل الأمر بسهولة، رغم حبه لها، استعدادا لرحيله إثر المرض القاتل. عندما يغادر جُون حقل رؤية الكاميرا، فإنه يَتجاوز الحدود التي يرسمها الفيلم للفضاء المتخيل أي «الحقل» ويلتحق ب»خارج الحقل»، الفضاء الواقعي. علاقة «الحقل» و»خارج الحقل» هنا، لا تحددها علاقة كونهما كونا متتالية سردية أو جزءا من الفضاء الفيلمي، ولكن علاقة انعكاس أو تقابل بين التجربة الإنسانية ومقابلها في المحكي السينمائي، بين الدال والمدلول، علاقة مُدمجة داخل نسق الحكي الفيلمي بأسلوب يَمزجُ بين آليات الكتابة السينما الوثائقية والروائية، يقيم فيلم «الليالي المتوحشة» مع المُتلقي تَعاقدا غير معلن، يَنبني على أن ما يُقدم لنا ليس شيئا أخر غير فيلم (ربما بشكل غير واع لأنه جاء نتيجة السرعة في التصوير لأن المخرج كان يعرف أن نهايته قد اقتربت)، وأن عملية التماهي لا تَنبني على الإيهام بالواقعية ولكن على واقعية مباشرة نرصدها دون وسائط، لأن التجربة الإنسانية التي يتقاسمها معنا تتجاوز اللغة المتعارف عليها وتُنتج لُغتها وأسلوبها الخاص. إنه يأتي كاستمرارية طبيعية لأسلوب أفلام المخرج الأمريكي جون كسافيتس Jean Cassavetes وبعد أفلام المدارس السينمائية للنصف الثاني من القرن الماضي، جمالية تَعتمد على السرعة، ونوع من الارتجال، والاستعجالية، لا في أُفق تمرين أسلوبي أو لإِبراز مهارة ما، ولكن كإحدى الطرق المغايرة لاقتناص حالة إنسانية استثنائية، وبعيدا عن التوافقات بين الإبداع والإنتاج، وشباك التذاكر. بالمناسبة عند خروج «الليالي المتوحشة» أجرت إحدى القنوات الفرنسية حورا مع المخرج الفرنسي مارسيل كارنييه خلال برنامج «أضواء باريز» الذي كانت تقدمه الإعلامية الفرنسية لور ادلير Laure Adler، ومارسيل كارني من بين المخرجين الذين هاجمتهم الموجة الجديدة باعتبارهم أكاديميين متجاوزين، فقال الأخير، وكان الحوار بسطح مقهى نرى في خلفيتها «فندق الشمال» عنوان أشهر فيلم لكارني، قال إن فيلم «الليالي المتوحشة» يجسد ،بشكل مطلق، ما كانت تطمح له الموجة الجديدة الفرنسية من سينما جديدة وخصوصا مفهوم «الكاميرا القلم». في حالة الاقتصار في تقطيع مشهد على «الحقل» فقط، دون تقديم إجابة للأسئلة التي يمكن أن يطرحها ذهن المتفرج حول الجزء اللامرئي من المشهد، ورغبته للتعرف عليه، وعدم الإجابة عليه ب»ضد الحقل» كاستمرارية بديهية للجملة السينمائية، بدافع التحقيق أو الواقعية أي أنه تقطيع يحاول أن يستحضر عفوية ظروف تصويرنا لحدث واقعي مباشر، لن يتكرر مرتين، ولا نستطيع رصده باستعمال متتالية «الحقل» و «ضد الحقل»، أي أنه من الطبيعي أنه عندما نريد أن نوهم، بدرجة عالية من الواقعية، نتخلى مؤقتا عن تواضعات اللغة ووصفات الكتابة المتعارف عليها. مثلا تصوير «حقل» لشخص يتحدث إلى آخر يوجد «خارج الحقل» يفترض أن نقوم بالقطع ونمر إلى إظهار ما كان» خارج الحقل». تقطيع المشهد إلى لقطات يحيلنا مباشرة على سينما تعيد تركيب الواقع في أفق واقع متخيل يسلك أسلوبا مختلفا للوصول إلى حقيقته، والأمر هنا لا يتعلق بحكم قيمي حول واقعية أحد الاختيارين ولكن فقط باختلاف أساليب ليس إلا، على أن كل الطرق تؤدي إلى روما . عدم اتباع متتالية «حقل» و»خارج الحقل»، يحيلنا على نوع من المباشرة في اقتناص الواقع، سواء باستعمال لقطة عامة تحتوي كل الفعل، أو الاكتفاء ب»الحقل». في هذه الحالة، تتجاوز مدة اللقطة الزمنية دورها كإطار زمني للأحداث، لتصبح مًكونا لغويا، وعنصرا مهيكلا لبنية الفيلم . في سياق هذا الاختيار، البعيد عن النمطية، ويعي استحالة التزامن والتماثل المطلق، حتى عندما يطل «ضد الحقل»، بشكل متأخر وبوتيرة مختلفة عن لعبة «التينيس»، وعن الاستعمال العادي، فإنه لا يأتي بوظيفة الإجابة المباشرة عن «الحقل» ولكن كمرحلة موالية في تسلسل وتطور الفعل. يقول كودار إننا في حالة بناء فيلمي يعتمد المشهد على متتالية «الحقل» و»ضد الحقل»، يصبح موضوع المشهد هو الانتقال بين اللقطات في ما يشبه لعبة «التنيس»، خصوصا عندما يتم الانتقال من لقطة إلى أخرى بإظهار المتكلم بمنطق برنامج تلفزيوني Talk chow، حيث تصبح اللقطة وسيلة نقل ليس إلا، لا تحيل على أكثر ما تظهر، ويحكمها منطق لغوي، أي لا تقيم مع الواقع علاقة جدلية حيث تتبادل أدوار التأثير والتأثر، وتختصر دورها في التوضيح. يظهر ما يعادل هذا المنطق، في استعمال لقطات القطع (Plan de coup) ، التي تصور بدون أي صرامة أسلوبية، و في بعض الحالات، بدون حضور المخرج نفسه من طرف طاقم موازي للفيلم، وكأن فعل تسجيلها/تصويرها لا علاقة له بالفيلم. تستعمل هذه النوعية من اللقطات، غالبا، لسد فراغ ما، أو كوسيلة ربط، أو لتهوية السرد. علما أنه من المفروض أن كل لقطات في كيان فيلمي يجب أن توجد بنوع من المساواة مع باقي اللقطات من حيث تكوينها ومضمونها، وموقعها داخل الفيلم، والمعنى الذي تؤديه. كل لقطة في الفيلم، هي لحظة، يجب أن تًعاش كما لو أنها كل الفيلم، ولا أن تأخذ اللقطة أهميتها إلا عندما تظهر الممثلين فقط. في فيلم «دائما جميلة»2006 للمخرج البرتغالي الراحل مانويل دي أولفيرا مثلا، اللقطات العامة لباريز التي من المفروض أن تِؤدي فقط دور لقطات الانتقال بين المشاهد، وبين مشاهد الليل والنهار، جعلها الأخير توجد بمدة زمنية أكثر من المتعارف عليه في الأسلوب السائد، وجعلها مصاحبة بالسيمفونية الثامنة لأنتونا دفوراك Antonin Dvorakالشيء الذي يمنحها نوعا من الاستقلالية عن الدور الذي من المفروض أن تلعبه كوسيلة انتقال من لحظة إلى أخرى، وكونها تأتي بوتيرة في لحظات بعينها جعل الفيلم يتحول إلى سرد مواز بين حكاية الفيلم، ولقطات باريز التي تتحول بهذا التركيب إلى مشاهد في حد ذاتها. تبدأ حكاية فيلم « الحي الصيني» «Chinatown» 1974 للمخرج البولاندي رومان بولانسكي، عندما يطلب مجهولون من المفتش الخاص جيتيس (جاك نيكولسون) أن يقوم ببحث حول خيانة زوجية، فلا يتأخر في أن يكتشف أنه ثم الإيقاع به في بحث وهمي خصوصا عندما يتعرض «هوليس» موضوع البحث ، إلى جريمة قتل وهو يحاول الوقوف أمام أكبر عملية فساد عرفتها مدينة لوس انجليس في الثلاثينيات من القرن الماضي. يجد جيتيس نفسه متورطا في فك لغز هذه الجريمة بطلب من زوجة الهالك إفلين «فاي دانوي»، وبدافع شخصي، لأن هذا البحث يعيده إلى ماضيه الذي كان لمدة يحاول أن ينساه، حينما كان يعمل كشرطي في الحي الصيني حيث، وهو يحاول أن ينقذ شخصا، تسبب في قتله الشيء الذي يضطره إلى الاستقالة من البوليس، والعمل لحسابه كمفتش خاص كمحاولة للتخلص من الإحساس بالذنب. الفيلم لا يصور هذه الحكاية التي يشير إليها عنوان الفيلم « الحي الصيني» ، ويتم فقط الإشارة لها فقط، بين الفينة والأخرى، بشكل مقتضب، على النحو الكافي للإيحاء أنها هي دافعه النفسي لأن يرتبط بالبحث، والتحقيق الذي يقوم به، لا كعمل روتيني، ولكن كقضية شخصية، قضية حياة أو موت. يبقى هذا الجزء من الحكاية «خارج الحقل» رغم أهميته. عدم استعمال «الفلاش باك»، والاقتصار على «الحقل» هو الذي يعطي قوة وعمقا لسيناريو هذا الفيلم وجعله يتميز عن أفلام نفس النوع . جزء الحكاية الذي نطلق عليه «خارج الحقل» ليس بالضرورة أحداثا ماضية، بل يمكن أن تكون متزامنة للحكاية. كلما كان جزء الحكاية الذي يتموقع «خارج الحقل»، غير مرئي مهم، وحاسم أو رئيسي، كلما كان الفيلم عميقا وقويا، كلما غابت الحكاية عن الفيلم وظلت خارج حقل رؤية المشاهد كلما لامس العمل الشاعرية. حكاية فيلم ليست في الواقع إلا مبررا فقط للحكاية «خارج الحقل»، كما هو الشأن مثلا في غالبية أفلام ألفريد هتشكوك أي أنه بذريعة فك لغز جريمة ما، يحكي الفيلم ولادة، وتَكون علاقة حب بين شخصيتين، لم تكن ظاهريا متوقعة، أي نوع من إعادة الاعتبار للواقع اليومي للشخصية ولتفاصيلها، ما كان دائما متاحا وبديهيا إلى درجة أن الشخصية لا تنتبه له. من بين أهم أطروحات سينما هتشكوك، أن معرفتنا بالواقع هي معرفة سطحية، وما نراه ليس إلا مظهرا لا يعكس الحقيقة بالضرورة، لذلك ضرورة وقوع فعل صادم وخارج عن المألوف (جريمة قتل، سرقة...)، ليجعل الشخصية تَغير الزاوية التي تنظر بها إلى محيطها وذاتها، وتكتشف، ونحن معها، مثلا أن الحب يبدأ بالتصالح مع الذات، والاعتراف بما حولنا، وقد يكون الحب ممكننا مع شخص لا نعتقد فيه ذلك، لأننا نعرفه ربما أكثر من اللازم. يحكي فيلم» أجواء» 2006للمخرج التركي نوري بلغي سيلان عن قصة تفكك واحتضار علاقة حب عبر ثلاث حركات، ثلاثة فصول ( يغيب فيها فصل الربيع) دون الاضطرار إلى أي تفسير أو العودة إلى الماضي، ولو حتى بإشارات جد مقتضبة في الحوار، ورغم ذلك لا نحس بضرورة معرفة المزيد لأن الفيلم يهيكل بناءه أسلوب مقتصد من ناحية المادة السردية والأسلوب السينمائي وعناصر اللغة المستعملة. وكأننا أمام لوحة فنية تكتفي بما تقدمه من لحظة،لا تتجاوز جزء الثانية، تمثل وضعا ما لتعبير عن حكاية ما سواء كانت أسطورية أم دينية. إننا لا نشاهد إلا الجزء الظاهر من الايسبرغ، على أن الجزء المهم يبقى «خارج حقل». ينتهي فيلم» أجواء» بأن يجعل الشخصية تقف بقسوة عند استحالة ما، رغم عنادها. إن متعة مشاهدة قصة حب لا تتحقق بالضرورة بتقديم النموذج (غير الواقعي في الغالب) أو دغدغة العواطف بنوع من الرومانسية المبتذلة ولكن باقتطاع جزء من حياة الشخوص وجعلنا نتساءل ونفكر في ذواتنا منعكسة في الشخصيات وبالتالي يولد هذا التقابل، زمن العرض السينمائي المعنى في ذهن المتفرج، أي أن المعنى لا يُقدم جاهزا ، ولكن يعاد إنتاجه ويتجدد كل مرة يُشاهد فيها الفيلم لأنه، أي الفيلم، لا يوجد إلا زمن العرض. ربما هذه هي رسالة الفيلم، الرسالة التي توجد خارج حقل رؤية المتفرج أي في المسافة واللحظة التي تقع بين المتفرج والشاشة. «أجواء» فيلم يقدم نفسه كلحظة ضوء هاربة، وحالة عابرة، وفانية، يصعب القبض عليها بلغة نمطية، وتضطر الكتابة بنوع من الصوفية إلى إتباع منهج تطهير اللغة والاكتفاء بالقليل وإجهاد النفس للوصول إليها. فيلم «أجواء» جد مقتصد من ناحية عدد اللقطات، والزوايا التي تنظر من خلالها الكاميرا للأحداث، وهي في أغلبها زوايا عادية، وبكاميرا لا تتحرك إلا عندما تكون مضطرة، وتأخذ كل وقتها، وهذه هي القيمة المهيمنة، في تأمل الشخصيات والمواقف التي تنم عن قسوة، وتوتر هادئ، إلى أن تتحول المدة الزمنية للقطة إلى مكون أساسي للغة الفيلم ومولدة للمعنى، إنها تتيح لنا الغوص داخل الشخصيتين بلغة صامتة بدون كلمات، لغة تخفي أكثر مما تظهر، وببلاغة أخرى تقطع مع بلاغة الأدب، والمسرح . الغائب واللامرئي له سلطة اللغز والمجهول، يحفز الخيال، لأننا لا نستطيع أن ننتج صورة عنه نهائية، الشيء الذي يغري الفكر ويجعله في حركة دائمة. الغائب أي ما يقع خارج حقل رؤيتنا، وما ينفلت من الإدراك وما يجعلنا نعي بتعقد الواقع واستحالة القبض عليه، حيث أننا يجب أن نسلك مسارا يشبه المتاهة، وأن نضيع في الطريق، ولو مؤقتا، حتى نغير نظرتنا للعالم ، للإمساك به ولو جزئيا أو على الأقل، أن نتوهم ذلك.