يتحدث البعض أو الأغلبية عن الصورة السينمائية بلغة تغيب فيها القراءة والتحليل، ويحضر فيها الكثير من الانبهار والدهشة، إلى درجة يبدو أن صانعي هذه الصورة كائنات ميتافزقية. أي أنهم يتحدثون عنها بدون أدنى وعي بلغتها وبصناعتها، وغالبا ما يتم الخلط منهجيا بين الصورة السينمائية التي لها وجود مادي ونِتاج لمجموعة من العمليات الفنية والتقنية، ولعمل جماعي، وبين الصورة الأدبية التي لها وجود ذهني، وذات وظيفة بلاغية مجازية. سينمائيا، نعني بالصورة محتوى الإطار(Le cadre) من مساحات وإضاءة، وظلال، وألوان إلى غير ذلك، وهي العملية التي يكون المسئول عنها مدير التصوير، انطلاقا من تَصور المخرج، وأخذا بعين الاعتبار أولا طبيعة السيناريو ثم الديكور، الملابس، والماكياج. لأن هذه العناصر، كمكونات الصورة، هي التي ستستقبل الإضاءة، وتعكسها لتكون هناك صورة لها طابع خاص، ولون مهيمن وتكوين ما(composition) أي الصورة كهوية بصرية للفيلم وليس فتوغرامات. يبدأ تَصور الصورة السينمائية، الذي يوجد أولا كنص تقديم المخرج للمشروع، أو ما يصطلح عليه بسيرة النوايا، منذ كتابة السيناريو والأجواء العامة التي يوحي بها، حيث يتبلور من خلال بنية الحكاية، والخلفية التاريخية للأحداث، ومسارات الشخصيات ومن الأسلوب الشخصي للمخرج السابق عن وجود مشروع الفيلم...إلخ في المرحلة الثانية يتم البحث عن مرجعيات لهذه الصورة في أفلام أخرى سابقة، وأعمال فوتوغرافية أو تشكيلية إلى غير ذلك مما يقربنا من نسيج ما لصورة ((texture، ومن تخيل سياق بصري كحل لمعادلة متطلبات السيناريو، والتصور الإخراجي، والواقع أي المكان كمعطى جغرافي أو معماري. إنها مرحلة وضع تصور عام، لا يدخل بعد في التفاصيل التقنية. في حالة تصوير فيلم تدور أحداثه في حقب مختلفة مثلا، قد يكون تصور الصورة مبنيا على إعطاء كل حقبة نسيجا مختلفا، أي أن تكون حقبة مصورة بالأبيض والأسود، وأخرى بالألوان مثلا، أو أن يكون هناك تدرج من الألوان الساخنة إلى الباردة أو العكس والانتقال من حقبة إلى أخرى بتغيير درجة التباين بين الظل والضوء (contraste )...يقوم مدير التصوير بترجمة هذا التَصور أولا باختيار نوع الحامل (الفيلم الخام)، والكاميرا والإضاءة المستعملة بالتنسيق مع المكلف بالديكور والملابس لتحديد تشكيلة الألوان التي ستستعمل في الفيلم، واختيار درجة أو درجات هذا التباين،. إن هذه المرحلة، والتي تصادف مرحلة التحضير للتصوير تكون حاسمة في المسار الذي سيعرفه الفيلم، وطريقة الاشتغال عليه، لتلي بعد ذلك مرحلة التصوير التي هي التعبير الإجرائي التقني وتنفيذ مجموع الاختيارات الجمالية التي تم الاتفاق عليها، وصولا عند مرحلة تصحيح الألوان، كآخر مرحلة لتحديد الشكل النهائي للفيلم . الصورة تٌقيم من وجهة نظر الاختيار الفني، ومدى انسجامه مع باقي العناصر المكونة لأجواء الفيلم، وليس من وجهة نظر «صورة جميلة» أم لا، لأن الصورة الجميلة لا تَضمن فيلما جميلا، وإلا لكانت الأفلام الإشهارية تحف فنية بدون منازع. إن ما يميز الصورة السينمائية هي أنها سردية أي أنها تحكي، ومساهمة في خلق المعنى أو معاني، وفي النهاية تعبير عن موقف من العالم وليست بحثا عن جمالية لذاتها. يتيح لنا تاريخ السينما، على مدى أكثر من قرن من الإنتاج السينمائي، إمكانيات عديدة لطرق الاشتغال على الصورة، والإبداع يتموقع بين هذه الإمكانيات، والاختيار المناسب، وليس الأجمل. إن مديري التصوير عموما يفضلون الإشتغال على أعمال بمشاريع فنية وبرؤية وحتى وإن تعلق الأمر باشتغال بدون إضاءة إضافية، وبدون أي تجميل أو تأويل للواقع وباستعمال أقل الوسائل التقنية، لخلق شروط عمل يطبعها التقشف والاقتصاد، تدفع للبحث أكثر عن حلول فنية قد تكون عَامِلا في اكتشاف إمكانيات جديدة. وترتبط نجومية أو تميز مدير التصوير بقدرته على تَمثل أسلوب شخصي لمخرج ما، وقدرته على الدخول في عالمه الخاص، والتواطؤ في خيارات جمالية صارمة. تُنجز الصورة من طرف أشخاص حقيقيين، وهي نتاج عمل إنساني يحتمل القراءة والتقييم، بعيدا عن الانبهار، والدهشة، ولغة تفضيل مبالغ فيها، وبعيدا عن ثنائية الجميل والقبيح. للصورة السينمائية لغة، ومحددات تأتي من كونها منتوج صناعي قبل أن تكون عملا فنيا، من المفروض الإطلاع عليها حتى يكون تقييم الفيلم غير مجحف في قيمة العمل الإنساني - حتى في حالة المدح والثناء - لأن الاعتراف الحقيقي ينطلق من المعرفة والمعاينة. إن الأشياء لا توجد بالصدفة، والعطاء البشري فيه القليل جدا من الإلهام والميتافزيقا، والكثير من الجهد والعمل، والتقييم الصحيح يجب أن يبدأ من هنا،على أن يأتي التأويل في المرحلة التالية للقراءة، وليس في البداية حتى تتجاوز القراءة الأحكام المسبقة. .... تَتبنى الرؤية الإخراجية السيناريو، تَمتلكه وتُعيد صياغته بشكل يجعله وكأنه لم يوجد إلا في صيغة فيلم وكأن حكايته ليست سابقة الوجود عنه، وتُعبرعن نفسها إجرائيا بالتقطيع التقني الذي هو تحويل المشهد إلى لقطات. تخضع متتالية اللقطات، وتسلسلها داخل المشهد ثم في الفيلم لفكرة سردية تتطور في خط تصاعدي أو تنازلي أو أفقي وليس تنويعا باللغة السينمائية لنفس الحكاية بمنطق التوضيح، والتفسير، أو محاكاة ميمية لنص السيناريو ليس إلا. يتكون المشهد غالبا من مجموعة من اللقطات، أي مجموع من زوايا النظر ومن مسافات بين الكاميرا والموضوع المُصور(سلم اللقطات)، كتعبير عن العلاقة التي تقيمها الكاميرا مع الشخصيات، ومع الشخصيات فيما بينها وعلاقتهما بالمكان. العلاقة التي يحكمها، إما موقف ما أو ما يٌوهم بالحياد لصالح زاوية نظر إحدى الشخصيات. يتبلور التقطيع الفني أولا من خلال وجود بنية دالة تنظم عملية انتقاء عناصر اللغة السينمائية التي ستستعمل لكتابة العمل: سلم اللقطات، حركة الكاميرا أو عدمها، عمق المجال، زاوية النظر، داخل، خارج المجال، الشريط الصوتي... بنية تجعل تقطيع المشهد إلى لقطات، عملية دالة و ليس وظيفة نقل نص السيناريو إلى الشاشة فقط. تتحدد الرؤية الإخراجية من خلال معادلة بين مرحلتين: مرحلة التصوير ومرحلة المونطاج. فإما أن المخرج ينوع مواقع الكاميرا خلال التصوير بتصور قبلي واضح للفيلم، وهو يعرف جيدا بماذا سيحتفظ وما سيتخلى عنه، والكيفية التي ينتقل بها من لقطة إلى أخرى وعيا منه أنه يمكن أن تكون بعض التغيرات في مرحلة المونطاج، وإما أن يقوم المخرج خلال التصوير بأخذ أقصى ما يمكن من اللقطات .على أن الكتابة الحقيقية تبدأ في مرحلة المونتاج حيث يتم البحث عن بنية مهيكلة للفيلم، وصياغة حكايته مع وجود إمكانية تغيير وجهة نظر السرد تتيحها وفرة المواد المصورة وعفويتها، قد تمكن هذه الخطة الإخراجية المونتاج بصياغة نسخ عديدة لنفس الفيلم، لا تؤدي نفس المعنى ولا تتطور بنفس الإيقاع . وقد تتحدد الرؤية الإخراجية أيضا انطلاقا من معادلة أخرى: فإما أن تكون الكاميرا والمونتاج في خدمة الممثلين والحكاية. تتميز الكتابة في هذه الحالة بتقطيع بسيط ووظيفي يسمح للتشخيص أن يبرز أكثر، تقطيع يستعمل في غالب الأحيان الحقل (champs )ضد الحقل (contre-champs) ولقطات عامة رئيسية كحالة أفلام الكوميديا مثلا، أو أن يكون لتقطيع التقني دور مهيمن في العملية الإبداعية وينتقل التشخيص إلى المرتبة الثانية حيت يختار المخرج أسلوب إدارة الممثل تدفع التشخيص أن يكون مقتصدا وبأسلوب محايد ونوعا ما ميكانيكي على أن تتولد الانفعالات والأحاسيس من التقطيع والمونتاج. في كل الحالات تأخذ اللقطة معناها ودورها بشكل قبلي أو بعدي لكنها يجب ألا تأتي من تلقاء ذاتها وقف تدابير عمل تجعل العمل يتم بشكل أوتوماتيكي، ويجعل لكل موقف درامي أسلوب معين لتسلسل اللقطات دون أن نكون مرغمين على القيام بأي اختيار جمالي . تتميز السينما عن السمعي البصري بكون الكاميرا لا ترصد الأشياء بهدوء آلي وكأنها مستقلة عنها أو كونها ليست إلا وسيطا. إنها تتبنى ما تصوره من مواقف حتى الغير الظاهر منها (hors-champs)وتقدمه على أنه لا يمكن أن يوجد خارج عملية التسجيل، وخارج إطارها، وكأن الحياة كما نراها على الشاشة ليست جزءا مقتطعا ولكنها الحياة ببساطة في صيغة أخرى، أي الكاميرا كأداة حكي وليست وسيلة ترجمة تقنية لحكي درامي أو لسرد روائي. إننا في أي فيلم، نُغير مواقع الكاميرا لتصوير مشهد معين دون أن ينتبه الجمهور لذلك وفق لقاعدة 180 درجة التي يَضمن تطبيقها احترام اتجاهات المكان وتقطيعه. ولكي أقرب القارئ من هذه القاعدة يمكن أن أعطي مثال تصوير مقابلة كرة القدم، حيث كل الكاميرات توضع في جهة واحدة من الملعب للحفاظ على الاتجاه الذي يلعب فيه كل فريق. الكاميرات لا يحق لها أن تقفز على الخط الذي يرسمه الفريقين أي زاوية 180 درجة وعندما تأخذ لقطة من الجهة المقابلة يتم الإشارة إلى ذلك كتنبيه على الشاشة. إننا هنا نتحدث عن السينما التي تقدم الأحداث على أنها واقعية، السينما التي يسميها الناقد الفرنسي اندريه بازان بالسينما الشفافة، أي كتابة وفق مجموع القواعد التي تم العمل بها إلى حدود نهاية النصف الأول من القرن العشرين، أي إلى حدود ظهور الموجة الجديدة في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي. مثلا لتصوير مشهد لشخصين يتحدثان ، الشخصان اللذان يرسم تواجدهما داخل مكان ما نقطتين زاوية 180 درجة أي خط مستقيم، نبدأ بتصوير الزاوية الأولى وعندما ننتقل لتصوير الزاوية الثانية دائما لنفس الموقف، نحرك الشخصيات والشخصيات معا ،قليلا، غالبا لهدف الحصول على تكوين معين الإطار. المتفرج لا ينتبه لهذا التحوير، الذي يطال علاقة الشخصيات بالمكان لأن تغيير موقع الشخصيات بين زاويتين أو اللقطتين يتم، باحترام قاعدة 180 درجة التي تحافظ على اتجاه النظرات، والمسافة بين الشخصيتين. انطلاقا من هذا المبدأ تقوم السينما من خلال التقطيع التقني باعتبار المكان مادة خام يمكن تشكيلها، وإعادة صياغتها لغرض درامي أو سردي، نمططه ، نضيقه، نخلق المسافات أو نمحيها، ليتحول المكان من معطى فيزيائي إلى مكان متخيل أو إلى مجاز في مستويات متقدمة. في غياب التقطيع التقني واعتماد كتابة الفيلم على اللقطة الواحدة plan-séquence مثلا فيلم «المبنى الروسي» لألكسندر سكوروف 2002 يمكننا أن نتحدث عن تقطيع داخلي يعيد صياغة المكان، ويحوله إلى فضاء متخيل داخل وحدة المكان والزمان. اللقطة تقسم المكان إلى الحقل CHAMPS وخارج الحقل HORS CHAMPS والاقتصار على اللقطة الواحدة يعطي لهذا المكون أي جزء المكان اللامرئي / خارج حقل الرؤية مساحة أكثر لدلالة عن جزء المكان المرئي. عمليا في حالة اللقطة المشهد نختار مكان/ديكور يسمح بحركية كبيرة للممثلين والكاميرا (ثابتة أو متحركة) ويسمح بإمكانية خلق لعبة الظهور، والتخفي، وللكاميرا أن تنتقل من الداخل إلى الخارج، من مكان إلى أخر.وفي تقاليد سينما الأستوديو يتم تصميم الديكور وفقا لمتطلبات الميزونسين أي أننا أمام سينما تنطلق من مكان متخيل بشكل مطلق كما كان الشأن في التعبيرية الألمانية . الكاميرا من المفروض أن تنتقل من زاوية إلى أخرى بمنطقها الداخلي، وأن تبلور شبكة من العلاقات والتقاطعات بين مساحات زمنية (مدة اللقطات) ومسافات (سلم اللقطات) لتخلق في النهاية لنفسها بنية خاصة تتموقع بين المرئي واللامرئي، بين الظاهر والغائب، بين المسافة أو غيابها، وبين علاقات المسموع بالمرئي. يشبه التقطيع التقني إلى حد بعيد التقطيع الموسيقي. فوحداته أي اللقطات التي هي مسافات زمكانية تتوالى في مستوى معين باستقلالية نسبية عن الدراما والسرد، وبمنطق زمني موسيقي : تتحدد المدة الزمنية للقطة انطلاقا من وظيفتها الدرامية، وأخذ بعين الاعتبار زمن قراءة عناصر اللقطة، وتتحدد هذه المدة بشكل قبلي كاختيار فني عام للمخرج سابق عن الفيلم في حد ذاته . إن مجموع المسافات التي تقيمها الكاميرا مع ما تصوره من أمكنة وشخوص هي صياغة ذهنية للعالم بلغة مغايرة، لغة السينما، وإن كانت النتيجة صوتا وصورا تبدو مباشرة بالمقارنة مع اللغة المكتوبة. رغم أن فعل السينما يتطلب كتابة وتحضيرا طويلا، إلا أنها عملية إبداعية توجد في جزء كبير منها في اللحظة، لحظة فعل التصوير.كون أن الكتابة تأخذ فترة طويلة لا يجب أن يحول السينما إلى وسيط فقط، ولكن لإنتاج تصور للفيلم أي رؤية إخراجية التي يَضمن وجودها وحدة العناصر والانسجام فيما بينها. وجود بنية مهيكلة يُمكن من جعل مساحة الاختيار والانتقاء ممكنة وضيقة واستعمال عناصر بعينها وليس أخرى، كما أشرنا إلى ذلك سابقا. إن الرؤية الإخراجية لا توجد كمجموعة من الأفكار المسبقة عن العمل في نسخته النهائية كمضمون وكشكل فني فقط ولكنها ترسم ملامح شبكة من العلاقات بين العناصر، تنطلق مما هو مادي فيزيائي (المكان، الممثلين والأشياء) و من توقع لحظة حاضر التسجيل إلى تخيل مجموع المسافات (سلم اللقطات) التي ستقيمها الكاميرا والزوايا التي ستحتلها خلال الفيلم، الشيء الذي يخلق للعمل معجمه اللغوي الخاص. يتبع التقطيع السينمائي نفس منطق الحكي الروائي بلغة أخرى، لأنه هو الآخر يحدد منذ البداية زاوية نظر الحكي داخل مشهد ما، فإما أن ترصد الكاميرا الأحداث من زاوية نظر إحدى الشخصيات أو من زاوية سارد خفي يرصد الأحداث من على مسافة أو من الداخل. مثلا قد ننتقل من لقطة مقربة إلى لقطة عامة لأننا نتوقع فعلا لا يمكن أن تستوعبه لقطة مقربة، دخول شخصية ما مثلا، أي حكي من وجهة نظر سارد عارف بكل شيء ويستبق الأحداث. تتحدد المسافة التي تُقيمها الكاميرا مع الواقع انطلاقا من تصور فلسفي للعالم والتاريخ الذي يحدد بشكل عام سلوكها و يمكنها نوعا من الاستقلالية عن باقي الأشكال التعبيرية التي تتقاطع معها كالمسرح والرواية. يصبح الفيلم سينمائيا كوجود وليس كوسيط أو تنويع لأشكال تعبيرية أخرى عندما يقوم التقطيع التقني باستعمال جزء المكان الذي سيبقى خارج مجال الرؤيا أي موجود وغير مرئي (hors- champ)، خارج الحقل كأحد عناصر اللغة السينمائية بامتياز، لأنه ببساطة لا نجد له مقابلا في الأشكال التعبيرية الأخرى. كلما اتسعت مساحة «خارج الحقل ‘' كلما أصبحت اللقطة سينمائية تحتمل قراءات متعددة وتجعل المتفرج يُشغل خياله أكثر. إن التقطيع التقني في نظري يجب أن يعطينا فرصة التأمل، كلما أظهر لنا القليل يصبح هذا التأمل مشوقا أكثر ومنتجا للمعنى الذي يضمن حياة طويلة للعمل في ذاكرة جمهوره. إن التقطيع التقني الذي يقتصر على إيصال الحدث فقط ولا يأخذ بعين الاعتبار تدبير الحقل وخارج الحقل صورة وصوتا ينفي ذاته ويختصر اللغة السينمائية في وظيفة وحيدة : الكاميرا كوسيط أو وسيلة نقل تلفزي. إن وجود بنية داخلية للتقطيع التقني أو بمعنى أدق للكتابة السينمائية مستقلة عن الدراما والسرد الأدبي، يجعل المتعة متجددة وعميقة، ولا تقتصر فقط على الحكاية وانجازات الشخصيات وبطولاتها ومواقف إيديولوجية آنية. الكاميرا التي تميل نحو الرغبة اليائسة في إظهار كل شيء هي كاميرا بدون شخصية وتتخلى عن دورها كسارد ولا تحكمها أي بنية، السينما التي تظهر كل شيء ولا تحيل إلى خارج الحقل تحقق متعة آنية لا تتخطى عتبة قاعة العرض. إنها تتوخى الإبهار وخلق الدهشة. إننا ونحن نشاهد فيلما من هذا النوع تكون أحاسيسنا مبرمجة بشكل آلي، يأخذنا الفيلم ولكنه لا ينطبع في الذاكرة والوجدان.