جمالية صورة الفضاء البدوي في السينما التونسية من خلال فيلم "ظل الارض" للطيب الوحيشي لقد حضت السينما التونسية باهتمام العديد من النقاد فاختلفت الآراء وتضاربت وتجادلت حول هويتها وأصلها وجذورها ليتواصل الاهتمام حتى بنوعية فضاءاتها، فشاعت لدى الرأي العام فكرة أن السينما التونسية هي سينما فضاء "المدينة العتيقة" و"الحمام" و"الزاوية" و"الدار العربي" فنعتوها بضيق وفقر الفضاء الذي بقي منغلقا في إطار مدينة تونس وشوارعها وأنهجها . واعتمدوا عدة امثلة لتبرير آراءهم ويمكن أن نذكر فيلم لكن المتأمل في السينما التونسية يلاحظ أنها قامت على أكثر من فضاء ،فلامست تقريبا جل مناطق البلاد التونسية بمدنها و أريافها و من بينها الفضاء البدوي مع فيلم "ظل الارض" للمخرج التونسي الطيب الوحيشي. وفي نفس السياق يفاجئنا "الطيب الوحيشي" بفيلمه الروائي الطويل "ظل الأرض" مجسدا من خلاله صورة الجنوب التونسي والمجتمع البدوي كصورة فلكلورية وثائقية ،حيث نحت لنا من خلاله قساوة هذا الإطار الطبيعي الذي تتميز به جهة الجنوب، وقد ارتبط فضاء هذا الفيلم بالانتماء الجهوي للمخرج، كيف لا وهو أصيل مدينة "مارث"، وقد صور من خلال هذا الفضاء لوحات فنية سينمائية صور من خلالها جمالية وشاعرية صورة الجنوب في كامل مظاهرها. جاء أنشودة صوفية لما في الصحراء من بهاء وهناء بطاقة فنية للفيلم إنتاج مشترك: الشركة التونسية للتنمية والإنتاج وشركة تانيت تونس- أفلام موليار باريس الإخراج :الطيب الوحيشي سيناريو و حوار: الطيب الوحيشي مدير التصوير: رامون سواريز المصور: احمد الرعاف التركيب :مفيدة التلاتلي الموسيقى :ايجيستوماكي:90 دقيقة بالألوان مخابر:ج.ت.س باريس توظيب عام:رضا بكار مساعدة:التوهامي الكشباطي و بفرنسا سبيرج مينار ألان قراند جيرار تركيب : قاسم بن زكري ملتقط الصوت:رياض ثابت الخاصية السينوغرافية الجمالية للفضاء البدوي • شكل التأطير قام بناء الإطار في الفيلم على نوعين، إطار ارتبط بالشّخصيّات و حركاتها و حواراتها. و إطار ارتبط بالفضاء و بناءه التّشكيلي و قد ضم الفضاء عدّة أشكال من التّأطير ليضفي عمقا لحقل الرّؤية و امتدادا للأفق. فالمخرج إهتمّ بتأطير الفضاء أكثر من الاهتمام بتأطير الشّخصيّات و حركاتها، كما ارتبطت بنية الإطار خلال الفيلم بحجم اللّقطات فكلّما كانت اللّقطة مكبّرة كلّما كان الإطار مقيّدا و كلّما كانت مفتوحة فإنّها تميل إلى التّعبير عن الامتداد و هي خاصيّة اللّقطة الّتي تميّز بها بناء الفيلم ممّا أعطى أهميّة كبرى لشكل الفضاء ورحابته، فكانت مكمّلا لبناء الشكل و لذلك فقد قسم إلى تاطير خاص بالفضاء و تاطير خاص بالشخصيات. تأطير خاص بالفضاء لقد اهتم المخرج ببنية الفضاء و تأطيره فاعتمد في جلّ اللّقطات على التّقسيم الأفقي للإطار، فتارة يقوم على مستويين ( فيشمل الأرض و الجبال ) و تارة أخرى على ثلاثة مستويات ( الأرض و الجبال و السّماء ) و قد يكون في بعض اللّقطات متساويا أو يكون ثلاثي التّقسيم : 3/2 من الإطار يضمّ الجانب السّفلي و 3/1 من الجانب العلوي و يستعمل هذا النّوع من التّقسيم خاصّة لتوزيع الفضاء الطّبيعي و يقوم شكل الكادر خلال هذا التّأطير على الثّبات و يتجلّى ذلك من خلال اللّقطة الّتي صوّر لنا من خلالها منظرا للقمر أثناء اللّيل . و كذلك عند تصويره للقطة تمركزت في وسطها خيمة قامت على التّباين في الإضاءة. فقد اتسم شكل الإطار خلال هذه اللقطتين بالثّبات. أما اللّقطة نصف الشّموليّة فقد أعطت حركيّة و ديناميكيّة على شكل الإطار و ساهمت في خلق حركية وتجلى ذلك من خلال تتبع حركة صالح و هو خارج إلى المرعى و عند عودته إلى البيوت فقد بعث حركية على الكادر. فاعتمد المخرج خلال هاتين اللّقطتين على حركة التّرافيلينغ الخلفيّة الّتي كانت الشّخصيّة من خلالها تبتعد عن الكاميرا و أعتمد حركة التّرافيلينغ الأماميّة و هو عائد إلى البيوت، فقد تغيّر شكل الكادر من لقطة نصف شموليّة إلى لقطة متوسّطة مما أضفى حركية على الكادر. إلى جانب حركة الشّخصيّات فإنّ لحركة الكاميرا دورا بارزا في تغيير شكل الإطار . و قد تواصل ذلك أيضا حتّى في فضاء المدينة فقد اعتمد المخرج على الحركة البانوراميّة بمختلف اتجاهاتها الأفقيّة و العموديّة التي أطّر لنا من خلالها المنظر الخارجي لفضاء الميناء بكامل تفاصيله . كما كانت حركة الكاميرا تتابع حركة الحافلة، فيصبح شكل الكادر متماشيا مع حركة الكاميرا. • تأطير خاص بالشخصيات ارتبط شكل التّأطير بالشّخصيّات خاصّة في الفضاء الدّاخلي فقد شمل لقطة مقرّبة لأنّها قامت على الحوار، فكان الشّيخ و رجال القبيلة يتحاورون حول المصيبة الّتي حلّت بهم و الوباء الّذي أفنى قطيع الأغنام و قد تجلّى ذلك أيضا من خلال لقطتين بين صالح و زوجته، و خلال ذلك لم يركّز المخرج على مكوّنات الفضاء بل على ركّز على الشّخصيّات. ومن خلال هذه اللّقطات بدا شكل الإطار ثنائي الأبعاد يغيب فيه عمق المجال و الامتداد . بعد تحليلنا و وصفنا لبعض أشكال التّأطير في الفيلم نتبيّن أنّ المخرج قد نوّع في شكله فتارة كان ثابتا و تارة أخرى متحرّكا، كما شمل نوعين من التأطير وهما تأطير خاص بالشخصيات و تأطير خاص بالفضاء. تمثّل انبعاث الحركة على شكل الإطار من خلال حركة الشّخصيّات داخله وكذلك من خلال حركة الكاميرا وذلك كان مرتبط ببنية الفضاء. الاضاءة كما كان لعنصر الاضاءة حضور بارزفي فيلم "ظلّ الأرض" . فقد لعبت الإضاءة من خلاله دورا هاماّ من ناحية البنية الفضائيّة و إضفاء البعد الجمالي عليه و كشف مكوّناته الّتي سيكون لها الدّور الإيجابي في الكشف عن دلالاته ورموزه، و قد كان للإضاءة دورا أهمّ من ذلك وهو الكشف عن الزمن و توحيده مع الفضاء، إذ أنّ جلّ اللّقطات الّتي قامت على الإضاءة وقع حدوثها أثناء اللّيل ومن خلال ذلك نتبيّن أنّ الفيلم قام على مراوحة بين زمنين مختلفين (اللّيل والنّهار). كشفت الإضاءة خلال هذا الفيلم عن مكوّنات الفضاء و يتجلّى ذلك من خلال اللّقطات الّتي كانت تصوّر لنا موكب العرس، فاتضحت لنا من خلالها حركة النّسوة و عناصر الدّيكور الّذي تمثلت في الأواني التي يستعملونها لطهي الطّعام كما كانت الإضاءة مركّزة على حركة الشّخصيّات و هي ترقص و النّسوة تزغرد وقد قامت الإضاءة على التّباين خلال هذا المشهد. إلى جانب الكشف عن المكوّنات الخارجيّة فقد كشفت لنا الإضاءة عن المكوّنات الدّاخليّة للخيمة، فكانت ساطعة شملت كامل فضاء الخيمة و ذلك عند ولادة زوجة صالح و تجلى ذلك في الصورة وقد ساهمت في الكشف عن مكوّنات الفضاء وكان لها دور بارز في مساعدة المصوّر في التّوغّل في المكان و توضيح أبعاده و مكوّناته، كما كشفت لنا على حركة الشّخصيّات الّتي جعلها المخرج في المستوى الأوّل من الكادر و جعل الإضاءة مسلّطة عليها متناسيا الفضاء الخلفي الّذي كان مظلما ممّا خلق تباينا على مستوى بنية الإطار و قد كان مصدر الإضاءة أماميّا، إضافة إلى ذلك فقد كشفت لنا عن الجانب النّفسي للشّخصيّات ويتجلّى ذلك من خلال اللّقطة المقرّبة الّتي صوّر لنا من خلالها المخرج ملامح شخصيّة الفتاة و هي تنتظر ولادة زوجة صالح .فبدت على وجهها علامات الخوف الشّديد و قد جعل المخرج الإضاءة أماميّة لتركّز على الوجه وكان مصدرها طبيعيّا يتمثّل في عنصر النّار، كما ركّز كذلك المخرج على ملامح الشّخصيّات عندما كان يقصّ عليهم الشّيخ قصّة بني هلال، فكانت المجموعة خلال ذلك تنصت له بكلّ انتباه و إصغاء ،و سلّطت الإضاءة على ملامح الشّخصيّات وغيب فيها المخرج شكل الفضاء خلال هذا المشهد ممّا جعل الشّخصيّات هي المهيمنة على بنية الكادر. و في هذا الإطار يقول طاهر عبد مسلم: " إنّ توظيف الإضاءة يدعم المكان و يعمّق الإحساس بأنواعه وعناصره وكذلك يظهر البعد النفسي للشّخصيّة" . ساهمت الإضاءة في خلق التباين الّذي يعمل على ضرورات بناء المكان الفنّي ليجعل منه فضاء فنيّا تشكيليّا قائم على التّباين بين المظلم و المضيء .ممّا أضفى مسحة جمالية على بنية الإطار في جلّ اللّقطات ،فبدا و كأنّه لوحة تشكيليّة جامعة بين النور والظّلمة و درجاتها المتفاوتة في القرب و البعد و قد ساهم هذا التّباين في الإضاءة في بعث عمق الفضاء، فكان كل عنصر أو حركة للإضاءة في موقعه، و انحصرت في الفضاء الخارجي أكثر من الدّاخلي الّذي كانت إضاءته عاديّة تغمر كافّة فضاء الخيمة . لم تنحصر مصدر الإضاءة في الفوانيس فحسب، و إنما نجد الإضاءة الطّبيعيّة المتمثّلة في ضوء القمر و عنصر النار الذي ساهم في بعث الجماليّة على تركيبة الفضاء، فكان وجودها مكثّفا في لقطات الفيلم و قد تنوّعت وظائفها من الإضاءة إلى اعتمادها كوسيلة للطّبخ . نستنتج من خلال تحليلنا لعنصر الإضاءة أنّ المخرج كان مدققا في توظيفها لخدمة المشهد. فكانت لها وظيفة بنيويّة جماليّة و أخرى تعبيريّة، فقد كانت نابعة من الفضاء ومدعّمة له و لوظائفه و هي في نفس الوقت داخليّة و خارجيّة. قامت على التّباين بين المظلم و المضيء، فكشفت لنا عن الأحجام و رسم الخطوط و الأشكال و الألوان. عمق الصورة يعدّ العمق عنصرا من عناصر بناء و تشكيل الفضاء الفيلمي الّذي يتمّ بناءه من خلال عدّة معطيات، فهو يتيح ترتيب مكوّنات المكان وفق أبعاد متعدّدة ابتداءا من أقرب نقطة من العدسة حتّى أبعد نقطة منها و يقول طاهر عبد مسلم : "يعد العمق من الوسائل الّتي توظّف للبناء التّركيبي للمكان حيث توضّح اعتبارات التّوزيع و تقسيم المسافات و احتلال الّجسم لمساحة جغرافيّة تربطه بما يليه أو يسبقه بعلاقة إنشائيّة " . ممّا يقود إلى تفاصيل الرّؤية القائمة على تباين موضوعي بين الأشياء و ذلك من خلال تدرّج المنظور و تباين بين الأجسام في إنتظامها أمام عدسة آلة التّصوير . وضمن هذا الإطار يضع "آندري بازان" الثّلاثيّة الآتية في إطار فهم العمق : "إنّ عمق المجال الذي يضع المتفرّج في علاقة مع الصّورة أقرب إلى الواقع." "إنّ عمق المجال يفترض من ثمّة موقفا ذهنيّا أكثر نشاطا بل يفترض مساهمة إيجابيّة يقوم بها المتفرّج تجاه الإخراج و أن يصبّ انتباهه في انتباه المخرج الّذي يختار من أجله ما يجب مشاهدته فإنّه هنا يطلب منه أقلّ قدر من الاختبار الشّخصي على انتباهه و على إرادته يتوقّف إلى حدّ ما على كون الصّورة لها معنى ." "العمق يدخل الغموض في بناء الصّورة إن لم يكن ضرورة ففي الأقلّ احتمالا جائز الحدوث ". أما "الطيّب الوحيشي" فقد انصب اهتمامه على عمق المجال في جلّ اللّقطات الشّموليّة و قد كان ممتدّا في الفضاء الخارجي، فقد قام على امتداد خطّ الأفق و كان ظهور العمق مرتبطا بشكل الكادر . اتّضح عمق المجال بصفة جليّة خلال المشهد الّذي كان يتابع فيه حركة الحافلة، وقد كان الهدف من اعتماد عمق المجال هو الكشف عن مكوّنات هذا الفضاء الصّحراوي ممّا منحه أبعادا جماليّة ودلالية. فيقول "يوري لوتمان": "فلا يفهم العمق على أنّه غاية بحدّ ذاتها لإتّساع حاجة ما لدى المخرج من خلال معالجته للحدث أو إظهار براعته في بناء المكان و تعميقه و إنّما بإعتباره أداة لتدعيم الحدث و خلق توازنات نفسيّة و جماليّة متتابعة في المكان " . لقد مكّننا العمق من التّوغّل أكثر خلال هذا الفيلم في المكان و كشف كبير للتّفاصيل المرئيّة الّتي تحويه من مقدّمة الشّاشة حتّى عمقها و يربط صلته بحركة الشّخصيّات اللّون حفل تاريخ السّينما بالعديد من التّجارب في مجال الفيلم الملوّن، و قد بدأت المحاولات مع الفيلم الملوّن مع أفلام "ميليس" في بداية القرن العشرين، فقد تمّ تلوين بعض الأفلام بصبغات و بشكل يدوي . لكن في الثّلاثينات تمّ تطوير الألوان بشكل نسبي و لم تستفد منه سوى الأفلام الموسيقيّة و أفلام "الويسترن" و الأفلام التاريخيّة. يعد اللّون ّ من أهمّ مقوّمات و خصائص الفن التّشكيلي و يعتمد هذه اللّغة بصفة مكثّفة وخاصّة في ميدان الرّسم لكن هذا لا يمنع أنّنا نجده في البناء السّينمائي و المسرحي ممّا يضفي على المشهد مسحة تشكيليّة ذات بعد جمالي يتناسق مع مكوّنات الإطار و المشهد و قد أصبح المخرجون يوظّفونه لخلق التّباين ممّا يعمّق الإحساس بمكوّنات الفضاء و كذلك الكشف عن دلالاته. فقد اهتم الطيب الوحيشي إهتماما كبيرا باللّون لتشكيل لقطاته الّتي كانت البعض منها بمثابة اللّوحة الزّيتيّة قامت على الانسجام و الهرمونية و التّباين و انعدمت فيها الحركة وجعل شكل الإطار ثابتا و قد تجلّى ذلك من خلال عدّة لقطات ، فقد جمع الفيلم بين نوعين من الألوان. ألوان لم يكن للمخرج أيّ دخل في تنسيقها وهي ألوان الطبيعة(لون السماء والارض والجبال) و ألوان أخرى كان هو من اختارها و نسّقها حسب متطلّبات الموضوع المتمثّلة في ألوان الملابس و الدّيكور، فهناك لقطات لم يكن للمخرج أيّ دخل في اختيار الألوان بل أنّ دوره تمثّل في طريقة التأطير الّتي جعلت منها لوحة تشكيليّة . مثل لّقطة تصويره الغروب، فالمخرج كان متيقظا في اختيار الأزمنة المناسبة لتصوير الفضاءات للبحث عن جماليّتها فكانت هذه اللّقطة في منتهى الجماليّة و الدّقّة في التّصوير ، فقد وظّف هذه العناصر الطّبيعيّة بجماليّتها لبناء الفضاء الفيلمي و يبرز للمتفرّج مدى جماليّة الفضاء الصّحراوي في مختلف الأزمنة اليوميّة فقد قامت هذه اللّقطات على تباين حادّ سواء بين التدرّجات الضّوئيّة أو اللونية ( الحار و البارد ) أما اللّون خلال اللّقطات الليليّة كان مرتبطا بالإضاءة و كانت الوظيفة اللّونيّة للإضاءة في هذا الفيلم هي وظيفة جماليّة تنسيقيّة لبناء الفضاء لكن هذه الخاصيّة اللّونيّة لشكل الفضاء أثناء اللّيل تخالف ما هو في النّهار. بدا اللّون المهيمن خلال بقيّة لقطات الفيلم طبيعيّا ترابيّا يحمل في طيّاته خصائص ألوان الصّحراء، فقد قام على اللّون الأصفر بتدرّجاته (الأصفر البنّي، الأصفر المحمّر، الأصفر الباهت ) و شمل الأرض و الجبال و الهضاب و الكثبان الرّمليّة و هذه تعدّ الخاصيّة اللّونيّة للفضاء الخارجي للفيلم . في الفضاء الدّاخلي المتمثّل في الخيمة نلاحظ أنّ اللّون المهيمن هو اللّون البرتقالي وشمل ملابس الشّخصيّات بين الحارّ و البارد و الدّاكن و الفاتح ولم يكن لها لونا معيّنا، لكن هذه الخاصيّة اللّونيّة تغيرت مع تغيّر الفضاء عندما انتقل بنا المخرج إلى فضاء المدينة، فكانت نابعة من الأشياء ذاتها الّتي تمثّل ماديّة الفضاء. الديكور "أن التعبير الذي يستعمل غالبا في اللغة العربية لكلمة ديكور هو المنظر أو المناظر الطبيعية أو الاصطناعية التي تبني داخل الاستوديوهات,غير أن هذا التعبير لازال ملتبسا لذلك سنحتفظ بتعريب المصطلح الفرنسي Le décor . " ومن الفنون التي اهتمت بعنصر الديكور في تشكيل وبناء فضاءها داخل الصّورة هو فن السينما، وقد جعلت منه تشكيلا دراميا مع أسلوب الإضاءة. وضمن ذلك يقول علي أبو شادي: "الديكور لغة حيٌة تهيأ المزاج النفسي للحدث وتساعد الممثل على تقمص الشخصيات ولذا فإن مهمة فنان المناظر لا تتحدد في مجرد ترتيب عناصر مكان الحدث بل تتجاوز ذلك للتعبير بشكل أوسع لخلق الصورة السينمائية التي تعبر عن الفكرة الدرامية . " جاء فيلم "ظل الأرض" محملا بعناصر الديكور بالرغم من أن الفضاء الذي قام عليه هو فضاء صحراوي لا يقوم إلا على معطيات طبيعية (جبال، هضاب، أرض قاحلة) إلا أن المخرج جعل منه فضاءا حيا دينامكيا .عمل على تأثيثه وتهيئته وفقا لخصائص البيئة التي ينتمي إليها وخلق الجو العام لهذا للإطار ، فلم يكن عنصر الديكور خارج عن نوعية الفضاء بل العكس فقد غاص وركز حتى على أدق تفاصيله من أثاث وإكسسوار وملابس . كان المخرج مدققا في اختيار عناصر الديكور التي تخدم الموضوع وتطلعنا على خصائص هذه الفئة الاجتماعية ذات الطابع البدوي القبائلي وفق موقعها الجغرافي التي تقوم عليه وثقافته وعاداته وتقاليده التي تميزه.فقد صور لنا موكب الجحفة ودقق في المكونات التي تقوم عليها كما ركز على نوعية الأواني التي تعتمدها المرأة في شؤونها اليومية التي كانت جلها فخارية وخشبية.كما مكننا عنصر الديكور من التطلع على مكونات الخيمة و ما تحتويه من مفروشات و أغطية صوفية و أكياس من المدخرات وضعت في ركن من الخيمة. لكن المخرج لم يكتفي بالأثاث فقط بل اهتم كذلك بالملابس و ويتجلى ذلك من خلال ملابس النسوة وحليهن و ركز في ذلك خاصة على العروس ، فبدت ملابسهم ريفية بدوية متناسقة مع الوسط الاجتماعي الذي ينتمون إليه. وضمن هذا الإطار يقول علي أبو شادي: "الملابس في السينما ليست مجرد زينة تضاف لتعميق الوهم، ولكنها تمثل أحد مظاهر الشخصية. "فالى جانب الملابس النسائية اهتم أيضا بالملابس الرجالية التي كانت منصهرة مع خاصيات هذا الفضاء.فقد كان وراء هذا التوظيف لعنصر الديكور في كلا الفيلمين عدة مبتغيات لكل مخرج،فلم يكن توظيفه عشوائيا بل تم وضعه بطريقة مدروسة ومحكمة لخدمة الموضوع و المشهد في نفس الوقت.وكل مخرج اختار نوعية أثاثه و ديكوره حسب الموضوع و نوعية الفضاء الذي تدور فيه الأحداث في كلا الفيلمين. اللغة البصرية في فيلم "ظل الأرض" سلم اللقطات وحركة الكاميرا و زاوية النظر لقد انطلق الفيلم مع بداية الجينيريك بتقديم مجموعة لقطات حدّدت لنا الإطار العامّ الّذي ستدور فيه أحداث الفيلم فاللّقطة الأولى كانت شموليّة و سريعة تبيّنّا من خلالها شكل الفضاء، فبدا صحراويّا، و فجأة تدخل على يمين الكادر امراة و طفلتين يتبعهنّ المصوّر بحركة ترافيلنغ خلفيّة و تتحوّل اللّقطة إلى نصف شموليّة تؤطّر لنا مكوّنات الفضاء، فقد انتصبت فيه بعض الخيام ووجدت أمامهم شخصيّات كانوا في حركيّة ، لكنّها كانت بعيدة لم نتمكن من الكشف عن مكوّنات الإطار بوضوح ،و فجأة ينتقل بنا المخرج بلقطة متوسّطة ظهرت فيها المرأة الريفيّة البدويّة أثناء قيامها بالشّؤون اليومية . هذه المجموعة من اللّقطات الّتي تخلّلت الجينيريك وضّحت لنا الإطار وخصائص بعض الشّخصيّات، و بالتّالي وضعتنا في الإطار العام للفيلم . قام المخرج في الفيلم بالتّنويع في سلم اللّقطات، وكانت اللّقطات الشمولية بارزة و طاغية على بنية الفيلم . فبعد إنهاء الجينيريك انطلق المخرج بلقطة شموليّة ركّز من خلالها على هيأة الفضاء لتتحول إلى لقطة نصف شمولية صور من خلالها الشخصيّات في حركية متّجهين نحو الكاميرا مع اعتماد حركة التّرافيلينغ الأماميّة إلى أن صارت لقطة متوسّطة عند وصول هذه الشخصيات إلى الخيمة . فخلال هذا المشهد ركّز المخرج على لقطات متوسّطة و جماعيّة وصف من خلالها حركات الشخصيّات من رقص و غناء ونقر للطّبول إضافة إلى ذلك فهي كانت جماعيّة. و بعد انتهاء موكب العرس شهد الفضاء تغيّرا على مستوى البنية الزّمنيّة المتمثّلة في الانتقال من اللّيل إلى النّهار، فوصف لنا المخرج من خلال هذه اللّقطات المتتالية الفضاء الّذي يعيشون فيه عن قرب، حيث تمركزت خيمتين، ووجدت حولهما بعض الحيوانات (إبل، حمير، قطيع أغنام ) كما كدّست أمام هاتين الخيمتين أكداس من الحطب، لكنّ وصفه خلال هذا المشهد لم يتوقّف على مكوّنات الفضاء بل تواصل حتّى مع حركة الشّخصيّات بتوظيف اللّقطة المتوسّطة التي تجلت من خلالها بعض تحركات الشخصيات. الى جانب اللّقطات الشّمولية و نصف الشّموليّة و المتوسّطة، فقد استعمل المخرج اللّقطات الكبيرة و ركّز فيها على حركات الشخصيات وملامحها. من خلال هذه اللقطات تتبّع المخرج حركة المرأة وهي تنسج الزّربيّة و كذلك أثناء طبخها "للكسكسى" و تواصلت أيضا هذه النوعيّة من اللّقطات مع زوجة صالح عندما كانت تعدّ الخبز و هذا يبين لنا أنّ المخرج كان متيقظا و منتبها لأدقّ التّفاصيل الّتي تخصّ هذه القبيلة.
كما اعتمد هذه النوعية من القطات أيضا للكشف عن ملامح الشّخصيّات و ذلك عندما عاد صالح من المرعى و أخبر عن الوباء الذي أصاب الماشية فقد اعتمد المخرج على لقطة كبيرة جماعيّة بيّنت ملامح الأهالي إزاء هذا الخبر،وتجلت اللقطة الكبيرة عندما رسم المخرج ملامح زوجة صالح عندما أعلنوها عن موت زوجها.
انتقل المخرج من فضاء صحراوي بدوي إلى فضاء حضري و قد ارتبط هذا الانتقال بذهاب زوجة صالح إلى المدينة لتأتي بتابوت زوجها، فتغيّر نسق اللّقطات المتوسّطة إذ أصبح إيقاعها متسارعا و قد اعتمد المخرج في ذلك على اللّقطة المتوسّطة التي تتخلّلها حركة بانورامية متتابعة لحركة المرأة و هي تسير بخطى حثيثة في شوارع العاصمة مضيفا إلى ذلك تقنية الغطس المضاد و قد اعتمدها المخرج للتّعبير عن الوضع المتأزّم لهذه الشّخصيّة. كما كان لهذه اللّقطة الوقع الإيجابي لتبيين مكوّنات الفضاء، فقد قام على الحركيّة و الإيقاع المتسارع لحركات العامّة و الاكتظاظ و تعطّل حركة المرور ممّا ساهم في انبعاث ضجيج قوي. و بعد هذه الحركة المتتابعة وقفت الزوجة أمام الميناء الّذي عمل المخرج على وصفه من خلال لقطة شمولية و حركة بانورامية أفقيّة من اليمين إلى اليسار مدقّقا في جزئيّاته و قد وظّف كذلك تقنية الغطس حتّى يتمكّن من الكشف عن الفضاء بكامل جزئيّاته، و فجأة يركّز في لقطة كبيرة على حركة التّابوت و هو ينزل معتمدا في ذلك على حركة بانوراميّة عموديّة لقد قام الفيلم على حضور مكثف لللقطات الشمولية و النصف شمولية التي ركز من خلالها على وصف الفضاء ،أما اللقطات المقربة و الكبيرة اعتمدها المخرج لوصف ملامح الشخصيات و نقل حركاتهم. الكاتبة: ملاك أم الزين باحثة في السينما التونسية جامعة تونس خاص ب: ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر والكاتب عند الاستفادة