نظرة عامة : أتاحت لي فرصة المشاركة في الحلقة الدراسية التي أقامتها المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية في عينكاوا ، أن أطلع عن كثب عن تجربة سينمائية جديدة متخذة من فرقة شمشا للتمثيل عنوان للصيرورة والكينونة لها في مواصلة مشوار انطلاقها عبر المهرجانات المحلية والإقليمية ، فكانت في الحقيقة تلك المشاهدة قد ساهمت في التعرف على آلية الاشتغال ونوع صياغة الخطاب ( لأننا ندرك إن أغلب الأفلام القصيرة إنها لم تعرض من على شاشة التلفاز وتبقى تنتظر دورها أما في المهرجانات أو في اللقاءات الخاصة ) وفي هذه الناحية يتعين على المؤسسات الفنية متابعة المهتمين في الشأن السينمائي من أجل تشخيص تلك الأفلام وإلقاء الضوء عليها سيما ونحن نشهد تراجع الفلم العراقي الطويل أو تأخره إن كانت هناك فعلا سينما عراقية تتجاوز الأرقام التي تستطيع مؤسسة وليس دولة من تحقيقها وتخطيها ولكن نطمح أن يتحقق وجود لها على المدى المنظور من خلال نشاط الفيلم القصيرالذي يحاول أن يسد فراغ أو الشلل الذي يعاني منه الفيلم الروائي العراقي ولهذا أنبه إلى ضرورة متابعة تلك الأفلام وأقصد بها القصيرة قبل أن تستودع في مدخرات الأرشيف ويبتلعها الإهمال والنسيان ، المهم ، وإن كانت مجمل الأفلام التي رأيناها متمسكة بنسق الربط الدرامي إلا إنها يمكن أن نقول فيها من أنها تجاوزت النمطية في بناء هيكلية الفيلم وهذا ما نعتقده مفيد بالنسبة لمشوار سينمائي شبابي واعد . اننا نعرف إن الأفلام القصيرة عززت مشوارها في أغلب دول العالم لأسباب عديدة يقف في مقدمتها ( التكنلوجيا الحديثة ) التي تتباهى في نقل المعلومات والأفكار في سرعة متناهية ، مثلا نسمع عن رواية الموبايل أو القصيدة الرقمية أو الكتاب الألكتروني وماشابه ذلك كلها تصب في بودقة واحدة هي الاختصار في مقتنيات الفكرة ، وهذا بالذات مما أتاح للفليم القصير أن يلفت النظر لأهميته كظاهرة سينمائية لايمكن التغاضي عنها من جهة وإخراجه من عزلته القائمة على نشاط منفرد وشخصي وأحيانا لايتعدا إطروحات مؤسساتية كفيلة بتخرج طالب المعهد أو الأكاديمية ، بينما الحال الآن تغير كثيرا إزاء مايجري في الفلم القصير ، الذي يمتد تاريخ نشأته إلى صناعة بدائية خالية من الصوت والمونتاج مجرد قائمة على عنصر التسلية والمتعة وتزجية الوقت ، ثم يأتي خطاب السينراما لينقل الفيلم إلى مرحلة جديدة ومتقدمة في عالم الصورة حيث بدأ التركيز على الرومانتيكية والإبتعاد قدر الإمكان عن الخلفية الواقعية وحفظت لنا الذاكرة اسماء مهمة في هذا المجال مثل روبرت فلاهرتي في فيلم ( نانوك )الذي يصور حياة الأسكيمو وهم يكافحون في المناطق القطبية من أجل القوت اليومي وغيرها من أفلامه التي تميزت بهذا النوع من الطرح والبرتو كافالكانتي في فلمه (لاشيء غير الوقت ) الذي يمثل صراع الإنسان مع الطبيعة فنراه مثلا ، في حدود الإشارة إلى المعاناة يوظف البيئة والتعبير عنها بلقطات متناقضة ومشوشة بعض الشيء وكأنه بذلك يريد معالجة غير عادية لفلمه ، وهناك كثيرون اتبعوا هذا الأسلوب مثل روتمان الذي استفاد من مناهج السوفيت في المونتاج وخصوصا بعد ظهور تقنيات جديدة ولاحقا دخول اللون ثم البعد الثالث والفيستافيزيون والسينراما وهكذا استثمرت المراحل المتعددة في الفن والأسلوب والمنهج القائم على خلق يضاهي الواقع بالممكن والاحتمال كما رأينا ذلك من أرشيف السينما العالمية التي ظهرت فيها أفلام قصيرة هامة على المستوى الأنساني والفكري والفني مثل فيلم (العربة والكاميرا ) لفيرتوف الذي يعد الأب الروحي لأزنشتاين مخرج الفيلم الشهير (المدرعة بتومكين ) وموجه حقيقي للياباني كيراساوا وكذلك للإيطالي فلليني والقائمة تطول في هذا الجانب ولكن ما يهمنا ذكره هو إن كل هذا التاريخ الطويل الذي مر عبره الفلم القصير ومراحل تطوره كان مستغلا بشكل أو بآخر لصالح الأديولوجيا والشركات الاحتكارية التي كانت توظف قدرات الفيلم القصير لأغراض دعائية بحته ، وهذا مالا يمنع أصلا من ردود فعل راهنت فيها السينما عبر مشوارها الفني الطويل الذي تجاوز المائة عام من أن تشكل أساليبها واستخداماتها المختلفة وأن تبتكر مناهج ومفاهيم متنوعة كصناعة فنية قائمة على أسس علمية كرست فيه رؤيتها وخطابها الخاص الذي يحمل مضامين فلسفتها ومكوناته في الشريط المعاصر/ الحديث ، وخلاصة القول من هذه المقدمة الوجيزة هو إن الفن السينمي أدرك منذ البدأ هندسة قيمه المعمارية في الفيلم وإن شابها أو رافقها طيلة سنواتها المد الأخطبوطي لماكنة الأكشن الهوليودية التي لم تزل تؤمن بمقولتها الشهرة ، من أننا لا نسعى إلى الإنسان بل هو الذي يأتي إلينا ، ولذا نحن نعتقد أن أي فيلم مهما اختلفت مدة عرضه فهو يبقى رسالة أو وثيقة ترمز إلى وضع المجتمعات والشعوب التي أنتج عنها كما رأينا ذلك واضحا في افلام فرقة شمشا للتمثيل السينمائي ، فقاعة ثقافية ، جرعة مورفين ، براعم ، الحقيقة في الظلام ، حلم صغير ، بريد سريع التي اشتغلت جميعها على ثيمة المتناقضات ولكن بطرق وأساليب مختلفة نوعتما عن بعضها . النص والمعالجة : وقبل أن ندخل في قراءة هذه الأفلام لابد أن نذكر بأن الفيلم القصير يعتمد بالدرجة الأساس على عدة نقاط متميزة التي نعتقد في تبنيها يضاهي الفيلم الطويل في التركيب والمعالجة ونستطيع أن نجملها بالآتي : 1- تكثيف الموضوع والتركيز على الصورة . 2- اختزال دور الكلام قدر الإمكان لإفساح المجال أمام لغة الكاميرا . 3- كثافة الرمز وتقليص مشاهد الربط . 4- استبعاد المظاهر النمطية في تحليل الخطاب . 5- إبراز قيمة مؤثرات الفيلم في تجسيد معالم الرؤية . كما أن أغلب الأفلام القصيرة تحاول أن تبرهن على مدى بلاغة الصورة التي يفترض أن تكون هي الأساس لكتابة السيناريو ، لأن لحظة الذهول والاندهاش في معظم الأحيان تبعث على الإثارة في المشهد وتؤدي بالتالي إلى نوع من الاستيقاظ والترقب لدى المتلقي / المشاهد ، في عملية تفاعليه أطلق عليها المخرج الهولندي أندريه فايدة مفهوم الصنعة أو المهارة ، صحيح لا توجد نظرة موحدة إزاء أي فيلم من الناحية الفنية أو الأدبية ( السيناريو / إحالات المخرج ) إذ ثمة متغيرات يتم اكتشافها في مجرى الخطاب ، وهذا يعني أن أي فيلم يمكن أن يتخذ أهميته واستثناءاته من عدة عوامل منها : 1- ما يطرأ على بال كاتب السيناريو أمام منضدة الكتابة لايقيد المخرج في موقع التصوير . 2- مستوى الرؤية في تقديمها نسقا تأويليا متفاعلا مع عناصر الفيلم الأخرى ، فهو بحق يعد تماسا مفاهيميا وتحريض جوهري في إبراز الثقافات المرئية لدى المشاهدة . 3- طبيعة الموضوعة السينمائية ، وإن كانت لا تشكل في تصوري أبعد من التوصيف الذي ينشغل في ذات الفكرة إلا إنها يمكن أن تؤدي أو تفضي إلى بؤر مضمرة تتحكم بإيحاءاتها الصورة في عملية خلق سينمائي معادل لموضوعة الأدب كما هو مفهوم من الأجتراح الكتابي نص / صورة . فهذا التنوع يمثل محور أغلب الأفلام العالمية في خصائصها الجمالية والفنية والإبداعية وعلى ضوئها تجري عملية التحليل والمقارنة والتقييم ، ومع كل ذلك نعتبر أن ما يقدم في هذه الورقة هو مجرد إجتراح حامل لوجهة نظر لاغير . نتابع أول الأفلام وهو : حلم صغير ، مدة العرض : 14 دقيقة تصوير وإخراج الفنان خليل كاكا . يعالج الفيلم أحدى المقولات الثلاث التي تفتك بالمجتمع وهي الجهل والمرض والجوع فيتناول الحرمان والعوز الذي ارتسم على وجه الطفولة البائسة وتتنقل الكاميرا في مراقبة حساسة للتمايز الطبقي الذي يعاني منه الصبي أو العائلة وهي تتحمل وزر غياب الأب ومحنة مواجهة شظف العيش ليبقى هذا الصبي معادلا لصورة القدر الذي رمي فيه وبنفس الوقت عاجز عن تتمات طفولته سواء في المدرسة أو في الشارع ، البيت ، ساحة اللعب مع أقرانه ليلجأ مجبرا إلى تزجية الوقت بالمذاكرة. تقريبا هذه هي فكرة الفيلم ، وإن بدت الموضوعة بسيطة وواضحة ألا أن ما يهمنا هو كيف يتم استثمار الفكرة و مراوغتها من خلال العدسة ، نقول استطاع المخرج أن يتجنب التكرار والتسويف في عرض القضية من زوايا متنوعة ، إذ لم تكن موضوعة واحدة تشغله ، فمن خلال التنوع تحكم بزوايا الكاميرا والديكور واللون وأعطى لنا صراعا طبقيا حددته الصورة ولغتها قبل الحوار الموضوعي للشخصيات ولكن هذا الجهد الذي لمسناه في هذا الفيلم لا يعفي بعض المشاهد من ارتدائها ثوب المسرح كما لاحظنا في إطلالة الصبي وهو يرتقي السلم والرجل النازل الذي مسد على شعره أو في حوار الصبي مع أمه داخل الغرفة ، إن هذا الفيلم يمكن أن نقول فيه أكثر مماقيل عن جماليات حشدت لنقل صورة الواقع إلى فضاء من التساؤل الذي يعد من مهمات الفيلم القصير في عالم صورة اليوم . ثم فيلم بريد سريع ، مدة العرض : 9 دقائق للمخرج هوكر كوبي . يتناول الفيلم المكر والنصب والاحتيال الذي تعرض له المجتمع ، فنجد الرجل الذي ساقته الحاجة إلى منظمة تدعي نفسها خيرية ومقابلة مسؤولها الذي يعطف بدوره على وضع الرجل المزري حيث يوعز له بمبلغ من المال لسد رمقه بينما يقف حاشيته من الموظفين المتربصين / الآفاكون بالمرصاد ليتقاسموا هذه الغنيمة فيما بينهم ، ولايصل إلى المحتاج غير كلمة بؤس تقول له هناك أكثر منك ضررا . اعتمد الفيلم على الفكرة الدرامية وهذا أمر طبيعي لكل الأفلام ولكن الاستغراق في متابعة الكاميرا ونقل مايجري على لسان الشخوص من دون أن تنتبه إلى وضع المكونات ألأساسيه لموجهات الشريط يتحول تدريجيا العمل السينمائي أو ينحني نحو نسق تلفازي مكرسه هويته لنمط الصورة المقنعة ، وهذا لا يعني أن الفيلم كليا إندمج في الدراما من دون أن تكون ثمة لقطات قد لعبت دورا هاما في تسجيل اللحظة السينمائية التي قال عنها د.جهاد عطا نعيسة من أن السينما تبدأ من حيث يتوقف الكلام ، وهذه اللحظة وجدناها في اللقطة الحيوية لقراءة الأبراج التي تعني فراغ الموظف الروتيني من محتواه ، انعكاس التعابير على وجه السكرتيرة وهي تدبر وضع السرقة وعيناها متطايرة بين سلة المهملات ودرج المكتب ، زوايا الكاميرا لبناية الجمعية الخيرية كانت مجسدة بالفعل لحالة المشاهدة حيث عبرت الأشياء عن ذاتها مثل الإنارة والديكور والمؤثرات الصوتية واللون ، وأتوقع إن المخرج كوبي كان جادا في هذا الفيلم ولذا نطمح مثله إلى أفلام ترتقي فيها اللغة السينمائية على الموضوع . بعد ذلك نأخذ فيلم :الحقيقة في الظلام ، مدة العرض : 6 دقائق من سلسلة أفلام فرقة شمشا إخراج وفكرة ميلاد عبد المسيح . فقد تناول بسخرية أزمة الطاقة الكهربائية وما يعتري ذلك من تصريحات كاذبة وملفقة تحاول أن تخفف من وطأة مايجري بالوعود البراقة ، ويبدو أن الحقيقة لا تظهر لهم إلا بانطفاء التيار الكهربائي عن قاعة اجتماع المسئولين عن شأنها ، استخدمت في هذا الفيلم نماذج حركيه هامة منها الأنتقال السريع في مشاهد الربط ، الإضاءة المتباينة التي توصف حالة الفوضى ، اللقطات البعيدة / القريبة ، ورغم إن هذا الفيلم هو أقصر أفلام المجموعة تقريبا نعتقد إنه استطاع أن يعيد ترتيب المعادلة ويوثق إطلالته في بعدها النفسي والاجتماعي وأن يركز على اللقطات المتناقضة عبر اختزالها وإيحاءاتها الملغزة . ثم ننتقل إلى فيلم :جرعة مورفين مدة العرض : 10 دقائق للمخرج خليل كاكا . فأن موضوعة هذا الفيلم مختلفة بعض الشيء عن فيلمه السابق حلم صغير ، مستخدما في هذا الشريط نوع من الخطاب السمعي الذي يقابله بصري ومن خلال هذه الثنائية يتوالد الموضوع ، الصوت يدعو الناس إلى الرقي والتقدم ويطلب منهم الاطمئنان والسكينة والخلود إلى الراحة وإن الأيام القادمة ستأتي بالمن والسلوى لهم ويؤكد كذلك على أن الأيام القادمة سوف تثبت بأنه لايوجد بعد الآن حاكم أو محكوم ، نحن نسير على طريق الحق بينما التلفاز لم تر فيه غير التشويش إذ يبقى على حاله حتى وإن إنفصل عنه التيار الكهربائي ، فنلاحظ إن معالجة الكاميرا نجحت في أن تجعل من الصوت خلفية لتحركها وأن بدا التشويش الذي يظهر بين فينة وأخرى نوع من الاحتجاج المكبوت إلا إنه لم يفقد وحدة إتصاله في هذا البناء الهارموني بين مايقال أو المسكوت عنه الذي رمز إليه المخرج بالتشويش الذي يظهر على شاشة التلفاز ، إن الرمزية التي تعالج في مثل هذه الأفلام وحسب ماذكره المخرج الهولندي جوريس ايفانس إن الورشة الحقيقية للسينما في تقصي المعاني الساطعة هي أن تتحرى اللقطة صراع الواقع من دون أن تدخل في تفاصيله ، أي إن اللقطة وظيفتها مرتبط اساسا بالغرض الفني المؤسس لعملية التخليق التي تساهم في بلورة قضايا أو ماتسمى بؤر الواقع واستنطاقها على الأقل ذهنيا لدى المشاهدة وبهذه التصور كانت تتحرك كاميرة خليل وإن بدا لنا أن التركيز على الصوت كموجه مورفيني مقنع إلى حدما إلا إنه لايتحمل بأعتقادي مساحة الفيلم لو لم تنقذه مقاطع التشويش كأشارة لمقولة لاحياة لمن تنادي في تفادي إنسياح رمزية الموضوع عن قيمته الأرسالية للمشاهد ، لتبقى صورة هذا الفيلم لها نكهة سينمائية تكمن في جدل السؤال . ثم نلتقي مع فيلم : فقاعة ثقافية مدة العرض :5 دقائق سيناريو وإخراج ايفان سعدي . موضوع الفيلم يتحدث عن شاب نرجسي يرتدي أفخر الثياب ويحمل حقيبة دبلوماسية راقية يدخل إلى المقهى ويجلس على إحدى الطاولات ، يفتح الحقيبة ويأخذ منها رزمة أوراق بيضاء ثم يبدأ الكتابة ، تحيط هذا الشاب من كل جانب نظرات مستغربة تشعل أحيانا فتيل الفضول لديهم حول معرفة منزلة هذه الشخصية التي حولت رزمة الأوراق إلى نفايات وتركتها على مضض فوق الطاولة ، للبحث فيها عقب المغادرة عن هذا اللغز وبعد ذلك يتضح إن الذي حل بينهم لم يعد سوى فقاعة ، إذ أن مخلفات الورق التي تركها لم تعد إلا لشخص مهووس بتصوره ومخدوع من الداخل بكبرياء زائف . وجدت أن ايفان في هذا الفيلم أكثر قدرة على التعبير عن خواص الفهم السينمائي في معالجة الموضوع ، اللقطة الكبيرة متزنة الإيقاع وخصوصا في نقل تعابير الوجوه المحيطة بالشاب ، كذلك نقلت لنا الزاوية الحادة للكاميرا لحظات التأفف التي تحملها الشخصية النرجسية في مثل هذه المواقف ، الكاميرا والإضاءة والديكور والمؤثرات الصوتية أشبه بتون موسيقي متناغم إلى حد بعيد مع المشاهد وإن كانت قليلة نسبيا ولكنها استطاعت أن تحرك مشاعر المشاهد وأهم ملاحظة يمكن أن نسجلها عن الفلم استغناءه عن الحوار إلا في لقطة أو لقطتين ، فبدا لنا مشهد الفيلم بصورة عامة كأنه عرض صامت ( بانتومايم ) مما يوفر للفيلم فرصة مثاليه للتعبير عن لغة الصورة ، فهل حقق هذا الفيلم هذه الفرصة ، أعتقد أن أي محاولة جادة في طريق البناء الفني هي توصيف لخطوات لاحقة ومضنية تكلف المجتهدين دائما ولوج عوالم أكثر تعقيدا مما مضى وهذا بالضبط مايدفعنا إلى أن نرى لإيفان أفلاما أخرى تتوسع فيها هذه الومضة التي حقا كنا فيها سعداء . وأخيرا فيلم براعم مدة العرض : 8 دقائق إخراج مؤيد ابراهيم . يقدم هذا الفيلم عدة تساؤلا عن الطفولة المحرومة ، نستطيع أن نرسم حركة ديالكتيكية حول الموضوع ، امرأة داخل متجر الملابس ( بوتيك ) ، لعب اطفال متنوعة ، طفلة نصف عارية تضع مساحيق على وجهها ، طفل أيضا نصف عاري يضع ربطة عنق ، المرأة تسقط بين أحضان المتجر ، انطلاق الطفلين في عمق حقل تمايزت ألوانه بين اليبوس والخضار ، صبي الشوارع يقف عند التقاطع محاولا البيع بين طوابير السيارات المتوقفة ، داخل الصف يبجل المعلم أمام تلاميذه بمنجزات الدولة ويفاخر بها من دون قناعة أو هو نوع من النفاق الاجتماعي مادام الرقيب الذي يحذر منه يقف إلى جانبه ، تقريبا هذه أهم الإشارات التي احتواها موضوع الفيلم . فبدا لنا مثل كل الأفلام التجريبية ابتعاده عن الحركة الدرامية واستعاض بدلا عنها حركة الكاميرا في التوصيف ، تنطوي هذه التجربة بحد ذاتها على جملة من النقلات المشهدية التي تزدهر فيها الصورة لأننا نعرف أن الأدب يمنح القاريء ويهبه الكثير من المعاني بينما على المستوى البصري فهي تحد من فعالية المخيلة وترهنها بمخيلة المخرج ، وإزاء هذه الخاصة أخذت اللقطة ترابطها من خوض حراكها في التحول والتأثير بأعتمادها – أي اللقطة – على ( المونتاج المتوازي ) كما لاحظنا ذلك في سينما اللقطة التي تعتمد على فرص وامكانيات تعبيرية أكثر غنى وتاثير وهو ما يمكن ملاحظته في مشاهد البوتيك / الصف / الشارع / الحقل / وجوه الأطفال (البراعم ) وأعتقد أن ابراهيم كان يوقظ وعيا غافيا عندما أخذ بتنوع اسلوب اللقطة وتحولها عن المماثل التقليدي وإن بدا المشهد الأخير فيه نوع من المباشرة الغير مبررة للأستداء في لحظة تخصيب الرؤيا إلا أن سعي الفيلم من منظور سينمائي يتجه إلى تجربة مفتوحة سواء في النص أو الإخراج . خلاصة القول : إن جميع الأفلام التي تعرضنا بشكل سريع إلى قراءتها كانت مشغولة بالهم العراقي وتسعى عبر خصائص أسلوبية متنوعة في أدواته وتقنياته لتكوَن من خلال أشرطتها عين مفتوحة على الحياة ، ولهذا كانت تتقاسم الأحداث والمواضيع وصهرها بلغة سينمائية صافية ونقية .. فهل من مدى أكثر اتساع منه في التواصل والتأثير والتأثر . عباس خلف علي ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر والكاتب عند الاستفادة