عينكاوا هذه المدينة الصغيرة لوحت بإشارة من يدها الغضة بأن يوضع اسمها على خارطة المدن الشهيرة التي تفتخر بمهرجاناتها السينمائية . على الرغم من خلوها من اي معهد اومؤسسة فنية متخصصة تدرس او تنتج فنا سينمائيا . الا أن وجود شاب اسمه خليل كاكا سبق ان تخرج من كلية الفنون الجميلة /جامعة بغداد / في منتصف العقد الثامن من القرن الماضي . وهو يحمل شهادة اكاديمية في الفن السينمائي . هيّأ الفرصة للامساك بالحلم الذي قد لايكون أن مر ببال اي مثقف اوفنان يسكن هذه المدينة. إلا ان خليل كاكا ما أن تخرج من الكلية ، حتى عاد الى مدينته ليستقر فيها رغم الفرص التي اتيحت له في العاصمة بغداد لكي يمارس نشاطه السينمائي باعتباره مصورا سينمائيا ممتازا يملك الكثير من السيطرة الحرفية والمهنية لكل التفاصيل التقنية والفنية لعالم التصويرالسينمائي . ومن عينكاوا انطلق في ممارسة نشاطه الفني عبر عدد من الاشرطة القصيرة التي كان ينتجها بنفسه اضافة الى العمل بنشاط في تجارة اجهزة التصوير السينمائي والتلفزيوني والفوتوغراف . اذ لم يستطع هذا الحالم ان يغادر عالم التصوير حتى في كسب لقمة عيشه بل احال هذا الكفاح الى نجاح كبير جعله قادرا على تاسيس شركة للانتاج السينمائي ولتجهيز الموسسات الفنية بالاجهزة الفنية التي لها صلة بالانتاج التلفزيوني والسينمائي . إلا ان هذا النجاح الكبير على المستوى التجاري لم يفقده احساسه الجميل بعالم الفن السينمائي . من هنا كان مصمما على ان يبدا في عينكاوا مرحلة جديدة يخرجها من هدوئها بل من خمولها وكسلها الثقافي . ولتدخل هذه المدينة عالم المدن الكبيرة في ماتسعى اليه من فعل ثقافي . لذا جاءت فكرة اقامة مهرجان سينمائي للافلام القصيرة خطوة اولى في مشوار طويل نتمنى ان يتحقق ويستمر لمعانقة النور . لكن خليل كاكا شاء ان يستبق المهرجان بدورة تعليمية لاعضاء فرقة شمشا المسرحية التي ارتكز عليها في بناء المشروع . استمرت هذه الدورة اكثر من شهرين، كان خليل كاكا هو المحاضر الوحيد في الدورة . نقل خبرته ومعارفه الاكاديمية في كل شؤون الانتاج السينمائي الى طلاب دورته الذين لايتجاوزون اصابع اليد . ابتدأ من كتابة السيناريو والتصوير السينمائي والاخراج والمونتاج والاضاءة والديكور والاكسسوار .وفي نهاية الدورة كان على كل مشارك فيها ان يقدم سيناريوتنفيذي لفلم سينمائي قصير. وليبدا التنفيذ بعد ذلك . فكانت النتيجة ستة افلام قصيرة يتراوح زمن عرضها مابين الدقيقه وخمسة دقائق : الافلام المشاركة : 1- حلم صغير اخراج خليل كاكا 2- بريد سريع اخراج هوكر كويي 3- جرعة مورفين اخراج خليل كاكا 4- فقاعة ثقافية اخراج ايفان سعدي 5- الحقيقة في الظلام اخراج ميلاد عبد المسيح 6- براعم اخراج مؤيد ابراهيم الفلم الاول( حلم صغير) : يسرد مشاعر طفل صغير يأسرهُ شعور بالحرمان العاطفي ،نتيجة فقدان والده ، كما يتفاقم هذا الشعور عندما يمارس المجتمع دورا سلبيا في تجاهله وعدم الاهتمام به. . والفلم الثاني( بريد سريع) : يستعرض عمليات النصب والاحتيال والسرقة التي تمارسها بعض من منظمات المجتمع المدني التي تدعي مساندتها لشرائح المجتمع الضعيفة . اما الفلم الثالث (جرعة مورفين): فهو واحد من اافلام المهمة على مستوى الشكل والموضوع وهو اقرب الافلام الى البناء والشكل السينمائي اذ يتناول البناء الوهمي الهش الذي تصنعه الانظمة الايدولوجية الشمولية . وتنجح لسنين طويلة في السيطرة على شعوبها عبر اعلام مزيف وكاذب يروج لنظام من القيم المريضة لاينتجها الا عقل مريض . اما الفلم الرابع (فقاعة ثقافية ) : فيقدم نموذجا لمن يحاول ان يستثمرمظاهر الثقافة لخداع الناس والضحك عليهم . وفي اخر الامر ماهو الا فقاعة فارغة لاتملك فعلاثقافيا يمكن ان تقدمه للمجتمع . اما الفلم الخامس (الحقيقة في الظلام ) : فانه يتعرض الى الفساد الادراي الذي يختفي وراء الازمات التي يعيشها المواطن ومنها ازمة الكهرباء . واخير الفلم السادس (براعم ): الذي يرصد حلم امراءة حامل . تحلم للطفل القادم ان يحيا في بيئة طبيعية وصحية بعيدا عن واقع تحتشد فيه الاشواك والادغال التي تمنع الطفولة من العيش والتحليق بسعادة في الفضاء الانساني الرحب . اعلن عن موعد افتاح المهرجان للفترة من 11- 12/12/2008 بعد ان تلقى دعما كبيرا من السيد سركيس اغاجان الذي لن يتردد في دعم اي مشروع يهدف للنهوض بواقع الثقافة السريانية . لقد شاهد جمهور عينكاوا ولاول مرة افلاما سينمائية قصيرة من انتاج ابناء المدينة الذين لم يتخرجوا من معاهد سينمائية سوى الدورة التي كانت اول باب يفتح امامهم للتعرف على عالم الفن السينمائي الصعب . على ذلك : فإننا لن نقتل فتنتنا واعجابنا بهذه الافلام بالتوقف امام الكثير من مفاصل الضعف التي بدت واضحة لنا في معظم الافلام المعروضة . بلى أثرنا أن ننحي احتراما لجهود الفنان خليل كاكا لما أقدم عليه من فعل ثقافي ستذكره عينكاوا دائما . فهو بهذا المهرجان كتب الاحرف ألاولى من مشهد سينمائي جديد سينهض هنا في عينكاوا، قد يطول الزمن حتى نرى نتائجه المهمة ، لكن يكفيه فخرا انه قد دحرج الصمت بقدميه، خارج صالة جمعية الثقافة الكلدانية التي اقيم عليها المهرجان وليصغي الحضور ويشاهدوا من وسط الظلمة ابطال الغد على الشاشة . ولكي تكتمل الصورة التي ايقظت عينكاوا على حدث ثقافي جديد لاصلة له بكل ماشهدته من فعاليات ثقافية مستمرة طيلة السنوات الماضية . وبعد نهاية عرض الافلام اقيمت ندوة مفتوحة وصريحة تحاور فيها جمهور من المثقفين والفنانين مع المخرجين العينكاويين الشباب وبحضور الفنان خليل كاكا . . في هذا الحوار تم التوقف امام عدد من الملاحظات الفنية التي سجلها جمهور النخبة المثقفة على الافلام المعروضة . وتكاد ان تتمحور معظم الملاحظات على نقاط محددةبدت واضحة في الافلام الستة المعروضة، من هذه الملاحظات : 1- ضرور تكثيف زمن عدد من الافلام مثال/ فلم : جرعة مورفين +براعم صغيرة 2- قصور في استثمار الموسيقى والصوت من داخل الفلم (الجوالعام ). مثال/ فلم : حلم صغير 3- بعض الافكار تحتاج الى معالجات اكثر عمقا لكي تخرج من الاطار التلفزيوني التي تتسم طروحاته بالبساطة قياسا الى المعالجات السينمائيةالتي تنحو الى الجرأة والاستفزاز مثال / فقاعة ثقافية + الحقيقة في الظلام +بريد سريع 4- السقوط في التعقيد والغموض في ايصال الافكار. مثال/ فلم : براعم صغيرة . 5- بدا واضحا رغبة المخرجين الشباب في طرح افكار نقدية تتناول اوضاعا اجتماعية وادارية تتسم بالفساد . وهذا امريدعو الى التفاؤل عندما تكون بداية الوعي بمسؤولية الفن السينمائي ازاء القضايا المجتمعية مثال/ فلم : بريد سريع + حلم صغير + الحقيقة في الظلام اخيرا وليس اخرا ياتي هذا المهرجان خطوة هادئة و جريئة للخروج من العتمة الى الضوء رغم العثرات .