مساء الثلاثاء الماضي، أمام سينما «مبروكة»، المتواجدة بممر البرانس بمراكش، كان هناك إعلان يدعو الجمهور المراكشي لمتابعة نهائي عصبة الأبطال الأوربية، الذي سيجمع فريقي برشلونة ومانشستر يونايتد. وفي الوقت الذي وقف فيه شاب مراكشي، يلبس قميصا، مكتوب عليه «رجاوي وبيخير»، يتأمل الإعلان الخاص بالمباراة، كان هناك زحام غريب أمام كل تلك الحوانيت المتخصصة في بيع الأقراص المدمجة. عشرة دراهم للقرص : «لاغلا على مسكين»، وأفلام طازجة «تنظر» بشماتة إلى صورة الممثل الأمريكي «ويل سميث»، وهي «تتشمس» في واجهة سينما «مبروكة». لم أجد إلا أن أبتسم وأنا أستعرض كل تلك المفارقات المغربية التي عشناها، في السنوات والأيام الأخيرة، على مستوى استغلال الفضاءات المخصصة لاستقبال العروض الفنية والرياضية : سهرتان لإليسا وتامر حسني في ملعب الحارثي بمراكش، وسهرة لريهانا في ملعب محمد الخامس بالدار البيضاء، وحفل غنائي لنانسي عجرم في ساحة جامع الفنا بمراكش، وسهرة للستاتي في ملعب النهضة بالرباط، وعرض لمباريات الكرة في القاعات السينمائية، وتنظيم لمهرجانات بعض الأحزاب في المسارح والقاعات السينمائية وفي القاعات المغطاة والملاعب الرياضية «المعشوشبة». باختصار.. لاشيء في مكانه الصحيح. في المنزل، سأقرأ، في «الأحداث المغربية»، أن فريق الكوكب المراكشي يطالب ببرمجة لقائه أمام شباب المسيرة، برسم الدورة 29، بملعب «العبدي» بالجديدة، بدل «الحارثي» بمراكش، الذي تضررت أرضيته، بعد السهرتين اللتين أحياهما كل من تامر حسني وإليسا، جراء الرقص (بالكعب العالي) وبقايا السجائر. في «المساء»، سأعيد قراءة ما كتبته المخرجة المغربية الشابة، بشرى إيجورك، في ركنها «فلاش باك»، وقولها : «كلما نزلنا ضيوفا على إحدى المدن لحضور ملتقى أو مهرجان فني نفاجأ بعدم وجود ولو قاعة سينمائية يتيمة، فكل قاعات المملكة إما أغلقت أو هدمت، وبالتالي فإننا نقدم عروضنا في ظروف بدائية وبحضور فنانين ضيوف ندعوهم إلى أن يكونوا شهودا على مغرب الثقافة والفن والبناء». بعد «ضجر» إيجورك، سأتوقف عند إحصائيات، تقول إن المغرب أصبح يحتضن 36 مهرجاناً سينمائيا، تتوزع بين مهرجانات عالمية وإفريقية ووطنية وجهوية، أو مهرجانات موضوعاتية. كل هذا، مع الإشارة إلى تراجع عدد القاعات السينمائية بالمغرب، من 250 قاعة سينمائية، في بداية الثمانينيات، إلى 60، حاليا، وهو ما يمثل، بعملية حسابية، مامعدله قاعة سينمائية واحدة لكل نصف مليون مغربي (إذا اعتبرنا أن عدد المغاربة هو 30 مليون نسمة). وفي الوقت الذي تفتح فيه القاعات السينمائية أمام جمهور الكرة ليتابع، عبر شاشاتها الكبيرة، مباريات الليغا والكالتشيو وعصبة الأبطال الأوربية والمنتخب الوطني، كشفت نفس الإحصائيات أن 60 في المائة من المغاربة لم يشاهدوا فيلما داخل قاعة سينمائية، وأن عدد الذين يقصدون القاعات السينمائية، من شأنه أن ينخفض، في السنوات القليلة المقبلة. وسأختم هذه «المفارقات الفنية والرياضية» بتقرير عن ورزازات، يتحدث، في جانب منه، عن مدينة شدت إليها أنظار نجوم السينما العالمية، بعد أن تحولت إلى قبلة لشركات الإنتاج العالمية، لتصوير أفلامها، من دون أن تتواجد فيها قاعة سينمائية واحدة .. «على قيد الحياة» ! وبعيداً عن الأسئلة التي تثيرها لهجة «كازانيغرا» و« فلوس» الدعم، وجدتُ نفسي، من دون أن أخطط لذلك، أقرأ جانباً من تاريخ إثيوبيا، عبر حكاية، تقول إن الإمبراطور مينيليك الثاني (توفي عام 1913)، رأى أن يبني إثيوبيا الحديثة، وأن ينخرط في مسيرة التطور والحداثة لينتشل بلاده من التخلف والفقر. ومن بين كل علامات التحديث والتطور، اختار الإمبراطور فكرة كرسي الإعدام الكهربائي، الذي استخدم، لأول مرة، في نيويورك عام 1890. سيأمر الإمبراطور باستيراد ثلاثة كراسي كهربائية دفعة واحدة. وبعد وصولها إلى البلاد، سيفطن، بعد فوات الأوان، إلى أنه ليس هناك شيء اسمه «الكهرباء» في إمبراطوريته، وبالتالي، فقد أضحت تلك الكراسي الأمريكية عديمة الفائدة والجدوى، ما اضطره إلى الأمر بالتخلص من اثنين منها وإعادة تصنيع الكرسي الثالث، بتحويله إلى عرش يجلس عليه جناب الإمبراطور !