بقلم: يونس القادري تفرق نسل أدم بين الشعوب والقبائل والعشائر، لالتستقر هنا وهناك في السهل والجبل في صحاري والبحار على ضفاف الأنهار , لتضع الحدود وتزداد القيود والفجوات بين أبناء الصلب الوحد فنشأت قوميات وأمم و دول لتصنع لنفسها هويات ، تقافات ، حضارات ، ألسن تتباهى بها تنتصر لها لتبني لنفسها حلبات صراع وهمية مفتعلة هدفها قتل الإنسان والقيم الكونية الإنسانية المتوافق عليها , بل تجتهد في إبراز تعاليها ,تفردها ,أنانياتها , لتؤسس بذلك حروبا طاحنة زادها أحقاد تراكمية روجتها جماعة ضد أخرى أو دولة ضد جماعة أوالعكس ... مفجرة موجات من العنف والصراع داخل بنية المجتمع الواحد أو في بنيات أخرى أكثر تعقيد اوتجاذبا تحت مسميات ومرجعيات مختلفة , وهي التي مهدت وأدت إلى أزمات ومأسي إنسانية شكلت ولازالت وصمة عار في جبين الإنسانية جمعاء ,نظرا لما خلفته من نذوب نفسية عميقة تتعدى الذات الفردية للإنسان لتأثيرها في الوعي الجمعي للمجتمعات البشرية ككل مشكلة بذلك عوائق وقطائع بين الخطاب الإنساني الكوني والواقع العملياتي المعيش في عالمنا اليوم... فمنذ إهمال الخطاب الإنساني الذي لا تختلف على أهدافه وغاياته النبيلة الأمم والشعوب بل حتى الشرائع والدساتير السموية والوضعية , عملت على دعمه والتأسيس له من خلال تعاليمها السماوية أو عبر التنصيص عليها في القوانين الوطنية والمواثيق الدولية... إن التلاعب بتلك القيم الإنسانية وتوظيفها خدمة لمصالح قومية أو طائفية لبعض مكونات المجتمع الدولي بعيد عن الإحترام الواجب لحقوق الإنسان والمساواة أمام مقتضياته دون التمييز على أساس العرق أوالدين أو اللون .. لهذا يبقى الأمر يثير عديد المخاوف التي تدعي بعدم عدالة المنتظم الدولي في تناول القضايا الدولية والتعامل معها بنوع من الإزدواجية في المعايير , الشيء الذي أدى إلى تقويض و تغييب قيم التعايش والحوار والإعتراف بالآخر وتكامل معه والإنتصار للإنسان وخدمته وحمايته من كل أشكال العنف والإضطهاد, لأن غاية وهدف تنزيل تلك الشرائع وإبداع تلك الدساتير وتكوين منظومة عالمية مؤسساتية وقانونية لحماية وتمكين الإنسان من حقوقه الأساسية بأبعادها المختلفة ينبع أساسا من يقينية مفادها وجود إنحرافات حتمية بشرية فردية وجماعية ، عشوائية ومنظمة ، مؤسساتية وفوضوية ستقود لا محالة إلى انتهاك تلك الحقوق الأصيلة المنصوص عليها في تعاقدات المجتمعات البشرية سواء في مستوياتها الوطنية أو الدولية وهو الأمر الذي عاشت مرارته البشرية على مختلف هوياتها الوطنية / العقائدية / العرقية / الإديولوجية بدون إستثناء . إن العالم اليوم للأسف يعيش تحت وطأة آفة كونية قديمة / جديدة / متجددة تنخر تماسك المجتمع الدولي والمجتمعات الوطنية وتتوعد سلمه وأمنه , بل تتهدد قدرته على الإستمرار والبقاء باعتبارها ظاهرة معقدة ومتقلبة تتداخل في تكوين تفاصيلها نوعية مدخلات ومخرجات السياسات الدولية والوطنية المسببة والمنتجة لها , وهنا نتحدث عن الإرهاب الدولي كأحد أهم المشاكل الدولية التي تعترض مجهودات المنتظم الدولي لتحقيق السلام والأمن الدوليين لهذا يبقى الإرهاب كمفهوم مهم إختلافات أبعاده ومصادره ومرجعياته عصي على تبرير أفعاله اللا إنسانية على أرض الواقع إجتماعيا ، وإقتصاديا ، وأمنيا ، وإنسانيا... فمهما كانت مرجعيات ذلك الفكر وخلفيات هجماته مبررة فهي تبقى خارج سياقات الخطاب الإنساني المدعوم بالتعاليم الديانة السماوية السمحاء أو الطبيعية حتى , فكل بني البشر رغم إختلاف أديانهم ، أعراقهم ، أجناسهم .. يقرون بوحشية تلك الأفعال اللا إنسانية والإجرامية البربرية. فتأسيسا على ما سبق يمكننا القول أن الأرهاب كظاهرة وسلوك إجتماعي قد تمت ممارسته كسلوك بشري وإجتماعي مبرر ومؤسس له نظريا ومؤسساتيا على مر التاريخ البشري تحت يافطة متعددة الدين ، الأيديولوجية ، العرق ، الطائفة ، المصالح .... لهذا يجب التأكيد على فكرة مفادها أن عمليات الإرهاب والإرهاب المتبادل بين المجتمعات والجماعات والأفراد هي عملية مستمرة في الزمان والمكان وغير مرتبطة ببنية إجتماعية أو حضارية معينة إنما هي ظاهرة كونية ليس لها وطن أو قومية أو دين ... فهي ظاهرة عابرة للحدود العقائدية والجيو سياسية , إن الظاهرة الإرهابية لها حضور مادي محسوس في أدبيات تفاعل المجتمعات البشرية مع بعضها البعض - منذ تشكل لبناتها الأولى - في تدبير الخلافات وتضارب المصالح وتعارض المرجعيات والقناعات القيمية والثقافية / المجتمعية والعقائدية / الدينية فالكثير من الأحداث التاريخية أسست واقعيا وعملياتيا لمفهوم الإرهاب بعيد عن محاولات خندقته في التأويلات المتحاملة لحصره في حضارة معينة أو ثقافة بعينها, فكل العصور في تصنيفات المتداولة في أدبيات علم التاريخ تحمل في طياتها تأريخا لعمليات إرهاب شهدتها المجتمعات البشرية عبر مراحل تطور التاريخ البشري تختلف مبرراتها ومرجعياتها يضيق المجال هنا للتفصيل فيها ، كما أن الظاهرة تعددت أشكال تمظهراتها من إرهاب أفراد إلى إرهاب جماعات إلى إرهاب دول ومؤسسات بل إن أوجه التعدد تتجاوز ذلك إلى ماهو وظيفي إلى إرهاب ذو طابع إقتصادي إجتماعي فكري ديني سياسي عرقي إجرامي. لكن السؤال الذي يبقى عصيا على الفهم هو لماذا لم تستطيع المجتمعات والدول والمؤسسات الإقليمية والدولية محاصرتها عبر تجفيف المنابع المغذية له مادي وفكريا , بالعمل على تصحيح السياسات الدولية والوطنية التي أدت إلى دعم أطروحاته التحريضية والإديولوجيته الإلغائية رغم حجم الموارد اللوجيستكية والمادية التي تم إستثمارها في هذا الباب ؟ وهو ما يحيلنا على طرح تساؤل ثان أكثر عمقا وهو المرتبط بأسباب توسع واستفحال الظاهرة وتأثيراتها على واقع السلم والأمن الدولي والإنساني.. فهل توسع الإرهاب كظاهرة إجتماعية بشرية ذات بعد كوني هي إنعكاس لأخطاء المنتظم الدولي والفاعلين فيه في التفاعل مع أزماته الدولية والإنسانية من خلال تغليب منطق وفهم القوى العظمى المؤثرة والمتحكمة في بلورة ملامح التعامل مع تلك الأزمات , مع تغيب وجهات باقي الأطراف المعنية بتلك الأزمات بشكل يكرس لفلسفة التناقض المبنية على تبرير كل ما تفعله تلك القوي من تدخلات بمررات تستمد قوتها من قواعد دولية متحكم فيها ليتم مسخ عقيدة الخطاب الإنساني الكوني المؤسس للمنتظم الدولي وآلياته المؤسساتية والقانونية ؟ للأسف فإن واقع الممارسة الدولية يؤشر على أن تحريفا وتشويها قد طال جوهر وعقيدة الخطاب الإنساني , بحيت أضحت تلك القواعد والأليات تشتغل بمنطق الكبار ومصالحهم القومية بعيدا عن هدف خدمة الإنسان والإنسانية والسهر على حماية السلم والأمن الدوليين, إنها موضوعة بشكلها الأسهل الذي يخدم مصالحها ، فالغاية تبرر الوسيلة بغض النظر عن أي شيء. وحتى يتسنى لنا ملامسة الإشكالات التي تدفع بالظاهرة للإستفحال والتوسع وجب العمل على رصد ظاهرة الإرهاب من زوايا متعددة تبتعد عن منطق الإقحام القسري لحضارة ما كسبب وحيد في تنامي الإرهاب , كما أن المبررات النظرية التي تم إنتاجها لتبرير الصراع الدولي - بعد أزمة التنظير التي شهدها حقل العلاقات الدولية بعد إنهيار نظام القطبية الثنائية - من قبيل النظريات الجزئية - صدام الحضارات ، نهاية التاريخ .. - تبقى قاصرة على توضيح ملابسات وحيتيات تنامي إيقاع الصراعات الدولية التي يبرز فيها الإرهاب كظاهرة عالمية مساهمة بشكل كبير في بعثرة أوراق المنتظم الدولي والتشكيك في قدرته على حماية السلام والأمن الإنساني الدولي , الأمر الذي يتطلب من الأطراف الفاعلة داخل المنظومة الدولية إعمال مراجعات نقدية إستراتيجية لمنطق ومسلكيات معالجة ظاهرة الإرهاب الدولي سواء على مستوى السياسات الدولية أو الإقليمية أو الوطنية , التي تروم تقديم الإجابات عن توابع الظاهرة الإرهابية لا أسبابها والعوامل المغذية لإستفحالها . إن مخاطر الإرهاب الدولي أضحت أكثر تنظيما وتوغلا وتأثيرا في الساحة الدولية بحيت تعتبر هاجسا ينهك تفكير دول وشعوب العالم فإذا سلمنا بإدعاء الغرب أن الإرهاب ينتمي للمجال الجيو سياسي للحضارة الإسلامية -مرتكزين في ذلك على المنطلقات النظرية لنظرية صدام الحضارات - وأنه نشأ في منطقتنا لعوامل معظمها داخلية في الأصل من قبيل الاستبداد، والطغيان، والظلم، والفساد، والإفقار، والتهميش، والتجهيل، مما ساهم في إنتاج بيئات حاضنة للإرهاب ومده بأسباب التوسع داخل البنيات الإجتماعية ودعم مصدر قوته الإستقطابية. ،ولكنها تنامى وتوسع نتيجة سياسات خاطئة لبعض القوى العظمى , إن حقيقة إسهام عوامل خارجية بقوة في تنامي الإرهاب و تأثيراته الأمنية والإقتصادية والإجتماعية... تابت في مسار تطور الظاهرة وتمددها، التي بدأت محدودة في منطقتنا لتتقوى وتتوسع ليصل مداها لعمق العواصم العالمية - نيويورك ، لندن ، الدارالبيضاء ، تونس ، باريس ، بروكسل .. - بل تعدى ذلك للتأثير على فاعلية أداء الأنساق الإقتصادية والسياسية والأمنية للمنتظم الدولي ككل كما أن تطور القدرات التمويلية والإستقطابية لمنظومة الإرهاب الدولي يؤشر على قصور تلك السياسات الدولية والوطنية ، الأمر الذي يتطلب قراءة جديدة لإستراتيجيات المجتمع الدولي في مجال مكافحة الإرهاب بشكل يتجه إلى إستهداف الأسباب الحقيقة المنشأة للظاهرة لا الإنشغال بنتائجها مع العمل على ضمان التوازن بين المقاربات الأمنية والعسكرية الإستباقية و المقاربات التنموية المبنية على بناء قدرات الإنسان أي كان لونه أو دينه أو جنسه ...في أي مكان من هذا العالم إن الإقرار بخطورة الإرهاب الدولي وقدرته على تعطيل المجهودات الأممية والدولية الهادفة لتحقيق النماء والرفاه الإنساني من جهة , والحفاظ على السلم والأمن الإنساني من جهة أخرى يتطلب من الجميع مجتمعات ودول وأفراد ومؤسسات وطنية ودولية التفكير في أساليب مبتكرة تزاوج بين المنظور الإستباقي والعلاجي في التعامل مع الأسباب الحقيقة للظاهرة عبر تكتيف المجهودات العلمية الهادفة لتحديد العوامل الأساسية المساهمة في تنامي الظاهرة الإرهابية في الشرق والغرب على حد سواء مع العمل على تصحيح النواقص التي تعتري المجهود الدولي والوطني لمكافحة الإرهاب خاصة على مستوى تجفيف منابع الجاذبة والمصدرة للإرهاب حول العالم من خلال الإشتغال على محاربة الاستبداد، والطغيان، والظلم، والفساد، والإفقار، والتهميش، والتجهيل... الذي تمكنت المنظمات الإرهابية من تحويل تداعياتها إلى مصدر قوة لها كما أنها نجحت في استثمار سياسات القوى الغربية الفاشلة في إدماج الجاليات العربية والإسلامية والتهميش الذي طالها عبر توظيف ذاك الفشل والتهميش في توسيع دوائر إستقطابها لتمتد لأبناء الجيل الثالث والرابع لتلك الجاليات والتي تعتبر نتاجا تعليميا وثقافيا للمجتمعات الغربية نفسها . فبناء على ما سبق ذكره كان لزاما على الجميع تحليل المنظومة القيمية والمجتمعية التي تدفع بالكثيرين للإسهام والإنخراط الفعلي في دعم الإرهاب ونشر اطروحاته الإلغائية عبر العالم كما أن الأمر يحتاج أكثر من الخيار الأمني لأنه ليس المنفذ الوحيد لإستئصال الظاهرة, وهنا وجب التأكيد على العلاقة الجدلية والحتمية بين الأمن والعدالة الإجتماعية والديمقراطية والتنمية لهذا بات من الضروري العمل على تشجيع الحوار والتفاهم الدولي لمكافحة الإنجذاب للإرهاب بعيدا عن منطق التحامل الإعلامي عبر وضع إستراتيجية دولية مبنية على على فلسفة " حرب الأفكار " للحد من إنتشار إيديولوجيات الإلغاء والتطرف أيا كان مصدرها ومرجعياتها فضلا عن دعم قدرة البناء الديمقراطي للأنظمة والمجتمعات المستهدفة بالمد الإلغائي لتنظيمات الإرهابية وجعلها قادرة على التصدي للظروف والعوامل التي يسعى الإرهاب إلى إستغلالها في مجتمعاتها ، وهو الأمر الذي سيؤدي بالتبعية إلى حرمان الإرهاب من بيئات حاضنة كانت ولازالت تشكل مصدرا مهما له على مستوى التمويل والإستقطاب , دونما إغفال لأوجه القصور التي تنتاب السياسات والإستراتيجيات الوطنية والدولية الإستباقية والعلاجية منها التي تستهدف ظاهرة الإرهاب الدولي فهي إن لم تكن سببا مباشرا في تشكيل ملامحها فإنها تعتبر مساهما مباشرا في توسعها وتمددها فكريا وجيو سياسيا على الساحة الدولية عبر أخطاء تراكمية لقوى العظمة على مستوى مسلكيات تفاعلها مع توابع وتأثيرات ظاهرة الإرهاب الدولي.