المملكة المغربية بين بيئة التكامل و "عقيدة الإلغاء" للأخر..؟ بقلم: يونس القادري
إن معرفة تبعات إعلان الحرب من قبل الدولة المغربية , وإنخراطها الكلي والمباشر في المجهود الدولي والعربي المبدول لمكافحة ومحاصرة إنعكاسات الظاهرة الإرهابية وتأثيراتها على واقع السلم والأمن الدوليين , يتطلب منا الغوص بالتحليل والدراسة في الإستراتيجيات المعتمدة من قبل مؤسسات الدولة لتقوية قدراتها الإستباقية في مجال مكافحة الإرهاب وحماية مصالح المغرب في مستوياتها الوطنية والإقليمية والدولية من هذه الآفة الكونية , التي أضحت إحدى أهم إنشغالات المجتمع الدولي المعاصر.. لكن هل فعلا يستطيع المغرب وفق المؤشرات الحالية التصدي لحجم التهديدات القادمة من البؤر والبيئة الداخلية الإقليمية و الدولية المصدرة والجاذبة للعنف والتطرف المغذي لظاهرة الإرهاب الدولي ؟ وهل فعلا تتسم إستراتيجياته الفرعية المعتمدة بالتكاملية والإلتقائية المفترضة خدمة للإستراتيجية العليا للدولة في شموليتها , حتى تؤدي أدورها المطلوبة تحصينا للأمن القومي للمملكة من التهديدات الصادرة من بيئاته الداخلية والخارجية الإقليمية والدولية ؟ كان لزاما علينا حتى يتسنى لنا تفكيك شفرات هذه التساؤلات/الإشكالية أن نعمل من أجل تشخيص البيئات المستهدفة بتلك الإستراتيجية , وما مدى قدرة هذه الأخيرة على تقوية تماسك الأنساق الفاعلة داخل البيئات المستهدفة بأهداف السياسات الوطنية العليا والإستراتيجيات الوطنية المتخصصة / الفرعية في أبعادها الداخلية والخارجية وحمايتها - أي الأنساق المستهدفة - من تأثيرات القوى الجاذبة والمصدرة للإرهاب الفاعلة في محيطه الجيو سياسي . كما هو معلوم أن المغرب قد وضع نصب عينه مجموعة من الأهداف الإستراتيجية العليا - مند تدشين ما يسمى في أدبيات التاريخ السياسي المغربي بالعهد الجديد- , تستهدف بالأساس الرفع من فعالية القوى الشاملة للدولة في أبعادها السياسية والإقتصادية والإجتماعية والعسكرية والجيو سياسية في إطار إستراتيجية عليا موجهة لمجابهة التحديات والتهديدات التي تتهدد وحدة الدولة وتماسكها وإستمراريتها , والتي تم ترجمته وتصريفها على شاكلة أهداف وسياسات وإستراتيجيات وبرامج فرعية / متخصصة تبتغي حشد وتنمية القوى الشاملة للدولة لوضع المغرب في مصاف الدول الصاعدة وتقوية حضورها الإقليمي والدولي دونما إغفال دعم وتقوية التماسك الإجتماعي والسلم والأمن المجتمعي , الذي نعتبره حجرة الزاوية في معادلة بناء إستراتيجية متامسكة وإستباقية لتحصين الدولة والمجتمع من أي تهديد للأمن القومي وعلى رأسها ذات الطبيعة الإرهابية في شمولية المفهوم بمختلف تجلياته العقدية الإقتصادية والإجرامية... لكن بعد مرور عقد ونصف من إطلاق هذه الأهداف الإستراتيجية يجب أن نقوم بتقييم مرحلي يستحضر منهج النقد الإستراتيجي لدراسة وتحديد مواطن الخلل وتحديد النواقص وتصحيحها, دونما إغفال لسمات التوجس والتقلب والغموض والتعقيد التي أضحت تميز الساحة الدولية والإقليمية المتفاعلة والمؤثرة في البيئة الداخلية للمغرب الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والعقائدية والأمنية ... خلاصة القول أن واقع المؤشرات العامة للقوى الشاملة لدولة تعاني عديد أوجه القصور تعوق عملية بلوغ الأهداف الإستراتيجية المعلنة خاصة على مستوى السياسي والإجتماعي والإقتصادي , مما يضعف قدرات المغرب على دعم إستراتيجيته لحماية أمنه القومي الترابي / الإقليمي والمصلحي / , الدولي فعلى مستوى الإصلاح السياسي عمل المغرب على تدشين إصلاح دستوري يمكن تصنيفه بالأجود والأكثر تقدما عن سابقيه , لكن عملية تأويله تنزيله وتفعيله تبقى بعيدة حتى عن جرأة منطوق النص الدستوري نفسه , فضلا عن أن واقع الحياة السياسية والإدارية تبقى قاصرة على مواكبة المتغيرات القانونية والمؤسساتية بشكل يناقض مع دعوات التخليق المتكررة في أعلى تراتبيات الدولة , مما ساهم في تزكية ونمو أزمة الثقة بين أفراد المجتمع ومؤسساته الرسمية والإجتماعية , الأمر الذي أدى بدوره إلى إضعاف مؤشرات المشاركة المجتمعية ليؤثر سلبا على مشروعية وشرعية تلك المؤسسات وجودة أدائها , الأمر الذي يكبح عمليات تأسيس نظام حكامتي يعتمد مبدأ فصل سلط حقيقي و يربط المسؤولية بالمحاسبة من جهة , ويقوض مسار تمكين المجتمع من آليات حقيقية للمشاركة الفعلية في صناعة القرارات السياسية والتنموية الحاسمة من جهة أخرى , مما ينتج حالة من النكوص المجتمعي بين أفراد المجتمع في ممارسة حقوقهم وتحمل واجباتهم ومسؤولياتهم المجتمعية في هذا المنعطف التاريخي الحساس الذي تمر به بلادنا , خاصة وأن المؤشرات التي يسجلها الإقتصاد الوطني تنذر بتعقيد الأوضاع الأقتصادية والإجتماعية نظرا لإرتفاع معدلات العجز في ميزانية العامة للدولة وحجم الإقتراض العمومي وإرتفاع نفقات تطوير منظومات الحماية الأمنية والعسكرية على حسب قطاعات ذات البعد الإجتماعي والخدماتي , فضلا عن ضعف الموسم الفلاحي الحالي مما يؤشر لمرحلة جديدة من سياسات التقشف على غرار ما عرفه المغرب بداية التمانينات من القرن الماضي , في إطار سياسات التقويم الهيكلي تستهدف بالأساس القطاعات الأجتماعية الحيوية , كما أن المقاربات المعتمدة من قبل الحكومة تتجه نحو تحميل الطبقات الوسطى والفقيرة أعباء تسديد فاتورة هذه الإقتراضات التي يتم توجيهها للأسف لسد عجز المزانية وهي التي يجب تخصيصها لإنعاش ودعم القطاعات الإقتصادية والإجتماعية الحيوية والإستراتيجية وتوجيه إنتاجية تلك القطاعات, لردم الفجوة المتسعة بين إقتصاد الدولة وإقتصاد المجتمع بشكل يضمن التوازن بين متطلبات الحفاظ على التوازنات المالية للدولة وخدمة الدين العمومي وتطوير/ تصحيح مؤشرات النمو الإقتصادي من جهة وحجم الإنتظارات والإحتياجات لفئات عريضة من المجتمع التي تتخبط في حالات العجز والإقصاء والهشاشة في مجالات الصحة التعليم التشغيل ... من جهة أخرى وتأسيسا على ما سبق وجب تصحيح مسار تلك السياسات ليتسنى لنا دولة ومجتمع , تجنب زعزعة التماسك المجتمعي وتقويض البيئة / الجبهة الداخلية للمملكة المغربية في ظل حرب مفتوحة على الإرهاب الدولي في مختلف بيئاته/جبهاته , مما سيشكل ثغرة قاتلة في أي إستراتيجية لحماية الأمن القومي , فإذا كان واقع البيئة الداخلية يحتاج إلى تصحيح يخرج عن منطق إصلاح الإصلاح - الذي كلف الدولة والمجتمع هذر فرص سياسية وإقتصادية وإجتماعية كانت ستجنب المغرب هذا الواقع الحالي - فإن البيئة الإقليمية تعج بالعوامل التي تغذي البيئات الحاضنة والمصدرة للتطرف والإرهاب من قبيل تفكك دول إقليمية ووقوعه ضحية جماعات الإرهاب الداخلية والعابرة للحدود { تونس – ليبيا – مالي اليمن ... } وأخرى معادية للمصالح الوطنية والإقليمية للمغرب عبر تدعيم أطروحات تستهدف الوحدة الترابية لبلادنا , وتخل بتوازن الأمن الإقليمي للمنطقة ككل , عبر دعمه أطروحة الإنفصال بغية إنتاج دولة مكروسكوبية ضعيفة لا تمتلك حتى مقومات الدويلة , فضلا عن نشاط عديد المنظمات الإرهابية الدولية على إمتداد المجال المغاربي والعربي والإفريقي والدولي , التي تتوعد في العلن والسر إستهداف المصالح الإستراتيجية للمغرب , الأمر الذي يستدعي من المغرب وشركائه في المنتظم الدولي الإحتكام إلى منطق إعلاء المصالح العليا للإنسانية والقيم الكونية بشكل يضمن التكامل بين المجهودات والإستراتجيات الأمنية والإستخباراتية والعسكرية الإستباقية على الإرهاب والسياسة المتخصصة / الفرعية الهادفة إلى تقوية عوامل تجفيف البيئات الحاضنة للتطرف والإرهاب, ليس فقط من خلال التدخلات العسكرية والأمنية , بل بدعم عوامل التنمية الإقتصادية والإجتماعية والسياسية للبيئات المستهدفة من قبل البؤر الجاذبة والمصادرة للظاهرة الإرهابية في أشكالها الداخلية والإقليمية والدولية , الأمر الذي يتطلب من المغرب وشراكائه الإقليمين والدوليين في حربه على الإرهاب خلق وتسهيل عمليات الحوار والإصلاح السياسي لعديد الدول الإقليمية سوءا منها المنتمية للبعد الإفريقي {مالي – نيجيريا...} أو العربي { اليمن - العراق – سوريا...} والتي تعاني التفكك والتجزئة السياسية والقبلية والمذهبية .. على غرار الحوار الليبي مع العمل على تخصيص برامج تنموية تستهدف إنعاش الإقتصادات الوطنية لتلك الدول وتعزيز تماسكه الإجتماعي بتصحيح و لتقويم المنطلقات والمبادئ المغلوطة التي تؤطر الحياة العامة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية ...التي تقف حجرة عثرة أمام أي إستراتيجية وطنية فردية أو إقليمية مشتركة لبناء وتعزيز الأمن القومي الوطني والإقليمي الذي يتعرض لعديد المخاطر الأمنية والإقتصادية والعقائدية الداعمة لزعزعة إستقرار وتماسك المنطقة ككل والمنتظم الدولي.