بقلم: يونس القادري - العرائش ماهية المفارقة؟ تعتبر الطفولة والشباب زاد الأمم وعماد مستقبلها ووقود إزدهارها وتقدمها ، فكلما كان إستثمار الدولة والمجتمع في دعم هذه الفئات الإجتماعية كلما كانت قدرة هذه الدول والمجتمعات على البقاء والإستمرارية قائمة باعتبارها استراتجية عليا للدولة ، خاصة وأنّ الطفولة والشباب يشكل ثقل ديموغرافيا لا يستهان به داخل المجتمعات العالم الثالتية عامة والمغربي على وجه التخصيص ، كما أنها تعد فئة إجتماعية مراهن عليها في المستقبل القريب للأخذ بزمام الأمور (صناعة/نماء) وإزدهار الأمة المغربية، لهذا كان من الضروري دعمها بالوسائل والإمكانات اللازمة للإطلاع بأدوارها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، فالمغرب دولة ومجتمعا أصبح متيقنا أكثر من أي وقت أنّ رهان ربح تحديات الألفية الثالثة في مختلف تجلياتها السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية ينطلق من قدرته على خلق دينامية تنموية ، يكون منطلقها وغايتها "تنمية الإنسان" المغربي عامة والطفولة والشباب على وجه التخصيص من أجل تكوين نظرة شاملة لما قد يقع في الافقين البعيد والقريب، فاللإنسان المغربي لازال يعرف عجزا إقتصاديا وإجتماعيا وثقافيا يصعب معه التفاعل الإيجابي مع المعطى التنموي الكائن ، فضلا عن أن عمليات الإصلاح التي طالت وتطال عديد القطاعات ذات الإرتباط بتهيئة وتأهيل الناشئة المغربية لمجابهة تحديات القرن الواحد والعشرين -التعليم ، تأهيل والتكوين المهني ، الشباب والرياضة ، الصحة ، التشغيل،المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عرفت عديد التعثرات والإخفاقات ذات الأثر على الواقع الإجتماعي والإقتصادي للناشئة ، بالقطع مع منطق الريع والمحسوبية والفساد والافساد والفسدة ممن عبثوا بالمصالح العليا للوطن وتعريضه لمخاطر حيث انه يمسي كنقاط جذب للبيئة الدولية الحاملة لمشاريع الموت والالغاء ، والذي كلف المغرب دولة ومجتمعا هدر زمن وفرص تنموية ثمينة، تم وسيتم اقتطاعها لا محالة من دُخول وأرزاق الأجيال الحالية والقادمة كقروض دولية سترهن القرار السيادي للمملكة باشترطات مفروضة من قبل الهيئات والمؤسسات العالمية المانحة.. فإذا كانت الدولة اليوم تسعى إلى تصحيح هذا المساراستحضارا ل "القوة الذكية" المبنية على الاستثمار في الموارد البشرية وتنمية قدراتها ومهاراتها في التفاعل مع المعطيات الداخلية والخارجية المتسمة بالتوجس والتقلب والغموض و التعقيد ، و إن كان بخطوات خجولة تترنح بين قوة الخطاب وضعف التنزيل ، بمعنى أن معظم المشاريع والبرامج التنموية المرصودة للإجابة عن ذلك العجز تبقى قاصرة عن بلوغ الأهداف المعلنة بقوة الخطاب . لهذا نعتبر أن الإهتمام بفئات الطفولة والشباب أصبح اليوم ضرورة إجتماعية ملحة لما تتخبط فيه هذه الشريحة من إشكالات ذات التأتير المباشر على مستقبل الأمن المجتمعي في مختلف تجلياته الثقافية والإجتماعية والإقتصادية والأمنية ، فمن المعلوم أن رهان وقف نزيف الثروة غير المادية وعلى رأسها الموارد البشرية أضحى بوابة للعبور نحو عوالم النمو والتنمية المستدامة.. القناعة التابتة اليوم هي أن أي مجهود تنموي لا يستهدف خدمة الفرد عبر تمكينه من آليات تطوير مهاراته وقدراته بهدف تأهيله من أجل أن يكون رقما مؤثرا في معادلة تحقيق التنمية الشاملة ، سيكون ضربا من العبث لا يستهدف إلى إنتاج سياسات عمومية قاصرة على الإستجابة لعنصري الإستمرارية والإستدامة .. فكل فعل تنموي يفتقد للإستمرارية والإستدامة لن يحيد عن المنهجية التي سادت صناعة وتدبير السياسات والبرامج التنموية طيلة عقود، والمؤطر بمنطق حل مؤقت لمشكل مستدام . الأكيد أننا اليوم أمام مفترق طرق يستوجب من جميع الفاعلين تحديد الأولويات وتوحيد الجهود لتقديم الإجابات الواقعية عن المشاكل والمعوقات التي تحد من مردودية السياسات العمومية التي تستهدف الطفولة والشباب ، فمن الواضح أن خروج هذه السياسات عن منطق ربط الوسائل بالأهداف وتعدد المتدخلين مع غياب رؤية إلتقائية وتكاملية ، يفقدها قدرتها على المردودية و يحد من جودتها كما أن تغيب المستهدفين منها في مراحل تحضير و صياغة وتنزيل و أجرأة وتقويم و تقيم تلك السياسات يجعلها تصطدم برفض تلك الفئات الإجتماعية مما يصعب عمليات تنزيلها وتحقيق أبعادها . لهذا أضحى واجبا على صانعي القرار وضع المعطيات السالفة الذكر بالحسبان ،عند وضعهم إستراتيجية وطنية لتأهيل قطاعي الطفولة والشباب الذي أصبح ضرورة لا مفر منها لتحصين المغرب من الردات الزلزالية القادمة لا محالة على المدى المتوسط والبعيد من محيطينا الإقليمي والدولي ، خاصة وأنّ هذه الفئات الإجتماعية تشكل ثقلا ديموغرافيا واجتماعيا يجعلها محط إستهداف لجماعات وأيديولوجيات التطرف والعنف الداخلية منها والعابر للحدود، هذا إذا ما علمنا أن هذه الفئات الإجتماعية تُعاني من عجز اجتماعي واقتصادي وثقافي جراء فشل "إصلاحات الإصلاح" في التعليم وعجز سوق الشغل على إستيعاب أعداد الخريجين من الجامعات والمعاهد .. فضلا عن قصور إن لم نقول فشل عديد البرامج التنموية والقطاعية.. التي جاءت للتخفيف من حالات العجز التي تتخبط فيها تلك الفئات ، ما يدفعهم تحت ضغوط الحياة اليومية نحو الانحراف ليصبحوا "أداوات هدم" وليس "كوادر بناء" للمجتمع والدولة ، كما أن ضعف وإن لم نقل غياب المقاربات العلاجية والإستباقية العمومية والمدنية التي تُعنى بالمشاكل الإجتماعية والإقتصادية والمعرفية يؤدي إلى طريق واحد يحوّل الطفولة والشباب في بلادنا عن مسار التوجيه السليم إلى مسار خاطئ يصبح فيه عضوا غير سوي في مجتمعه ، ويتجه نحو العنف والإجرام وبالتالي إرتفاع مؤشرات تقويض الأمن والسلم الإجتماعي ، الأمر الذي يجعل تلك الفئات الإجتماعية بيئات حاضنة للإنحراف والجريمة من جهة والتطرف والإرهاب جهة أخرى. فإذا كان للشباب والطفولة ( النشئة الإجتماعية ) هذه الأهمية البالغة في مسار بناء المجتمعات والدول ، فإن مهمة إعدادها وتأهيلها وتسليحها بالعلم والمعرفة للقيام بتحمل المسؤوليات التي سينهض بها في الحاضر والمستقبل ، يمثل أهم التحديات الكبيرة التي تواجه الحكومة والمجتمع. ورغم أن الخطاب الرسمي لا يخلو من دلالات تؤشر على إعتراف ضمني صريح يقر بضرورة إعادة الإعتبار لهذه الفئات الإجتماعية ومراجعة آليات التعامل مع قضاياها الحيوية، إلا أنه يبقى- أي الخطاب الرسمي- إلى حدود الساعة مجرد تشخيصات وردود أفعال عن الظواهر الإجتماعية التي تضعف قدرة تلك الفئات على الاندماج و المساهمة في بناء المجتمع والدولة ، دون الخوض في بناء مشروع إستراتيجي يعمل على إعتمادا مبادئ الإشراك والمشاركة الحقيقية الشمولية التكاملية الإلتقائيات للسياسات العمومية المخصصة لتقوية حضور فئات الطفولة والشباب في معادلة نماء وأمن المجتمع والدولة.. تأكدا على ضرورة إعادة التفكير في منهجية إحتواء الظواهر الإجتماعية والإقتصادية التي تكرس حالة الإقصاء والتهميش التي تنال من تماسك وقدرات هذه الفئات الإجتماعية على المساهمة في دينامية التنمية التي يحاول المغرب إرساء مقوماتها والبحث عن الأنموذج الأصلح والأكثر تجاوب مع الخصوصيات المغربية، كان لزاما توسيع دائرة التفكير والتخطيط مع الرفع من درجة اليقظة المؤسساتية والمجتمعية ، خاصة في ظل ما يعرفه الداخل المغربي من ضعف في أداء القطب الإجتماعي من جهة وتراكمات سنوات من الأخطاء الإستراتيجية على مستوى تدبير قطاعات عمومية ذات الأولوية والتأثير مباشر على الناشئة من قبل التعليم والثقافة والشباب والرياضة التكوين المهني والتشغيل .. وغيرها الكثير من جهة أخرى كما أن تفاعل هذه الفئات الإجتماعية مع المخرجات الوطنية والدولية يتصف بمحدودية التجاوب والانخراط الفعلي في مشروع الدولة والمجتمع لكونها دائما ما كانت مستهدفة بمنطق الوصاية والاحتواء دونما مراعاة لقدرتها وكفاءتها على اعتبار هذه الفئات دائما ما كانت خزانا يزخر بالافكار ويحرص على المساهمة داخل المجتمع، لكنها معرّضة للاقصاء من دائرة الفرص المتاحة ، وبالتالي لم ولن تستفيد من حجم الحلول التنموية التي كلفت خزينة الدولة ملايير الدراهيم دون بلوغ الأهداف المسطرة، كما أن صوتها يبقى محدودا في عملية صناعة القرار إلاّ لم نقل شكليا يقتصر على دوائر ضيقة يتم صناعتها في المركز وتوليتها قسرا حقّ ثمثيل فئات عريضة بمنطق الولاءات للأشخاص لا الافكار والثوريث لا الاستحقاق . لهذا يمكننا أن نعتبر التحدي الذي يواجه الدولة والمجتمع في هذا الباب يكمن في توفير البيئات الملائمة التي من شأنها مساعدة هذه المورد البشري الحيوي على تفجير كافة طاقاته ومكنوناته ... فمن المعلوم أن الشباب والطفولة يمثل مستقبل المغرب وأن التغلب على عوامل الاستبعاد والاقصاء الاجتماعي المفتعل التي تطاله في مختلف المؤسسات والمجالات سيشكل قفزة نوعية في مسار بناء النموذج التنموي المجتمعي المغربي بمنطق يراعي التوازن بين عنصري المردودية والإستدامة من جهة ومتطلبات النمو الإقتصادي والحفاظ على السلم والأمن والإستقرار المجتمعي من جهة أخرى الأمر الذي سيكون له الاثر المهم والاهم في الدفع بالمغرب الى مصاف الدول التي تحترم نفسها وتخشى على حاضر ومستقبل أجيالها.