هل يمكن اعتبار إصلاح الشأن الديني أساسا لإنجاح الإصلاح السياسي والاجتماعي في ظل التحولات القائمة التي أفرزها الحراك العربي، وانتقال الحركات الإسلامية الى تبوء مراكز القرار. لقد بدأ يصاحب الانقلاب السياسي في موازين القوى، تغييرات متفاوتة في المجالات الاجتماعية والثقافية. ووقفت الأوساط الديمقراطية والحركات الحقوقية عند الكثير من علامات الاستفهام حول مصير المكاسب الحقوقية المنخرطة في المنظومة الكونية لحقوق الإنسان، والتي دافعت عنها هذه الأوساط لتشكل الأرضية الثقافية التي يفترض أن ترتكز عليها مشروعات الإصلاح السياسي في المنطقة العربية. واليوم يقفز الى السطح الدفاع عن مفهوم الخصوصية حيث تتم العودة وبقوة في أكثر من واجهة الى إعادة النظر في العلاقة مع المنظومة الكونية, خصوصا فيما يتعلق بالحريات الفردية وحرية المعتقد وقضايا الطفل والمرأة، في مراجعة الدساتير أو تأسيسها، وندرج هنا حالة تونس ومصر وليبيا. وفي هذا الباب يعتقد كثير من الإسلاميين بأن هذه المنظومة الكونية ليست ملزمة. ويرفعون في مقابلها الشريعة كمنظومة تستمد مشروعيتها من كونها ربانية. ومن هذه الزاوية يتحول الخلاف السياسي إلى خلاف ايديولوجي وديني. هدفه مسك السلطة لتغيير المجتمع عبر تبديل النمط المجتمعي,ليطرح السؤال من بابه الواسع هل كونية حقوق الإنسان والديمقراطية في حالة تتعارض مع الدين بقيمه وتشريعاته، أم أن طرح السؤال هو في حد ذاته تأسيس لثقافة أخرى تبحث عن حلول تعايشية داخل الوطن الواحد؟. وجوابا عن هذا السؤال, هناك آراء مختلفة وبحث متواصل يستند الى تجارب غربية وأخرى اجتهادية في النصوص والثقافات ومن هذا الباب, هناك من لا يقبل بالثقافة الكونية في مسألة حقوق الانسان، ويتطرف حد العودة الحرفية لنصوص فقهية تعود الى القرون الغابرة غير قابلين بالاجتهاد فيها, ونفس الشيء يتعلق بالمدافعين عن الكونية دون إدارج أي خصوصية فيما يتعلق بحقوق الإنسان. في حين يرى بعض الديمقراطيين والحقوقيين أن تهميش الثقافة الدينية، أو العمل على إبراز التعارض بين منظومة حقوق الإنسان وبين الإسلام من شأنه أن يشكل عائقا أمام انتشار هذه المنظومة الحقوقية ويلغم العملية الديمقراطية. كما أن الكثيرين منهم أصبحوا يقولون أن الإسلام يتمتع بقيم تحررية إنسانية مكنته من بناء حضارة مشهود لها بالقوة والتماسك إلى جانب اعتقادهم بأن اختزال الإسلام في بعض المسائل والأحكام بعيدا عن سياقها التاريخي يعتبر خطأ منهجيا يرتكبه الكثيرون من شأنه أن يطمس القيم الكبرى التي جاء من أجلها الإسلام، والتي بفضلها أنشأ أمة وثقافة ثرية، وأسهم من موقعه في دفع الحضارة الإنسانية خطوات كبرى نحو الأمام. وفي هذا الجانب يعود هؤلاء الى السياق الأوروبي والجهود التي بذلت للتخفيف من حدة المواجهة التي قامت بين الكنيسة من جهة وبين مختلف قوى التحديث الفلسفي والعلمي والسياسي والاقتصادي من جهة أخرى، وذلك من خلال مراجعة المفاهيم الدينية للمسيحية.لكن مع أهمية الخصوصية الأوروبية, من هذا المنطلق وجدنا في الندوة التي نظمها المجلس الاستشاري لحقوق الانسان شريكا لبلورة مزيد من الأسئلة مع ضيوف المجلس الذي حجوا الى الرباط لمناقشة « حقوق الانسان كحقوق كونية وغير قابلة للتجزيء» معمقين السؤال حول العوائق التي تعترض ذلك والدروس التي يمكن استخلاصها من التجارب الجيدة في العالم ، وكيف يمكن توضيح وتجديد عناصر النقاش بين التقاليد الدينية وحقوق الإنسان, وما العمل لئلا تكون التعددية الثقافية التي تحميها حقوق الإنسان وتعززها حاجزا أمام كونيتها، ومؤهلا من شأنه ترسيخها في التجارب الإنسانية المختلفة.لكي لا يكون الدين عائقا في ممارسة حقوق الإنسان كما تنص على ذلك المواثيق الدولية. أحمد العبادي: الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء: الشأن الديني من الناحية المطلقة لا يمكن أن يكون متعارضا مع حقوق الإنسان بدأنا السؤال حول هذا الموضوع مع أحمد العبادي, الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، والذي صدر له العديد من الكتب تهم الشأن الديني و مناهج التفسير، ناهيك عن اشتغاله على تاريخ الأديان في البحث والتدريس ، قال السيد أحمد عبادي أن سؤال :هل يمكن للشأن الديني ان يعيق الحراك الكوني في مجال حقوق الإنسان هو سؤال مطروح بحدة اليوم. والحاصل أن الشأن الديني لا وجود له على الإطلاق, لأنه داخل الدين الواحد وفي ميادين مختلفة هناك جملة من المفاهيم. وهذه المفاهيم المختلفة لها قواعدها التي تنطلق منها ولها أصولها التفكيكية والتحليلية و الاستنباطية، وبالتالي فالحديث بإطلاق عن الشأن الديني لا يمكن أن يوصلنا الى فكرة واضحة عن واقع الحال، ومن تم لابد من إعمال قدر من التفكيك. فأي شأن ديني يمكن أن نتحدث عنه؟ إن الشأن الديني من الناحية المطلقة لا يمكن أن يكون متعارضا مع حقوق الإنسان, باعتبار أن الدين في إطلاقه هو يسعى أصلا إلى إسعاد الإنسان. فالمقصد الأسمى لكل الأديان هو تحصيل السعادتين ، كما نص عليه عدد المفكرين بهذا الخصوص, سواء من الجانب الاسلامي أو من الجانب المسيحي وحتى الجانب اليهودي و الكونفوشيوسي والهندوسي وغير ذلك من الأديان، و كلهم ينصون على أن الهدف الأسمى للدين ومقصده الكلي هو إسعاد الإنسان آجلا وعاجلا. وهو ما نص عليه الراغب الأصفهاني ، لتحصيل السعادتين. من هنا و من الناحية المبدئية لا يمكن أن نتصور هذا التعارض. لذلك فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي انطلق منذ 1948 باعتباره جملة من النصوص الضامنة لحقوق الإنسان إذا أعملت في منحاها الصحيح . لقد سبق أن كان هناك جدل، هل نسميه الإعلان الدولي أو الإعلان العالمي. وتم الاتفاق على كلمة العالمي حتى لا تكون الدول بدورها عائقا أمام تطبيقه، و لكي يتجاوز بعد الدولة الى البعد الكوني والعالمي. فالعالمي ليست هي الدولي، وبالتالي فالتسمية في حد ذاتها تسعى الى إزاحة كل العوائق كما إزاحة حتى الحدود وربما الصعوبات التي يمكن أن تنتج عن تبني المؤسسات الإدارية في الدول المختلفة لهذا الطموح لتنزيل حقوق الانسان بشكل عام. إذا كانت الأديان تنص على أن مقصدها الكلي هو إسعاد الإنسان فإن الإنسان من أعظم ما يتشبث به هو ضمان حقوقه وتحقيق كرامته، وإزالة كل العقبات التي يمكن أن تحول دون ذلك. فالبحث من هذه الزاوية في الأديان المختلفة يعطينا نتائج في غاية الأهمية، وبالتالي تمت بلورة نظرية سميت بنظرية النسبية المعكوسة المعتدلة، أي التي تتبنى وتنطلق من فرضية الإغناء المتبادل بين الإعلان العالمي لحقوق الانسان وبين كل الثقافات والممارسات الدينية المختلفة عبر العالم وحتى الحضارات. بمعنى أن هناك دائما نوافذ مفتوحة للإغناء وللتكميل المتبادل بين هذه المنظومات الثقافية المختلفة في العالم. ومداخلتي التي قدمتها في ندوة حقوق الإنسان كحقوق كونية وغير قابلة للتجزيء كانت محاولة لبلورة هذه النظرية أي نظرية النسبية المعتدلة المعكوسة, أي التي فيها هذا التفاعل بين مختلف المنظومات والأنساق التشريعية للإغناء. والهدف المتوسط هو أن نتيح تفهما يفضي الى تملك،فإذا تفهمت الحضارات والثقافات هذه الحقوق فإنها تتملكها، وإذا انفتح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بهذه النسبية المعتدلة المعكوسة عوض النسبية الثقافية المعتدلة التي كانت من قبل، فإن هذا يتيح فرصا أمام هذا التملك الذي من شأنه أن يفعل هذه الصيرورة، أي صيرورة الكونية وعدم التجزيء في مجال حقوق الإنسان. لذلك أنا أعتبر أن هذا التداول الذي حصل في هذه الندوة هو تفاعل بناء, لأنه فتح جملة من القنوات بين الثقافات والتقاليد الحقوقية المختلفة لكي نستأنف هذا الحوار الذي لا يمكن إنضاجه إلا بتجاوز «الكوليانيات» المختلفة سواء كانت سياسية أو دينية سعيد لكحل, أستاذ باحث في الحركات الإسلامية: الدستور المغربي ترك للمتشددين منفذا عندما نص على كونية حقوق الإنسان كما نص على الخصوصية، والإسلام هو دين الدولة اعتبر سعيد لكحل, الباحث المختص في الحركات الإسلامية والذي صدرت له العديد من الأبحاث التي تتعمق في النصوص والظواهر بالنقاش والتحليل ،أن معالجة العلاقة بين الدين وحقوق الإنسان كما هو متعارف علية كونيا يقتضي المعالجة من زاويتين، الأولى متعلقة بالقراءة المحافظة للدين والتي تجعل هذا الأخير يتناقض مع حقوق الإنسان. والدليل على ذلك أن التيارات السلفية بمختلف توجهاتها وأطيافها تلتقي عند الرفض التام لثقافة حقوق الإنسان، ويسميها بعض هذه الأطياف بعقوق الإنسان ويعتبر أن حقوق الإنسان كما هي منصوص عليها في المواثيق الدولية هي تهديد للدين و متصادمة لأحكامه, وفي مقدمة ذلك حرية التعبير و حرية الاعتقاد. فحرية التعبير لا ينبغي أن تتعارض مع أحكام الدين وتشريعاته وكذلك حرية الاعتقاد, باعتبارها تتعارض مع الدين مادامت تعطي للشخص حرية دينه، وتغيير العقيدة بالنسبة للمسلم هو ردة, وبالتالي ينزلون عليه حكم الردة الذي هو القتل. وهذه القراءة تضع الدين في تناقض تام مع المواثيق الدولية. كذلك فيما يتعلق بحقوق الطفل وحقوق المرأة. ونحن نعلم أن التيارات السلفية كلها تدعو إلى ختان الإناث كما تدعو إلى زواج القاصرات وحرمان المرأة من الإرث مناصفة مع الرجل. وجانب آخر أن هذه التيارات تقفل باب الاجتهاد فيما يتعلق بحقوق المرأة ويعتبرون الباب مقفولا في هذا الجانب ومحسوم في نظرهم. وهذه قراءة محافظة تجهل الدين وتجعله في صدام دائم مع ثقافة حقوق الإنسان. أما القراءة المنفتحة المتنورة للدين والتي تساير حقوق الإنسان في كل مرحلة زمنية وتظهر فيها اجتهادات تحاول التوفيق بين حقوق الإنسان وبين النصوص الدينية ويحاولون الاجتهاد بما يتلاءم مع المواثيق الدولية. ولكن هذه القراءة المتنورة تجد نفسها أيضا في جوانب معينة متحفظة على بعض الحقوق ، فيما يتعلق مثلا بالإرث بالنسبة للمرأة وأيضا حرية الاعتقاد. فلا تقدم هذه القراءة ولو أنها منفتحة ومتنورة اجتهادات تلائم بين حرية الاعتقاد وبين الفقه الاسلامي. باعتبار الفقه والشريعة هما اجتهاد فقهي وآراء للفقهاء ولتيارات دينية لتنوير النص الديني, فهم لا يعبرون عن النص الديني كما هو, بل لفهمهم لهذا النص. أما فيما يخص سؤالكم حول تبوء جزء من الحركات الاسلامية مسؤولية الدولة الموقعة قبلا على مجموعة من الاتفاقيات الدولية، فهناك مشكل اليوم حقيقي, وأستحضر هنا حالة تونس والمغرب. والأمر مطروح للنقاش. فبالنسبة للمغرب فقد ترك الدستور المغربي منفذا ينفذ منه المتشددون عندما نص على كونية حقوق الإنسان كما نص على الخصوصية، و الإسلام هو دين الدولة. فالمتشددون والتيارات السلفية وعموم الإسلاميين يطالبون بالتوفيق بين التشريعات الوطنية وبين التشريع الاسلامي وفق هذا المنفذ داخل الدستور للتوفيق بين إسلامية الدولة والالتزام بأن الاسلام هو المصدر الأعلى للتشريع, والالتزام كذلك بالخصوصية اتجاه الكونية واتجاه المواثيق الدولية. وهذا مدخل اساسي عند المتشددين وعموم السلفيين. ومن هنا يبدأ سوء التوظيف. أما في تونس فقد طرحت مسألة المساواة بين المرأة والرجل, ورفض الأمر وطرح السلفيون بديلا عنه سموه بالتكامل, بمعنى أن المرأة فقط هي مكملة للرجل وبالتالي فهي عنصر ثانوي وليست عنصرا أساسيا. إذن هناك جدال ومخاض في تونس، يطرح سؤال ما سيكون عليه الدستور في تونس، هل مفهوم المساواة أم التكامل؟ هي إذن معركة سياسية لابد أن يخوضها التيار الحداثي والديمقراطي في تونس. وعودة الى المغرب فالأمر حسم لأن الدستور تمت المصادقة عليه، ويتضمن هذا المنفذ الذي يوظفه المتشددون توظيفا سلبيا، والمعركة مفتوحة على هامش تنزيل الدستور بشكل ديمقراطي يراعي ويلتزم ويحترم المواثيق الدولية التي وافق عليها المغرب وهي مواثيق حقوق الإنسان. هي إذن معركة مفتوحة اتجاه التيار الحداثي الديمقراطي بأن يوحد صفوفه ورؤيته ويوحد حتى أدوات عمله ومجال معركته. سمير ديلو, وزير حقوق الإنسان التونسي: ما يثار في تونس من مخاوف يدخل في إطار التجاذب السياسي والحزبي وجهنا سؤالنا إلى وزير حقوق الإنسان التونسي ، بالقول أن هناك من يرى أن الشأن الديني في الأديان جميعها يتعارض مع المنظومة الحقوقية الكونية، كما أن هناك من يقول أن من الضروري البحث عن تسوية محاطة بالقوانين من أجل احترام الخصوصيات دون مس بالحقوق في نموذجها العالمي، وهناك من يرى أن الخصوصية, وخصوصا على المستوى العربي الإسلامي, هي مجرد هروب من المنظومة العالمية ومن المواثيق الدولية، من أجل أن يشرع الدين في هذه المنظومة بناء على النصوص من جهة وعلى التفسيرات الفقهية والاجتهادية من جهة أخرى، الشيء الذي يتعارض مع العالم الجديد بمواصفات جديدة, بحكم أن تفسيرات ماضوية تعود الى القرون الغابرة، وطلبنا من الوزير رأيه باعتباره من الجناح المعتدل من سلفيي حزب النهضة التونسي. قال الوزير بالحرف:» سؤالك يحتوي على مواقف كثيرة مبنية للمجهول وفي الوضع الراهن الذي نعيشه في العالم العربي والإسلامي نشكو من التعميم ونشكو من نسب مواقف الى جهات غير محددة تدقيقا ,وذلك يحيل من الناحية العلمية على وضعية غير واضحة ومضطربة, خاصة إذا اعتمدنا على عاملين، أولهما أن المواقف هي في حالة تطور وتحول. فبعض الأحزاب والجماعات كانت في موقع المعارضة, ثم انتقلت الى موقع المشاركة في السلطة، وهذه الرجة تؤدي الى الكثير من المراجعات والى صياغة مواقف على ضوء الاحتكاك بالواقع وتحدياته وإكراهاته، بالإضافة إلى أن الواقع العربي في كل بلد هو مختلف، فبلدان المشرق ليست كبلدان المغرب، وبعض الظواهر الاجتماعية والاقتصادية تؤثر على الأطروحات والمواقف. وبالعودة إلى سؤالك حول كونية منظومة حقوق الإنسان وإكراهات المحلية والمرجعيات وخاصة المرجعيات الدينية، يمكن التأكيد على أنه يجب النظر الى تصورات في إطار الصيرورة لا في إطار المواقف الثابتة، فكل المواقف تتأثر أولا بالمواقع وثانيا بالمستجد، والأطراف التي لها مرجعية إسلامية من بين مقولاتها المأثورة أنه تحدث للناس أقضية بقدر ما يحدثون من فجور, أي أن البيئة والواقع تؤثر في التصورات وفي المقولات، ومنظومة حقوق الإنسان في المخيال الإسلامي تحيل دائما إلى مرجعية مزدوجة، أولها تقوم على النصوص التأسيسية الدينية, أي الوحي, القرآن والسنة، وعلى الاحتكاك بالواقع. ومن خلال تجارب الحركات الإسلامية وخاصة تجربة حركة النهضة في تونس, يمكن الجزم دون خشية الخطأ بأنها كانت من أوائل الحركات التي انتبهت أنه من اليسير لا السعي إلى التوفيق بين المنظومة الكونية لحقوق الإنسان القائمة على المواثيق الدولية وعلى أهم ما أنجزه العقل الإنساني، وإنما أيضا على ما عاشته الشعوب ووصلت فيه إلى نقطة التقاطع وتحتاج فقط إلى بعض التدقيق وإلى أن تسبق النخبة الحس الشعبي. فمسار حقوق المرأة في تونس كانت فيه النخبة السياسية الحاكمة متمثلة في شخص الحبيب بورقيبة رحمه الله، سابقة لتطلعات ومتطلبات الواقع والجمهور، ولكنها أصبحت الآن من تحصيل الحاصل وأصبح مطروحا على النخبة مهما كانت مرجعيتها أن تتقدم الى الأمام, رغم أن التجادبات السياسية وخاصة الحزبية، تطرح إشكاليات غير موجودة في الواقع، فما يثار حاليا في تونس كون مكاسب المرأة مهددة بالمراجعة والانتقاص هي مخاوف غير جدية في اعتقادي، وتدخل في إطار التجاذب السياسي والحزبي. وما يمكن التأكيد عليه أننا لا نعيش تحديا خطيرا وإنما نعيش فرصة تاريخية حتى يكون التوق العربي نحو الحرية مرتبط بتوق نحو التأسيس في مجال الدولة، التي توفق بين احترام تاريخها وتراثها وقيمها ودينها ولكن تكون كذلك متصالحة مع واقعها ومحيطها ومتبنية لكل ما أنجزته الإنسانية في مجال حقوق الإنسان وكل التراث العالمي والكوني وما أسست له المواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان. وخلاصة الأمر في تقديري أن مسيرتنا الوطنية المحلية تتقاطع مع المسيرة الكونية في مجال التأسيس لمنظومة دولية لحقوق الإنسان. المحجوب هيبة, المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان: العولمة التي كان المفترض فيها أن تساهم في تعزيز كونية حقوق الإنسان عرفت بعض المنزلقات أثارت مداخلة المحجوب هيبة تساؤلات هامة من خلال دقتها في التناول لموضوع الندوة الدولية المتعلق بكونية حقوق الإنسان غير قابلة للتجزيء, التي قال عنها المتدخل أن الالتزام بها تواجهه خمسة تحديات رئيسية: أولا- تحدي الإرهاب الذي يشكل تحديا كبيرا يجب مواجهته لأنه يمس الحق الكوني الأول وغير القابل للتصرف وهو الحق في الحياة، وفي هذا الصدد تتطلب مكافحة الإرهاب احترام حقوق الإنسان وفق المعايير الدولية، إضافة إلى الاهتمام بضحايا الإرهاب تماشيا مع نفس المعايير. ثانيا- تحدي تنامي الانطواءات الهوياتية وما يرتبط بها من شيوع قيم الحقد وكراهية الآخر والتمييز، وما يعرفه العالم اليوم من عنف وإرهاب وتطرف متبادل بين بعض الجماعات والدول لأسباب دينية أو حضارية أو عرقية أو ثقافية يؤشر على المخاطر التي تواجه احترام كونية حقوق الإنسان وقيمها الإنسانية المتمثلة في التضامن والتسامح والتثاقف البشري. فإذا كانت مبادئ حقوق الإنسان قد أصبحت اليوم قواعد آمرة وملزمة بالنسبة للجميع على المستوى الدولي وشرط من شروط الانخراط في تحقيق الديمقراطية وبناء دولة القانون، فإنها تواجه بتحديات وترددات تحد من الانخراط الحقيقي فيها فيما يخص بعض المستويات والمجالات لاعتبارات هوياتية، علما أن حقوق الإنسان هي هوية لجميع البشرية. ثالثا- تحدي الهجرة، فبالرغم من أن هجرة البشر قد ساعدت عبر التاريخ في بلورة ونقل قيم حقوق الإنسان, فإن ما يعرفه العالم اليوم من تنقل مستمر وبوثيرة قوية، يطرح تحديات ترتبط بأساليب وأنماط تدبير الهجرة عبر العالم والتي أصبحت تضر حقوق الإنسان، ولاسيما ما يواكبها من استشراء لقيام التمييز وكراهية الأجانب، ولعل مفهوم الكونية يستدعي منا اعتماد حكامة عالمية جيدة في مجال تنظيم تنقل البشر وفق مقاربة حقوقية. رابعا- تحدي العولمة، حيث تطرح كونية حقوق الإنسان باعتبارها قيما مشتركة لكل الإنسانية ودون تمييز، في حين أن العولمة التي كان المفترض فيها أن تساهم في تعزيز كونية حقوق الإنسان وتعمل على تعزيز التمتع المزايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل الشعوب، عرفت بعض المنزلقات، ففي المجال الاقتصادي ما زال العالم يعرف توزيعا غير متكافئ وغير عادل للثروات والمنافع الاقتصادية، وفي المجال الاجتماعي ما زالت دول المعمور تعاني من اختلالات على مستوى نظم العدالة الاجتماعية. كما أن العولمة ساهمت في التأثير على اتساع الاستفادة من مفهوم الكونية من خلال دورها في خنق الخصوصيات الثقافية والاجتماعية بمحاولة تنميط المجتمع الدولي المبني على التنوع والتعدد الثقافي والاجتماعي والحضاري. ويضاف الى هذا التحدي ما يرتبط به من انتشار لوسائل الاتصال الحديثة، وما تلعبه هذه الوسائل من أدوار فيما يخص نشر كونية حقوق الإنسان، من جهة، ونشر قيم معادية لها من جهة ثانية، فإن هذا التحدي يستلزم العمل على تأمين حرية الرأي والتعبير ومناهضة كل أشكال التمييز والكراهية والعنف والإرهاب في مختلف تجلياتها وبكل الوسائل المتاحة. سادسا- التحدي المرتبط بالتغيرات المناخية وتراجع الموارد الطبيعية وما ينتج عنه من تهجير قسري لمجموعات سكانية عبر العالم وما يخلفه من مآسي بالنسبة للضحايا وتداعيات على مستوى احترام حقوقهم الأساسية، فضلا عما يحدث نتيجة لذلك من عدم استقرار وحروب وفقدان للأمن والسلم بالنسبة للدول والمجتمعات. ابراهيم سلامة, المفوضية السامية لحقوق الإنسان بجنيف: المشكل ليس في الدين, بل في التفسيرات التي يقدمها المشتغلون على الدين وجهنا سؤلنا للسيد ابراهيم سلامة, مدير قسم معاهدات حقوق الانسان بمكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان, التابعة للأمم المتحدة بحنيف، مركزين على الديانات جميعها من موقع الوقوف وبدقة عند نقط لقائها مع المنظومة الحقوقية الكونية التي لا تقبل التجزيء, وهل في هذه الديانات ما يشكل عائقا لممارسة حقوق الانسان في إطار التوقيع على الاتفاقيات البروتوكولية وهل المشترك ضعيف بين ثقافتين متناقضتين, أم أنه بالإمكان البحث عن نقط اللقاء في خلق نوع من التعاقد بين المنظومتين للخروج من المأزق والتوجه للمستقبل . قال السيد ابراهيم سلامة أن المشكل ليس في الدين, بل إن المشكل يكمن في التفسيرات التي يقدمها المشتغلون على الدين. وأنا أعتبر الدين إضافة لحقوق الإنسان لأن الأديان كلها عبارة عن رسائل عالمية، مثلها مثل حقوق الإنسان وأنا أقول عن كل مفاهيم حقوق الإنسان أن هذه بضاعتكم ردت إليكم»، وأقصد أن الاسلام ليس فيه أي تناقض بل على العكس، كل الحقوق موجودة وبشكل أسمى وأكثر تركيزا وحماية في المفاهيم الإسلامية. إن المشكل يكمن في التفسيرات المتشددة والتي تأخذ النص بعيدا عن مقاصده وعن روحه، وهناك اختلافات حقيقية في التفسيرات، لكن ينبغي أن يكون الدين إضافة الى حقوق الإنسان, فالله خلق الإنسان وكرمه, ومما لاشك فيه أن الأديان تعتبر إيجابية لحقوق الإنسان. أما بخصوص سؤالك عن الآليات التي ينبغي أن نخلق بها هذا التقارب فسأعطيك مثالا بسيطا في ذلك, فحقوق الإنسان أمرين، قواعد وآليات للرقابة على تنفيذ هذه القواعد. فالقواعد موجودة ولكنها نصوص، والذي يطبق هذه النصوص هي اللجان التعاهدية وهي لجان خبراء تختارهم الدول من أجل تطبيق قواعد حقوق الإنسان وتقدم ملاحظاتها في تقارير. وتشارك في هذه اللجان كل الجنسيات والكثير من العرب ومن المسلمين، وبالتالي فأنا أعتبر عالمية حقوق الإنسان ورشة عمل مفتوحة على الدوام, لأن لا شيء يستقر على حاله، والتطورات متبوعة بتحديات جديدة، وبالتالي فالنصوص القانونية ليست شيئا جامدا ونهائيا، فهي تتطور مع الزمن عبر تفسيرات يشارك فيها الخبراء المسلمون.إذن فمشكل العالمية والخصوصية غير مطروح ،لأن العالمية تصنع من جانب الجميع، الممثلة في هذه اللجن التعاهدية, وحكوميا الدول العربية و الاسلامية شاركت في صياغة هذه القواعد،واليوم لا يمكن التنصل منها باسم الخصوصية، وعند التطبيق لدينا خبراء في جميع اللجان التعاهدية، وهناك أيضا لجن اليقظات الخاصة، ونستطيع أن نساهم في تفسير القواعد بما يتماشى مع ما نراه مناسبا من قيم ننسبها للدين وأخرى للمصالح العامة. ألبير ساسون, مجلس الطائفات اليهودية بالمغرب: الدستور الإسرائيلي لا ينص على أن اليهودية هي دين الدولة وجهنا سؤالنا للسيد ألبير ساسون, عضو مجلس الطائفات اليهودية بالمغرب، وعضو جمعية الهوية والحوار التي تهدف الى إرساء السلام بين الفلسطينيين و الإسرائيلين ، منطلقين من مداخلته بالندوة، والتي ركزت على وجود توجهين في الديانة اليهودية، اتجاه متشدد لا يقبل بكونية الحقوق، واتجاه يبحث عن الانخراط في هذه الكونية. قال السيد ألبير ساسون، أن العلاقة بين الممارسة الدينية في اليهودية اليوم، مقارنة مع المنظومة الحقوقية تضعنا أمام حركة تجعل بعض الممارسات الدينية التي أصبحت إجبارية بتفسير حرفي للكلمة، كما هو الشأن بالنسبة للشريعة في الديانة الإسلامية.أن الأمر لا يتعلق بكتب مقدسة من قبيل القرآن والتوراة التي لا يمكن أن ندخل عليها تعديلات، لكنها هي الطريقة المتبعة في الممارسة الدينية التي قد تؤدي ببعض الناس في بعض الأحيان الى الدوس على حقوق الإنسان. فمثلا هناك اليوم في إسرائيل وأوروبا و أمريكا ما نسميهم الأرتودوكسيين المتطرفين والذين يريدون تطبيق الممارسة الدينية بطريقة دقيقة، الى حد منع امرأة من ركوب الحافلة التي يركبونها، وهذا خرق لحقوق الانسان وحد من حرية التجول، وهم الذين بالضبط سيمارسون الضغط على الحكومة التي هي مبدئيا لا تقوم على أسس دينية، مادام القانون الدستوري في إسرائيل لا ينص على أن اليهودية هي دين الدولة، لأنه بلد يمكن أن يعقد فيه زواج مدني أمام السلطات المدنية . ففي اسرائيل هناك 40 في المائة من المواطنين ملحدين، في حين أن هناك 60 في المائة يؤمنون، والذين لا يؤمنون يقولون باحترام حقوق الإنسان وهذه مسألة أخلاقية. إذن هناك بالمقابل حركات إصلاحية والتي تريد أن تغير الشريعة، وتبني ممارسات أخرى، مثلا توريت اليهودية من الأب وليس من الأم، أو صلاة الرجال والنساء في نفس المكان، وهذا يمنعه الآخرون بالفعل. اليوم بالنسبة لليهودية في فرنسا تقبل قوانين الجمهورية، وتحترم حقوق الانسان. وقد لاحظتم في الايام الاخيرة نقاشا حول الختان الذي هو جزء من الممارسة الدينية اليهودية، وكذلك الإسلامية ولكن الفرق أن الختان عند اليهود يتم بعد أسبوع في حين يمكن ان يتجاوز هذا الزمن أربع سنوات عند المسلمين.وفي ألمانيا هناك من اعترض على ذلك بالقول أنه بثر لعضو وتسبيب إعاقة لطفل لا يستطيع الدفاع عن نفسه، لأنه مازال قاصرا، ووالداه هما اللذان يعبران نيابة عنه، على أنها مس بحرمة الجسد. فهناك نقاش اليوم، ففي فرنسا يقولون هذا الامر يتعلق بتقاليد معمول بها منذ زمن، أي أنهم يحاولون أن يبحثوا عن تسوية ممكنة. اما في ألمانيا فإن الخلاف مستمر ويصل حد المحاكم، وقد يصل الى المحكمة العليا، لتعود الكلمة في النهاية للقانون. و بالنسبة لليهودية المغربية, فقد كانت في تطورها جد هامة، لأن الحاخامات في المغرب كانوا يجتمعون ويتبادلون الرأي حول هذه الممارسة الدينية ليجدوا حلولا قبل أن تخرج المنظومة العالمية لحقوق الانسان, أي منذ القرن 18 و19 ، لكنهم كانوا يستحضرون حقوق الانسان حتى في الطلاق والإرث، وهم يعرفون أن المرأة محرومة ولهذا كانوا يجدون وسائل لخلق توازنات لوضعية المرأة بأشكال أخرى. و نجد في المدونة اليهودية نفس الأمور التي تتضمنها المدونة الإسلامية. بمعنى أن هناك نوعا من النفعية والتسامح والتفكير في المدونة اليهودية التي نخضع لها. ولهذا قلت في ندوة «حقوق الانسان كحقوق كونية وغير قابلة للتجزيء»، أن الحسن الثاني الذي كان يعرف جيدا الديانة اليهودية، كان يقول دائما أن اليهودية المغربية هي أكثر انفتاحا من اليهودية الأرتدوكسية في أوروبا وأمريكا وحتى في إسرائيل. وكان يرجع باستمرار للحاخامات للاجتماع معهم لأنه كان يجد فرقا مهما بينهم وبين الآخرين. اليوم اليهودية المغربية تحترم القانون الدستوري المغربي ، واليهود مواطنون مثلهم مثل باقي المواطنين في الحقوق والواجبات، فهم يخضعون للقانون، وفي الممارسة الدينية المعترف بها في الدستور، في إطار حرية الممارسة الدينية مع الانتباه ألا يحصل نوع من التناقض مع المنظومة الحقوقية العالمية.وهذا ما جعل في النهاية هذه الديانة تتطور في هدوء بناء على المعرفة و النفعية والحكمة في الممارسة الدينية. هناك دائما إصلاحات في هذا الجانب, وهناك كتب حول كل القرارات المتخذة من طرف الحاخامات في مجموع الحالات المعروضة.التي توجد لها حلول قانونية تتخذ فيها عملية التسوية كما هو الشأن بالنسبة للنموذج الكندي الذي يعبر عن الرغبة في عدم خلق نوع من التضارب بين الممارسة الدينية والمنظومة الحقوقية العالمية. الشيء الذي تتضارب فيه الآراء, لأن هناك في الديانة اليهودية نفسها من يقول بالدين أولا ويؤجل المنظومة القانونية الكونية، ونحن نقول لا, هناك حل وسط بين الشريعة والقانون الوضعي. مختار الطريفي, الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان: لا نسمح أن يقال لنا باسم الخصوصية أننا أقل حقوقا وحرية من الآخرين انتبهنا الى المداخلة الهامة التي قدمها مختار الطريفي, عضو مجلس الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان والرئيس الشرفي للرابطة التونسية لحقوق الإنسان, في الندوة الدولية التي نظمها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان حول حقوق الإنسان كمنظومة كونية غير قابلة للتجزيء, ووجهنا له السؤال حول تدبير الشأن الديني داخل هذه المنظومة، والحلول الممكنة لذلك للخروج من مأزق التصادم بين الثقافات المختلفة، ثم هل الخصوصية منفذ لهذا التدبير أم أن الأمر يتعارض مع المنظومة العالمية. قال الطريفي أن البعد الديني موجود في المجتمع أصلا ، ولابد أن تكفل الدولة للجميع حرية المعتقد وحرية ممارسة الشعائر الدينية. يعني أن الذي يريد أن يصلي لابد أن يجد المسجد الذي يصلي فيه، ويجد كذلك الإمكانيات التي توصله الى هذا المسجد ليؤدي شعائره الدينية، ونفس الشيء يمكن تطبيقه على جميع أماكن العبادة بما لا يتنافى وحرية المعتقد وحرية ممارسة الشعائر الدينية والتي هي من المبادئ الأساسية. المسألة الثانية التي هي من الأساسيات أن العمل السياسي ينبغي أن يكون مفتوحا لجميع الذين يحترمون اللعبة التي نتفق عليها. وعندما نؤكد في تونس اليوم على المبادئ الكونية لحقوق الإنسان ليتضمنها الدستور, فإننا نصر على ذلك وسنصل الى تطبيقه .أما فيما يتعلق بالخصوصيات، فإني أرى أنها لابد أن تثري توقنا الى مزيد من الحرية ومن مجالاتها أكثر ما هي موجودة في المنظومة الكونية.لكن أن تأتي خصوصيات معينة لتستنقص من حقوقنا ومن ما نتمتع به في إطار منظومة حقوق الإنسان بصرف النظر عن مكان وجودنا في الهند أو الصين أو غواتيمالا أو في سيريلانكا ، فإن ذلك غير مقبول، لأن الإنسان هو إنسان في أي مكان له حقوق، ومكاسب حققتها البشرية جمعاء. وأكرر أنه ينبغي لخصوصيتنا أن تجعلنا في مقدمة الناس، وخير أمة أخرجت للناس في كل شيء ولكن بالأساس في الحريات والديمقراطية والحقوق، لكن لا نسمح أن يقال لنا أنه باسم الخصوصية أننا أقل حقوقا وحرية من الآخرين, فذلك يعيدنا الى مربع تجاوزنه من زمان.ونحن مع الخصوصية التي تقدم إضافة تثري وتضمن الحقوق. لكن يبدو أن الحديث عن الخصوصية عند البعض يهدف الى استنقاص مكاسب في المنظومة العالمية لحقوق الإنسان ومثلا يتحدثون باسم الخصوصية أن العلاقة بين الرجل والمرأة تكاملا وليس مساواة. لقد تجاوزت تونس هذا الأمر. والمرأة التونسية ناضلت من أجل مكاسبها وأقرت مدونة للأحوال الشخصية تريد تطويرها اليوم، كما أن تونس مصادقة على اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وحتى التحفظات التي كانت موجودة تم إلغاؤها. ولهذا لا نقبل أن يقال لنا أنه باسم خصوصية ما لسنا مع المساواة ولا مع حرية التعبير, وأن الحريات تقيد باسم مقدس ما، مع احترام المقدسات ، لكن حق التعبير فوق أي اعتبار آخر. ومن هذا المنطلق فهذه القضايا الكبيرة ينبغي مناقشتها من منطلق أن نتقدم في اتجاه الحرية ومزيد من الديمقراطية وحقوق الانسان، لا من منطلق جلب خصوصية تنتقص من حقوقنا. جوزي ويهرلينغ, باحث في القانون الدولي لحقوق الإنسان بجامعة كيبيك «التدابير التسهيلية» فيما يخص الحريات المدنية وحرية المعتقد استمعنا بكثير من الإمعان لجوزي ويهرلينغ من كلية الحقوق بجامعة الكيبيك والذي يعد من بين الشخصيات المرجعية في القانون الدستوري الكندي والمعروف بمساهمته في التفكير العميق حول مفاهيم « التدابير التسهيلية» فيما يخص الحريات المدنية وحرية المعتقد. ووجهنا اليه السؤال حول مفهوم الدين بصفة عامة ,سواء تعلق بالاسلام أو المسيحية أو اليهودية أو ديانات أخرى وهل يمكن له أن يشكل عائقا في ممارسة الحقوق كما هي على المستوى الكوني. قال جوزي، نعم يمكن أن يكون الدين عائقا أمام تطبيق المنظومة الحقوقية كما ينص عليها القانون الدولي، وهذا يحدث عندما يكون الدين عائقا أمام المساواة، و إذا ما استرجعنا القواعد الدينية التي تتناقض مع المساواة بين الرجال والنساء، واسترجعنا كذلك بعض الحالات في كندا والمتعلقة بقانون الأحوال الشخصية. وفي كندا مثلا ،الحلول المقدمة هي حلول ظرفية. و عوض طرح مفاهيم عامة والتي قد تعطي الأسبقية للدين على الحرية الجنسية والحرية العقائدية، نعمل على أخذ كل حالة خاصة ونتدارسها ونحللها ونبحث عن حلول لها، واضعين في الاعتبار تأثيرات المواقف التي سنأخذها على حقوق المرأة والحقوق الدينية. وسأبقى في إطار التعميم وآخذ كمثال معلمة محجبة والتي تعطي دروسا للأطفال، والسؤال هو ألا يمكن لهذا الحجاب أن يمارس ضغطا دينيا على هؤلاء الأطفال باعتبارهم تلاميذ يتأثرون بمعلمتهم. لكن عوض أن نقول أن الأمر يتعلق باختيار ديني, فإننا نعتمد دراسة الحالة بشكل دقيق من حيث سن الأطفال والتصرف الفعلي للمدرس ووضعية المؤسسة، ونتساءل هل ارتداء الحجاب الاسلامي يمارس ضغطا أم لا، وإذا كان لا يمارس هذا الضغط فإننا سنعتمده احتراما للممارسة الدينية للمعلمة. أما إذا كان يمارس هذا الضغط فإن الملف يعرض على القضاء لتتخذ للنظر فيه. سيلفي بوخاري دي بونتيال, الجمعية الكاثوليكية لمناهضة التعذيب في التحالف الدولي الجدل القائم بين الدين وقوانين حقوق الإنسان يحتاج الى تعميق الحوار بين المنظومتين فتحنا النقاش في نفس الموضوع مع السيدة سيلفي بوخاري, المحامية بهيئة باريس وعميدة كلية العلوم الاجتماعية والاقتصادية بالمعهد الكاثوليكي، ممثلة الفيدرالية والجمعية الكاثوليكية لمناهضة التعذيب في التحالف الدولي للمنظمات غير الحكومية حول المحكمة الجنائية الدولية، وأبدينا في طرحنا الكشف عن العلاقة التي تبدو ملتبسة بين الدين كأمن روحي يحتاجه الإنسان أينما كان في العالم وتوظيف هذا الدين من طرف التوجهات الاديولوجية، ليكون بوابة لنمط اجتماعي يتجاوب مع اشتغال منظومة ما في تدبير المجتمع من منطلق الوصاية، الشيء الذي يتحول الى عائق في تفعيل المنظومة الحقوقية كما هي متعارف عليها عالميا, قالت سيلفي ممكن أن يكون الدين عائقا أمام المنظومة الحقوقية، وبإمكانه أن يساهم في تطويرها،وبخصوص أن يكون الدين عائقا أمام حقوق الإنسان كما تؤكده الكنيسة الكاتوليكية، فالمؤسسة تشعر بأنها مهددة في وجودها من طرف المنظومة الحقوقية، وكان هذا في حالة الكنيسة الكاثوليكية عند الإعلان عن الميثاق الفرنسي لحقوق الإنسان 1789. والآن بعد قرنين من الزمن تعترف الكنيسة الكاثوليكية بحقوق الإنسان كجزء لا يتجزأ من القيم المتعارف عليها دوليا. وأن نستخلص بالنسبة للتجربة المسيحية، أنه إذا كانت الديانات تشعر بأنها مهددة من طرف المنظومة الحقوقية، يمكنها أن تشجع المنتمين الأوفياء إليها لنشر المنظومة الحقوقية والدفاع عنها. واليوم يمكن القول أن الجدل القائم بين التعاليم الدينية وقوانين حقوق الانسان كما هي متعارف عليها عالميا، يحتاج الى إجراءات متفق بشأنها مع تعميق الحوار بين المنظومتين. سهير بلحسن: رئيسة الفدرالية الدولية لعصب حقوق الإنسان الحجاب غريب عن ثقافتنا وفي طياته حمولة سياسية و إديولوجية دخيلة وجهنا السؤال الى الصحفية والناشطة في مجال حقوق الإنسان التونسية سهير بلحسن رئيسة الفدرالية الدولية لعصب حقوق الانسان، والحاصلة على الدكتوراه الفخرية من جامعة لوفان الكاثوليكية، حول موضوع الحريات الفردية ومنها حرية المرأة في تونس وما يثار من نقاش حاد في الساحة التونسية بعد مجيء حزب النهضة الى السلطة وهيمنته على تسيير البلد رغم مشاركة أحزاب التحالف في السلطة في تبوء رئاسة الجمهورية التونسية من طرف أحد وجوه اليسار البارزة ويتعلق الأمر بمنصف المرزوقي.قالت السيدة سهير بلحسن:» أريد أن أشير إلى أن الموضوع مطروح في العالم بإسره، في امريكا وآسيا وإفريقيا الى غير ذلك من بلدان العالم، لكنه مطروح بشكل خاص في منطقتنا العربية والاسلامية. لا نريد الحد من حرية الفرد. فنحن متشبعون بثقافة حقوق الإنسان دراسة وتطبيقا وعمليا دخلت هذه الثقافة في حياتنا اليومية. وبالنسبة لجيلي والجيل الذي سيأتي تظل هذه الثقافة راسخة, لأننا تشبعنا بهذه الثقافة ونقلناها الى الجيل الذي بعدنا. واليوم نحن نعيش في مناخ لم نكن محضرين له ، وهو مناخ دعا بعض المتحكمين الجدد فيه أن ينقصوا من الحريات الفردية, موظفين بذلك الدين متناسيين أن الثقافة الاسلامية ليست غريبة على بلدي، وشخصيا عندما فتحت عيني على الدنيا كانت أمي تصلي ووالدي كذلك ولهذا لا يمكنني أن اقول أن الممارسة الدينية غريبة عنا، كما أننا لسنا في حاجة الى من يقول لنا كيف نضع منديلا فوق رؤوسنا، نحن اصلا لا نعرف هذا الحجاب وهو غريب عن ثقافتنا ، إنه آت من ثقافة أخرى وله حمولة سياسية وأيديولوجية دخيلة، ودخل لتونس سياسيا، أما غطاء النساء التونسيات فهو غطاء تراثي معروف لبسته أمهاتنا وجداتنا. ولهذا أريد أن أقول في هذا المنحى أن هناك إديولوجية توظف الدين بحمولة سياسية, وهناك ثقافة نابعة من التراث التونسي وهما شيئان مختلفان.والى جانب هذا, هناك ثورة طالبت بحقوق الإنسان وثارت ضد النظام الديكتاتوري. وكلنا في العالم العربي عشنا استبدادا واجهناه بقوة في المسار الطويل, دخلنا السجون من أجل ذلك ونفينا بعيدا عن الوطن وتوجناه بالثورة، والآن لا يمكن أن نتنازل عن ذلك. طبعا سنتفهم المناخ الذي نحن فيه، ونبحث عن الحلول لكي تدخل ثقافة حقوق الانسان الكونية في هذا المناخ بإبداع أشكال أخرى للتعايش دون التفريط في المكاسب الكونية لحقوق الانسان، وهذا يحتاج الى وقت وأنا مقتنعة أنه يلزمنا عشرات السنين لذلك. نحن اليوم في أزمة, التي أصبح فيها باسم الدين يتم كل شيء، القتل واقتحام حرمة البيوت و الاغتصاب، باعتبار المرأة غنيمة وجسد مباح ويوظف من أجل ذلك نصوصا لتبرير أفعالهم. ويعتبرون عملهم هذا شرعيا ,لأن في اعتقادهم ينبغي أن يعلموننا التعاليم الدينية بالعنف والإكراه وكأننا جئنا من عالم آخر غير إسلامي. إن الأمور مفهومة, فهذا منهج سياسي واضح يتوخى القضاء على الاختلاف لينفرد بالسلطة، وكل الأمور تتم باسم الدين. إن الأمر وصل لأكثر من الاستبداد الذي مارسه علينا بنعلي.نحن في أزمة كبيرة، فكيف الخروج منها؟ وإذا أردنا أن نوسع النقاش حول المجتمعات العربية الإسلامية كيف يمكن أن نخرج من الأزمة،. وكيف يكون التعايش؟ إن المنهجية المتوخاة هو أن كل ما يحدث من خروقات تتم باسم الدين لا يمكنها أن تمنعنا من الدفاع عن المنظومة العالمية لحقوق الإنسان في كل وقت وفي كل المجالات، وأعتقد أن التركيز على المنظومة التربوية والتعليمية والثقافية في عالمنا العربي والإسلامي هي أساسية من أجل الإصلاح والتغيير وهو أمر يحتاج الى مجهود والى زمن طويل, لكن الشروع في العمل في هذا الاتجاه ضروري لأن السياسة شيء وحقوق الانسان شيء آخر. ولهذا أنا أعتبر ندوة الرباط رؤية للمستقبل وأفقا منشودا لتدبير الأزمة.