محمد إنفي عرفت قضية الوحدة الترابية المغربية في عهد جلالة الملك محمد السادس تطورات هامة جدا، إن على المستوى الميداني أو على المستوى الديبلوماسي والقانوني. فميدانيا، وبعد أن تمكن المغرب من حشر ميليشيات البوليساريوومن يقف من ورائهم في زاوية مغلقة، انبرى إلى البناء والتشييد اعتمادا على مشروع تنموي خاص بالأقاليم الجنوبية، دشنه عاهل البلاد سنة 2016. وهكذا أصبحت هذه الأقاليم تضاهي أقاليم الشمال (بل وتفوق بعضها) في التنمية والتطور العمراني بشهادة البعثات المختلفة التي تزورها.أما على المستوى الديبلوماسي والقانوني، فإلى جانب تبني مجلس الأمن الدولي لمقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب سنة 2006، فإن الاعترافات بمغربية الصحراء قد توالت من مختلف القارات، ومنها التي تُرجمت بفتح قنصليات في مدينتي العيون والداخلة؛ وتوالى أيضا سحب الاعتراف بجمهورية تندوف الوهمية التي لم يعد يعترف بها إلا بعض من الدول عديمة الوزن على الساحة الدولية. وهذا ما دفعنا إلى طرح السؤال في العنوان أعلاه، خصوصاوأن الجزائر الجنوبيةقد أصبحت واقعا ملموسا، تاريخيا وجغرافيا؛ ونقصد، هنا،الوجود الفعلي للجمهورية التي يرأسها إبراهيم غالي (بنبطوش)في تندوف؛أما الجزائر الشمالية،فهيالجمهورية التي يرأسها الطرطور عبد المجيد تبون ويحكمها العسكري العجوز سعيد شنقريحة. وطرحنا للسؤال أعلاه، تبرره النجاحات التي حققها المغرب ميدانيا وديبلوماسيا. بالنسبة للجمهورية الجنوبية، فلم يعد أمام ميلشياتها سوى إصدار البلاغات العسكرية الوهمية بعد أن وضعتالقوات المسلحة الملكيةحدا لتحركاتها؛ مما جعل دور هذه الميليشيات محدودا في حراسة المخيماتبمعية الجيش الجزائري، حتى لا يفر محتجزو تندوف من مخيمات الذل والعار. واهتمامنا بهذا الموضوعمرده إلى ارتباطه بالعلاقات بين الجزائر والمغرب باعتبارهما بلدين جارين. ونظرا لما شهدته هذه العلاقات من تطورات عبر العقود الماضية، وما آلت إليه الأوضاع في الجزائر الشمالية والجزائر الجنوبية معا، فإنه من السهل على ذوي العقول السليمة أن يدركوا بأن ألله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل. وهكذا، نرى في موضوع اختلاق خرافة الجمهورية الصحراوية تأكيدا للحكمة القائلة: "من حفر حفرة لأخيه وقع فيها"، طال الزمن أم قصر. ونرى، أيضا، فيمآل هذه الخرافة تجسيداوتحقيقا لمعنى الآية الكريمة "ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله" (صدق الله العظيم). لقد بنى النظام العسكري الجزائري، منذ نشأته سنة 1962، عقيدته السياسية على العداء للمغرب. وهكذا،عمل على افتعال الأزمات مع العدو المفترض (المغرب) في محطات عدة.فبعدما حصلت الجزائر على استقلالها (وهو، في الواقع، مجرد حكم ذاتي)،لجأت سنة 1963إلى افتعال أزمة مع المغرب، تسببت في حرب عُرفت في التاريخ بحرب الرمال. وقد كان هدف النظام الجزائري من وراء هذه الأزمة، هو إخماد تمرداندلع في القبايل وفي مناطقأخرى تعبيرا عن عدم الرضا بمآل المفاوضات مع المستعمر (ونتحدى النظام الجزائري أن ينشر اتفاق "إبيان" Evian بكل بنوده). ويحاول النظام العسكري الجزائري وأنصاره أن يلصقوا تهمة إشعال هذه الحرب بالمغرب؛لكن الرئيس الجزائري الأسبق، السيد أحمد بنبلة، اعترفبالحقيقة (أي بافتعال الحرب من طرف الجزائر) في برنامج "شاهد على العصر" الذي تنتجه وتبثه قناة الجزيرة القطرية.وهذا الاعتراف من رجل المرحلة يبطل كل الأكاذيب وكل الافتراءات، ويذكرنا،نحن أبناء المغرب من مواليد الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، بتلكالصيحة القوية "حكرونا إخواني حكرونا"المراركة. قي سبعينيات القرن الماضي، عرف العداء الجزائري للمغرب ذروته،حيثفكر "الكابران" محمد "بوخروبة" (الذي سرق اسم الهواري بومدين الحقيقي ونسبه إلى نفسه)، أن يضع حجرة في حذاء المغربلعرقةمسيره وتحجيم قوته، كما صرح بذلك في محفل رسمي.ولم تكن هذه الحجرة سوى حركة البوليساريو الانفصالية التي أنشأ لها دولةوهمية تحمل اسم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية على وزن الجمهورية الجزائريةالديمقراطية الشعبية. وقد دعمه في هذه الخطوة كل من العقيد القذافي والاتحاد السوفياتي وباقي دول المعسكر الشرقي واليسار الشيوعي في العالم. ولما استرجع المغرب صحراءه من المستعمرالإسباني بواسطةمسيرة سلمية عرفت في التاريخبالمسيرة الخضراء،أتى رد فعل النظام الجزائري من خلال تنظيم مسيرة انتقامية عرفت في التاريخبالمسيرة الكحلة.لقد لجأ المقبور بوخروبةإلى طرد خمس وأربعين ألف أسرة؛ أي 350000 مغربي ومغربية من الجزائر في صبيحةيوم عيد الأضحى، بعد أن جردهم من أموالهم وممتلكاتهم ومزق أسرهم ويتم أطفالهم (حيث طرد كل مغربي متزوج بجزائرية وكل مغربية متزوجة بجزائري)، وألقى بهم إلى الحدود في ظروف لا إنسانيةفي شهر دجنبر من سنة 1975، والمسيرة الخضراء كانت في الشهر الذي قبله (أي في شهر نونبر). وقد تعمدالمجرم المدعو الهواري بومدين أن يطرد عددا يساوي عدد متطوعي المسيرة الخضراء، تعبيرا منه عن غله وحقده على المغرب.وسيبقىهذا العمل الشنيع وصمة عار في تاريخ الجزائروفي جبين نظامها الجبان، الحقود والحسود. وسعيا وراءتحقيق انتصار ميداني على جاره الغربي،يُنسي الجزائريين في صرخة سلفه أحمد بنبلة "حكرونا إخوانيحكرونا" بعد الهزيمة الساحقة للجنود الجزائريين في حرب الرمال سنة 1963، فكر الهواري بومدين فياجتياح الصحراء بدخولها من ثلاث نقطلمباغتة كتيبات القوات المسلحة الملكية المرابطة هناك، فكانت المعركة المعروفة ب"أمكالة" 1(وقعت بين 27 و29 يناير 1976)، والتي فر منها قائد قوات المشاة أحمد قايد صالح تاركا إياها بدون دعم، كما أكد ذلك وزير الدفاع الجزائري الأسبق، خالد نزار.وقد فقد الجيش الجزائري في هذه المعركة أكثر من مائتي جندي(هناك كتابات تتحدث عن أزيد من ثلاث مائة جندي) وعدد كبير من الأسرى، وكان من بينهم الملازم سعيد شنقريحة. أما المغربففقد 14 جنديا ووقع بضعة جنود في الأسر من طرف عصابات البوليساريو. ودون الاستمرار في سرد الأحداث المتعلقة بالعلاقات الجزائرية المغربية، نشير إلى أن النظام الجزائريالبئيس قد سخَّر أموال البترول والغاز للنيل من الوحدة الترابية المغربية، تاركا المصالح العليا للجزائر، وفي مقدمتها مصلحة الشعب الجزائري، عرضة للإهمال. وهكذا، نشطت ديبلوماسية الشيكات والهباتلشراء الاعترافات بجمهورية تندوف. وللجزائريين أن يقدروا حجم الأموال التي تم تبديدها وتبذيرها لمدة خمسة عقود من أجل قضية لا تعني الشعب الجزائري في شيء؛ خصوصا وقد أصبحت الجزائر، اليوم، على حافة الانهيار اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا وإعلاميا ورياضيا. أما على المستوى الديبلوماسي، فقد أصبحت تعاني من عزلة قاتلة، خاصةبعد أن اخترق المغرب، ديبلوماسيا أقصد، بعض المعاقل التي كانت سندا للأطروحة الجزائرية. خلاصة القول، الجزائر الشمالية في ورطة حقيقية مع الجزائرالجنوبية.فأبناء هذه الأخيرة الذين وُلدوافي تندوف، منهم من هم، الآن، في حكم الكهول ومن هم في سن الشباب ومن هم في سن المراهقة وسن الطفولة؛وكلهم لا يعرفون لهم موطنا يأويهم غير تندوف ولا دولة غيرالجزائر الجنوبية؛ مما يعني أن هذه الأخيرة قدأصبحت أمرا واقعا، كما أشرنا إلى ذلك سلفا. فكيف سيتعامل النظام الجزائري مع هذا الواقع، خصوصا بعد أن تمكن المغرب، قانونيا وديبلوماسيا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا، من حشر الجزائريتين في ركن يضيق يوما بعد يوم؟ مكناس في 15 دجنبر 2024