قدمت في اليوم الثالث والأخير من مساءات العرائش يومه الثلاثاء 18 يوليوز 2023 الذي تشرف عليه جمعية فضاءات ثقافية بالعرائش مسرحية "سوارت لرياح"، وهي من تأليف عزيز قنجاع وإخراج مراد الجوهري، وتشخيص الفنانة الواعدة فاطمة الزهراء الجباري والفنان الواعد كريم المودن، وقد كانت المسرحية محاولة لتقليص الزمن وتكديس الأحداث، بشكل يحاكم عبره المؤلف فترة ممتدة من حياة المغرب بكل ما شابها من إخفاقات وفرص ضائعة وتقاطع الأحداث العالمية خاصة بفرنسا إبان الانتفاضة الطلابية سنة 1968م والارتدادات التي كانت لهذا الحدث التاريخي خاصة على المغرب وحركاته المناضلة، وقد عمد المؤلف الى اسحضار التناقض في شخصيتي المسرحية بشكل يوحي إلى القدرة على التعايش بين التقليدي والحداثي في شخصيتي مسعود ومسعودة، المتغيرة على طول المسرحية، بينما مسعود الثابت وكأن به يقول لنا أن هذا الثابت يختزن في لاوعيه فكرا محافظا صار عائقا أمام أي تقدم وتغيير، وهنا رسالة مشفرة تقول أنه لا تقدم ولا تغيير ما لم نغير من بنية العقل الجمعي الذي يقف حارسا لمنظومة فكرية عمرت كثيرا لدرجة صارت معرقلا وليس لها القدرة على استنهاض الفكر وخلق التغيير في البنية الذهنية للمجتمع قبل السلوكية، وحتى مع التغيرات التي طالت مسعودة إلى سعاد ثم سعيدة وأخيرا سعدة ظل الإخفاق هو الثابت، وهذه التغيرات ليست شكلا عبثيا في النص بقدر ما هي حيلة ومكر المؤلف في تجسير الأحداث التاريخية بحمولتها الإيديولوجية المتناقضة التي تشير فيها سعيدة إلى حقبة الحلم التي سادت فيها الفكر الماركسي اللينيني عند حركات التحرر المغربية الساعية إلى التغيير والتي تعد الشهيدة سعيدة المنبهي أحد رموزها بالمغرب، بينما ترمز سعدة الى ذاك التقاطع والتشابك بين ما وقع في الشرق من تغيير النظام في إيران بعد الثورة الإيرانية التي انطلقت في 7 يناير 1978م وامتدت إلى غاية الإطاحة بالشاه رضا بهلوي 9 فبراير 1979م التي تبنت في الأخير الإيديولوجيا الإسلامية الشيعية، والرد الذي قوبلت به هذه الأحداث بالخليج العربي عبر دعم الحركة الوهابية في العالم وخاصة الاسلامي من قبل السعودية، لكن المشترك بين الشخصيتين هو ذاك التقلب الثابت المرتكز إلى حب غير مصرح به، والذي يعتبر في نظر الكاتب سبب كل هذا الإنشطار في ذات الشخصيتين، كما استغل المؤلف هذه المناسبة لمحاكمة بعض الممارسات التي ظهرت في الجامعة ولدى بعض القيادات الطلابية، التي لم يكن الإتحاد الوطني لطلبة المغرب بالنسبة لها إلا مسرح للعب وتفريغ بعض المكبوتات وإشباعها أحيانا، وهي الممارسة التي امتدت حتى إلى داخل المجتمع في التنظيمات السياسية والنقابية والجمعوية عند بعض المتخرجين من الجامعة. إذن هو صراع لا واعي قوامه حب نشأ بين مسعود ومسعودة منذ نعومة أظافرهما أو بالأحرى منذ أن كلفت مسعودة بالإعتناء بمسعود ومرافقته في مدرسة البنين حتى يتسنى له متابعة دراسته الابتدائية جراء إصابته بمرض الصرع بلغة الحداثة ولرياح بلغة أهل الزاوية والدوار، وهذا الحب لم يتم التعامل معه كما يجب وفي الوقت الذي يجب فنشأت كل هذه النكسات والخيبات التي انتهت بوفاة مسعود جراء نوبة قلبية بعد تحقيق حلمه بسماع مسعودة وهي تطلب منه الزواج بحيث كانت صدمة الخبر أقوى من قلب رجل عاش كل صنوف المعاناة من تنكيل وتعذيب وسجن جراء هذا الحب الهارب، كما أن المسرحية تعطي إشارة قوية لصراع بين فكرين أحدهما يحاول أن يكون حداثيا في مجتمعنا لكنه لم يبلغ تلك الحداثة إلا في مظاهرها في شخصية سعاد/سعيدة، بينما الفكر التقليدي الكلاسيكي ظل راسخا في لاوعيها عبر مسعودة الشخصية الغامضة وذات العلاقات المبهمة التي مهما غيرت الأزواج يبقى الحب والحنين لمسعود، بينما شخصية مسعود نوعا ما منسمجة مع ذاتها لكنها بحمولة موغلة في التقليدانية رغم كل المحاولات التي أقدم عليها لإرضاء حبيبته التي لم يجرأ يوما ما على الإعتراف والبوح لها بحبه، فكان كلما حاول التغير في اتجاه ما تطلبه منه مسعودة حتى ترضى عنه وتقبل به إلا وابتعدت عنه. ويبقى في الأخير أن أشير إلى أن الدرس المستفاد من مسرحية سوارت لرياح في رأيي هو أن الصمت لم ولن يكون حكمة بل علينا أن نتعلم ونجرأ على الاعتراف والبوح والصراخ أحيانا لنوصل رسائلنا للآخرين، والتعبير أيضا عن مشاعرنا، فطالما دفع الناس حياتهم ثمنا عبر صمتهم في لحظة لم يكن عليهم أن يصمتوا. العرائش 18 يوليوز 2023