العمل الجمعوي والاسترزاق لا جدال في أن العمل الجمعوي يعتبر أحد الدعامات الأساسية للمجتمع، وأهم محرك للمجتمع المدني، وتعتبر الجمعية أهم جهاز تنظيمي مقنن، يستطيع الإنسان المعاصر أن يخدم بواسطته مختلف قضايا مجتمعه المدني، الاجتماعية والثقافية والرياضية والتعليمية والمهنية والسياسية والاقتصادية... لذلك فإن العمل الجمعوي يشكل عصب المجتمع المدني والضامن لاستمراره وبقائه. اذن ما هي أخلاقيات العمل الجمعوي؟ ولماذا يستغله البعض من أجل الاسترزاق و لخدمة أجندة سياسية ؟ أولا : أخلاقيات العمل الجمعوي التطوعي: من أخلاقيات العمل الجمعوي: أ- الوعي والاقتناع: إن لم أكن مقتنعا، فإنني لا أستطيع أن أفكر بشكل سليم وصحيح، ولا يمكنني أن أحمل هم (مسؤولية) العمل ضمن الجمعية، وسأتحول إلى مصدر إعاقة وتشويش وتثبيط ربما، بحكم عدم إدراكي لما بفعله زملائي، لذا من المهم أن أعرف أين أنا؟ وماذا أريد؟ وكيف سأحققه؟ ب- التحرك الهدفي: فلا أكون عشوائيا فوضويا أتحرك كيفما اتفق وفي الوقت الذي يروق، وبذلك أعتبر نفسي رقما على الهامش يمكن أن يتحرك إلى الوسط في أي لحظة، وأن يتزحزح إلى الأطراف كذلك. والتحرك الهدفي يعني التخطيط، فالذي يمارس التخطيط يثبت قابليته لحمل وامتلاك الصفات الإنسانية المتميزة. ج- المشاورة والنقد البناء: قد أكون مبدعا، لكن الرأي الواحد مهما أبصر من الأمر جوانبه، يكون قاصرا مهلهلا، لذا معي الفريق كي أتعلم منه ويتعلم مني، فتنمو التجارب والرؤى وتتلاقح الأفكار. ه – مأسسة الأعمال وتجاوز الفردانية: غاب فلان حضر فلان، العمل الجمعوي يستمر، لارتباطه بمهام، وليس بأشخاص، والعمل مستمر لأنه يجب أن يستمر، سواء كان المسؤول حاضرا أو غائبا. و- الوفاء بالعهد والالتزام بالمواعيد: لنجاح الأعمال واستمراريتها، لابد من تواعد الفريق على العمل في مواعيد محددة وضمن شروط متفق عليها، والواحد من أعضاء الجمعية ملزم أخلاقيا وشرعيا بالإيفاء بما وعد (إن العهد كان مسؤولا) . ثانيا : استغلال العمل الجمعوي من أجل الاسترزاق : لقد استغل العمل الجمعوي التطوعي النبيل لأهداف أخرى نفعية مادية ومعنوية، منها الاسترزاق وهو ظاهرة مشينة ومسيئة ومخالفة للقوانين والشرائع والأعراف، مما يستوجب إعادة النظر في قانون الجمعيات . ان المتتبع للعمل الجمعوي يلاحظ أن أغلب الجمعيات تفتقر لرؤية واضحة المعالم وهذا يفسر سيادة العفوية والارتجالية والعشوائية في العمل في غياب التكوين والممارسة الاحترافية والشفافية مما يكرس عدة سلبيات منها الاكتفاء بالجاهز والتقوقع في حلقة مفرغة، حلقة التكرار دون تفعيل آليات الابداع والابتكار والعمل المنظم . في ظل الفراغ المهول سواء في القوانين المنظمة أو ذلك الذي أفرزه العمل السياسي في غياب التأطير والتكوين،ولسهولة تكوين وخلق الجمعيات كما هو متعارف عليه حاولت هذه الأخيرة لعب دور الأحزاب التي ماتت موتتها الطبيعية ولم تعد تنشط في مجالها الطبيعي والأساسي، وهذا دفع العديد من المناضلين والمنخرطين في الهيئات السياسية الى التدافع لتأسيس الجمعيات أو الانخراط فيها بقوة قصد البحث عن الشهرة والاشعاع الاجتماعي مع السعي الى مطامح شخصية قد تكون خسيسة ومسيئة أو لتصفية حسابات ضيقة وما أكثرها. ويلاحظ على مثل هذه الجمعيات المسيسة أنها تنشط أيام الانتخابات ومنها من تموت بعد الانتخابات مباشرة،أما الأخرى فتؤسس من أجل الاسترزاق والاغتناء والكسب السريع . ان هذه الممارسات التخريبية جعلت من العمل الجمعوي عملا عشوائيا ارتجاليا مصاب بأمراض يستعصي علاجها بسبب الانتهازية والاقصاء الممنهج للشرفاء والتعنت والتضليل والانتقام وانعدام الشفافية والوضوح زد على ذلك الممارسات الاستبدادية والدكتاتورية والأحادية في اتخاد القرار،الى درجة أن بعضهم يعتبر العمل الجمعوي مصدر رزق ودخل قار ضاربا عرض الحائط التطوع وعدم الربح والانتفاع المادي والمعنوي. هناك العديد من المتطفلين على العمل الجمعوي الذين لا يفرقون بين الألف والزرواطة ورغم ذلك تجدهم يحشرون أنفسهم في كل شيء ويزعمون المعرفة ويقولون ما لا يفعلون، ورغم ذلك يجدون من يدعمهم ويحتضنهم ويدافع عنهم ،وعلى المرء أن يتساءل في مصلحة من يرجى ذلك؟ ولماذا هذا الاستهتار بالعمل الجمعوي؟ خلاصة القول، نحن في حاجة إلى مجتمع مدني متطور ومسؤول فاعل ومنظم يشكل قوة اقتراحية موازية للدولة ولا يتعارض معها يكملها وينشد التأطير والتوعية والتحسيس ويبتعد عن الاسترزاق والخنوع والاستغلال السياسي . لان العمل الجمعوي هو نضال وتضحية ووفاء وتوصل مع المجتمع لايجاد حلول لكل مشاكله، أما إذا كان العكس فلا جدوى منه وسيبقى نقطة عار على جبين مدعيه ومسانديه ومن يحميهم، وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله في أناس يتظاهرون بالعمل الجمعوي شكلا ومضمونا، بينما هم ليسوا سوى فئة متفاهمة على الاسترزاق . بقلم محمد جردوق ناشط جمعوي