تنشر الأستاذة والكاتبة حورية فيهري فصولا من روايتها "رحلات بنكهة إنسانية" على موقع "العرائش أنفو" على حلقات يوميا. فصل أخر من رواية رحلات بنكهة إنسانية للكاتبة حورية فيهري 3- استمر شلال الذاكرة في الانسياب قطرة تلو القطرة ليروي ذاكرة الإنسانية بمواقف تتعدد وتتنوع باختلاف الأشخاص والظروف وغيرها…وموقفنا الذي سأرويه الان إغناء لرصيد إنساني ينضح بجميل الذكرى و قصة شهامة من نوع آخر… استمرت الفتاة في توسلاتها دون توقف لسائق سيارة أجرة باحدى المدن الصغيرة بمحطة صغيرة بها … كان تجاهل السائق لتوسلات الفتاة يزداد صمودا بطعم القسوة وهو يردد بصوت مرتفع في احد ايام الصيف الحار جوه ، كان الوقت وقت عصر والطريق بتلك المدينة تكاد تكون تحركات المارة بها شبه منعدمة بسبب رياح الشرقي التي تهب بشدة زادت الجو الممزوج بالغبار حرارة ........ يا اما تعطيني الدرهم الناقص يا اما لن تركبا السيارة لن اشفق من حالكما تدخلت الفتاة الأخرى قائلة ارجوك أوصلنا الى مدينتنا وانا اعدك بانني بمجرد ان أصل أنزل من السيارة واخذها من قريبة لي تسكن و اعطيك اياها ……انه مجرد درهم أجاب بقسوة وفظاظة كلمة واحدة قلتها يا اما تكملا لي ثمن الركوب يا اما تبقيا هنا ولن اوصلكما التفتت الفتاتان اللتين تفاجأتا بموقفه والتفتتا بعفوية و قوة إلى الخلف لعلهما تظفران بسيارة أجرة اخرى.لكن لم تظفرا الا بالخيبة لم يكن هناك ثمة سيارة واقفة غير هذه السيارة قالت إحداهما معاتبة الأخرى : ماذا سنفعل الان؟ لم اخبرتينني انه لديك النقود الكافية العودة؟! ماذا نحن فاعلتان الان؟ ثم وبحركة آلية أدخلتا ايديهما الى حقيبتيهما للبحث بطريقة شبه هستيرية …شرعتا في تفتيش اغراضهما بارتباك وعجلة وكان لسان حالهما يقول بسبب درهم تعرضنا للاهانة !!! بسبب درهم سنظل ها هنا بهاته المدينة التي لا يعرفنا فيها أحد مشردتين بسبب درهم والدتهما تنتظر وربما استحوذت عليها الهواجس من كل حذب وصوب بسبب التأخر في الوصول … باءت محاولتهما بالفشل وهما تفرغان محتويات الحافظتين خاصتهما …. لم تعثرا على درهم شارد منيتا النفس بوجوده بين ثنايا حافظتي النقود ازدادت درجة الارتباك الممزوج بالخوف لديهما قبل ان تعودا الى حيث يقف السائق واضعا يده على جنبه وهو يتابع تصرفاتهما والتي ما زادته الا خشونة وفظاظة ليتراجع الى الوراء يغلق باب السيارة ويوقف المحرك وهو يقول : بلا متحلموا أنني ساوصلكما يا اما الدرهم تكملوا الثمن يا اما هنا تبقاو… لن اوصلكما وهذا اخر كلام عندي بلا متبقاو تصدعولي راسي سيروا عندكم شي حل ديروه …….. خليوني نخدم على راسي التفتتا بعفوية ورائهما المحطة لا يوجد فيها أحد غيرهم لا ركاب ولا سائقين ولا مسافرين نظرات تبادلتاها الفتاتان لم تكونا لتتخيلا ردة فعل هذا السائق ولا في الخيال تبلدت أفكارهما لوهلة حاولنا التوسل اليه مجددا وهو ما يزداد الا عناد ينم عن قسوة قل نظيرها في لحظة تخيلتا جميع الحلول تتمحور حول ثمن ربما كان مضاعفا للخروج من هذه المدينة فكرت إحداهما انه لو ذهبت لمخدع هاتفي وفشل اتصالها مع أفراد أسرتها لضاعت الدراهم ليزداد الأمر سوءا ولربما تفاقمت معاناتهما ...... بقيتا وقتا ليس بالقصير وهما واقفتان بحال يدعو للشفقة كان النهار قد أوشك على المغادرة … خاطبته إحداهما قائلة: عافاك الما وصلنا غنعطيك الدرهم منين نوصل راه غير درهم ال خصنا!!! اجابها بخشونة وقسوة لم تلن بل تأججت: بلا متصدعوا ريوسكم هنا تبقاو انا اصلا نمشي ونخليكم هنا …. قبل ان يكمل كلمته الأخيرة جائهما صوت من خلفهما يقول بخشونة : على درهم باغي تخلي البنات بالشارع ماشي حشومة عليك ماشي عيب عليك راك انسان يا حسرة!!!!! التفتت الفتاتان ورائهما واذا بشابة تلبس جلبابا أسود باهت اللون وحقيبة يد بالية تقشر الجزء العلوي منها لكن رغم مظهرها الرث ا!!!!!فقد كانت تملك ذرات إنسانية انعكست على محياها لتظهر وكأنها من اجمل النساء بالعالم لحظتها ….!!!!. تأملت ا لفتاتان الشابة … خنقت العبارات إحداهما التي قالت: الله يرحم والديك اختي عتقينا باغي يخلينا هنا واحنا غير جينا اول مرة مسخرين ونعود لدارنا بنبرة صوت لا يمكن وصف طبيعتها إجابتها: لن اسمح لنفسي ان اترككما هنا حتى وان اقتضى الحال ان اعطيكما نقودي وابقى انا هنا وفوق هذا كله انا ادفع ثمن الرحلة لكما ولا أهتم واش على درهم!!!! ثم امرته بصوت قوي وكان لسان حالها يعبر عن اسطشاطتها غضبا رفضته ذرات انسانية بداخلها قائلة: زيد فتح الطوموبيل سربي راسك راني مزروبة ثم التفتت إليهما قائلة: طلعوا اختي ركبوا ركبت بعدهما واغلقت الباب وكأنها بذلك تغلق باب المواقف القاسية وتفتح نافذة لتتسرب منها نسائم الإنسانية…..