"" قضاء ليلة بالكامل في دورية لرجال الأمن لا يمكن بالمرة أن تكون حمراء، بل سوداء مثل الليل تماما، وخاصة في مدينة كالدارالبيضاء، التي تتحول بمجرد حلول الظلام إلى مرتع لاقتناص المتعة ولصنوف الإجرام، حيث يخرج السكارى والعاهرات واللصوص، بينما يدخل الناس الآخرون إلى بيوتهم، إلى أن تطل شمس الصباح، ويعود الأمن مؤقتا والحياة إلى طبيعتها، كل واحد منشغل بأغراضه الخاصة. لكن مرافقة رجال الأمن في عملهم يمكن أن تكون ممتعة أيضا، لأنك محمي من طرف السلطة، والسلطة بطبيعتها قامعة ويهابها الجميع، إذ تصادف حالات غريبة من البشر يتم القبض عليهم وأخذهم إلى مخافر الشرطة لمخالفات مختلفة ارتكبوها. بدأت الرحلة حوالي الساعة العاشرة، باستقبال رائق من طرف عميد ممتاز كلف بتسهيل مأموريتنا الصحفية، وجعلها تمر في ظروف مواتية، لأن التعليمات صدرت بأن تكون الأمور على هذه الحال، واضعا تحت تصرفنا كل دوريات الدارالبيضاء، وما كان علينا إلا أن نشير إلى الوجهة التي نريد التوجه إليها، حتى تأتينا السيارة التي نطلب في لمح البصر. كان الانطلاق من النقطة 180 بالفيلودروم ومن أحد المكاتب الذي يوجد بداخله، والذي كان يتواجد به كاتب محاضر وشرطي آخر لا يمكن معرفة مهمته بالتحديد، وما بين المكتبين كان يقبع كرسي وحيد، الكرسي متهالك وموضوع ليجلس فيه الضيوف، والأشخاص الذين ساقهم قدرهم السيء للوقوع في هذا المكان. مازال العميد لطيفا معنا دائما، ولا ينوي كما يظهر اعتقالنا، رغم حديثنا الندي معه، الذي لا يعطي اعتبارا لمكانته ورتبته، حيث كان بدوره يحب أن يبدو مثل كل الناس يناقش أمورا عادية، دون أن يضطر إلى استعمال سلطته. أثناء الحوار الودي مع العميد، كان الكرسي المتهالك يحذرنا بأننا لسنا في مقهى وأن لهذا المكان هيبته التي يجب أن نحترمها، فقد كانت له رجل قصيرة بالمقارنة مع أخواتها، فكان يتمايل إلى درجة الاعتقاد أنك ستسقط على قفاك في أي لحظة، وتنكشف جريمتك التي لم ترتكبها، حيث تبدد الخوف تدريجيا من الشرطة بينما اشتد هلعنا من هذا الكرسي الذي يمكن أن يجعل وضع كل من يجلس عليه مضحكا في أقل الحالات سوءا وجالبا للشكوك التي لا تحمد عقباها. لقد مر الجلوس بسلام لتتسلمنا دورية تجول بشارع للا ياقوت وجزء من شارع الحسن الثاني وبالقرب من ساحة 16 ماي وبعض الأحياء الأخرى القريبة، لكن مشكلتها أيضا أنها كانت متهالكة بباب خلفي لا يغلق إلى إلا بشق الأنفس بعد «ردخ» طويل، وما يثير الاستغراب أن الأشخاص الذين يمكن إلقاء القبض عليهم بمستطاعهم الانسلال بسهول وترك السيارة قبل أن يعلم بذلك رجلا الأمن اللذان يجلسان في موقع القيادة بسبب ذلك الباب الذي لا يغلق ويفتح كلما زادا في السرعة. مثل مسلسل مكسيكي تمتلك كل دوريات رجال الأمن»راديو» أو هاتفا يتلقون فيه مكالمات عديدة من مراكز الأمن، أغلبها لا تعنيهم، وتهم زملاء لهم، لكنهم عندما يتحدثون لا يفعلون مثل كل الناس، بل يخاطبون بعضهم البعض بعربية فصيحة مضحكة، حتى أن الواحد يظن نفسه دخل إلى مسلسل مكسيكي مدبلج، كقول الشرطي»لاشيء يثير الانتباه...أو إنها مجرد مشادة كلامية ونزاع بسيط»، نعم كانوا يقولون ذلك بالعربية الفصحى. كانت الطريدة الأولى رجلا يقع وينهض من على دراجته النارية المهترئة في إحدى علامات الوقوف، وهو ما أثار شكوك دورية رجلي الأمن اللذين أوقفا سيارتهما بالقرب منه وجريا للقبض عليه، في وقت كان فيه مازال يسقط وينهض، علامة على سكره المفرط، الذي جعله لا يقوى على رفع دراجته وتحريكها لمواصلة طريقه. كنت حينها قابعا في خلفية الدورية حين صعد السكير برائحة الماحيا التي تفوح منه مرفقا بدراجته التي حملها رجل الأمن، وكادت تقع علي بمجرد انطلاقنا. لم يجد الرجل من حل للخروج من هذه الورطة إلا إخراج ورقة من فئة عشرين درهما محاولا تقديمها كرشوة لي كي أخلي سبيله، ظانا أني أشتغل بدوري مع البوليس. وعندما خاب ظنه في، توجه إلى حيث الشرطي السائق وشرع يستجديه، فطلب منه الأخير أوراقه الثبوتية وتلك الخاصة بالدراجة، فأجابه السكير: «ما عندي تا ورقة عندي الله». قادته دورية رجال الأمن رأسا إلى مخفر كبير ومعروف موجود بشارع الروداني وهناك شرعوا يسألونه مجموعة أسئلة، يجيب عن بعضها ويراوغ في الأخرى. واش مزوج؟ عازب. شحال رقم الزنقة اللي تتسكن فيها ؟ ماعرفتش. فاش خدام؟ التجارة. عارف علاش جبناك؟ علاش على الشراب. علاش سايق الموطور بلا أسورانس؟ الله يكون فالعوان. غادي ديو لموطر للافوريان؟ غادي تبات عندنا حتى تسحا. أنا ساحي. عطيوني لموطور تنقضي عليه الأغراض ديالي. الموطور ديال واحد صاحبي ما شي ديالي. ديوني للطاهر العلوي(وهو اسم لأحد الشوارع). وعندما فقد الأمل في الإفراج عنه ودراجته طفق يبكي ذارفا دموعا غزيرة، فلم يكن أحد يظن أنه سيصل إلى هذه الحالة، بشاربه الكث، حيث كان يشبه أولئك الناس الذين لا يمكن أن تتصور أنهم يوما ما سيبكون، لكنه فعل، وكان المشهد حزينا ومؤثرا ويدعو إلى التعاطف. مضيفا وهو يجفف دموعه: «ما عندي لا شراب لا والو عندي الله، ثم طالب أحدهم بتقديمه لرئيس المعقل». وفي المعقل كان هناك ثلاثة شباب وصلوا للتو، قيل إنهم مهاجرون مطرودون من إحدى الدول الأوربية، يحملون حقائبهم، وعليهم علامات الحزن والأسى، لأنهم عادوا إلى بلد ظنوا أنهم فارقوه واعتقدوا أنهم لن يعودوا إليه إلا بسيارات فارهة وشقراوات يجلسن إلى جانبهم. لننطلق من بعيد في رحلة القبض على كل شخص يثير الشبهات، وأمام إحدى الحانات في شارع للا ياقوت كان شاب يتشاجر مع آخر، ولما ألقيا القبض عليه، أسر للشرطي»راني غي كارديان ديالكم»، فلم نفهم ما إذا كانت مهمته هي حراسة سيارات رجال الأمن أم أنه جاسوس يشتغل لحساب الداخلية ويقدم لهم المعلومات عن كل ما يحدث في مجاله. وفي ذلك الحين شاهدنا فتاة نصف عارية، لكن وبمجرد نزول الشرطي للقبض عليها أطلقت ساقيها للريح وهي تلتفت وتضحك، فعاد إلى السيارة. فرنسي ميت في مكتبه شيئا فشيئا بدأنا نتعود على جو البوليس في تنقلاتهم الليلية المحفوفة بالأخطار والمفاجآت غير المنتظرة، ففي تمام الساعة الحادية عشرة، توصلت الدورية بمكالمة تقول بأن حالة ضرب وجرح وقعت في حي الحسن ويدر رقم ثمانية، فانتقلت السيارة بسرعة فائقة إلى عين المكان، وسأل رجل الأمن أحد الحراس المتواجدين أمام باب العمارة، فدلنا على الشقة، التي كانت مكتب محاسبة، فطرقنا الباب ووجدنا رجلين أجنبيين رفقة مغربي، وحالة الحزن بادية عليهم جميعا، فقادونا إلى غرفة في آخر ركن من الشقة ووجدنا بها مكتبا وخلفه كرسي، وبمجرد إطلالنا عليه، ظهر لنا عجوز ملقى على الأرض وبرفقته شاب مفزوع ويتملكه الخوف، عرفنا بعد لحظات أنه طبيب جاء لإسعاف الرجل، لكنه وصل بعد أن لفظ أنفاسه الأخيرة. لقد كنا ننتظر أن نرى كل شيء، إلا منظر جثة مرمية على الأرض، حيث أخذ الطبيب يشرح سبب الوفاة، محاولا تبرئة ذمته خوفا من أي متابعة. كان المسكين يرتعد ويتلعثم في الكلام، مؤكدا أن العجوز تعرض لموت مفاجىء، ومخرجا ورقة من جيب سترته، يحاول أن يشرح بها لي أن عليه أن يتوجه لإنقاذ شخص في مكان آخر ويمكنه أن يعود إلينا بعد أن ينتهي. ظن هو الآخر أني أنتمي لرجال الأمن، وترك لنا رقم هاتفه وبطاقته الوطنية، ثم أخلينا سبيله. عرفنا أن العجوز الميت رجل فرنسي، يملك هذا المكتب منذ زمن بعيد، وقيل لنا إنه ولد بفاس، ويحبه الجميع هنا، وقال لنا أحد الثلاثة الذين كانوا في الشقة إنه كان يلعب «التيرسي»، ولذلك تأخر في مكتبه، وبالفعل فقد كانت جريدة خاصة بهذا النوع من الرهان موضوعة فوق المكتب ومفتوحة على إحدى الصفحات، لكنه وعلى غير عادته تأخر في الوصول إلى البيت، الأمر الذي جعل زوجته تسأل عنه كل معارفه دون جدوى، إلى أن قرروا فتح باب المكتب في ذلك الوقت من الليل، فعثروا عليه جثة هامدة، لم يستطع الطبيب بعث الحياة فيها، وعندما سأله مساعد الميت عما إذا كان هناك مقابل يمكن أن يتقاضاه جراء معاينته للعجوز الميت، أجابه بأن الوضع لا يسمح، «لكن الأمور تجري هكذا دائما للأسف، لذلك فعليكم أن تدفعوا كواجب لحضوري 400 درهم»، ثم ردد بالفرنسية، «للأسف الأمور تجري هكذا»، وخرج مسرعا، إذ يبدو أنه لأول مرة، مثلنا تماما، يلتقي بجثة، ما زالت الحرارة تنبعث منها. بعد ذلك دخل ضابط سيقوم بعملية المعاينة، ثم تبعته فرقة التشخيص القضائي والتحريات، لننصرف نحن إلى عملنا الذي لم ينته بعد في ليل الدارالبيضاء، وتركنا أهل الاختصاص الذين أخرجوا من حقائبهم أشياء لم أعرف ما هي يباشرون عملهم بعيدا عن أعيننا. سكير يطلب من الشرطة أن تدخله إلى البار عندما يلعب الخمر برؤوس السكارى يمكنهم أن يفعلوا كل ما لا يخطر على بال، مثل حالة ذلك الرجل الذي جاء يركض في اتجاه دورية الشرطة ليطلب منا أن ندخله إلى الحانة التي طرد منها، مفتخرا بكونه مغربيا يعيش في المهجر، وهذا وحده يخول له أن يصول ويجول في كل الحانات دون أن يتعرض لأي مضايقة من أي أحد. مضيفا أنه أنفق في تلك الحانة مبلغ 2000 أورو، حيث يظهر أنه مهاجر غبي لأنه ضيع هذا المبلغ الكبير في بار حقير، إن كان ما قاله حقيقيا ولا يخلو من مبالغة «علاش يكولو ليا سير بحالك تنخلص بفلوسي» الشرطي: سير عند وليداتك حسن ليك. السكير: ماعندي لا ولاد لا والو. السكير: دخلوني للبار ونعطيكم اللي بغيتو، إلا بغيتو مليون نعطيها ليكم. أمام هذا العرض السخي قرر رجلا الأمن رميه في خلفية السيارة، لكن شابان قويان تدخلا لصالحه، يبدو أنهما يشتغلان في إحدى الحانات، وطلبا من رجل الأمن أن يسامحه، فهو معروف في المكان، وينفحهم بالنقود، فخضع لتضرعهما، وذهب معهما معززا مكرما ليكمل ليلته في حانة أخرى، يمكن أن تطرده هي الأخرى إن هو تمادى في شربه. رغم كل هذا الوقت الذي مر لم نستطع القبض على عناصر كثيرة مخالفة للقانون، فالجميع منضبطون، لأن الناس لم يتقاضوا رواتبهم بعد ذلك الأربعاء ليخرجوا ويبذرونها في الحانات، حسب التفسير الذي أعطاه رجل الأمن لهذا الوضعية. لذلك طلبنا الالتحاق بدورية أخرى تجول في منطقة أخطر وبها مشاكل كثيرة، فاستجابت إدارة الأمن لطلبنا وأحضروا لنا سيارة صغيرة تشتغل في شارع الجيش الملكي ومحمد الخامس، وبعد دقائق وقفت أمامنا سيارة يركبها شاب خائف، لأن سيارة مرسيدس يركبها ستة أشخاص كانت تلاحقه، فقررنا رفقة دوريات أخرى البحث عنها، وانطلقنا بسرعة إلى أن وجدناها بالقرب من «مارشي سونترال» فتقدمت نحوها إحدى الدوريات ووقفت في طريقها ليضطر السائق لفرملتها، فخرج شابان ولاذا بالفرار، ثم عادا بعد حين، أما الأربعة الآخرون فسألوا رجال الأمن عن المخالفة التي ارتكبوها، ليواجهوهم بالشاب الخائف. كان واحد منهم يفتخر بأنه قريب من حارس المنتخب الوطني لكرة القدم طارق الجرموني، وأنه يملك مقهى في المحمدية، وهذا في نظره يسمح له بالاعتداء على المارة، ليتم أخذ الجميع إلى كوميسارية إبراهيم الروداني. بالقرب من إحدى الحانات وسط المدينة كان مجموعة من الناس متحلقين حول شخصين يتشاجران، أحدهما يحاول أن يصفد يدي خصمه، وعندما رآنا غمز الشرطي بأن ينصرف في تلميح إلى أنه بدوره رجل أمن، لكن الشرطي اضطر إلى التوقف احتراما لتواجدنا معه وكي لا يصاب بالإحراج، أما المفاجأة الكبرى فتمثلت في كون الشخص الذي كان يتشاجر مع رجل الأمن المفترض هو جندي مفترض، والطرفان معا يمتلكان سلطة كبيرة يظنان أنها تخول لهما أن يقترفا كل الشرور وأن يعتديا على الناس، دون أدنى خوف من أي معاقبة أو حساب، فقدناهما أيضا إلى إبراهيم الروداني، ولم نتابع النتيجة التي انتهيا إليها، وإن كان البوليس أقوى من العسكر أم العكس. النجدة لقد كسروا أنف عميد شرطة يرسم المغاربة صورة عن رجل الأمن بأنه شخص يستغل سلطته ويمارس العنف على الناس ويتلقى الرشوة، لكنه أحيانا يكون ضحية للمواطنين، حين يريد التدخل لفض شجار أو توقيف شخص منحرف. فبالقرب من أحد الملاهي، على بعد خطوات من محطة الدارالبيضاء الميناء، كان شاب قصير القامة يشرب البيرة رفقة فتاة داخل سيارته، فتدخلت دورية محاولة معرفة ما يجري داخل السيارة، وفي ذلك الحين لاذت الفتاة بالفرار، بينما تنطع الشاب القصير الذي يبدو من ملاحمه أنه عنيف، بالنظر إلى هيئته، وبمجرد ما حاول العميد وضع الأصفاد في يديه نطحه برأسه وتسبب له في كسر بأنفه وازرقاق في عينه، متهما البوليس بسرقة أمواله وهاتفه النقال، مشبعا إياهم بشتائم بذيئة لا تنتهي، حيث قاد بقية الفريق زميلهم على وجه السرعة إلى قسم المستعجلات، وهناك انتابته نوبة غضب حاد من هذه المهنة التي لم يجن منها إلا المتاعب، موجها نقدا حادا لحقوق الإنسان وللأوامر التي يتلقونها بعدم ممارسة العنف تجاه المواطنين. «كالو ليك ما ضربش، هافين وصلاتنا هاد الهضرة، الله ينعل دين مها خدمة. إلا ما شدوهش نخرج منها ونطلب اللجوء السياسي، ها فين وصلاتنا حقوق الإنسان اللي تيتكلموا عليها". "تشوف بزولتي فيها الحليب" هناك نوع من البنات لا ينمن في الليل، ويخترنه لممارسة مهنتهن، ومن أجلهن انتقلنا إلى دورية أخرى، تشتغل في شارع أنفا، حيث تقف العاهرات في الرصيف، في انتظار زبون يبحث عن متعة عابرة، يؤدي ثمنا مقابلها. في بداية جولتنا توقفنا أمام امرأة في الأربعينات من عمرها، تعاني من نحافة مفرطة، وتلبس جلابية تظهر جسدها النحيل والمتهالك، حيث يبدو من شكلها أنها لن تثير رغبة شخص سوي، وعندما نزل رجل الأمن من السيارة للتأكد من هويتها، قالت له أنها تبحث عن أخيها»حيت بغا يحرك لأوربا» مؤكدة أنها تسكن هنا في شارع أنفا. الشرطي: فاش خداما المومس: فالصابون الشرطي: آنشوف يدك المومس: مالها ماصبنتش هاد ليامات قطعتو. الشرطي: شكون اللي ضربك في يدك. المومس: خويا تيدير القرقوبي. الشرطي: ياك خوك مشى يحرك المومس: خويا يضبر راسو ما بقيتش باغا نقلب عليه. أكد رجل الأمن بعد أن صعدت معنا أنه يعرفها ورآها أكثر من مرة، موضحا أنها ليست في كامل قواها العقلية وأن مرضا جنسيا هو الذي جعلها مجنونة، ويخاف أن تنقله إلى أشخاص يضاجعونها. على بعد خطوات ودائما في شارع أنفا، كانت فتيات يختبئن خلف أبواب العمارات والفيلات بمجرد رؤيتنا، إلى أن أوقفنا فتاة شقراء سكرانة تمشي وهي تترنح، لسوء حظها منعها الخمر من الهرب كما فعلت رفيقاتها، اللاتي كن يقطعن الطريق باحترافية عالية في ما يشبه لعبة القط والفأر مع الشرطة، حيث يبدو أنهن مجربات وتعودن على هذا النوع من المطاردات الليلية. شرعت الفتاة الشقراء تبكي بحرقة قائلة «والله ما تشدوهم» في إشارة لصديقاتها اللائي تعرفهن حق المعرفة، مواصلة بكاءها وعتابها لنا «ما تتشدوش مالين السيوفا وبنت ليكم غير أنا»، مضيفة أنها من مدينة تازة ولم يمض وقت طويل على إنجابها لرضيعة، متوسلة أن نطلق سراحها«تشوف بزولتي فيها الحليب، والله ماتنكدب عليك، راك عارفني فاش كنت حاملة». وأمام فندق ريفولي كانت امرأة مسنة تضع جبيرة في يدها وتتسول، فأمرها الشرطي بأن تزيل تلك الجبيرة التي تركبها خصيصا لتزاول مهنة الشحاذة، ولم تتخل عنها منذ زمن بعيد، وفي ذلك الحين قطع ولد يبدو أنها أمه الطريق وأخذ يشتمنا مهددا دورية الشرطة مشيرا بيديه وتفوه بسباب لم يكن من الممكن فرز كلماته. الأثرياء لا يلقى القبض عليهم في عين الذياب من الصعب الحديث عن قضاء ليلة رفقة رجال الأمن في دورياتهم دون الذهاب إلى عين الذياب، وبالفعل فقد تحقق ذلك حوالي الساعة الثالثة صباحا، حين بدأت الملاهي والعلب الليلة تلفظ السكارى والساهرين إلى هذا الوقت المتأخر من الليل. مرت دورية الشرطة أمام باب إحدى العلب الليلية التي شرعت تتخلص من زبائنها، ويظهر من السيارات الفارهة التي كانت مركونة في جنبات الطريق، أن زوار هذه العلبة من علية القوم وأبناء أثرياء المدينة، حيث وقف شابان أمام سيارتهما الشبح يحملان كأسي ويسكي ويسخران من رجلي الأمن اللذين كانا في الدورية، دون أن يستطيعا الرد عليهما، خوفا من جواب غير منتظر، أو عقاب على عدم احترام شباب يسكرون في قارعة الطريق من طرف رئيسهما المباشر، فما أدراك أن يكونا ابني مسؤول كبير أو غني يهابه الجميع، لذلك وأمام الإهانة التي تعرضا لها أمامنا من طرف أولاد لا يهابون الشرطة، قال أحدهم لرجل قزم كان يقف في عين المكان، «قلت ليك سير تنعس ونتا ما باغيش تمشي» ولإظهار أنهما يزاولان مأموريتها على أحسن ما يرام أوقفا بائع سجائر مهربة وصعدا به إلى السيارة، ورغم كل توسلاته بأن يطلقا سراحه، لأنه كما كان يقول، له أولاد ينتظرونه، ومن جهة أخرى كان يقول لهم إنه ترك دراجته النارية بالقرب من أحد الملاهي، ويمكن إن لم يذهب لأخذها أن يسرقها أحد، إلا أنهما لم يستمعا لاستجدائه إلا بعد مرور حوالي نصف ساعة، حيث طلب من أحد أصدقائه أن يحول مكان تواجد الدراجة إلى آخر آمن، بينما ظل هو معنا إلى أن توجهنا إلى المخفر. يبيع هذا الشاب سجائر مارلبورو المهربة لأبناء الأثرياء، بعد أن يضعها في علب عليها علامة المغرب، ويغلفها بالبلاستيك، كما لو أنها مصنوعة هنا، فتنطلي الحيلة عليهم ويشترونها منه ظنا منهم أنه جاء بها من أكشاك بيع السجائر. يقول إنه يبيع العلبة الواحدة ب35 درهما، ويربح حوالي عشرين، مسيطرا على هذه المنطقة فهو لا يسمح لأي منافس آخر بالاقتراب منها. في الشارع الرئيسي بعين الذياب كان شابان يعترضان طريق تاكسي أحمر صغير به فتاتان، ويصرخان «الدريات داو لينا فلوسنا» بعد أن قضيا سهرة معهما على أمل أن يرافقانهما في النهاية لممارسة الجنس، حينها وقفت دورية الشرطة بالقرب منهم وأمرت الجميع بالصعود إلى السيارة، أثناء ذلك طلبت إحدى الفتاتين من سائق التاكسي أن يخبىء أموالها في «البلاكا»، إذ يبدو أنه كان يعرفهما حق المعرفة، فقد تبعنا إلى المركز، وعلامات التعجب بادية عليه، لأنه لم يعتد أن يتصرف معه رجال الأمن بهذه الطريقة، وربما أخذوا منه زبونتيه بسبب تواجد الصحافة، لذلك لم يفهم ماذا حدث بالضبط، وتبعنا إلى أن وصلنا، وظل واقفا في الخارج ينتظر ما ستؤول إليه الأمور. تكدس الولدان والفتاتان في خلفية الدورية ومعهما بائع السجائر المهربة وصحراوي أخذ علقة من فيدورات إحدى الحانات، وأمام الخوف من قضاء ليلة رهن الاعتقال حاول الأربعة أن يتصالحوا وجمعوا 400 درهم محاولين تقديمها لي كرشوة ظنا منهم أني رجل أمن، وبإمكاني أن أخلي سبيلهم، لكني رفضت وطلبت المزيد، لأن المسألة حساسة وتتطلب مبلغا أكبر يليق بالتهمة الموجهة إليهم جميعا. وعندما فقدت إحدى الفتاتين الأمل في الإفراج عنها، بدأت تداعب مصور «المساء» وتوشش في أذنيه بكلام حلو، لكن حيلتها لم تسعفها كثيرا وذهبت إلى المعقل لقضاء ليلة هناك. في المعقل شرعت تنزع سروالها، دون أن يأمرها أحد بذلك، ولما سألها رئيس المعقل لماذا تقوم بذلك، قالت له «فيا البولة» وبالفعل دخلت إلى المرحاض لتتبول، ثم عادت وهي تضحك، حيث أمر أحد رجال الأمن الجميع بنزع خيوط أحذيتهم وأحزمة سراويلهم وما يملكون من نقود ليتسلموها مباشرة بعد خروجهم. انتهت مهمتنا حوالي الساعة الخامسة والنصف صباحا، بعودتنا إلى النقطة 180 لنفاجأ باستنفار أمني واجتماع لكل رجال الأمن والمسؤولين الكبار، مع حملة نظافة وانضباط لم تكن ساعة زيارتنا الأولى، وربما كانوا غيروا أيضا ذلك الكرسي المتهالك بآخر جديد ووثير، لنعرف أن الأمر يتعلق بأفواج الجنود الذين سيلتحقون بسلك الشرطة لتعزيز صفوفها، إذ بعد انتظار قصير وصلت سياراتهم وتم تنظيم استقبال لهم وانتظموا في صفوف قامت بتحية خاصة أقرب إلى المارشات العسكرية، ليتم حينها طردنا من المكان بدعوى أن مهمتنا انتهت، فانصرفنا في الحال بعد أن قضينا ليلة مع البوليس رفقة المومسات والسكارى والموتى أيضا. روبورطاج : حميد زيد تصوير : كريم سلماوي عن المساء