محمد الصديق اليعقوبي لقد دأب العالم أن يحتفل بعيد العمال خلال فاتح ماي من كل سنة تقديرا للدور الطليعي الذي يقومون به من أجل بناء الحضارة الإنسانية و تشييد صروحها المعمارية وتقدّمها في المجالات الصناعية و الزراعية و الخدماتيّة. على إعتبار أنه رمزا لنضال الطبقة العاملة من أجل حقوقها غير أنه عيد ليس كالأعياد التي يحتفل بها الناس فهو عيد أحق من كل عيد بترديد قول الشاعر : “عيد بأي حال عدت يا عيد ……. بما مضى أم لأمر فيك تجديد “. لاشك أن عشاق الشعر يعون جيدا دلالات هذا البيت الجميل ونورده هنا في سياق الحدث الذي نحن على مشارفه ونستشهد به للوقوف على إحدى اللحظات الحساسة في تاريخ الشغيلة المغربية. فهو عيد للمساءلة ، عيد لإعلان الإنتصارات والإحتجاجات ورفع المطالب فهو عيد تنتفض فيه الطبقات العاملة، وينتفض معها كل الضعفاء والفقراء ، ويتطلع الجميع للعدالة الإجتماعية وإنصاف المظلومين والمقهورين وإيجاد العمل للعاطلين، وتوفير وسائل العلاج للمرضى وضمان العيش الكريم للذين يكدحون بالليل والنهار وبثمرة كدهم وعملهم يعيش بعض من أوكلت لهم مهمة الدفاع عن حقوقهم في الرفاه والبحبوحة ويعاني من أمراض التخمة ويأتي عيد الشغل هذه السنة والطبقة العاملة تكتوي بنار ارتفاع الاسعار وضرب القدرة الشرائية والإقتطاعات ورفع سن التقاعد وسن العمل بالتعاقد في القطاعات الحيوية والتي جاءت نتيجة قرارت حكومية لا شعبية. وتزامنا مع هذا اليوم ستكون الفرصة سانحة لتقييم الأداء النقابي المغربي ودراسة الأوضاع المهنية والإجتماعية ومساءلة الواقع ومقارنته بالعتبات الدنيا للملفات المطلبية التي طالما تم التلويح بها في وجه المسؤولين طيلة موسم بأكمله ومن أجلها كانت كل الإطارات تعلن أنها ستلجأ إلى التصعيد بكل الصيغ النضالية الممكنة. فإلى أي حد تم قطع أشواط في اتجاه تحقيق المكتسبات وإلى أي حد إستطاعت النقابات فرض أجندتها على القطاع الوصي؟وهل فعلا يحق القول إن هناك مكتسبات إنتزعت أم أن مايتم الترويج له من قبل بعض المنابر وبعض الجهات الرسمية التي نفخت في الجلسة الختامية للحوار الإجتماعي المتعلقة بالزيادة في الأجور المنعقدة بين الحكومة والنقابات، والتي خلصت إلى التوقيع على اتفاق ثلاثي الأطراف يمتد على ثلاث سنوات (2019-2021). هذا الإتفاق الذي لايعدو أن يكون تمهيد لسلم إجتماعي مغشوش دفع عربونه ولم يتم الوفاء بكل تفاصيل الصفقة؟ سلم تلعب خلاله الحكومة وبعض المحسوبين على العمل النقابي ( الأكثر تمثيلا على العمال) دور الإطفائي لربح المزيد من الوقت على حساب اليومي الجاثم على صدور الطبقة الدنيا في السلالم الإدارية وعلى حساب المطالب الملحة لعموم الشغيلة والتي لاتعرف التأجيل ولاتحتمل الجدولة ولا الإلغاء؟ لن تكون مادة هذا المقال موجهة صوب “الماكينة” الحكومية التي نعرف إلى أي حد هي محكومة بضرورة الوفاء بكل الإتفاقات لأن الجميع أضحى يعرف نسق إشتغالها على ضفاف العمل المطلبي وطريقة تدبيرها للملفات الإجتماعية ، فلابأس إذن أن تكون هذه النظرة فرصة لتشريح وتشخيص عملي لواقع الممارسة النقابية ورؤية محايدة لكل تفاصيلها التنظيمية، ومن باب :حتى يغيروا ما بأنفسهم وددت أن تكون مقاربة نقدية علها تسهم في نفض الغبار على جملة من الممارسات والسلوكيات الحاسمة والتي جعلت الفعل النقابي يحيد عن طريق أداء الرسالة السامية التي من أجلها وضعت أسسه الفكرية ومنطلقاته المعرفية. بدءا لابد من الإدلاء ببعض الملاحظات والتي تم إستقاؤها من الواقع الذي يشهد بتأزم أوضاع النقابة وأكتفي بذكر مايلي: 1)ضعف منسوب النضال داخل القطاعات النقابية بظهور نخب لاتؤمن بالحلول الجماعية بقدر ماترى في المناصب داخل النقابة إمكانية تحقيق مكاسب لأجل الذات ومن أجل المقربين. 2) التناقض الرهيب بين الخطاب والسلوك النضالي . 3.غياب ديموقراطية عمالية داخلية داخل النقابات وطغيان كاريزما الزعيم . 4) سيادة منطق البيروقراطية داخل هياكل النقابات أدى حتما إلى غياب نضال القرب الذي ينصت إلى نبض القواعد. 5)تراجع خطير في وثيرة الممانعة لدى جل النقابات جعلها مجرد كائن وديع وإطار مروض لم تعد بلاغاته في معظم الأحوال لا تثير أدنى هاجس لدى الدوائر المسؤولة . 6) أفول نجم العمل النقابي الوحدوي الذي يروم توحيد الصفوف ورصها لأجل قوة تمكن من إنتزاع المزيد من الحقوق والمكاسب. 7) موسمية النضال النقابي ورجحان لغة الخشب وغلبة ردود الأفعال على إستراتيجية النضال الديموقراطي وقيمها . ختاما نتمنى أن يعاد الإعتبار للفعل النضالي المنخرط في قضايا الأمة والمتشبع بالقيم والداعي إلى أنسنة الإحتجاج وجعله في إطاره السليم وإعادته إلى دائرته الأنسب ليتمكن عموم الشغيلة من إستعادة الثقة المفقودة والأمل الضائع وحسبنا أن نتذكر التاريخ المجيد الذي لايزال يحكي قصة ثلة من الأفذاذ الوطنيين ممن عملوا في رحابه أعطوا نموذجا لايضاهى في حب الوطن. كيف لا وقد كان ديدنهم الدفاع عن الصالح العام.