في جو ملؤه الأسى والحزن نعت جريدة الصباح في عددها الصادر يوم الثلاثاء 20 شتنبر على صدر صفحتها الأولى نبأ "وفاة" الاشتراكي الموحد، مشرحة أسباب هذا الموت المعلن الذي قالت إنه ناجم عن قرار مقاطعته للانتخابات التشريعية المقبلة. لقد أمعن مقال الجريدة في وصف هذا الإطار السياسي بشتى النعوت على نحو يفتقد إلى اللياقة وأدبيات النقد البناء، لما وصف موقف المقاطعة ب "الجبن والاستسلام والهروب إلى المخبأ" الكائن بزنگة أكادير، كما لو كان هذا الإطار الكبير بنسائه ورجاله الشرفاء جرذا مذعوراً لا حول ولا قوة له! الاشتراكي الموحد الذي وصفه المقال نفسه بالفينق الذي ينبعث من الرماد في كل مرة، هو حقاً طائر حر لا يموت ولن يكون بوسع المتربصين به أن يذرفوا عليه الدمع ويضعوا على قبره باقات الورود الشائكة. إنه إطار ولد يافعاً حينما أعلن انخراطه في النضال الديمقراطي الجماهيري، نبع من الشعب واختار أن يبقى في صفوف هذا الشعب، إطار يمارس السياسة على درجة عالية من النزاهة والأخلاق، لا تغريه الكراسي وبيع الذمم بثمن بخس، بقدر ما يتطلع إلى مجتمع الحرية والكرامة والمواطنة الحقة والعدالة الاجتماعية ومساواة الجميع في الحقوق والواجبات، إطار مازالت السلطة تنكل بمناضليه ولا أدل على ذلك أكثر من الحكم على المناضل الصديق كبوري بثلاث سنوات سجناً نافذة، إطار مازال مناضلوه يتعرضون لشتى أنواع المضايقات في أماكن عملهم مع التهديد المستمر بقطع أرزاقهم، ومع ذلك يمسكون على الجمر ويدفعون الثمن غالياً. لقد تكفلت كاتبة المقال إياه بإعطاء الدروس للاشتراكي الموحد الذي تعلم علم اليقين أنه سيتقبل نقدها بصدر رحب وأريحية كبيرة، تمنيت فقط لو كان هذا النقد / التجريح متوازناً ومحايدا، كما تساءلت ما إذا كان بوسع الكاتبة "الشجاعة" امتلاك الجرأة ذاتها لتوجيه الكلمات والقاموس نفسه إلى حاكم جار أو جَبُنَ في أحد قرارته، أم هو استئساد على ذوي المروءة وخوف من سلطة قد تبطش بمن يتجرأ عليها! ما لا تعلمه كاتبة المقال أن مجموعة كبيرة من مناضلي ومناضلات الاشتراكي الموحد هم نشطاء ونشيطات في حركة 20 فبراير، وموقفهم هذا ينسجم مع موقف الحركة الرافض للطريقة والمنهج المعهودين في تدبير اللعبة السياسية برمتها، فلماذا ترفض وزارة الداخلية مقترح تشكيل هيئة مستقلة للانتخابات؟ ولمَ ترفض اعتماد البطاقة الوطنية في التصويت؟ ولم ولم...؟ إنها أسئلة كثيرة تضع الأصبع في مكمن الجرح والجواب عنها وحده الكفيل بإنهاء كل لبس والإعلان عن حسن نية وإرادة حقيقية في طي صفحات الماضي. للتاريخ فقط، وللتذكير بأن المقاطعة لا تعني بالضرورة الموت، والمشاركة لا تعني قطعاً الحياة وطوق النجاة، أشير هنا إلى أن مقاطعي استفتاء 96 مازالوا أحياء يرزقون وهم حاضرون كقوة سياسية وفكرية ذات بعد أخلاقي في المجتمع السياسي المغربي، وأعني بهم التنظيم السياسي الذي أعلنت جريدة الصباح عن وفاته في جو جنائزي مهيب ! بينما كان مآل الإطار الذي أسسه الرافضون لقرار المقاطعة إياه والذين شاركوا في الاستفتاء وفي الانتخابات وفي الحكومة، الاضمحلال والذوبان، بل لا أظن أن أحداً يتذكر اسم الإطار الذي أسسوه حتى!