تفتح المدارس أبوابها من جديد, لتفتح معها أكثر الأسئلة تهميشا وتأجيلا في حركية مختلف الفاعلين وانشغالاتهم:إنها أسئلة التربية والتكوين، تربية الأجيال الحالية والقادمة،تكوينا يؤهلها للاندماج الإيجابي والفاعل في العصر. إن ملف التربية والتكوين ,الذي توصلت فيه مكونات المجتمع منذ أزيد من عقد من الزمن إلى توافقات كبرى,عكسها الميثاق الوطني للتربية والتكوين ,والذي تم اختزاله منذ سنتين فيما يعرف الآن بالبرنامج ألاستعجالي، يستدعي اليوم، بفعل ضعف مرد ودية الإصلاح التربوي وتعثراته، وإخفاقاته في أكثر من مجال، إنزاله منزلة الصدر في جدول أعمال الدولة والأحزاب والنقابات والجمعيات المهنية والأسرية، وذلك للأسباب والدوافع التالية: استمرار تفاقم الاختلالات في مجال التدبير والتسيير والتخطيط للمدرسة العمومية، وذلك ما تعبر عنه ما آلت إليه العديد من الأكاديميات والنيابات من أوضاع كارثية , و عجز عن تنفيذ مقتضيات البرنامج ألاستعجالي، و لعل ذلك ما يفسر لجوء الوزارة إلى تغييرات إدارية متتالية فيها، والى تكثيف إرسال لجان التفتيش إليها. تزايد الخصاص في الموارد البشرية، خاصة في هيئات الإدارة التربوية، ، والتدريس والتفتيش، دون اتخاذ الوزارة لإجراءات حقيقية ومستقبلية لتغطية الحاجيات التي تتزايد كل سنة ,بفعل أفواج المتقاعدين في كل هيئة، والاكتفاء , بذل ذلك , بالترقيع والتدبير اليومي الأزموي ,على حساب الاختصاص ,والمر دودية المطلوبة سواء في مجال التدريس , أو في مجال التأطير التربوي . ورغم تركيز البرنامج ألاستعجالي على تحديث البنيات التحتية للمؤسسات وتجهيزها، فإن معظمها لم يتجاوز حدود طلائها من الخارج ! إذ لم يتم توسيع حجرات جلها, للتخفيف من الاكتظاظ الذي يظل السمة البارزة للفصل الدراسي المغربي على العموم. فشل برنامج التكوين المستمر وتعثره ، وضعف مردود يته البيداغوجية والديداكتيكية، رغم الميزانية الضخمة المخصصة له، وذلك بسبب الشروط التنظيمية لدوراته، وضعف الغلاف الزمني لمدة التكوين,وعدم انفتاحه على أطر وكفاءات وخبرات من خارج التعليم المدرسي. ستمطرنا الوزارة بإحصاءات حول المنجزات، وحول نسب التمدرس،ووقف الهدر المدرسي....الخ. ولكن أرقامها تظل بعيدة عن الحقيقة، ولا تعكس التوقعات والآمال المتوخاة من الإصلاح , وعليه فإن الوزارة بكافة أطرها – وهي في السنة النهائية للبرنامج ألاستعجالي، وقبل مغادرة مسؤوليها لكراسيهم بعد انتخابات نونبر2011 – مطالبة بتقديم الحساب الدقيق للمجتمع، فميدان التربية والتكوين لم يعد يحتمل ا لتملص من المسؤولية ولا التضليل .. ولأن التشخيص لواقع حال المنظومة التربوية يعطي في النهاية تلك الصورة القاتمة التي يعرفها الجميع : مسؤولون ونقابيون وسياسيون وأسر، فلا داعي للتفصيل الممل فيه ، إذ الجوهري اليوم، وبعد دخول البرنامج ألاستعجالي سنته الأخيرة ,هو التقييم الجدي الموضوعي لحصيلته، ووضع اليد على عوائق تنفيذ معظم مشاريعه، خاصة ما تعلق منها بالشق التربوي وبتنمية الموارد البشرية وتأهيلها، وذلك من أجل القطع النهائي مع المقاربات الحالية، التكنوقراطية، والبيروقراطية للمسالة التربوية، والتي تعتبر أصل ضعف ومحدودية نتائج ذاك البرنامج ألاستعجالي وفشله في بلوغ أهدافه المسطرة، وهو في سنته الأخيرة: فقد تعامل مع القضايا التربوية بارتجالية وترقيعية، ولم يفتح فيها أوراشا للتقييم ,وبلورة مقترحات من القاعدة الفاعلة والحاسمة في نجاح أي إصلاح، لتجاوز ما تعيشه المنظومة التربوية من تدهور مخيف على المستوى التكويني،و المعرفي والبيداغوجي، لا تستطيع تلك "الفرحة الإعلامية" بتفوق فئة قليلة من تلامذتنا في مباريات الأقسام التحضيرية، ولا نسبة النجاح في امتحانات الباكلوريا التغطية عليه، فالأرقام غالبا ما تكون مخادعة ,وبعيدة عن حقيقة الأشياء كما هي ,وكما تجري في الواقع. وعليه، فإن هناك ,(هنا والآن)، ضرورة قصوى لاتخاذ إجراءات ملموسة وعميقة في الإصلاح التربوي، بإشراك مختلف الفاعلين المباشرين والميدانيين ,وفي مقدمتها: معالجة الخصاص المريع في هيئات التدريس والتفتيش التربوي والإدارة التربوية، معالجة عقلانية ومستقبلية، ذلك أن مقاربة البرنامج ألاستعجالي لهذا الملف ,أدخلت المنظومة التربوية في أزمات يومية، لا يعيشها ويعاني من تبعاتها ومضاعفاتها المعنوية غير المدير والمدرس والمفتش التربوي : فهدر الزمن المدرسي له ارتباط بمدى قدرة الإدارة التربوية على تأطير دخول وخروج التلاميذ إلى الأقسام، وضعف و تدهور "الجودة " مرتبط , أيضا ,بظاهرة تكليف أساتذة قضوا عشرين سنة أو أكثر في تدريس مادة معينة، بتدريس أخرى (كما يجري في مادة الفلسفة مثلا)، كما أنه مرتبط بدخول هيأة التأطير التربوي (المفتشون) في حالة "شبه انقراض"، بفعل المغادرة الطوعية أولا، وبفعل إغلاق المركز الوطني لتكوين المفتشين أمام الأساتذة في الكثير من المواد التي تعرف خصاصا كبيرا في الأساتذة, ثانيا ,ولعل من بين أ فدح وأخطر ألإجراءات الترقيعية لسد الخصاص في المدرسين ، هو ما لجأت إليه بعض الأكاديميات والمؤسسات من حذف لمادة الفلسفة من الجذوع المشتركة, لتوفير الأساتذة للسنة الثانية باكلوريا، وهو إجراء لا تربوي , وغير قانوني ,لأنه يمس بوحدة منهاج دراسي متكامل الحلقات ,مما سيضع التلاميذ في ألامتحان الوطني للباكالوريا أمام وضعية غير متكافئة مع زملائهم في أكاديميات أو مؤسسات أخرى لم تلجأ,لحد الآن ,لهذا الإجراء، إنه العبث !. لذا، فالمطلوب هو فتح المدارس العليا للأساتذة في وجه العدد الكافي لحاملي الشهادات العليا ,وفتح مركز تكوين المفتشين أمام أجيال جديدة من الأطر التربوية المكونة تكوينا معرفيا وبيداغوجيا وديداكتيكيا ,مواكبا لمستجدات حقلي علوم التربية و التواصل , ومناسبا,بالتالي لمطلب "الجودة" . فتح ورش مراجعة جديدة للمناهج والبرامج الدراسية، والكتب المدرسية، على غرار ذلك الورش الكبير الذي تمخض عنه ما سمي بالكتاب الأبيض ، خاصة في ظل الارتباك الحالي في الاختيار البيداغوجي، حيث تم إقرار بيداغوجيا ألإدماج ,بشكل فوقي وارتجالي وسطحي,دون دراسة معمقة ,وتحضيرات كافية ,وتكوينات حقيقية للمكونين , والمؤطرين ميدانيا لها . هذا إضافة إلى ضرورة تحيين المقررات الدراسية في مختلف المواد, وتقييم العمل بالكتاب المدرسي, المتعدد شكلا ..والواحد النمطي مضمونا .. إصلاح, أو تعديل نظام امتحان الباكالوريا: فقد آن الأوان لتقييم ومراجعة النظام الجاري العمل به منذ سنوات، خاصة ما يتعلق بنسبة احتساب نقطة المراقبة المستمرة في الامتحان الوطني للباكالوريا، والتي غالبا لا تتناسب مع معدلات التلاميذ في الامتحان الجهوي والوطني، مما يطرح أسئلة صعبة حول مصداقيتها. إخضاع التعليم الخصوصي لمراقبة تربوية واقتصادية ,لضبط انفلاته وتجاوزاته ,المسكوت عنها، خاصة على مستوى التسعيرة, واستنزاف أ طر التدريس بالمدرسة العمومية، و" ممانعته" لأي تفتيش تربوي جدي، هذا إضافة إلى فشله في تحقيق ما كان منتظرا منه في الميثاق الوطني للتربية والتكوين.إن التعليم الخصوصي ليس استثمارا مطلقا ,بلا حسيب ولا رقيب ,بل عليه أن يصبح جزءا من المشروع التربوي الوطني وطرفا في تحمل كافة أعبائه إلى جانب الدولة. وأخيرا، فتح ملف التعليم الأولي، أو ما قبل المدرسي الذي يظل أسطع دليل على تعثر الإصلاح التربوي منذ الميثاق إلى البرنامج الإستعجالي..فجل نسب التعليم ألأولي مخجلة في جميع الاكاديميا ت. إنها قضايا الأمس واليوم والغد، والتي يتوقف عليها مصير أ بناء هذا الجيل ,والجيل المقبل : فمنهم من انقطع عن الدراسة وسط الطريق ,ومنهم من أصيب بالإحباط ,بعد أن أغلقت في وجههم كل المسالك، وفي يدهم أحيانا كثيرة معدلات تفوق 15 في الباكالوريا، ومنهم من يكلفون أسرهم غاليا ,من أجل طوق نجاة في غربة معاهد ومدارس الخارج , "بلا منحة ولا شفقة".. فلماذا هذا المآل لمنظومتنا التربوية ؟ انه سؤال وطني حول قضية اعتبرها ,ويعتبرها المغاربة ,هي الثانية ,بعد قضية وحدتنا الترابية ..وللحديث شجون .