كانت الصورة أكثر إذلالا لأصحابها. الأب يرقد على سرير طبي وابناه يحاولان حجبه عن الكاميرات، وهم جميعا داخل قفص. هي صورة لعائلة حكمت مصر 30 عاما، وحولت "المحروسة" إلى ضيعة كبيرة، لا يدخلها إلا اللصوص والانتهازيون والمتملقون. كان الابن جمال، أو الفرعون الصغير، يهيئ نفسه لتسلم الحكم، وكأنه إرث أو رصيد سيتركه له أبوه في البنك، فيما كان علاء، الابن البكر، يحرث الأرض والبحر لجمع أكثر ما يمكن من المال، وكأنه كان يريد أن يصبح قارون مصر الجديد. لكن الفرعون سقط وسقط معه وزراؤه، وطبعا، سقط قارون والفرعون الصغير، حين قرر الشعب أن يقول كلمته وأن ينفض عنه غبار 30 سنة من الذل أو الإذلال. انقلبت الآية، ووجد آل مبارك أنفسهم ينزعون ملابس آخر موضة ويرتدون زي السجناء.. وداعا لحياة القصور ولعطور آخر صيحة.. أهلا وسهلا بهم في العنابر الباردة. مبارك، الذي حاول مرارا أن يقدم نفسه حكيم العرب الكبير، أثبت أنه كان أكثر جهلا بِحِكَم التاريخ، حين تعمد أن يحكم الشعب بيد من حديد دون أن يدرك أن الشعوب هي التي تنتصر في النهاية، مهما كان عدد قتلاها، لأن دماء الشهداء ضرورة حتى تتفتح ورود الثورة.. رائحة الفل تفوح، الآن، في أرض الكنانة. كان مبارك يحلم بأن يعيد تجربة سوريا، وأن يورث الحكم لابنه جمال كما ابتسم الحظ لبشار الأسد الذي وجد نفسه رئيسا ساعات قليلة بعد رحيل والده. كان بشار يبلغ حينها 34 سنة، وكان الدستور السوري ينص على أن الرئيس الذي يريد أن يحكم البلاد يجب أن لا يقل عمره عن 40 سنة. في دقائق قليلة تغير الدستور وأصبح الأسد الابن، وهو المختص في طب العيون، رئيسا للجزء الأكبر من بلاد الشام. لم يتأخر الأسد الابن في اكتساب كل الصفات الدكتاتورية لوالده. الدكتاتورية هي، أيضا، مرض وراثي. كان بشار سر أبيه، فواصل خنق مواطنيه، بل حول البلاد إلى سجن كبير إلى حد لم يعد يتسع للجميع. وفي غمرة الربيع العربي، الذي أسقط زين العابدين بن علي وحسني مبارك، أراد السوريون أن تصلهم بعض نسائم الحرية، فخرجوا إلى الشوارع، لكن بدل أن يفهم وارث الحكم الدرس من تونس ومصر أطلق أخاه قائد الجيش ليمارس التنكيل والتقتيل حتى في الأطفال والنساء، وبدل أن يعمل الأسد على توجيه الدبابات في اتجاه الجولان لتحريره من إسرائيل وجهها إلى أحياء مدنه لهدم المنازل وقتل "العملاء" لأنهم يحلمون بشيء من الحرية. لقد أثبت الأسد أنه ليس مختصا، بالفعل، في علاج العيون، بل في فقئها. بالتأكيد، سيكون الأسد قد رأى صور آل مبارك داخل القفص.. وبالتأكيد قد يكون سأل نفسه حول إن كان سيعرف المصير عينه؟ وبكل تأكيد يعرف أن التاريخ أثبت دائما أن الشعب هو الذي ينتصر، أخيرا، "إذا يوما أراد الحياة"، وأن الطغاة، مثله، يكون مطرح النفايات، دائما، مكانهم النهائي.