تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار الإقليمي    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    لقاء بوزنيقة الأخير أثبت نجاحه.. الإرادة الليبية أقوى من كل العراقيل    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    التوافق المغربي الموريتاني ضربة مُعلمَين في مسار الشراكة الإقليمية    من الرباط... رئيس الوزراء الإسباني يدعو للاعتراف بفلسطين وإنهاء الاحتلال    ال"كاف" تتحدث عن مزايا استضافة المملكة المغربية لنهائيات كأس إفريقيا 2025    مسؤولو الأممية الاشتراكية يدعون إلى التعاون لمكافحة التطرف وانعدام الأمن    المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بطنجة تقدم توصياتها    توقع لتساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    ألمانيا تفتح التحقيق مع "مسلم سابق"    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    أميركا تلغي مكافأة اعتقال الجولاني    الحوثيون يفضحون منظومة الدفاع الإسرائيلية ويقصفون تل أبيب    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع        "فيفا" يعلن حصول "نتفليكس" على حقوق بث كأس العالم 2027 و2031 للسيدات    مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري        دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    كيوسك السبت | أول دواء جنيس مغربي من القنب الهندي لتعزيز السيادة الصحية    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    الطّريق إلى "تيزي نتاست"…جراح زلزال 8 شتنبر لم تندمل بعد (صور)    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمّد الخطّابي يكتب: فيديريكُو غَارسّيَا ُلورْكَا فى ذكرى مَصْرَعِه الوَاحِدَة والثّمَانِين
نشر في لكم يوم 13 - 09 - 2017


محمّد محمّد الخطّابي * 13 سبتمبر, 2017 - 09:26:00
الشاعر الإسباني الأندلسي الغرناطي فدريكو غارسّيا لوركا وُلد فى الخامس من شهر يونيومن عام 1898 فى مدينة" فوينتي باكيروس" القريبة من غرناطة، وأغتيل فى 19 أغسطس من عام 1936 ، ولقد أصبح البيت الذي كان مسقط رأسه اليوم متحفاً له، ومعرضاً لكافة أعماله الإبداعية على إختلافها، يَعتبر النقاد الإسبان وغير الإسبان هذا الشاعر الغرناطي من أكثر الشّعراء الإسبان شعبيةً، ومن أوسعهم شهرةً، ومن أكبرهم تأثيراً فى الأدب الإسباني فى القرن العشرين .
تطوان ولوركا
يُعتبرالمغرب من البلدان العربية التي لها قصب السّبق فى الإحتفال بهذا الشاعر الغرناطي المعروف ، وهكذا شكلت حادثة إغتيال لوركا تجربة فريدة من نوعها تحرص الأوساط الأدبية الإسبانية والمغربية على حدٍّ سواء على الإحتفال والتذكير بها كلّ عام، فبعد أن قام فى مناسبة سابقة نخبة من الأدباء والشعراء المغاربة ببادرة رائدة فى هذا القبيل ،حيث بادر هؤلاء المبدعون إلى إحياء هذه الذكرى بقراءة مختارات من نصوصهم الشعرية،وأزجالهم فى كلّ من مدينتي الجزيرة الخضراء الإسبانية وتطوان المغربية ،تحت رعاية جمعية المسرح الأدبي بنادي الإتحاد بمدينة الحمامة البيضاء ، هذا كما تمّ خلال هذه الأمسية الشعرية عرض شريط عن حياة الشاعر لوركا، وتقديم نبذة عن إبداعاته الشعرية والأدبية، وبشكل خاص فى عالم الإبداع المسرحي الذي تألق فيه لوركا كذلك بشكل فريد. ولقد تمّ تنظيم هذه التظاهرات الثقافية، والأدبية ،والشعرية المتميّزة دائماً فى 19 أغسطسأيّ فى نفس اليوم الذي إغتيل فيه هذا الشاعر من عام 1936 مع إنطلاق شرارة الحرب الأهلية الإسبانية التي إستمرّت رحاها تدور حامية الوطيس حتى 1939.
بعد هذه التجربة الرّائدة التي تكتسي رمزية إنسانية خاصة ،وبُعداً أدبياً وثقافياً بليغاً عاشت مدينة تطوان خلال العام الحالي 2017 من جديد على وقع الذكرى الواحدة والثمانين لمصرع لوركا مبادرة إحتفالية مماثلة قام بها نادي الاتحاد ومؤسّسة المسرح الأدبي، ومؤسّسة امغارة الرباحي وذلك بتنظيم حفل ثقافي بهيج شمل قراءات شعرية منوّعة بالعربية والإسبانية ،وقد تمّ إحياء هذه التظاهرة الثقافية، والأدبية والشّعرية هذا العالم فى 18 من الشهر الجاري أغسطس بقاعة نادي الإتحاد،بمشاركة شعراء وشاعرات من إسبانيا والمغرب ، وقد عرف هذا الملتقى الثقافي نجاحاً منقطع النظير، بمشاركة العديد من الأدباء، والشعراء، والنقّاد،والباحثين،والطلبة، والقرّاء وعاشقي الشّعر الإسباني لدى أحد أبرز وجوهه فى العصر الحديث،وهو الشاعر لوركا.
هذا كما تمّ فى نفس سياق الإحتفال بهذه التظاهرة فى مناسبات سابقة تنظيم عدّة ملتقيات ثقافية بمشاركة شعراء،وأدباء، ونقاد إسبان وأجانب فى طليعتهم الكاتب والناقد والمؤرّخ البريطاني المتخصّص فى حياة وتاريخ وشعر لوركا " إيّان جيبسون" . فضلاً عن عرض بعض المخطوطات الشّعرية الأصلية للشاعر لوركا ،وبعض صوره، ورسوماته، ورسائله،وحاجياته ومخلّفاته الشخصية.وكان الباحث البريطاني قد قدّم كتاباً عن الشّاعر الأندلسي المعروف تحت عنوان: " فيديريكو غارسيا لوركا ..وثائق وتكريمات" من تأليف الباحث الإسباني " رفائيل إنغلادا " والصّادر تحت رعاية " مؤسّسة فدريكو غارسيا لوركا الثقافية " التي كانت قد أخذت على عاتقها عهداً بالعمل على تشجيع الدراسات،والبحوث التي من شأنها أن تعمل على التعريف، ونشر، وذيوع أعمال، وإبداعات الشاعر فى مختلف المجالات، فضلاً عن تسليط الاضواء الكاشفة على أعماله الشعرية والمسرحية ، ومعالجة جانب الإلتزام عنده الذي تفتّق على وجه الخصوص فى الميادين الإجتماعية، والإنسانية، والسياسية فى شعره.
يشير الباحث الإسباني خوسّيه تورّينتي :" أن كتاب رفائيل إنغلادا عن لوركا يعتبر مرجعاً أساسيّاً لا غنىً عنه للدارسين المتعطشين لمعرفة حياة لوركا الذي لم يكن شاعراً رائعاً وحسب، بل كان كذلك مؤلفاً مسرحيّاً بارعاً، ومبدعاً ملتزماً بقضايا عصره فى مختلف مناحي الحياة "
ويشير صاحب الكتاب فى مقدّمة مؤلَّفه :" سيجد القارئ فى هذا الكتاب الذي يؤرّخ لحياة لفدريكو غارسيا لوركا فى الفترة المتراوحة بين (1616-1936) شاعراً إنسانيّاً عميقَ الإحساس بكل ما يجري ويدور حوله من أحداث،سيجد القارئ كذلك شهادات حيّة كتبت بواسطة العديد من الأصدقاء الذين عايشوا لوركا،من المهتمّين بالأدب وغير المهتمّين، ،الذين مثلما تقاسموا معه لحظات البؤس،والمعاناة،والشّقاء،فإنهم شاطروه كذلك فى هنيهات نجاحه،ومجده، وشهرته الواسعة التي حققها فى زمن وجيز بفضل أعماله الشعرية، والمسرحية التي كانت تُسحر قرّاء كتبه ودواوينه، وتُبهرمشاهدي مسرحياته على حدّ سواء. ويعتبر هذا الكتاب إنعكاساً عميقاً،ورجع صدىً واضح للشّاعر لوركا حيال الزّمان الذي عاش فيه، سواء فى غرناطة أو فى مدريد أو فى مختلف بلدان ومناطق العالم الأخرى التي زارها وأقام فيها ".
وقد أثنى الباحث البريطاني على مؤلّف رفائيل إنغلادا الذي قال عنه : إنه ليس باحثاً كبيراً وحسب،بل إنه شاعر مُجيد كذلك ،وهو "دودة " كتب ومخطوطات للبحث الحثيث،والتنقيب الدّؤوب عن أدقّ التفاصيل، وعن أصغر الجزئيّات حول الشاعر لوركا أو سواه من الكتّاب والشعراء والفنّانين الإسبان من بينهم الرسّام العبقري الإسباني بابلو بيكاسّو الذي أنجز عنه أعمالاً جليلة،ودراسات مستفيضة جديرة بكلّ إطراء وتقدير." ويضيف جيبسون : :" إن صاحب الكتاب جمع فيه ما ينيف على 53 وثيقة من الوثائق النادرة من الأهمية بمكان التي لها صلة وثقى بحياة لوركا بشكل مباشر،كما يضمّ هذا الكتاب بين دفتيه 67 من الإشارات،والمراجع الصحافية، و7 إحتجاجات نشرها بعضُ المثقفين الإسبان على إثر إغتيال الشاعر، وهي كتابات غير معروفة بما فيه الكفاية تعود لبداية إندلاع الحرب الأهلية الإسبانية عام 1936 ،ممّا يجعل من هذا الكتاب مرجعاً أساسياً للمهتمّين والدارسين لحياة وأعمال هذا الشاعرالغرناطي الكبير".
شاعر في نيويورك
وبهذه المناسبة كذلك كانت "مؤسّسة فيديريكوغارسيا لوركا" بتعاون مع المكتبة العمومية لمدينة نيويورك قد نظّمت معرضاً كبيراً حول مخطوط ديوان "شاعر في نيويورك" الذي كتبه لوركا خلال إقامته بهذه المدينة العملاقة، بالإضافة إلى عرض المخطوط الأصلي االنادرلأوّل مرّة لهذا الديوان أمام الجمهور، كما تمّ كذلك تسليط الأضواء على أصول، مخطوطات بعض الرسائل الخطيّة التي كتبها الشاعر الغرناطي خلال رحلته لكلّ من نيويورك وكوبا، بالإضافة إلى العديد من الأنشطة والتظاهرات الثقافية والفنية الموازية في مختلف مجالات الخلق والإبداع بمشاركة كبريات الجامعات، والمعاهد العليا، والمؤسسات الثقافية الأخرى الإسبانية والأمريكية.
قال لوركا فى إحدى قصائده التي كتبها فى مدينة ناطحات السّحاب والتي تحمل عنوان ( وداع) :" إذا متُّ فاتركوا بابَ الشّرفة مفتوحاً..." وخلال إقامة هذه الإحتفالات كان باب الشّرفة دائماً مفتوحاً كما أراد الشّاعر الرّاحل ذلك ، كما تمت قراءة بعض قصائده ،خاصّة تلك التي كتبها خلال إقامته فى هذه المدينة العملاقة .
ديوان "شاعر فى نيويورك" كتبه لوركا خلال وجوده بجامعة "كولومبيا الأمريكية" بنيويورك (1929-1930) ثم خلال سفره إلى كوبا بعد ذلك، وقد نُشر هذا الديوان لأوّل مرّة عام 1940 أيّ 4 سنوات بعد مصرعه. وكان لوركا قد غادر إسبانيا 1929 ليلقي بعض المحاضرات في كوبا ونيويورك، وإن كان سبب هذه الرّحلة في العمق كان هو هروبه وإبتعاده عن جوّ المهاترات، والمشاحنات والبغضاء الذي كان سائداً في الوسط الدراسي بمدريد، حيث أصيب لوركا من جرّاء ذلك بكآبة شديدة، وحزن عميق، وقد كان للمجتمع الأمريكي تأثير بليغ على الشاعر، الذي أحسّ بنفور كبير من الرأسمالية والتصنيع المبالغ فيه، كما أنه شعر باشمئزاز بليغ من المعاملة التي كان يوسم بها الأمريكان البيض الأقليّة من السّود، لقد كان هذا الديوان صرخة مدويّة ضد الرّعب، للتنديد بالظلم والتمييز العنصري في هذا المجتمع الغارق فى التصنيع،والفوارق، والإغتراب القاتل للجنس البشري، والمناشدة بضرورة إحترام البُعد الإنساني للبشر، وَصَوْن حقوق الإنسان، وسيادة الحرية والعدالة والحبّ والجمال، وربّما هذا ما حدا بالنقّاد إلى إعتبار هذا الديوان من أهمّ الأعمال الشعرية التي ظهرت وواكبت عصرَ التحوّل الاقتصادي، والتطوّر الاجتماعي ،والنموّ الديموغرافي بطريقة لم تعرفها البشرية من قبل.
يتالّف المخطوط الأوّل والأصلي الوحيد لهذا الديوان من 96 صفحة مكتوبة على الآلة الراقنة ،بالإضافة إلى 26 صفحة مكتوبة بخطّ اليد، لقد هاجر هذا المخطوط مع الأديب والناشر الإسباني"خوسّيه بيرغامين" (الذي كان لوركا قد سلّمه إيّاه لنشره) إلى فرنسا في المقام الأوّل، ثمّ في مرحلة أخرى إلى المكسيك، (حيث نشرت الطبعة الأولى منه عام 1940 في كل من المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية، وقد ترجمه آنذاك إلى اللغة الإنجليزية "رولف هومفريس"، وظلّ المخطوط في النّصف الثاني من القرن العشرين متخفيّا ينتقل من يد إلى يد حتى وقع عام 1999 في يد الممثلة الإسبانية "مانويلا ساهافيدرا" وفي عام 2003 أمكن ل " مؤسّسة غارسيا لوركا" إستعادة هذا المخطوط بعد إقتنائه في أحد المزادات العلنية، ثم إشترته أخيراً وزارة الثقافة الإسبانية عام 2007، من القصائد التي يتضمّنها الديوان:"السّماء الحيّة"،و"البانوراما العمياء لنيويورك'"، و"الموت"، و"غنائية الحمام"، و"قصيدة الثور والياسمين"، و"أرض وقمر ، وبعض هذه القصائد مدرجة كذلك في كتاب لوركا الذي يحمل عنوان: "ديوان تماريت"، (كذا)، أيّ باستعمال كلمة (ديوان ) كما تنطق وتستعمل في اللغة العربية إلى اليوم.
رفائيل ألبرتي ومَصرَع لوركا
كان الشّاعر الأندلسي القادسي ( نسبةً إلى مدينة قادس الإسبانية)" رفائيل ألبرتي" قد كشف النقابَ قبيل رحيله عام 1999 عن تفاصيل عن مصرع لوركا ،وكيف أنّه واجه الموت بشجاعة وثبات ، فأشار:" أنّ طبيباً إسبانياً يدعى " فرانسيسكو فيغا دياث " كان شاهد عيان في مقتل الشاعر لوركا، فقد حكى قصّة بهذا الشأن ردّدها له السائق الذي قاد لوركا، إلى جانب معتقل آخر وثلاثة من العساكر الذين ينتمون إلى الحرس المدني. كانت الطريقة التي قتل بها لوركا حتى الآن لغزاً محيّراً، و قد نُشرت تفسيرات مختلفة حول هذا الأمر، وحسب" فرانسيسكو فيغا دياث " فانّ السائق كان قد زا ره في عيادته في 13 غشت 1936، وتعرّف على واحد من الذين تمّ القبض عليهم وهوالشاعر الغرناطي بواسطة الكشّافات التي أوقدها الحرّاس للقيام بعملية الإغتيال، وكان غارسيا لوركا قد سافر من مدريد إلى غرناطة إذ – حسب ألبرتي - كان لوركا يعتقد أنّه في أرضه سيكون في مأمن من الخطر. و أضاف: "إنّ لوركا يعتقد أنّه في غرناطة لن يحدث له شيء" فامتطى القطارَ إليها ،إلاّ أن الموت فاجأه هناك، فكلٌّ منّا يحمل موته معه ".ولقد سمع السائق لوركا يقول لقتلته : ماذا فعلت حتى تعاملوني هكذا ..؟ ثم ألقى الحرّاس به وبالشخص الذي كان معه - كان مسنّاً و أعرج – داخل غمرٍ منخفض، فهمّ الشاعر على مساعدة زميله على الوقوف ممّا زاد في حنق الحرّاس حيث ضربه أحدُهم بمؤخّرة سلاحه وشجّ به أمّ رأسه، ثم بدأ القتلة يشتمون الشاعر ويرمونه بأحطّ النعوت، وطفقوا بعد ذلك في إطلاق النار عليه على الفور.وأكّد السّائق أنّ إثنين من مصارعي الثيران، وعشرة من الأشخاص الآخرين قد قتلوا كذلك في تلك الليلة نفسها.
وتعلّق الناقدة المكسيكية " إيرما فوينتيس" على ذلك قائلة :" إنّ الشّعراء مثل الأبطال والأنهار يطبعون شعوبهم بطابعهم الخاص ، فالشّعراء يتركون في العالم ضوءاً مشعّاً متعدّد الألوان، يجعلون الرّجال يجتمعون و يتوحّدون رغم تباين أجناسهم وثقافتهم،وخلافاتهم الإيديولوجية، والسياسية ،والمشاحنات والمشاكسات التي قد تنشب بينهم، فكلّ شاعر من هؤلا ء بغضّ النظر عن الزمن الذي يولد فيه، يصبح بمثابة "مِعزَف" كوني متعدّد الأوتار، و إن اختلفت أنغامُه فهو يعزف لحناً واحداً يعظمه كل موجود حيّ في أيّ صقع من أصقاع العالم، وعليه فإنّ فقدان أيّ شاعر لدى أيّ أمّة هو حدث تراجيدي يمسّ الإنسانية جمعاء، وليس رقعته الجغرافية وحسب، وأمّا إذا اغتيل شاعر فانّ الشعور بالمأساة يتفاقم ويكون أفدح ".
هَاجِس الموت فى شعره
طفق لوركا قرض الشّعر في العشرين من عمره وإستمرّ في الكتابة حتى يوم إغتياله 1936 وقد خلف لنا عشرات من القصائد مبثوثة في العديد من دواوينه مثل "كتاب الأشعار" ، و"قصائد غنائية" ،و "القصائد الأولى" ، و"أغاني الغجر الشعبية" ،و "شاعر فى نيويورك" ،و"بكائية عن إغناسيو سانشيس ميخيّاس"،و"ديوان تماريت"، ثم كم من الدواوين كان يمكن أن تضاف إلى هذه القائمة لو إستمرت حياته على وتيرتها العادية..؟
قال لوركا عندما كان على بضعِ خطواتٍ من ضفاف نهر الوادي الكبير:
أصواتُ الموت دقّت، بالقُرب من الوادي الكبير
أصواتٌ قديمةٌ طوّقت، صوتَ القرنفل الرّجولي
ثلاثُ دقاتٍ دموية أصابته ، ومات على جنب( **)
على الرغم من شغفه بالمسرح، فانه في حياته الأخيرة لم يتوقف عن نظم أشعاررقيقة مؤثّرة وحزينة، كان لوركا مجدّداً وفريداً وطائراً صادحاً في الشّعر، كان من الطليعيّين إلى جانب بيكاسو في عالم التشكيل، والرّسم حتى أصبح من أعظم شعراء القرن العشرين .
أحسّ لوركا بقرب نهايته كانت له مقدرة هائلة على التغنّي بالجمال، والحياة، وتجسيم الألم والمعاناة:
ما هو مآل الشّعراء، والأشياء الناعسة؟ / التي لا يذكرها أحد، آه يا شمس الأهوال؟
أيّها الماء الزّلال، والقمر الجديد / يا قلوب الأطفال وأرواح الأحجار السذابية
إنني أشعر اليوم في قلبي إرتجاج النجوم الغامض / وكلّ الورود ناصعة البياض كحسرتي
كان لوركا دائمَ الحديث عن الموت في شعره، فى مرثية له عن أحد أصدقائه من مصارعي الثيران يقول :
فليمت قلبي وهو يغنّي في هدوء / عن السّماء الجريحة الزّرقاء
ويقول مجيباً عن سؤال الصّغار:
إمتلأ قلبي الحريري بالأضواء والنواقيس الضائعة / والزنابق والنّحل، سأذهب بعيداً بعيداً
ما وراء تلك الجبال، ما وراء تلك البحار / قريباً من النجوم
ثم نجده يترجّى السّماء ما لم يمنحه إيّاه حيث يقول في قصيدة أخرى :
خليلي أريد أن أموت، بريئاً على سريري / الفولاذي ذي الملاءات الهولندية
ولم يحقق له القدر هذه الأمنية ،فقد مات مقتولا، ومغتالاً ،مُجندلاً برصاص أعداء الشّعر، وأعداء الحياة .
* عضو الأكاديمية الإسبانية الأمريكية للآداب والعلوم - بوغوطا- كولومبيا.
** أشعار لوركا المُدرجة ضمن هذا النصّ من ترجمة صاحب المقال عن لغتها الأصلية الإسبانية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.