تتجه الكويت نحو أزمة سياسية عميقة فيما يكثف مجلس الأمة الضغط على الحكومة وتطفو على السطح انقسامات داخل الأسرة الحاكمة. ولم تصل انتفاضة «الربيع العربي» للدولة الخليجية المنتجة للنفط ولكنها تشهد صراعا بين حكومة تهيمن عليها أسرة الصباح الحاكمة وبرلمان يهوى تحديها وهو أمر غير معتاد في منطقة الخليج التي تسيطر عليها أسر حاكمة قوية. وفي الشهر الماضي كشف رئيس الوزراء الكويتي الشيخ ناصر المحمد الصباح النقاب عن حكومته السابعة وكانت سابقتها قد استقالت لتفادي استجواب من أعضاء مجلس الأمة بشأن سوء استغلال الأموال العامة. وفي غضون أيام عاود النواب هجومهم على الحكومة الجديدة وابدوا رغبتهم في استجواب رئيس الوزراء ونائبه الشيخ احمد الفهد الصباح بشأن مزاعم سوء إدارة أموال عامة وفساد وعدم كفاءة. وينفي الاثنان الاتهامات. ويقول نواب في مجلس الأمة ومحللون إن الانقسام داخل الأسرة الحاكمة يذكي العداء بين الحكومة والبرلمان لأن أفرادا بالأسرة الحاكمة يستغلون البرلمان كوسيلة ضغط من أجل تنفيذ أجندتهم. وتراجعت أسعار الأسهم في بورصة الكويت نتيجة مخاوف المستثمرين من أن تؤجل الأزمة مشروعات اقتصادية مثل خطة الدولة للتنمية وحجمها 109 مليارات دولار لانشغال الوزراء بالتصدي لهجمات النواب. وفي مقال نادر في صدر صفحاتها دعت صحيفة القبس الكويتية اليومية أبناء الأسرة الحاكمة لإنهاء الصراع فيما بينهم واتهمت أفرادا لم تسمهم باستغلال البرلمان في صراعهم على السلطة. وأضافت أنه لأول مرة يجري الصراع في العلن ويصل إلى هذه الحدة. وقال عبد الرحمن العنجري، النائب الليبرالي في مجلس الأمة، «الكويت تمر بمرحلة صعبة في تاريخها. أقطاب الأسرة الحاكمة كانوا متحدين دائما لكن الآن يوجد صراع في الأسرة». وقال المحلل السياسي شفيق جبرة «لن يتحسن الوضع. الحكومة ضعيفة وثمة فراغ والبرلمان يعارض رئيس الوزراء». ويواجه الشيخ ناصر معارضة في البرلمان منذ توليه منصبه في عام 2006 ولكن محللين يقولون إن التوتر يتصاعد مع نزول نواب البرلمان ونشطاء المعارضة للشوارع. وشجعت احتجاجات في مصر وتونس جماعات معارضة على تنظيم مظاهرات كل يوم جمعة منذ عدة أسابيع تطلق عليها «يوم الغضب» وتحث أمير الكويت صاحب الرأي الفصل في السياسة الكويتية على إقالة رئيس الوزراء. وقال فواز البحر وهو شاب يعمل في وزارة النفط انضم للاحتجاجات في الآونة الأخيرة «لا يوجد أي تطور. هذه أزمة أوسع من الأزمات من قبل. عندنا ميزانية حجمها 55 مليار دينار ولكن لا احد استفاد». وفي آخر مظاهرة تعهدت الحشود بمواصلة الاحتجاج حتى يرحل رئيس الوزراء. ولا يرى جبرة سبيلا للخروج من هذا المأزق لأن الأسرة الحاكمة تعتبر الهجوم على رئيس الوزراء «خطا أحمر» كما أن أمير الكويت الشيخ صباح الاحمد الصباح سيواصل دعم الشيخ ناصر. وتسمح عائلة الصباح بقدر من الحرية أكبر من دول الخليج المجاورة وينبغي أن يقر البرلمان جميع مشروعات القوانين المهمة والميزانية واستثمارات الدولة. ويقول محللون " يبدو أن بعض أفراد أسرة الصباح يعدون أنفسهم ليوم يتعين فيه على شيوخ الأسرة تسليم الراية لجيل أصغر سنا ويشجعون النواب على الهجوم على الشيخ ناصر ونائبه الشيخ أحمد". وقال المحلل شملان العيسى «يبدو أن هناك صراعا على السلطة.. على السلطة لا على الرؤية» لمستقبل الكويت. وظهرت الخلافات داخل الأسرة الحاكمة التي تتولى حقائب رئيسية هي الدفاع والداخلية والشؤون الخارجية على السطح في عام 2006 حين أرغم أمير البلاد الراحل الشيخ سعد العبد الله الصباح على التنحي بعد أسبوع واحد من تنصيبه. واختارت الأسرة الحاكمة بموجب الدستور وتقاليدها الشيخ سعد أميرا للكويت رغم سوء حالته الصحية. وتنازل الشيخ سعد تحت ضغط من أفراد في الأسرة الحاكمة والنواب. ومع تولي الأمير الحالي الشيخ صباح عطلت الأسرة تقليدا طويلا يتناوب بموجبه جناحا الأسرة الجابر والسالم الإمارة. وقال ناشط ساهم في تنظيم الاحتجاجات الأخيرة وطلب عدم نشر اسمه «أعتقد أن القضية الرئيسية أن الأسرة لم تتفق على آلية جديدة بعد وفاة سعد. شجع هذا المنافسة داخل الأسرة منذ ذلك الحين». وبشأن التعامل مع البرلمان المتمرد قال جبرة إن الأمير في موقف صعب لأن حل البرلمان -كما حدث ست مرات من قبل منذ تأسيسه في الستينات- ربما لن يجدي هذه المرة. وقال «هذا البرلمان تشكل قبل الربيع العربي. سيكون البرلمان المقبل أقوى. ستتصاعد المطالب السياسية وسيصبح الوضع أصعب». ويقلق المستثمرون أن يعطل الجمود السياسي خطة الدولة للتنمية لانشغال نائب رئيس الوزراء الشيخ أحمد المسؤول عن تنفيذها بمواجهة النواب. والخطة جزء من مسعى لدعم القطاع الخاص وتنويع موارد الاقتصاد وهي استراتيجية لم تحقق تقدما يذكر بسبب إرجاء البرلمان العديد من المشروعات. وقال جون سفاكياناكيس كبير الاقتصاديين في البنك السعودي الفرنسي في الرياض «بلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على الكويت نحو 800 مليون دولار خلال العقد الماضي مقارنة مع أكثر من عشرة مليارات دولار في البحرين و73 مليارا في الإمارات و130 مليارا في السعودية". * رويترز --- تعليق الصورة: أمير الكويت