{في محاورة مواطني الأمازيغي الذي نعت الداعين إلى نصرة اللغة العربية في المغرب بالعنصرية} في الوقت الذي يتكاثر فيه الإعلان عن تأسيس مجموعات للضغط، وإملاء اقتراحات حول دسترة مكونات جديدة للهوية المغربية، تطالب أن ينص عليها الإصلاح الدستوري المقبل للمغرب، كل في الاتجاه الذي يختاره، نفضل نحن أن نناقش قضية تتعلق بالتعدد اللغوي في المغرب فقد اختار دعاة الأمازيغية موقفا غريبا يقول بأن العنصر العربي دخيل على المغرب ، ومن ثم ، فإن لغة المغرب الرسمية يجب أن تكون الأمازيغية، بدل العربية،وما ذلك إلا تكتيك يتوقع منه القائلون به أنهم باختيارهم الهروب إلى الأمام سيستطيعون تحقيق مكاسب أكثر، فما أشبه الليلة بالبارحة،فقد حاول الاستعمار الفرنسي، بعد قضائه على آخر جيوب المقاومة المسلحة، التي تفوقت ، للحقيقة والتاريخ، مناطق الأطلس،وسط المغرب وجنوبه، وجبال الريف في الشمال ،على سواها من المناطق الأخرى،في صد المستعمر بقوة يشهد لها التاريخ في معارك سار بذكرها الركبان، تحول المستعمر الغاشم إلى مجال آخر ، يتعلق بتنظيم الحياة القانونية ، فحاول التفرقة بين عناصر المجتمع المغربي، فأوجد قانونا خاصا للإمازيغ، وقانونا آخر للعنصر العربي ، لكن المغاربة كانوا أشد وعيا ، بمرامي الاستعمار وأهدافه ، واتحدوا في محاربة ما سُمِّيَ بالظهير البريري، واليوم وقد نسِيَ الأبناء جهاد الآباء من أجل الانصهار في وحدة وطنية رائعة، أتارت غيظ الحسود والعدو ، يظهر بيننا من يريد إحياء محاولات الاستعمار في تشتيت وحدة المجتمع المغربي،وقد كان علماء سوس والريف في طليعة من تصدوا لمحاولات النفرقة ، ونذكر بكل الاعتزاز كتابات محمد المختار السوسي ، إن في (سوس العالمة) أو في (المعسول في أخبار سوس) وهذان الكتابان يكادان لا يتحدثان إلا عن تاريخ تعريب سوس،بعد الفتح الإسلامي، أفلا يحزُّ مثل هذا في قلوبنا، وقد ظهر من بيننا ،،في سنة2011،من يسفه أعمال العلماء والعقلاء،من نوابغ نهضتنا الحديثة في المغرب؟ وياللمفارقة المؤلمة، فقد دعا{ المجاهد الكبير محمد بن عبد الكريم الخطابي} إلى وحدة شعوب دول المغرب العربي لمواجهة الاستعمار الفرنسي والإساني ومقاومته بالثورة المسلحة ، فكان أن قَّدم ما ُروِّع الإسبانُ به في معركة{ أنوال} الخالدة، وقد كان {محمد المختار السوسي} ألد أعداء المستعمر الفرنسي، ثقافيا ، إذ كان قد نفاه إلى قريته ( إلْغ) حارما إياه من العودة إلى مراكش، حتى لا ينشر في الناس مباديء الوحدة الوطنية،والحد من إشعاعه الثقافي، وللمختار السوسي شعر عربي رائع، بمقاييس تلك االمرحلة، في الدفاع عن القضية المغربية، واللغة العربية، ومهاجمةالمستعمر، ومن أفيد وأطرف ما يستحق الذكر في هذا المقام ، قصيدة المختار السوسي في الدفاع عن اللغة العربية، كان قد ألقاها في نادٍ من الأندية العرية بفاس،في عشرينات القرن الماضي، أثبتها صاحب [ الأدب العربي في المغرب الأقصى] محمد بن العباس القباج [ص.ص166167][نشر:دار الكتب العلمية بيروت]2005م يقول فيها: بأي خطاب أم بأي عظات*أوجه وجه الشعب شطرَ لغات/ بأي فعال أم بأية حكمة*أنشِّرها من أعظم نخرات/ فأي لسات أرتضيه لنشرها*وألسننا صيغت من العجماتِ/ تركنا بها كنزاً بليغا وأقبلتْ* على غيرها الأفكار مبتدراتِ/ نمدُّ أكفاً قطع الله راحها *إلى غيرها من اللغى السمجاتِ/ ونترك منها روضة تخلبُ النهى* بطلعتها المخضلة الزهراتِ/ ِفلو أننا نلنا من العقل ذرة ً*ونالت طوايانا أقل حياة/ وأمعن كلٌّ طرفَه في حياتهِ*وأنعم في أحوالها النظراتِ/ رأينا جميع العز تحت حياتها* بها يترقى الشعب في الدرجات/ *** سأستعجم الأعواد في كل مجمع ٍ*وأستطلع الأفكار في الخلوَات/ وأسبرأغوار الرجال وأفتلي* عقول جميع النَّاس في الجلساتِ/ وأعرض في كل الذين أراهمُ* خطابي وأبدي بينهم حسراتي/ وأدعو إلى رأيي وأعلن أنه *نجاة لمن يبغي طريق نجاة ِ/ إلى أن يواتيني الزمان فألتقي* بمنشودتي رغما عن العقبات/ *** بني فكرتي، هذا الوئام ، بني الحجا*بني النظرةالعليا ، بني اليقظات/ فها أنتمُ نلتمْ مُناكم، وأُشربتْ* وفاقاً طواياكم، فَصِرْنَ كذات/ وجدتم فعُضوا بالنواجذ،واثبتوا*فلن تُدرك العَليا بغير ثبات/ ففي اليوم سادت فكرة يرتجى بها*صلاحٌ إذا ما أيِّدتْ بثقات/ وعين الصلاح في حياة لغاتكم* فيسري بها للشعب كل حياة/ نودع ذياك الزمان الذي مضى* بما فيه من سوء ومن حسنات/ ونستقبل الآتي بسعي ٍ إلى الذي* سينشلنا من هذه الوحلات/ لكيما تكونوا أهل ذا الجمع قدوة ً* لغيركمو في هذه الحسنات/ ونوراً لما يأتي ، بعيدا، وصورة ً* بها يهتدي الماشون في الفلوات/ فتحيا بكم آي اللسان وتجتلى* بمحفلكم هذا بها الفكرات/ **** والمتأمل في هذه الأبيات أقل تأمل، يجد الشاعر محمد المختار السوسي يحاول اقتفاء خطى شاعر النيل[لغة وبحراً، وقافية وروياًً] في الدفاع عن اللغة العربية في قصيدته المشهورة ،التي جعل الحديث فيها يدور على لسان أم اللغات، وهي تخاطب أهلها ، وتصف ما انتهت إليه من وضعية دونية أمام لغات المستعمر الغربي، لكن شاعرنا في هذه القصيدة يتوجه بضمير المتكلم الدال على ذاته هو ، فيقدم وجهة نظر من أجل تحقيق اليقظة المغربية، وينصح باتخاذ اللغة العربية، بما هي سبيل للصلاح , وسيلة تحقيق الحياة للشعب ، تلك الحياة التي ما زلنا لحد اليوم نرى أنها في إثبات الهوية العربية الإسلامية أمام المستعمر، الذي كان ينكر على المغاربة أن تكون لهم هوية وحضارة، أو أيِّ انتماء يميزهم، وقد تصدى مثقفو المغاربة لهذه الدعوى الاستعمارية، فهبوا جميعا لإثبات الهوية العربية لمدنهم ومناطقهم، حتى بدت بعض الكتابات التي جاءت في هذا السياق ، وكأنها جزء من العمل الوطني السياسي، فنحن نذكر كيف قرأ المستعمر عنوان كتاب عبد الله كنون(النبوغ المغربي في الأدب العربي)على أنه شعار سياسي أكثر من كونه مجردعنوان على كتاب يضم نصوصا أدبية مغربية من عصور محتلفة، لم يجادل أحد يوما ، أن يكون أول نص يقدمه هو نص الخطبة الرائعة للقائد الأمازيغي طارق بن زياد، الذي كان في مقدمة الجيوش التي فتح بها الإسلام شبه الجزيرة الإييرية، مدشنا مرحلة شهدت بناء .واحدة من أجمل الحضارات التي عرفتها أوروبا : تلك هي الحضارة الأندلسية العربية الإسلامية. وعلى أية حال، فإن الدعوة إلى فصل العرب عن العناصر الأخرى المكونة للمجتمع المغربي، رغم أنه دعوى مضحكة ،وواضح طابعها الاستعماري، فليس أدعى إلى السخرية منها ، إلا القول بعنصرية الدفاع عن اللغة العربية ، في المغرب، كلغة رسمية للمجتمع المغربي ، بحكم كل القوانين الطبيعية والوضعية ، وبحكم الحق التاريخي، ذلك أنه لم يعد أحد قادرا على إثبات النسب الإثني لأي شعب في العالم، مهما كانت دقة المقاييس التي يمكن اللجوء إليها، ولك في كاتب هذه السطور آية كبرى ، فهل تجدني بربريا ، وفي البربر الكثير من الميمونيين ،في جنوب المغرب وفي الجزائر، أم هل تجدني من العرب ،وفي رواة الحديث النبوي أكثر من بن ميمون واحد، أم تجدني يهوديا موسويا؟ ولك في هذا الجانب ما يرضيك من يهود بهذا اللقب،أم في العُدْوة الأندلسية،مع أحمد بن ميمون الأمير الأندلسي في وقت سابق؟ أم في البحر،مع أمير أسطول المرابطين : أحمد بن ميمون في مغرب العصر الوسيط؟ أم يعجبك أن تقابل المواطن البسيط أحمد بنميمون المساهم في الحراك الاجتماعي في بلده و في كل ما يحاوله من وسائل العيش الكريم في مغرب 2011م؟ فأين تضعني بعنصريتك أيها الداعية القائل بعنصرية من يدافع عن اللغة العربية؟ إن في موقعها على الإنترنت، أو في صفحة على الفيسبوك قد لا يدخلها إلا أفراد قليلون من الشعب المغربي؟ أما أنا فأختار انتمائي العربي العروبي، الذي لا يضايقه ، ولن يضايقه، أن يكون متجذرا في تربة هذا المغرب العظيم، داعيا إلى ثقافة ديمقراطية تعترف بالاختلاف ، وتقول بالتعدد، وتفخر باللهجات المغربية على اختلافها ، وتدعو إلى إدخالها جميعاً في المناهج التعليمية ، وتدريس ثقافة الشعب بكامل آدابها شعرا ونثرا،وإن كانت معضلة علاقة اللهجات وتنوعها وتعددها في البلاد العربية ، يطرح قضايا معقدة حقا،، لكنها مثلت دائما ن للمستعمر السلاح الوحيد ، للتشويش على العربية الفصحى ، التي تستطيع أن توجد الوطن العربي كاملا،وأن تضطلع بكل الأدوار التي تسند إليها، وما هذه الجهود الجبارة التي تبذل لهدم لغتنا الفصحى ، إلا دليل على انها بالفعل تلك الأداة التي وحدتنا ثقافيا ، و تملك من ثمَّ، أن توحدنا سياسياً، وقد كانت هناك أنواع كثيرة من التشويش ، منذ بدأت إشارة بعضهم إلى الحاجة إلى كتابة العربية بالحرف اللاتيني، ثم كلام الشاعر يوسف الخال، عن جدار اللغة ، الذي يفصل الفصحى عن الحياة الاجتماعية، وأنا لا أقترح هنا أكثر من الارتقاء الفعلي بالمستوى الثقافي والفكري للإنسان العربي ، حتى يتحطم جدار اللغة وحده، وهو الذي ، اتخذه الشاعر اللبناني المذكور حجة للتوقف عن الكتابة، ناسيا أن الكتابة هي بدورها سؤال في اللغة ، يظل دائما قائما بين القارئ والكاتب، كلما ارتقى المستوى الإبداعي لإتجازات الكتاب، بوصول الكاتب إلى تحقيق لغنه الإبداعية الخاصة، مما يجعل من التواصل باللغة الأدبية ، خارج علاقات القراءة ، حجة غير صالحة في مجال علاقات الحياة اليومية للغة من اللغات فما أكثر حجج التشويش التي تعلق بها دعاة التغربب في ثقافتنا. ويشرفني هنا أن أعلن أنا الذي أقيم في أسرتي الصغيرة برج بابل للغات عن عدائي للفرانكوفونية، حين تفرض نفسها بكل وقاحة كبديل وحيد أوحد ، للعربية في المغرب ، لغة وثقافة ، ولنعتذر لأجدادنا إذ لم نرْقَ إلى ما كانوا عليه، من سعة العلم ورحابة الصدر، وأكثر من ذلك، أننا دونهم بما لايقاس، غيرة على هويتنا، مما يجعلنا دونهم قدرة على الاستشهاد في سبيلها، حتى ظهر بيننا من يجعل نفسه لساناً لمصالح أعداء أمتنا، في عدائهم للغتنا، التي لا سبيل إلى النهوض أمامها ، ما لم تكتشف أن الطريق إلى اليقظة يبدأ بقطع الخطوة الأولى التي هي : الاعتداد بالذات ، إذ لا نهضة بدون اعتداد بالذات، ولا يتم ذلك بدون تمسك بلغة قومية قوية..ولا مجال هنا للتذكير بما تعرض له شعب المكسيك ، حينما تخلى عن لغته الأصلية، واتخذ لغة الإسبان لساناً. **** فهل تراني قلت شيئا مما قاله في ناديه الشاعر محمد المختار السوسي عن اختياره الثقافي ؟ ، وهو ابن بيئة قروية أمازيغية، سوسية لم تكن تتكلم بالعربية إلا في أغراض شرعية أو أثناء تداول الدروس الأولية، التي كان الطلبة يتلقونها في ربوع سوس، قريبا من أماكن إقامتهم ، قبل ان ينتقلوا إلى جامعة ابن يوسف بمراكشالمدينة، ليتعمقوا أكثر في دراسة آي اللسان العربي المبين؟ إن لي عودةً إلى ذلك ولا شك، ما بقيَ َ الحوار متصلا بيني وبين من ينكر عليَّ، وعلى كل المغاربة، أقوى أسس هويتنا الثقافية. · ·