23 غشت, 2016 - 02:50:00 انتهت الدورة 31 من الألعاب الأولمبية التي احتضنتها مدينة "ريو ديجانيرو" البرازيلية، على وقع خيبة أمل كبيرة للمغاربة جراء الإخفاقات، بحيث نال المغرب ميدالية واحدة "برونزية" أحرزها الملاكم محمد ربيعي، فيما لم يتمكن 48 مشاركا في 13 صنفا رياضيا من أصل 27 رياضة أولمبية من إحراز أي نجاح يذكر. المغرب الذي احتل المرتبة 78 من أصل 207 دولة في "سبورة الميداليات"، تميزت مشاركته في هذه الدورة بحضور الرياضات الفردية وغياب الرياضات الجماعية، وكان وفده الرياضي من بين أولى الوفود التي وصلت إلى "ريو دجانيرو" وكان من أول المغادرين نتيجة الإنهزامات المتلاحقة للاعبين المشاركين. نصيب مشاركة المغرب في دورة "ريو" لم يقف عند هذا الحد، فإلى جانب "الفشل المدوي" عاد بسمعة سلبية جدا كتبت عنها مختلف وسائل الإعلام الدولية نتيجة قضية "التحرش الجنسي" التي توبع فيها الملاكم المغربي حسن السعادة. الإخفاق ليس بالشيء الجديد على الرياضة المغربية المحلل الرياضي وئيس تحرير جريدة "المنتخب"، بدر الدين الإدريسي، قال إن "الإخفاق ليس بجديد على الرياضة المغربية في الألعاب الأولمبية" فتراجع المغرب في هذا المجال سجل منذ دورة بيكين سنة 2008، فآخر ذهبية للمغرب حققها هشام الكروج في دورة أثينا سنة 2004 وبذلك فدورة "ريو ديجانيرو" جاءت لتكرير ذات "الوضعية الكارثية" للرياضة الوطنية، وجاءت لتؤكد كذلك حجم تراجع المغرب على المستوى الدولي، في الوقت الذي تتقدم عليه دول ناشئة لا تملك عشر ما يملكه المغرب على مستوى الرصيد البشري في الظفر بالميداليات. وأكد الإدريسي أن هذا التراجع يرجع لأسباب متعددة منها ما يرتبط بالجانب الهيكلي والتنظيمي على مستوى وزارة الشباب والرياضة وعلى مستوى تعاطي الحكومة مع الشأن الرياضي ومنها ما يرتبط بضحالة التدبير على مستوى الجامعات الرياضية بالإضافة إلى بعد المغرب الكبير عن المستويات العالمية التي يفرضها التنافس على المستوى الأولمبي. وأشار الإدريسي إلى أنه إذا لم تتم معالجة هذه الاختلالات مجتمعة في إطار مقاربات علمية وموضوعية ومن خلال سياسية رياضية واضحة المعالم فمن المؤكد أن الرياضة المغربية ستواصل سلسلة تراجعها المخيف، ومادام أننا اقتصرنا في آخر دورتين أولمبيتين على ميدالية "برونزية"، وبقي الحال على ما هو عليه فإننا سنعود من "أولمبياد طوكيو" المقبل في 2020 بخفي حنين. وشدد المحلل الرياضي على أن مسؤولية الإخفاق في الألعاب الأولمبية مشتركة بين وزارة الشباب والرياضة والحكومة واللجنة الوطنية الأولمبية والجامعات الوطنية التي تعيش على إيقاع الصراع والتطاحنات، مضيفاً أنه مادام المغرب لا يعتمد على "القطب العالي"، قطب التفوق الرياضي الذي يعزل الأبطال الرياضيين والمؤهلين للتنافس من محيط الممارسة الهاوية ومن أجواء التناحر على ناصيات الجامعات المغربية فإننا لن نحقق أي نجاح ولن نعود مجددا بالرياضة الوطنية إلى سابق عهدها عندما كان المغرب ينهي الألعاب الأولمبية باحتلال مراكز متقدمة على مستوى "سبورة الميداليات"، أما الآن، حسب الإدريسي، فالرياضة المغربية تصنف في المركز 80 عالميا بعيدا عن دول إفريقية ناشئة ومتراجعة عن دول عربية كنا نتقدم عليها في السابق. مسؤولو الجامعات وجدوا أنفسهم في المسؤولية بالصدفة من جانبه قال الصحفي الرياضي، محمد التويجر، إن سبب إخفاق المغرب في الألعاب الأولمبية في "ريو ديجانيرو"، يعود إلى غياب سياسة رياضية واضحة المعالم تحدد الأهداف والآجال وفق مقاربة علمية دقيقة، لأن إعداد البطل العالمي لا يتم من فراغ بل باستراتيجيات وتخطيط مسبق.. والصين واليابان هما أقرب مثال في هذا السياق. وأوضح التوجير أن المغرب لا يشتغل على الفئات الصغرى بل يكتفي بالفئات الجاهزة، بالإضافة إلى أن أغلب مسؤولي الجامعات وجدوا أنفسهم في المسؤولية بالصدفة، وما يزيد من تعقيد الأمور هو مشكل الولاءات الذي ينحر الجامعات. وأكد الصحفي الرياضي أن تدبير المنحة المالية الخاصة بإعداد رياضيي النخبة، والتي تصل إلى 33 مليار سنتيم قد تحولت إلى وسيلة للاغتناء، كما أن اللجنة الوطنية الأولمبية هي في وضعية شبه مشلولة منذ 23 سنة، حتى الآن وحسني بنسليمان على رأسها وانشغالاته الرسمية تجعله يفوت اختصاصاته لأشخاص ليسوا في المستوى المطلوب. والمطلوب الآن، حسب محمد التويجر، هو إخراج هيئة رياضية مستقلة في أقرب وقت تشتغل على المدى المتوسط والبعيد للقطع مع الهواية ومع ما يأتي وما لا يأتي حسب تعبيره. ليس هناك فشل بل سوء حظ ونقص في التجربة عبد الجليل بنشيخ، عضو اللجنة التقنية في لجنة ألعاب القوى، أكد على أنه لا يمكن أن نتحدث عن فشل للمغرب في "ريو"، فالملاكم محمد ربيعي مثلا إذا تمعنا في الطريقة التي خسر بها مقابلته فيمكن أن نقول أنه لم يسعفه الحظ فقط ونفس الأمر بالنسبة للاعبة "التكواندو" وئام ديسلام، إذن ليس هناك فشل هناك نقص في التجربة وسوء الحظ، مضيفا أن الأبطال الذين شاركوا في دورة "ريو" ستكون لهم كلمتهم في الألعاب الأولمبية المقبلة التي ستجرى في طوكيو سنة 2020. وأكد بنشيخ أن الدول التي تفوقت في دورة "ريو" لها إمكانيات خارقة للعادة، فالولايات المتحدةالأمريكية مثلا لديها 5000 جامعة تكوينية في الألعاب الأولمبية وتنفق بشكل كبير على البحث العلمي الرياضي أما في المغرب فلدينا جامعة واحدة. وأوضح بنشيخ أن سياسة إحداث المراكز الجهوية لتكوين الأبطال الأولمبيين قد أتت أكلها وأنجبت العديد من الأبطال كالبقالي والاسماعيلي مع العلم أنها حديثة العهد وتم تبنيها في الثلاث سنوات الأخيرة فقط، فهناك أبطال تابعناهم في هذه المراكز، يضيف بنشيخ، وهم حديثو العهد والآن بدأت تظهر الثمار. وشدد بنشيخ على أنه لا يمكن أن يتم إنتاج أبطال في ثلاث سنوات فهذه المراكز حديثة العهد والمميز فيها أنها تحظى بإشراف من أناس من الميدان الرياضي، مضيفا أن الخلف في الألعاب الأولمبية موجود خاصة في الملاكمة والتكواندو "لدينا أبطال ستكون لهم كلمتهم في المستقبل وعلى الإعلام أن يساعدنا لأن الحديث عن الإخفاق أو الفشل ليس في محله يجب أن يكون هناك تقييم واضح ونقد بناء لا ننسى أن أبطالنا صغار في السن ويمكن أن يتعرضوا للإحباط جراء الترويج الكبير لفكرة الفشل فالرياضة أولا وأخيرا هي مدرسة لبناء الشخصية". الدولة لا تعرف ماذا تريد بالضبط في قطاع الرياضة من جهته قال منصف اليازغي، الباحث المتخصص في السياسات الرياضية، إن غياب تصور استراتيجي من الدولة موجه لقطاع الرياضة ساهم في تأزم وضعية الرياضة الوطنية فالفشل، حسب اليازغي، لا يمكن رده إلى الرياضيين بعينهم بقدر ما يتعلق بأسباب موضوعية متعددة فعدد الممارسين بالمغرب في الرياضة لا يتعدى 300 ألف يعني أقل من 1 في المائة من ساكنة المغرب وإلى جانب ذلك هناك ضعف في البنية الرياضية، ففي المغرب لدينا 176 ألف نسمة لكل وحدة رياضية خاصة بكرة القدم. وأضاف اليازغي أن التمويلات المقدمة للرياضة في المغرب باستثناء الخواص وتمويل الاحتضان فهو جد ضعيف فميزانية الدولة المخصصة للقطاع الرياضي لا تتعدى مليار و500 مليون درهم في السنة وهذا الرقم لا يتعدى 1 في المائة من الميزانية العامة للدولة، إلى جانب سوء التدبير فعندما يتسلم وزير حقيبة وزارة الشباب والرياضة وحزبه لا يؤمن بالرياضة وليست له في برامج الانتخابية أي اهتمام بالرياضة فماذا يمكن أن ننتظر منه؟ كما أن الدولة لا تعرف ماذا تريد بالضبط من قطاع الرياضة، يتساءل اليازغي. وأكد اليازغي على أنه يجب معرفة أنه منذ أول مشاركة للمغرب في أول دورة للألعاب الأولمبية في روما سنة 1960 كانت مشاركته إيجابية ونفس الأمر في أولمبياد 1984 لكن منذ سنوات ونحن نتراجع إذن هناك خلل ما في ألعاب القوى قدمت للمغرب 14 ميدالية لكنها غابت هذه السنة، وماذا عن باقي الألعاب الأخرى وأين هي باقي الجامعات، يتساءل اليازغي، الذي أضاف: "لماذا وصلنا إلى هذه الوضعية في حين أن دولا عدة لم تكن بارزة في ألعاب القوى وظهرت بشكل جيد في دورة الألعاب الأولمبية المنتهية في ريو؟". وشدد اليازغي على أن صناعة البطل الأولمبي لا تتم في 3 سنوات بل في وقت يمتد إلى عقد أو أكثر فالأبطال الذين ربحوا في "ريو" جرى تكوينهم على مدى عقد من الزمن، وبذلك فإن مسؤولية الفشل في الألعاب الأولمبية في "ريو" متفاوتة القدر والحدة، "لا أريد أن أحمل المسؤولية للجامعة، نظرا لضعف الإمكانيات بل لسياسة الدولة لأنه عندما تكون هناك سياسة رياضية واضحة المعالم فذلك ينسحب على جميع الجامعات"، يقول اليازغي.