1 في الأزمنة االحرجة والمتوترة بالمعنى الوجودي و السياسي الاجتماعي ،يعود مفهوم الوطن والوطنية إلى الواجهة ،ويفجر مخزون الإحساس بالانتماء إلى جغرافية وتاريخ وحضارة وثقافة معينة ،مشاعر ملتهبة ومتدفقة تفسر العلاقة الصلبة والعضوية القائمة بين الأرض والإنسان. وفي السياقات الانتقالية ،وهبات التغيير وارتفاع الأصوات المطالبة بدولة المؤسسات وبالديمقراطية الحقيقية و بالعدالة والمحاسبة وتحرير الناس من كل أشكال الاستبداد والاستعباد والفساد ، يأخذ الانتماء إلى الوطن بعدا ثوريا وروحانيا وإنسانيا ،بعد يؤسسه ويغذيه الوعي المشترك والجماعي ،بكون الوطن ليس ضيعة قابلة للتصرف الشخصي والاستغلال الفاحش وليس الوطن قطعة موجودة للتحفيظ تحت إسم من الأسماء ،وليس الوطن إعصارا ريعيا ، يجرف كل معالم الحياة ويقتلع ما يجده أمامه ،لتكون الحصيلة دمارا للاقتصاد وهلاكا للمؤسسات،وتلويثا لعقول الناس وقيمهم ، وإتلافا لشروط أي إقلاع أوتحول يؤصل ويرسخ بنيات بديلة الوطن للجميع ،ملكية مشتركة بين كافة المواطنين،التعاقد الذي يجمعنا به ،هو أن نحميه ونحصنه من الهشاشة والانزلاقات الكبرى والآفات القاتلة والأوبئة المزمنة ،والرجات المدمرة ،وفي الاضطلاع بهذه الأدوار ،ليس هناك شريعة ولاشرعية تجيز لهذا الشخص أو ذاك ،أولهذه السلالة أوتلك ،أو لهذه الأسرة أوتلك ، تحويل الوطن إلى ملكية يتصرفون فيها كما يحلو لهم ويورثونها فيما بينهم ، وكيفما كانت الحيل والاحتيالات التي استخدمها ومازال يستخدمها هؤلاء، فإن مستلزمات الاستقرار السياسي والجغرافي والاقتصادي والاجتماعي وإرساء أسس الإنصاف والعدالة ، تتطلب صياغة تعاقد جديد تجاه الوطن ،وبناء شرعية جديدة تنهض على المواطنة والمسؤولية والمحاسبة والشفافية والكفاءة والتنافس الشريف ... 2التغيير لايعني الفوضى والتسيب والخراب وفقدان التحكم في زمام الأمور ،ولايجب نضع التغيير تحت أي تأويل ماكر أو هدف أو غاية مغرضة ،كما أن التغيير ليس آلة مجنونة تشغل من قبل شياطين أو مجانين أو متآمرين أو خائنين ، هاجسهم ضرب الاستقرار والانسجام والتلاحم والوحدة ،والإجهاز على المكتسبات والانجازات ،و التغيير ليس انتقاما أو قصاصا ،كما أنه ليس رديفا للنهب والاضطرابات وحالات الاستثناء ،وحدها الأنظمة الديكتاتورية والمستبدة المفتقدة للشرعية الشعبية والديمقراطية ،هي التي تخاف من التغيير ،ووحدها البنيات المحافظة تشعر بالخوف والارتباك عندما يتعلق الأمر بأي تغيير ،لأنها حسب اعتقادها ومذهبها ،تعتبر أن أي ريح تهب محملة بالتغيير ،هي بمثابة ضربة موجعة موجهة لمصالحها وامتيازاتها . إن التغيير هو السير في الاتجاه الصحيح لقانون الطبيعة ،والتغيير هو الحفاظ على استمرارية الوجود بدلالاته المختلفة، والتغيير هو التشبث بالحياة ،والتغيير هو تأمين اشتغال جيد للدولة والمجتمع ،ونسج علاقات واضحة بين الحكام والمحكومين ،وقيام مؤسسات فعالة وذات مصداقية يثق فيها المواطنون ،والتغيير ليس وحيا أوإلهاما يلتمع في مخيلة شعب ما،في لحظة من لحظات الإشراق ،بل هو منتوج طبيعي ، تمليه ضرورات وحاجيات اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية ،ويحتمه السياق التاريخي الذي يوجد فيه المجتمع والدولة ،وإذا فهمنا بأن التغيير ليس بالضرورة عنفا يستعمل من قبل الشارع أو شرائح واسعة من المجتمع ، لإحداث وضع جديد على الأرض ،فذلك يعني أن التغيير ليس فتنة والمطالبين به ليسوا قطاع طريق ،إن التغيير الذي نقصده هو العودة إلى أصل الأشياء،وضع كل واحد في مكانه، وكل مؤسسة في المجال المحدد لها، هو تحسيس المواطنتين بأنهم ،يعيشون في وطن آمن يضمن لهم حياة كريمة ومستقرة ، وطن يقيهم شر البطالة والعطالة ،وطن يضمن لهم مدرسة عمومية يثقون فيها ،وتمنعهم من دفع فاتورات مهولة لتدريس فلذات أكبادهم في مدارس القطاع الخاص أو تلك التابعة للبعثات الأجنبية ، وطن يضمن لهم مستشفيات عمومية تدل على الحياة وليس الموت ،كما هو الشأن حاليا،مستشفيات يشعر فيها المغاربة بالراحة والاطمئنان ،وليس بالعذاب والخوف،مما يدفع من توفرت لهم الإمكانيات إلى الوقوع بين مخالب نمور القطاع الخاص الذي أصبح جزء كبيرا منه، أشبه بمقصلة إجبارية ترهب الناس ،وطن يضمن مؤسسات مواطنة تعيد الاعتبار للمواطنين . التغيير هو الانتماء إلى المستقبل بكل المقاييس،هو التعاطي الذكي والعقلاني مع الأحداث والسياقات ،هو التنازل الإيجابي للحاكمين ومحيطاتهم وبنياتهم ،عما يمكن أن يعتبر عنصرا ضروريا لتحقيق انتقال ديمقراطي فعلي وعميق،انتقال يؤسس لدولة المؤسسات والقوانين،حيث لاأحد يشكل الاستثناء ،انتقال ينهي مع الزبونية وعلاقات القرب والريع والفساد والإفلات من العقاب،انتقال يفتح الطريق أمام ديمقراطية حقيقية ،لاتحمل من إسم، سوى إسم الديمقراطية، لأن الديمقراطية لاتقبل أصلا الشخصنة والتوظيفات الشعبوية والديموغاجية . .