لا شك أن الوزير في القانون المغربي يعتبر موظفاً عمومياً، لكن بصفة خاصة ومتميزة عن باقي الموظفين العموميين، وفي المفهوم العام للقانون الجنائي المغربي، وخاصة في الفصل 224 من القانون الجنائي، يُعتبر الموظف العمومي: "كل شخص تعينه السلطة العامة في وظيفة عمومية دائمة أو مؤقتة، بأجر أو بدون أجر، ويشمل ذلك الوزراء، والولاة، والعمال، والقضاة، وأعوان السلطة، وأفراد القوات العمومية، وكل من يشتغل في مرفق عمومي تحت إدارة الدولة أو الجماعات الترابية أو المؤسسات العمومية…" من هذا المنطلق، يُعتبر الوزير موظفاً عمومياً، ويخضع لأحكام الموظف العمومي في القانون الجنائي فيما يتعلق بالرشوة، واستغلال النفوذ، واختلاس المال العام، وغيرها من الجرائم المتعلقة بالوظيفة. ولكن هناك إشكال جوهري يثار في عدد من المؤسسات العمومية، التي يتم إحداثها بموجب قوانين خاصة، حول الصفة التي ينبغي منحها للعاملين في هذه المؤسسات، التي تخضع لوصاية السلطة الحكومية التابعة لها، هل هم موظفون عموميون تطبق عليهم القواعد القانونية التي تسري على الموظفين العموميين؟ أم أنهم مستخدمون يخضعون للقانون الخاص او مدونة الشغل بتعبير أدق؟ هناك تمييز دقيق في القانون المغربي بين الموظف والمستخدم، خاصة في ما يتعلق بالعاملين في المؤسسات العمومية التي تخضع لوصاية الوزراء. العاملون في المؤسسات العمومية لا يُعتبرون دائماً موظفين عموميين بالمعنى الضيق للكلمة، بل تختلف صفتهم حسب طبيعة العلاقة القانونية التي تربطهم بالمؤسسة: إذا كانت العلاقة تخضع للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية (مثلاً: التوظيف عبر مباريات، والترسيم، والأنظمة الأساسية الخاصة…)، فإنهم يُعتبرون موظفين عموميين. إذا كانت العلاقة تخضع لقانون الشغل (مثل التعاقد حسب مدونة الشغل، بدون ترسيم…)، فإنهم يُعتبرون "مستخدمين" وليسوا موظفين عموميين. في الحالة الثانية، إذا كانوا خاضعين لمدونة الشغل وليس للوظيفة العمومية، فإن وصف "مستخدمين" هو الوصف القانوني الصحيح، ويُستعمل هذا المصطلح في مدونة الشغل، التي تنص على حقوق والتزامات المشغِّل والمستخدم، وفي الأنظمة الأساسية الخاصة بالمؤسسات العمومية، التي تحدد صراحة خضوع بعض فئات العاملين لقانون الشغل. وعليه فإن العاملين في المؤسسات العمومية إما موظفون (إذا خضعوا للنظام العام للوظيفة العمومية)، أو مستخدمون (إذا خضعوا لقانون الشغل). متى يخضع العاملون في المؤسسات العمومية لقانون الوظيفة العمومية؟ العاملون في المؤسسات العمومية يخضعون للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية في الحالات التالية: إذا كانت المؤسسة العمومية إدارية (établissement public à caractère administratif) مثل: المندوبية السامية للتخطيط، المكتبة الوطنية، بعض المراكز الوطنية. في هذه الحالة، العاملون يُوظَّفون وفق مباريات، ويخضعون لقانون الوظيفة العمومية (الظهير الشريف رقم 1.58.008 بتاريخ 24 فبراير 1958). إذا نَصّ النظام الأساسي الخاص بالمؤسسة على خضوع مستخدميها لقانون الوظيفة العمومية. بعض المؤسسات تُحدّد بشكل صريح أن أطرها تُوظَّف وفق النظام العام للوظيفة العمومية، أو وفق أنظمة خاصة مشتقة منه. متى لا يخضعون للوظيفة العمومية؟ إذا كانت المؤسسة ذات طابع صناعي أو تجاري (EPIC)، أو تعمل بمنطق المقاولة (مثل: ONEE، ONCF، RAM…)، فإن مستخدميها يخضعون لمدونة الشغل، وليسوا موظفين عموميين. وحتى إن كانت تحت وصاية الدولة ويموَّل جزء من ميزانيتها من المال العام، فالعاملون فيها يعتبرون "مستخدمين" وليسوا "موظفين"، لأنهم لا يخضعون لنفس القواعد من حيث التوظيف، الترقي، النظام التأديبي، الخ. عدد كبير من المؤسسات العمومية التي تم إحداثها خلال ولاية هذه الحكومة يطرح فيها هذا الاشكال بشكل كبير، لاسيما، وأن جزء كبير من الموظفين العاملين فيها، يتم الحاقهم بشكل تلقائي بموجب قوانين خاصة من بعض القطاعات الوزارية مثل الفلاحة، ويعطى لهم وصف مستخدمين، أو موارد بشرية، دون تحديد ماهيتم، هل هم موظفون عموميون، يخضعون لقانون الوظيفة العمومية، أم مستخدمون يخضعون للقانون الخاص؟ غموض من هذا القبيل، يثير الكثير من المخاوف المشروعة بالنسبة لهؤلاء الموظفين، الذين يتم الحاقهم بشكل تلقائي بموجب قوانين محدثة لعدد من المؤسسات العمومية كمرحلة أولى، فيتم إدماجهم بشكل تلقائي فيما بعد، بموجب قانون بمرسوم لا يسمح لهم بإنهاء إلحاقهم، والعودة الى سلكهم الأصلي، كما حدث مؤخرا للموظفين الملحقين بالوكالة الوطنية للمياه والغابات، بعد مصادقة الحكومة على مرسوم بقانون حدد لهم تاريخ إدماجهم التلقائي في فاتح يناير 2026! بكل صراحة، هناك إشكال قانوني ينبغي ايجاد حل منصف له، لاسيما، وأن وضعية الإلحاق التلقائي لهؤلاء الموظفين، لا تنزع عنهم صفة الموظف العمومي، مادام أن سلكهم الاصلي هو وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، ومادام أن الظهير الشريف بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، يظل هو الإطار القانوني المرجعي الذي يحدد مصيرهم، إما بطلب بالادماج، وإما بإنهاء الإلحاق والعودة إلى السلك الأصلي، وإما بتجديد الالحاق لنفس الفترة! من حق الحكومة أن تشرع استثناء خلال الدورات الفاصلة بين دورات البرلمان العادية، إذا كانت ضرورة تسيير المرفق العام تستدعي ذلك، غير أنه هناك حقوق مكتسبة بقوة القانون، لهؤلاء الموظفين، ينبغي عليها أخذها بعين الاعتبار، حرصا على مصلحتهم الفضلى، وعلى أمنهم الوظيفي، الأمر الذي يستوجب التنصيص في القانون المحدث للوكالة الوطنية للمياه والغابات، وفي النظام الاساسي الخاص بالعاملين فيها، على خضوعهم لاحكام قانون الوظيفية العمومية، لتبديد مخاوفهم المشروعة! التشريع سواء تم خلال الظروف الاستثنائية أو العادية من طرف الحكومة أو البرلمان وفق الكيفيات المنصوص عليها في الدستور والقانون لا يمكن التعامل معه كما لو أنه قرآنا منزلا من السماء بل ينبغي التعامل معه كنص قابل للتعديل أو التغيير أو الحذف أخدا بعين الاعتبار المصلحة الفضلى للجميع.