بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين طال أمل الشعوب في مجتمعاتنا العربية في أن تتولى حكومات وطنية زمام الأمور وتعمل من أجل تسريع وثيرة التنمية والالتحاق بركب الدول المتقدمة، وطال انتظار الشعب المغربي لسياسات عمومية مندمجة ومهيكلة تخفف من الأزمات الاقتصادية ومن حدة الاحتقان الاجتماعي. في ظل هذه الانتظارات والتطلعات المشروعة، تلجأ الحكومة ببلادنا إلى ما اعتبرته تأهيلا للمدرسة العمومية وتأهيلا للعنصر البشري من خلال نهج نظام التشغيل بالتعاقد لأطر هيئة التدريس. فهل من شأن اعتماد نظام التشغيل بالتعاقد في قطاع التربية الوطنية أن يحقق للمدرسة العمومية الجودة والإنصاف أم أنه سيجعلها تدخل في جو من وعدم الاستقرار لغياب الأمن الوظيفي المفروض توفره في المرافق العمومية التي تقدم الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والأمن والقضاء؟ هل احترمت الحكومة في تنزيلها نظام التشغيل بالتعاقد للنصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بنظام الوظيفة العمومية وبالأنظمة الأساسية للعاملين بالمؤسسات العمومية؟ وإذا كان من حق الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين أن يكون لها أطرها الخاصة وفق نظام أساس للعاملين بها كما هو معمول به في باقي المؤسسات العمومية، فإنه ينبغي أن يتم هذا التوظيف وفق نظام قانوني يلتزم بالنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها، وأن يخضع نظام المستخدمين بهذه الأكاديمية القانون حتى يتسنى تنزيلالجهوية المتقدمة بشكل يحترم الشرعية الدستورية والمشروعية القانونية. فهل وزارة التربية الوطنية احترمت النصوص القانونية في تنزيل التوظيف الجهوي؟ هل تم وضع النظام الأساس لأطر الأكاديمية وفق الإجراءات والمساطر القانونية؟ وما هي الملاحظات الممكن إثارتها حول النظام الأساس الخاص بأطر الأكاديميات الذي خلق التجاذب بين الوزارة والمتعاقدين؟ هذا ما سنحاول معالجته في هذا المقال من خلال محورين رئيسيين هما: • أولا : التأصيل القانوني لنظام التعاقد بالإدارات العمومية. • ثانيا : ملاحظات على النظام الأساس الخاص لأطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين. أولا: التأصيل القانوني لنظام التعاقد بالإدارات العمومية 1 - التوظيف بموجب عقود في الوظيفة العمومية يجد نظام التعاقد سنده القانوني في قانون الوظيفة العمومية ولا سيما "الفصل 6 مكرر" منه الذي ينص صراحة على أنه يمكن للإدارة العمومية عند الاقتضاء أن تشغل أعوانا بموجب عقود وفق شروط وكيفيات يحددها مرسوم. ولقد صدر هذا المرسوم المذكور تحت رقم 2.15.770 بتاريخ 15 غشت 2016، ونص في مادته الثانية على أنه يمكن للإدارات العمومية، كلما اقتضت ظروف المصلحة ذلك أن تشغل بموجب عقود: • خبراء لإنجاز مشاريع ودراسات أو تقديم استشارات أو خبرات أو القيام بمهام محددة، يتعذر القيام بها من قبل الإدارة بإمكاناتها الذاتية؛ • أعوانا للقيام بوظائف ذات طابع مؤقت أو عرضي. ويتم التشغيل بموجب عقود في حدود المناصب المالية المحدثة في القانون المالي للقطاع المعني، ولا يمكن أن يؤدي هذا النوع من التشغيل إلى ترسيم المتعاقد معه في أطر الإدارة. فقد ميز المرسوم في مقتضياته بين نوعين من عقود التشغيل، الأول يتعلق بالخبراء الذين اشترط فيهم توفر عدد من الشروط ضمنها مؤهلات علمية عالية وتجربة مهنية لا تقل عن خمس سنوات في القطاع العام أو الخاص، وأن تكون الخبرة التي اكتسبوها ذات صلة بالمجالات التي سيتم إسنادها لهم، وان يكونوا متمتعين بالحقوق المدنية، وأن لا يكون قد صدر في حقهم حكم قضائي بالإدانة بسبب ارتكابهم جناية أو جنحة ، ولا ينبغي أن يتجاوز عدد الخبراء الممكن تشغيلهم لكل قطاع وزاري أربعة (4) خبراء، واستثناء يمكن تجاوز هذا العدد بقرار يمنح بصفة استثنائية من طرف رئيس الحكومة. ويعزى لجوء الحكومة إلى التعاقد مع الخبراء إلى كون النظام القانونيالمعمول به في الوظيفة العمومية لا يوفر امتيازات وإغراءات مادية للأطر العليا التي لديها خبرة علمية وتقنية كبيرة، مما يدفعها إلى تفضيل القطاع الخاص لما له من امتيازات مادية، لذلك تلجأ الإدارات العمومية إلى اعتماد أسلوب التعاقد لجلب مثل هذه الأطر ومنحها امتيازات غير متوفرة بمقتضى قانون الوظيفة العمومية، ومبالغ مالية مهمة تحفزها للالتحاق بالعمل بالإدارات العمومية لإنجاز مشاريع أو القيام بدراسات أو تقديم استشارات تحتاجها الإدارة ولفترات محددة. أما الأعوان فيتم تشغيلهم بموجب عقود لمدة أقصاها سنتين استجابة لحاجيات الإدارة المعنية، ويمكن تمديد العقد مدة إضافية لا تتجاوز السنتين، ولا يمكن تمديد العقد للمرة الثالثة إلا بترخيص مسبق من رئيس الحكومة إذا استوجبت الوظيفة التي تم التعاقد من أجل القيام بها ذلك. ويشترط في الأعوان الذين يتم تشغيلهم بموجب عقود مجموعة من الشروط من ضمنها توفرهم على مؤهلات علمية لممارسة الوظائف المطلوب القيام بها، وأن يكونوا متمتعين بالحقوق المدنية، وأن لا يكون قد صدر في حقهم حكم قضائي بالإدانة بسبب ارتكابهم جناية أو جنحة. تطبيقا لمقتضيات المرسوم المذكور أعلاه، صدر قرار مشترك لوزير الاقتصاد والمالية والوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإصلاح الإدارة وبالوظيفة العمومية رقم 17-1761 صادر في 15 من شوال 1438 (10 يوليو 2017) حدد نموذجي عقد تشغيل الخبراء والأعوان بالإدارات العمومية، يضم ضمن متنه موضوع العقد وتاريخ سريان مفعوله ومدة العقد والأجر والتعويضات والرخص الإدارية ورخص التغيب لأسباب صحية التي سيتمتع بها المتعاقد، والتغطية الصحية والخدمات الاجتماعية التي سيستفيد منها ونظام التقاعد الذي سينخرط فيه، والالتزامات التي تفرضها المهام المسندة إليه سواء كان خبيرا أو عونا، والإجراءات التأديبية التي سيتعرض لها في حالة الإخلال بالتزاماته تجاه الإدارة أو بإنجازه للمهام المنوطة به، والحالات التي يمكن فيها فسخ العقد وإنهائه، كما حدد هذا القرار كيفية الاستفادة من حوادث الشغل والجهات المختصة لتسوية النزاعات. فهل هذه المقتضيات يتم تطبيقها على العاملين بالمؤسسات العمومية؟ أم أن هناك نظام قانوني يخضع له العاملين بالمؤسسات العمومية؟ 2 - الوضعية القانونية للعاملين بالمؤسسات العمومية تخضع الوضعية القانونية للعاملين بالمؤسسات والمقاولات العمومية لمقتضيات الظهير الشريف رقم 1.62.113 بشأن النظام الأساس لموظفي مختلف المقاولات، والمرسوم التطبيقي رقم 2.63.164 التي تحدد بموجبه القواعد العامة المطبقة على مختلف المؤسسات، فمقتضيات الظهير الشريف رقم 1.62.113 بشأن النظام الأساس لموظفي مختلف المقاولات، تنص في فصله الأول على أن "...المؤسسات العمومية والمقاولات التي تقدم رأس مالها الدولة أو جماعة عمومية وكذا سائر المقاولات المستفيدة من احتكار أو امتياز تمنحه الدولة يتعين عليها وضع نظام أساسي للموظفين الذين تستخدمهم بصفة مستمرة، ويوضع هذا النظام الأساسي استنادا إلى مرسوم يحدد القواعد العامة ولا سيما في ميادين التعيين والرواتب والترقية والتأديب" . وينبغي أن "يعرض هذا النظام الأساسي على تأشيرة وزير المالية والسلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية، ولا يطبق إلا بعد المصادقة عليه بموجب مرسوم يتخذ باقتراح من الوزير المكلف بممارسة الوصاية أو عند عدمه من المكلف بالمراقبة المالية". ووفقا للفصل الثاني من المرسوم التطبيقي، فإن موظفي المؤسسات العمومية يتكونون من "الأعوان الدائمين المتكونين من جهة من الأعوان النظاميين المتمرنين والرسميين، ومن جهة أخرى من موظفي الإدارات العمومية المجعولين في وضعية الإلحاق، والأعوان غير الدائمين"، وتم تصنيف الأعوان الدائمين إلى أربعة أصناف وهي على الشكل التالي: 1- الأعوان المكلفون بإنجاز أشغال التأسيس لمدة معينة أو بإنجاز إصلاحات كبرى لا يكفي عدد المستخدمين العادي لتحقيقها؛ 2- الأعوان المعينون لمواجهة تزايد شغل مؤقت أو موسمي؛ 3- الأعوان المعينون بصفة استثنائية ليخلفوا مؤقتا عونا دائما متغيبا. وتستفيد هذه الأصناف الثلاثة من الشروط العامة للتشغيل والأجور المطبقة على أعوان الدولة المياومين والمؤقتين، مع العلم أن هذه الأصناف لم تعد الإدارات العمومية تعتمد على خدماتها، حيث تم إصدار مناشير حكومية تمنع توظيف هذه الأصناف من الأعوان. 4 - الأعوان المعينون بعقد، فهذه الفئة لا يمكن في أية حالة من الأحوال أن تستفيد من حالة أكثر فائدة من حالة عون دائم يتوفر على نفس الشروط المتعلقة بالإجازات والشهادات. 3 - نظام التوظيف بموجب عقود في قطاع التربية الوطنية. بدأت عملية التعاقد بقطاع التعليم مع إصدار وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي مرسوما يحمل رقم 2.08.12 بتاريخ 30 من شوال 1429 الموافق 30 أكتوبر 2008، والذي نص في مادته 25 على أنه "يوظف الأساتذة المشاركون بموجب عقد محدد المدة لسنة واحدة في حدود المناصب المالية المتوفرة لدى المؤسسة الجامعية من بين أساتذة باحثين أجانب أو خبراء أو مهنيين مغاربة أو أجانب للقيام بمهام تعليمية معينة". ويمكن تجديد عقد هذا التوظيف عند الضرورة سنويا على أن لا تتعدى المدة القصوى ثلاث سنوات. كما تم إصدار مذكرة رقم 2-3401 بتاريخ 5 اكتوبر2012 لوزير التربية الوطنية تتعلق بالتعاقد مع الأشخاص الأجانب عن هيأة التدريس لإنجاز حصص التدريس في الحالات الاضطرارية لاستكمال العدد المطلوب من حصص التدريس المخولة للتلاميذ. وهكذا فإن جميع النصوص القانونية والتنظيمية التي تم اعتمادها للتشغيل بموجب عقود كانت لمدة محددة. فهل ما أقدمت عليه وزارة التربية الوطنية عند توظيفها لمدرسين بالأكاديميات بموجب عقود يدخل في نفس الإطار؟ أم تم اعتماد النظام القانوني المؤطر للتشغيل بموجب عقود في توظيف المدرسين المتعاقدين بالأكاديميات الجهويةللتربية والتكوين؟ تم تشغيل الأساتذة بالأكاديميات بناء على قرار مشترك لوزير التربية الوطنية والتكوين المهني ووزير الاقتصاد والمالية رقم 7259 بتاريخ 7 أكتوبر 2016، وتم تعديل هذا القرار وتتميمه في دجنبر 2017، وهو قرار غير منشور. ومن ضمن الحيثيات التي اعتمدها هذا القرار في أسس بنائه القانوني الظهير الشريف رقم 1.03.195 صادر في 16 رمضان 1424 (11 نوفمبر2003) بتنفيذ القانون رقم 69.00 المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة وهيئات أخرى، والذي ينص ضمن مقتضياته على أن هذه المراقبة تهدف إلى "المتابعة المنتظمة لتسيير الهيئات الخاضعة للمراقبة المالية، والسهر على صحة عملياتها الاقتصادية والمالية بالنظر إلى أحكام النصوص القانونية والتنظيمية والنظامية المطبقة عليها، وتقييم جودة تسييرها وإنجازاتها الاقتصادية والمالية وكذا مطابقة تسييرها للمهام والأهداف المحددة لها، والعمل على تحسين منظوماتها الإعلامية والتدبيرية، وجمع وتحليل المعلومات المتعلقة بمحفظة سندات الدولة وإنجازاتها الاقتصادية والمالية" . فهذا القانون الذي ورد في حيثيات القرار المشترك يتضمن في متنه إجراءات المراقبة المالية التي تخضع لها الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين باعتبارها مؤسسات عامة، والأعمال والوسائل التي تخضعان لهذه المراقبة وأنواعها. وإذا كانت المؤسسات العامة تخضع لمراقبة قبلية يقوم بها الوزير المكلف بالمالية ومراقب الدولة وخازن مكلف بالأداء ، فإن المؤسسات العامة التي تثبت اعتمادها الفعلي لمنظومة الإعلام والتسيير والمراقبة الداخلية والتي تشمل خاصة الوسائل المصادق عليها بصفة صحيحة من لدن مجلس الإدارة أو الجهاز التداولي التي من ضمنها نظام أساسي للمستخدمين تحدد فيه بوجه خاص الشروط المتعلقة بالتوظيف والأجور والمسار المهني لمستخدمي المؤسسة، ومخطط تنظيمي تحدد فيه البنيات التنظيمية للتسيير والتدقيق الداخلي بالمؤسسة ومهامها واختصاصاتها؛ وتقرير سنوي عن التسيير يعده مدير المؤسسة، تخضع للمراقبة المواكبة بدلا من المراقبة القبلية . كما أن مقررات مجلس الإدارة أو الجهاز التداولي المتعلقة بالنظام الأساسي للمستخدمين، والميزانيات، والبيانات التوقعية لمدة متعددة السنوات، لا تصبح نهائية إلا بعد موافقة الوزير المكلف بالمالية. ولا يشير هذا القانون في مواده إلى أن وزير المالية يملك صلاحية إصدار قرار يتم بموجبه تشغيل مدرسين بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين. كما أن الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 216-77-1 بتاريخ 20 شوال 1397 (4 أكتوبر 1977) في شأن إحداث نظام جماعي لمنح رواتب التقاعد كحيثية ثانية ضمن حيثيات القرار المشترك، ينص في فصله الثاني على أن هذا القانون "يطبق وجوبا علي المستخدمين المتعاقدين الجاري عليهم الحق العام والمستخدمين المؤقتين والمياومين والعرضيين العاملين مع الدولة والجماعات المحلية، ومستخدمي المكاتب والمؤسسات العمومية والشركات ذات الامتياز، وكذا على الشركات والهيئات المستفيدة من الإعانات المالية التي تقدمها الدولة أو الجماعات العمومية الجارية عليها المراقبة المالية. وتحدد بقرار يصدره وزير المالية وتؤشر عليه السلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية شروط انخراط المستخدمين المشار إليهم أعلاه المنتمين يوم العمل بظهيرنا الشريف هذا المعتبر بمثابة قانون إلى نظام للتقاعد كيفما كان معمول به قبل النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد". فهذا القانون يحدد الفئات التي يطبق عليها النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، وأعطى لوزير المالية بالشراكة مع وزير الوظيفة العمومية صلاحية تحديد شروط الانخراط في هذا النظام، ولم يمنحه صلاحيات وضع شروط التوظيف في المؤسسات العامة. أما القانون رقم 07.00 المتعلق بإحداث الأكاديميات كحيثية ثالثة في إنشاء القرار المشترك لا يتضمن ضمن مقتضياته نصا يسمح لوزير التربية الوطنية ووزير المالية أن يصدرا قرارا مشتركا يتم بموجبه تشغيل المدرسين بقطاع التربية الوطنية. بالمقابل نجد أن المادة 11 من القانون رقم 07.00 تنص بشكل صريح على أن التوظيف من طرف الأكاديميات يتم طبقا لنظام أساس خاص يحدد بمرسوم، وليس بقرار مشترك بين وزيرين. ولا يوجد في النظام القانوني المحدث للأكاديميات ولا في مراسيمه التطبيقية ما يشير إلى إمكانيات التشغيل بموجب قرار مشترك بين وزير التربية الوطنية ووزير المالية، ولا ندري ما هي المرجعية القانونية المعتمدة لإصدار هذا القرار والذي يعتبر بدعة ويشكل خرقا قانونيا في القطاع المدرسي. فالوزيران ليسا بصاحبي الاختصاص في إصدار النظام القانوني للتشغيل في الأكاديميات كمؤسسات عامة. ونعتقد أنه ما لم يتم إصدار هذا النظام الأساس الخاص بموجب مرسوم تبقى القرارات المتعلقة بالتوظيف الجهوي للمدرسين بالأكاديميات فاقدة للمشروعية لعدم احترامها لركني عدم الاختصاص والشكل والإجراءات، لأن القرارات الإدارية باعتبارها عملا قانونيا صادرا عن السلطة التنفيذية لا بد أن يكون خاضعا لسيادة القانون، وذلك تطبيقا لمبدأ خضوع الإدارة لسيادة القانون، فالأصل في القرار الإداري مشروعيته، ومشروعية وسلامة القرارات الإدارية تقوم إذا ما سلمت هذه القرارات الإدارية في جميع أركانها المتمثلة في عيب عدم الاختصاص وعيب في الشكل والإجراءات كمظاهر المشروعية الخارجية، ومظاهر المشروعية الداخلية المتمثلة في انعدام السبب والغاية والمحل . وتتحقق سلامة القرارات الإدارية ومشروعيتها عندما لا تخرج عن أحكام ومبادئ المشروعية التي تسود الدولة في مقدمتها النص الدستوري الذي ينص على وجوب تراتبية القواعد القانونية ونشرها. وفكرة سلامة القرارات الإدارية مرتبطة بمبدأ المشروعية في الدولة ضمانا لصيانة حقوق الأفراد والحريات، حيث يتحتم على الإدارة احترام صدور القرار في الشكل الذي يقدره القانون والإجراءات التي حددها، فإذا خرجت الإدارة بقرارها عن هذه الضوابط يصبح القرار غير مشروع مما يجعله قرارا باطلا. والمقصود بالشكل، المظهر الخارجي للقرار أو طريقة تعبير الإدارة عن إراداتها الملزمة في القرار الصادر عنها، في حين أن الإجراءات تعني الخطوات التي ينبغي أن يتبعها صانعو القرار الإداري في مرحلة تحضيره وإعداده قبل صدوره إلى العالم الخارجي. فالقانون المحدث للأكاديميات ينص بشكل صريح في المادة 11 على أن الأكاديمية توظف مستخدميها وفق نظام أساس خاص يحدد بمرسوم. كما أن المرسوم رقم 2.00.1016 الصادر في 7 ربيع الآخر 1422 (29 يونيو 2001) بتطبيق القانون المحدث للأكاديميات، لا يعطي أية صلاحية لمدير الأكاديمية في وضع النظام الأساس الخاص بأطر الأكاديمية، فدوره يقتصر على تدبير شؤون هيئة المستخدمين الخاصة بالأكاديمية. وينسجم توجه المشرع في قانون إحداث الأكاديميات مع مقتضيات الظهير الشريف رقم 1.62.113 بشأن النظام الأساس لموظفي مختلف المقاولات ومرسومه التطبيقي المشار إليهما أعلاه، وقد تبنت هذا التوجه المراكز الاستشفائية كمؤسسات عمومية التي وضعت نظام مستخدميها بموجب مرسوم على الرغم من التنصيص في المرسوم التطبيقي للقانون المحدث لهذه المراكز على صلاحيات مجلس إدارتها في وضع النظام الأساس للمستخدمين واستصدار الموافقة عليه طبقا للشروط المنصوص عليها في التشريع الجاري به العمل فيما يخص مستخدمي المؤسسات العامة. وانطلاقا مما ذكر نعتقد أنه لا يمكن للمجلس الإداري للأكاديمية أن يضع النظام الأساس الخاص بأطر الأكاديمية، لأن ذلك لا يدخل ضمن صلاحياته المحددة حصرا في المادة الثانية من القانون 07.00، ويتنافى مع القوانين الجاري بها العمل، بخلاف ما هو معمول به في بعض المؤسسات العمومية التي نص القانون المحدث لها على اختصاص المجلس الإداري في وضع نظام المستخدمين والتصديق عليه وإحالته على وزارة المالية للتأشير عليه، ونذكر هنا على سبيل المثال الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات التي يتمتع مجلس إدارتها بصلاحية تحديد النظام الأساس لمستخدمي الوكالة وعرضه للموافقة عليه طبقا للنصوص التنظيمية المعمول بها ، ونفس الشيء ينطبق على الوكالة الحضرية للدار البيضاء كمؤسسة عمومية ليس لها صبغة تجارية أو صناعية، حيث نص القانون المحدث لها على أن مجلس إدارة الوكالة يتمتع باختصاص إعداد النظام الأساس للمستخدمين وعرضه للموافقة عليه طبق الشروط المقررة في النصوص التشريعية المعمول بها . وكذلك يتمتع مجلس إدارة الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية باختصاص إعداد النظام الأساس للمستخدمين وعرضه للموافقة عليه طبق الشروط المقررة في النصوص التشريعية المعمول بها. من جهة أخرى، خالف النظام الأساس الخاص بأطر الأكاديمية الذي صادقت عليه المجالس الإدارية للأكاديميات مقتضيات المرسوم رقم 2.63.164 بموجبه تحدد القواعد العامة المطبقة على مختلف المؤسسات العمومية ولا سيما ما يتعلق بنظام المكافآت. وهكذا، فمن المنطق القانوني احترام الشكل والإجراءات تطبيقا لمبدأ المشروعية في تنزيل نظام التوظيف بالأكاديميات وذلك بإتباع ما هو منصوص عليه في القانون 07.00 والمتمثل في وضع نظام خاص بأطر الأكاديميات بموجب مرسوم وليس التصديق عليه من طرف المجلس الإداري الذي لا يملك هذه المهمة ضمن الصلاحيات المنصوص عليها في المادة 2 من قانون إحداث الأكاديميات. كما أن المنطق القانوني يعني سمو القانون على إرادة واضعيه مهما بلغ دورهم في وضعه أو إقراره أو إصداره. ويعني أيضا احترام مبدأ سيادة القانون الذي بمقتضاه يخضع جميع الأشخاص في المجتمع بما فيه السلطات العامة للقانون الساري المفعول. وقد أقر الدستور المغربي مبدأ سيادة القانون باعتباره دعامة أساسية للحكم حينما نص في الفصل 6 من الدستور على أن "القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بمن فيهم السلطات العمومية متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له"، مؤكدا أن "دستورية القواعد القانونية وتراتبيتها ووجوب نشرها مبادئ ملزمة". ثانيا: ملاحظات على النظام الأساس الخاص لأطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين 1- اختلالات شكلية : إن انفراد الحكومة باعتماد عقود تجمع بين أحكام الوظيفة العمومية وقانون الشغل في مجال التربية والتعليم في غياب أي إطار قانوني يسمح به، وإصدار قرار مشترك بين وزير التربية الوطنية ووزير الاقتصاد والمالية أفقد المسطرة المشروعية ووسم التجربة بالفشل في صيغتها الأولى التي تم خلالها إسناد مديري الأكاديميات مهمة إبرام العقود، وفي صيغتها الثانية التي تم الاعتماد فيها أسلوبا آخر في التعاقد بناء على نظام جديد ليس له أي سند قانوني تحت مسمى "النظام الأساس الخاص بأطر الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين" والذي يثير مجموعة من الملاحظات منها: • اعتماد هذا النظام من طرف المجالس الإدارية للأكاديميات على الرغم من أن القانون لا يخولها هذه الصلاحية، وغير مدرج ضمن اختصاصاتها وإصداره بصيغة موحدة في 12 نسخة ل 12 أكاديمية. • عدم خضوع هذا النظام لمسطرتي المصادقة والنشر المعتمدة في باقي النصوص التنظيمية، والاكتفاء بنشره على الموقع الإلكتروني للوازرة دون الإشارة إلى طبيعته هل هو قرار أو مقرر...الخ في الوقت الذي ينص القانون المحدث للأكاديميات على وجوب صدوره بمرسوم. • اعتماد أسلوب في الصياغة يجعل منه عقدا في صيغة نظام أساسي، مع ملاحظة نوع من الارتجال والارتباك في صياغة مواده. • المادة 10 من هذا النظام تؤسس لبعض الحقوق للمتعاقد في مجالات يخضع حق الاستفادة منها والفئات المعنية للنصوص المنظمة لهذه المجالات. فقد تم تسطير هذه الحقوق دون الإشارة ضمن حيثيات هذا النظام للنصوص المنظمة، ويبقى التساؤل فيما إذا كانت مقتضيات هذه الأنظمة تسمح بانخراط هذه الفئة. ونشير في هذا إلى بعض الأمثلة من قبيل الانخراط في نظام التغطية الصحية الإجبارية، وكذا الانخراط في نظام التغطية الصحية المسير من طرف التعاضدية العامة للتربية الوطنية دون غيره من الأنظمة مما يعتبر قيدا لحرية المنخرط في الاختيار... • المادة 11 : الخاصة بالالتزامات هذه الأخيرة التي لم ترد بنفس التفصيل في أي نص من النصوص المتعلقة بالمدرس الموظف، ولا سيما النظام الأساس لموظفي وزارة التربية الوطنية، والمدرج ضمن حيثيات هذا النظام. • المادة 17 : الخاصة بساعات العمل الأسبوعية، تشير إلى النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، في حين أنه لا يوجد أي نص تشريعي أو تنظيمي في هذا الشأن. كما أن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية نص في مواده 15-21-26 أن مدة التدريس الأسبوعية لأساتذة التعليم الابتدائي والتعليم الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي تحدد بقرار مشترك للسلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية والسلطة الحكومية المكلفة بالمالية والسلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية، ورغم صدور النظام الأساسي سنة 2003 إلا أن هذا القرار لم يصدر إلى يومنا هذا. 2- ملاحظات على مستوى المضامين : • التوسع في سرد التزامات الفئة المكلفة بالتدريس دون باقي الفئات الواردة في المادة 2 من هذا النظام. فبالرجوع إلى المواد من 22 إلى 26 بخصوص الرخص الطبية نجد أنه قد تم اعتماد النصوص المنظمة لرخص الموظفين إلا أنه تم ابتداع أحكام غير واردة في النص المستند إليه، فقد نصت المادة 25 على الفصل دون إشعار للإطار المتعاقد الذي عجز نهائيا عن استئناف عمله بعد انقضاء مدة الرخصة متوسطة أو طويلة الأمد. كما أن المادة 26 تشير إلى الاعتراف بعدم قدرته نهائيا على العمل دون تحديد الجهة المؤهلة للاعتراف بهذا العجز النهائي والمؤهلة لإحالته على التقاعد، علما بأنه يخضع للنظام الجماعي وليس للصندوق المغربي للتقاعد الذي يتوفر على لجنة للإعفاء. • المادة 31 : تنص على إحداث لجان الأطر المتعاقدة بمقرر لمدير الأكاديمية دون الإشارة إلى كيفية هذا الإحداث هل جهوي أم إقليمي، ودون تحديد الأعداد الواجب توفرها لتحديد عدد الممثلين، وإن كان هناك سقف لا ينبغي تجاوزه. فمادام الاجتهاد في وضع وتسطير المواد المتعلقة بلجنة الأطر اعتمد كمرجعية النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية والمرسوم المتعلق بكيفية تطبيق مقتضيات الفصل 11 من النظام الأساس العام للوظيفة العمومية، فإنه وجب التساؤل حول أحقية هذه الفئة في المشاركة كهيأة ناخبة في المؤسسات من قبيل مجلس المستشارين... • اعتماد المادة 32 من المرسوم الخاص باللجان الثنائية في إحداث اللجان الخاصة بالأطر المنصوص عليها في هذا النظام وتسميتها بتسمية أخرى "لجان الأطر المتعاقدة". • ويبدو أن التسمية إلى جانب الأحكام الواردة في المواد 33 إلى 35 مخالفة في جزء منها لما هو وارد في المرسوم رقم 2.59.0200 الذي تم اعتماده في الفصل 32. • المادة 36 : خولت لمدير الأكاديمية سلطة تأديبية مطلقة دون قيد مما يجعله في مستوى رب العمل. • المادة 37 : تصرفت في العقوبات التأديبية بشكل مخالف لما هو منصوص عليه في الفصل 66 من قانون الوظيفة العمومية، بابتداع عقوبات غير منصوص عليها أو حذف عقوبات منصوص عليها. كما أن النظام سكت عن العقوبات المطبقة في سنة التدريب، وعن آثار العقوبات التأديبية على من طبقت فيه أحكام المادة 43 من هذا النظام، وكذا عن الإجراء الذي يتعين اتخاذه في حالة رفض السلطة التي لها حق التأديب العقوبة المقترحة من طرف المجلس التأديبي. كما سكت النظام عن الإجراءات الواجب اتخاذها في حالة الإطار المتعاقد الذي رفض تسليم الإنذار بضرورة رجوع إلى العمل، أو كان عنوانه المدلى به إلى الإدارة مجهولا لدى مصالح البريد، كما سكت النظام عن الكيفية التي سيتم به تنزيل النظام التأديبي في غياب المجالس التأديبية بالأكاديميات وتحديد كيفية تشكيلها • ويلاحظ على ما ورد في بنود العقد والنظام الأساس الخاص بأطر الأكاديميات أن هناك تدقيقا في المهام والواجبات الملقاة على عاتق المدرس المتعاقد، وهذا في حد ذاته يعتبر نقطة إيجابية، غير أنه يشكل في نفس الوقت تمييزا بين فيئتين من المدرسين داخل نفس المنظومة، مدرس متعاقد تم التدقيق في مهامه وواجباته والتقليص من الحقوق مقارنة بزميله المدرس الموظف الذي لم تحدد مهامه بشكل دقيق ولديه مزيد من الحقوق والضمانات. إن هذه الاختلافات قد تخلق حواجز نفسية وقد يكون لها آثارا سلبية على مردودية المدرس المتعاقد وانخراطه في المشاريع الإصلاحية للوزارة. • نص القرار المشترك في مادته 9 على أن الأعوان المتعاقدين لهم الحق في الترقية في الصف والطبقة وفق الملحق 2 للقرار، بحيث يستفيد المدرس المتعاقد من الترقية من صف إلى صف أعلى بناء على سنوات الأقدمية وتقويم المردودية، والترقية بالاختيار من طبقة إلى طبقة بناء على الأقدمية في الطبقة والمحددة في 10 سنوات وفي حدود 20% من المدرسين المتعاقدين المستوفين لشروط الترقي. • وبعد المصادقة على النظام الأساس الخاص بأطر الأكاديميات وإدماج المدرسين المتعاقدين فيه ونسخ القرار المشترك، أصبحت الطبقة درجة والصف رتبة، ولم يتم التفصيل في نظام الترقية بل تم الاكتفاء بالإحالة على ما هو معمول به في الوظيفة العمومية والنظام الأساس لموظفي وزارة التربية الوطنية كما نصت على ذلك المادة 16 من النظام بالقول "ترقى أطر الأكاديمية المتعاقدة في الرتبة والدرجة طبقا للمقتضيات الجاري بها العمل في الوظيفة العمومية، مع مراعاة المقتضيات المعمول بها في قطاع التربية الوطنية". غير أن هذه الإحالة طرحت إشكالا مرتبطا بالاختلاف القائم بين المدرس الموظف والمدرس المتعاقد والمتمثل في التسمية وعدد الدرجات، ففي الوقت الذي ينص النظام الأساس لموظفي وزارة التربية الوطنية بأن إطار أساتذة التعليم الثانوي يتكون من إطار أساتذة التعليم الثانوي الإعدادي وإطار أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي، وكل إطار يتكون من ثلاث دراجات، اقتصر القرار المشترك الذي تم بموجبه تشغيل المدرسين بالأكاديميات وكذا النظام الأساس لأطر الأكاديميات على تسمية أساتذة التعليم الثانوي دون تحديد هل يتعلق الأمر بأساتذة التعليم الثانوي التأهيلي أو أساتذة الثانوي الإعدادي. فإذا كان نظام الترقية بالنسبة لأطر هيئة التدريس حسب مقتضيات النظام الأساس لموظفي وزارة التربية الوطنية يتم من درجة إلى درجة، وكل إطار يتكون من ثلاث درجات، فما هي المعايير التي ستُعتمد لترقية الأساتذة المتعاقدين، هل ترقيته ستكون وفق ترقية أستاذ التعليم الثانوي الإعدادي أم وفق ترقية أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي؟ علما أن النمطين مختلفان، فأستاذ الإعدادي يبدأ مساره من الدرجة الثالثة وينتهي بالدرجة الأولى المقابلة لسلم الأجور رقم 11، بينما أستاذ التأهيلي يبدأ مساره من الدرجة الثانية وينتهي بالدرجة الممتازة التي تقابل خارج السلم. • أضف إلى ذلك ينص النظام الخاص بأطر الأكاديميات على نظام تقييم دوري على رأس كل 8 سنوات بالنسبة للمدرس المتعاقد، في الوقت الذي لا نجد مثل هذا المقتضي بالنسبة للمدرس الموظف على الرغم من أن الفئتين يخضعان لنفس النظام القانوني المتعلق بالترقية والتقويم. • كما يوجد اختلاف وتباين في الإجراءات المتبعة في الامتحان التأهيلي المهني الذي يخول النجاح فيه تجديد العقد للمدرسين المتعاقدين بشكل تلقائي، وبين الإجراءات المتبعة في امتحان الكفاءة التربوية التي تخول الترسيم لأطر هيئة التدريس وفق النظام الأساس لموظفي وزارة التربية الوطنية. وخلاصة القول إن متن "النظام الأساس الخاص بأطر الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين" موسوم بالضعف وفيه مس كبير بمبدأ المشروعية، ونعتقد أن تنزيل نظام التوظيف الجهوي ينبغي أن يحترم الدستور الذي أقر مبدأ سيادة القانون ومبدأ ترابية القوانين ووجوب النشر، وكذا احترام النصوص التشريعية والتنظيمية ولا سيما الظهير الشريف رقم 1.62.113 الصادر بتاريخ 16 صفر 1382 موافق 19 يوليوز 1962 بشأن النظام الأساسي لموظفي مختلف المقاولات، والمرسوم رقم 2.63.164 بموجبه تحدد القواعد العامة المطبقة على مختلف المؤسسات العمومية، والقانون 07.00 الذي ينص على أن وضع نظام خاص بأطر الأكاديميات يتم بموجب مرسوم، لا أن يتم التصديق عليه من طرف المجلس الإداري الذي لا يملك هذه المهمة ضمن صلاحياته. *أستاذ باحث بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالرباط