لقد برزت حركة 20 فبراير في ظرفية سياسية تتسم بأزمات اجتماعية حادة طرحت في العمق إشكالية مشروعية النظام السياسي المغربي ، و ما يرتبط بها من قضايا جوهرية كالمسالة الدستورية و حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية ... ولعل اتساع دائرة هده الحركة وقدرتها على تعبئة فئات اجتماعية واسعة ظلت مهمشة، جعلت النظام السياسي المغربي يغير من إيقاعاته البطيئة في ضبط مسارات النسق السياسي المغربي ، انطلاقا من التحولات الاجتماعية التي تعرفها المرحلة الراهنة وما تفرضه من منظور مغاير للعلاقات السياسية والاقتصادية . ويمكن اختزال تنامي الحركات الاحتجاجية بالمغرب في عاملين أساسيين، أولا فشل الدولة في تدبير مرحلة ما بعد الاستقلال وما كانت تفرضه من انفتاح على المجتمع على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ثانيا التحولات المجتمعية التي عرفها المجتمع المغربي من خلال انفتاحه على العديد من المظاهر الحداثية بما فيها الوسائل التقنية وما أتاحته من انفتاح على العالم الخارجي . لقد كان خطاب 09 مارس الذي يعد امتدادا لخطاب سياسي يحاول أن يجعل من المؤسسة الملكية مركز الثقل في كل المبادرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية كمحاولة لمواكبة تلك التحولات و الإيحاء بوجود نوع من التوافق بين مطالب هده الحركة من جهة وتلك المبادرات الملكية ، لمصادرة احتمال تفاقم الصراع الاجتماعي و العمل بصفة غير مباشرة على إبطال مفعوله ،على اعتبار أن الأحزاب السياسية وبعد قبولها بشكل النظام السياسي الحالي، وان كانت قد جنبت هدا الأخير مخاطر وعنف العديد من الحركات الاحتجاجية في إطار تقاسم الأدوار السياسية بين النظام والأحزاب، فإنها لم تعد قادرة على لعب هدا الدور نتيجة تآكل مشروعيتها التاريخية. إن الدولة المغربية ومن خلال أجهزتها الأمنية والإيديولوجية، تحاول اليوم إدارة الصراع الاجتماعي من اجل التحكم في مساراته وتطويقه، انطلاقا من نفس المحددات السابقة التي طبعت علاقتها مع النخب السياسية ، وخاصة بالأحزاب السياسية والمراقبة هنا لا تعني فقط محاولة التحكم في هدا الصراع وتوجيهه باستخدام آلياتها القمعية كما حصل في 13 مارس، بقدر ما تحيل هده المراقبة إلى إعطاء النظام السياسي شرعية مستجدة ومتجددة، ومحاولة إيجاد حلول استباقية للعديد من القضايا التي تستأثر بانشغال المجتمع المغربي . فالملك بلجوئه إلى تكثيف العديد من العناصر المؤسسة للشرعية الدستورية في خطاب 9 مارس ،كان يهدف كذلك إلى خلق تعبئة حول قيم مؤسسة ملكية توحي بأنها لازالت قادرة على التحكم في مسارات نظام سياسي له من الصلاحيات ما يضبط من خلالها حركية ومراقبة المجتمع وتحقيق بعض مطالبه من اجل دوام فلسفته العامة ودون المساس بمقوماته ومرتكزاته . إن الملك كممثل أسمى للأمة لا يرغب في وجود وسطاء بينه وبين المجتمع ، كما أن هدا الأخير لازال يكرس هدا المعطى من خلال رفع مطالبه مباشرة إلى الملك باعتباره الفاعل المركزي داخل الحقل السياسي المغربي . وفي هدا الإطار فان الأحزاب السياسية ظلت إما تابعة أو مهمشة ، وفي أحسن الأحوال ضابطة للحركية الاجتماعية ،الأمر الذي افقدها احد أهم العناصر الجوهرية للتعبئة الاجتماعية. كما أن اتساع دائرة مطالب حركة 20 فبراير والدي أقام نوع من المحاكمة التاريخية للأحزاب السياسية جعل الخطاب السياسي لهده الأخيرة يحاول الاحتماء بشكل غير مباشر ضمن منظومة بنية السلطة ومحاولة تعبئة الجماهير انطلاقا من نفس المحددات التي تسطرها المؤسسة الملكية. إن محاولة النظام السياسي الإيحاء بالانفتاح على مطالب هده الحركة ، يوحي بتجاوز دلك الجدل التقليدي حول أسس الحكم بالمغرب، والبدء في حوار وطني حول القضايا الدستورية وما يرتبط بها من قضايا اقتصادية واجتماعية إلا أن هدا الانفتاح وان كان يبدو في الظاهر معبرا عن جزء من مطالب تلك الحركة ويمكن أن يؤدي إلى محدودية التحالفات القائمة على المستوى السياسي دون أن يلغيها. فان الملك لا يمكنه الانحياز بشكل مطلق لكل مطالب حركة 20 فبراير دون التضحية بمصالح العديد من النخب السياسية والاقتصادية والتي اكتسبت العديد من مقومات وجودها ضمن محيط المخزن . ومن هدا المنطلق فان الأزمة القائمة حاليا تكمن في غياب وسطاء بين الحاكم والمحكوم ، هدا الغياب الذي احدث فراغا سياسيا يمكن أن تكون له تداعيات خطيرة على تمثل فكرة المجال السياسي برمته، كما أن قدرة النظام السياسي على الاستجابة لمطالب حركة 20 فبراير ومن خلالها مطالب كل القوى الحية داخل المجتمع تكمن في إيجاد وسطاء جدد بعيدا عن منطق التسويات السياسية القديمة التي كانت تحدد جوهر الفعل السياسي بالمغرب والتي أثبتت فشلها . وإدارة الصراع الاجتماعي بعيدا عن منطق الهاجس الأمني ، ووفق الاحتكام إلى قواعد شرعية دستورية ديمقراطية .