* 11 أكتوبر, 2015 - 05:45:00 إلى حدود سبعينيات القرن الماضي، كانت واحات الأطلس الصغير من الوگوم حتى المناطق السفلى جنوب مداشر أقا والقرى المتاخمة لوادي درعة تسد حاجيات سكان هذه الجهات الشبه صحراوية من الزراعة المعيشية وتربية الأغنام والماعز والجمال. كما أن التدبير القبلي المسؤول للمياه الباطنية ساهم الى حد بعيد في حماية المنظومة البيئية الهشة للواحات من التقلبات المناخية المتعاقبة وخاصة التصحر التدريجي وزحف الرمال المتوالي وهجمات أسراب الجراد الموسمي. في هذا الإطار الذي ينذر بكارثة بيئية ذات عواقب وخيمة على الاستقرار البشري في واحات الأطلس الصغير بساكنتها المختلفة وثراتها المعماري والثقافي ومخزونها الاركيولوجي الفريد، تعاني أشجار النخيل في معظم الواحات من انتشار مرض البيوض الذي يواصل زحفه في المنطقة مهددا بذلك المحصول السنوي من التمور ومجمل الأنشطة الاقتصادية والثقافية والمعمارية المرتبطة بشجرة النخيل. يعرف الفيروس ب "البيوض" نظرا لابيضاض أوراق جريد النخيل الخضراء بسبب اختفاء مادة الكلورفيل الذي يظهر كأعراض على شاكلة لون رمادي يصيب سعف النخلة قبل أن يتحول إلى بياض. تنتقل هذه الأعراض إلى أوراق وسعف النخلة التي قد تموت في أسابيع أو شهور محدودة . يروي الحاج فراجي كيف أن المرض يظهر كذلك على المستوى الداخلي لجدع النخلة على شكل احمرار في الجدور. يصيب الفيروس كافة أشجار النخيل بالرغم من أعمارها وأنواعها. حسب دراسات ايكولوجية وبيولوجية سجل الفيروس لأول مرة في واحة زاگورة عام 1887 قبل انتشاره في مجموع قرى ومداشر المنطقة أواخر أربعينيات القرن الماضي. ثم انتقل بعد ذلك لينتشر عبر واحات الجزائر ثم مصر وباقي بلدان شمال إفريقيا. في الماضي تعامل السكان المحليون مع الفطر النباتي المسبب للمرض باقتلاع أشجارالنخيل المريضة وحرقها. يقول محمد، من واحة المحاميد، دائرة فم زگيد، لموقع "لكم"، "قديما كانت الساكنة تعتقد أن البيوض مرض يمكن التحكم فيه من خلال حرق النخلة المريضة. اليوم نعرف ان هذا المرض صعب. لقد اخبرنا خبراء الفلاحة في الإقليم كيف أن المرض ينتشر في فدادين الواحة عن طريق المياه، ملامسة النخلة المصابة لجدور النخل الصحي." بالإضافة إلى هذه الأسباب أثبتت دراسات حديثة في المغرب ومصر، أن الفيروس ممكن ان يتنقل عن طريق بعض المزروعات الفلاحية في البساتين تحت الظلال الكثيفة لنخيل. كما انه بإمكانه ان يتنقل عبر مواد مصنوعة من سعف النخيل. لذلك قامت مجموعة من الدراسات في القرن الماضي بتقديم اقتراحات تشجع عدم استيراد أطباق مصنوعة من سعف النخيل خارج المجال الحدودي للمغرب على سبيل المثال. هناك أيضا مجموعة من التقنيات التقليدية والحديثة المتوفرة التي تمكن من محاربة هذا الفيروس ولو بنسبة محدودة. لقد اظهرت ابحاث بيغو لرو Pereau-Leroy في عام 1958 حول زراعة النخيل في المغرب انه بالإمكان استعمال أنواع من النخيل التي يمكن أن تقاوم الفيروس كبفقوس، واكلان وبوستحمي وأصناف أخرى. في السنوات الاخيرة تمكن مجموعة من العلماء في تهجين اجيال من النخيل يمكنها مقاومة المرض. ان هذه الاكتشافات الزراعية الجديدة وتدبير المياه الباطنية بتجنب أو تقنين زراعات تستهلك كميات كبيرة من المياه مثل البطيخ الأحمر والحناء واعتماد الري بالتنقيط يمكن أن ينقد واحات الأطلس الصغير من تدهور ايكولوجي حتمي إذا ما لم تتدخل الدولة لإنعاش المنطقة. إن فشل الحكومة في توفير دعم مادي لساكنة المنطقة ينذر باستمرار هجرة داخلية إلى المدن ليزيد في اكتضاضها وخارجية قانونية وغير قانونية إلى دول أوربا مما سيؤدي الى تدهور ثقافي واقتصادي وبيئي في مداشر الأطلس الصغير والتي بإمكانها أن تخلق دينامية اقتصادية محلية نظرا لغناها التاريخي الفريد. ان موت النخيل البطئ سيشكل لامحالة نهاية ثرات مادي ولامادي في الاطلس الصغير بناء على كون النخلة ومشتقاتها عماد الاقتصاد والمعمار والمنتوج الثقافي في المنطقة. وهو ما يكشف عن هشاشة النظام البيئي في الأطلس الصغير المبني بدرجة كبيرة على شجرة النخيل التي وفرت منذ القدم مقومات العيش لساكنة المنطقة. في السنوات الاخيرة بدأت مجموعة من الفعاليات السياسية والاكاديمية في المغرب تتحدث عن ضرورة الحفاظ على الثرات المادي واللامادي في عبور البلاد. *أستاذ باحث في الانثروبولوجيا والتاريخ جامعة كاليفورنيا، لوس انجلوس