كشف العدوان الصهيوني على غزة، منذ السابع من أكتوبر من العام الماضي، عن الوجه الإجرامي البشع للسلطات الإسرائيلية التي تحارب الإعلام والصحفيين بصفة خاصة عندما لا يخدمون أجنداتها الاستعمارية. وخلال الشهور الأربعة الماضية قتلت إسرائيل أكثر من 124 صحفيا وإعلاميا في غزة، وفي أغلب الحالات عن سبق الإصرار والترصد، في ما اعتقلت وعنفت الكثير من الصحفيين في الضفة الغربية حتى تحولت إلى سادس أكبر سجن في العالم للصحفيين. في هذا التحقيق، عن موقع "ميديا بارت" الفرنسي، وهو من بين المواقع المستقلة القليلة في الغرب التي ما تزال قادرة على انتقاد إسرائيل، بما أن أغلب وسائل الإعلام الغربية تحولت إلى أبواق للدعاية الصهيونية، يكشف عن الوجه الآخر البشع لما يعتبره الإعلام الغربي "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"! وفي ما يلي ترجمة التحقيق. منذ بداية السابع من أكتوبر 2023 وبداية الهجوم على غزة، قتل 81 صحفيا على يد الجيش الإسرائيلي، وفقًا للجنة حماية الصحفيين، وهي منظمة مستقلة مقرها الولاياتالمتحدة، تدافع عن حرية الصحافة في جميع أنحاء العالم وحق الصحفيين في تغطية الأخبار بأمان ودون خوف من التعرض للانتقام. هذا الحصيلة، التي تُعتبر الأثقل في تاريخ النزاعات الحديثة بالنسبة للصحفيين، تصبح مثيرة للرعب لدرجة أنها تقلل من إنسانية القتلى، حيث يتم تقديمهم فقط كأرقام يتم تحيينها باستمرار. لا تروى قصص نضالاتهم أو انتصاراتهم، آمالهم أو فرحهم وحتى أحزانهم. أبدا لم يفقد هذا القدر من الصحفيين حياتهم في وقت قصير جدا، لا خلال الحربين العالميتين، ولا خلال حروب فيتنام، البوسنة، العراق، أفغانستان، والحروب الأكثر دموية. ومنذ عامين في أوكرانيا قتل 17 صحفيا، وفقا للجنة حماية الصحفيين. منذ بداية السابع من أكتوبر 2023 وبداية الهجوم على غزة، قتل 81 صحفيا على يد الجيش الإسرائيلي، وفقًا للجنة حماية الصحفيين، وهي منظمة مستقلة مقرها الولاياتالمتحدة، تدافع عن حرية الصحافة في جميع أنحاء العالم وحق الصحفيين في تغطية الأخبار بأمان ودون خوف من التعرض للانتقام. هذا الحصيلة، التي تُعتبر الأثقل في تاريخ النزاعات الحديثة بالنسبة للصحفيين، تصبح مثيرة للرعب لدرجة أنها تقلل من إنسانية القتلى، حيث يتم تقديمهم فقط كأرقام يتم تحيينها باستمرار. لا تروى قصص نضالاتهم أو انتصاراتهم، آمالهم أو فرحهم وحتى أحزانهم. أبدا لم يفقد هذا القدر من الصحفيين حياتهم في وقت قصير جدا، لا خلال الحربين العالميتين، ولا خلال حروب فيتنام، البوسنة، العراق، أفغانستان، والحروب الأكثر دموية. ومنذ عامين في أوكرانيا قتل 17 صحفيا، وفقا للجنة حماية الصحفيين. لأن "غزة ليست أرقاما، بل أماكن وحياة وأشخاص يختفون تحت قذائف الحرب"، كما يقول الكاتب الفلسطيني كريم قطان؛ "لأننا ملزمون للقتلى بعدم تقديمهم كرقم، بل إعادة أسمائهم ووجوههم وقصصهم إليهم". ولتوضيح الهجوم غير المسبوق على حق الإعلام، حق المعرفة، قام موقع "ميديا بارت" بكشف هويات الصحفيين ال81 الذين قتلوا حتى الآن. حجم الكارثة الإنسانية في غزة والحصار الإعلامي المفروض من قبل إسرائيل يجعل المهمة صعبة. فإسرائيل التي تقدم نفسها على أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، تمنع وصول وسائل الإعلام الدولية إلى القطاع. وحتى اليوم، تمكن بضعة صحفيين أجانب فقط من دخوله بشكل مؤقت، حيث يرافقون الجيش الإسرائيلي الذي يسيطر عليهم بشكل وثيق. الصحفيون الذين يمكنهم منذ 7 أكتوبر توثيق ما يحدث في غزة هم فقط الفلسطينيون. يعملون في ظروف فظيعة، تحت القصف وحصار كامل، خائفون على حياتهم وحياة أحبائهم. بالنسبة لهم، ليس الصحافة مجرد مهنة أو دعوة أو التزام. إنها السلاح النهائي لتنبيه العالم إلى المذبحة الجارية وكسر اللامبالاة. ولهذا السبب، يتطلع العديد من الفتيات الفلسطينيات إلى أن يصبحن صحفيات، لجذب انتباه العالم إلى مصير شعبهن. الفضاء الرقمي في 20 نونبر 2023، قُتلت مبدعة البودكاست أيات خضورة بقصف على منزلها في بيت لاهيا، شمال غزة. وهذا يجعلها الصحفية رقم 48 التي تم قتلها منذ 7 أكتوبر 2023، وفقا لإحصاء اللجنة الدولية لحماية الصحفيين. كانت تحمل أيات آمالا كبيرة، "كأي إنسان آخر"، منها رغبتها في "تحسين وضع العالم العربي". لم تكن تفهم لما لا شيء أو أحد يوقف هذه الحرب المروعة "التي تبيدهم" على الرغم من الصور والمعلومات. كيف يمكن تتبع حياة شخص عندما يتم قتل جميع أفراد عائلته تقريبا في نفس القصف ولا يبقى أحد ليحكي قصته؟ وكيف يمكن التواصل مع الناجين عندما تُقطع بانتظام وسائل الاتصال في غزة؟ عندما يصبح العمل الميداني مستحيلا، يظل الفضاء الرقمي، حيث تعبر التعازي والتحية من الزملاء والأصدقاء وأفراد العائلة وزملاء الدراسة القدامى. إنها شظايا من الحياة حاولنا تجميعها معا. عثرنا أيضا على آخر رسائل نشرها الصحفيون الذين قتلوا على وسائل التواصل الاجتماعي، وكانت موجهة إلى أحبائهم وإلى العالم، كنداء أخير للمساعدة. حاولنا الاتصال بأكثر من مائة شخص، يعيشون في الغالب في غزة، وقد شاركوا حزنهم على وسائل التواصل الاجتماعي أو كانوا على اتصال بأحد الضحايا. صحفيون محاصرون في القطاع أخبرونا عن جوانب من حياة زملائهم الصحفيين الذين فقدو حياتهم. تظهر في هذه الشهادات رغبة في تكريم ذكرى الصحفيين الذين سقطوا وعزم على ضمان بقاء عائلاتهم. فادي جاد لافي هو صحفي لقناة "فلسطين تي في"، ساعدنا في إعادة بناء قصص عدة من زملائه، مع الحديث عن ظروف حياته. منذ إخلاء مدينة غزة، حيث كان يعيش، اضطر إلى التنقل جنوبا مع عائلته، إلى خان يونس ثم إلى رفح. يشكو فادي قائلا: "لقد وجدنا ملجأ في خان يونس في منزل عمي، ولكن قصفا جويا أتى على تدميره. يعيش فادي الآن في المنطقة الحدودية مع مصر، في الشارع، بدون مأوى، ولا طعام أو ملابس دافئة للحماية من البرد والمطر. "لدي عشرة أطفال، وحالتهم الصحية تتدهور يوما بعد يوم، إنهم ينامون في العراء ونقتصر في الطعام على وجبتين كل يومين." هذه هي الحالة التي يواجهها الصحفيون في غزة، هم أنفسهم من يوثقون هذه المأساة. قليلون هم الصحفيون الذين تمكنوا من إخلاء قطاع غزة، وليس ضمنهم وائل الدحدوح، الصحفي البارز في قناة الجزيرة الذي علم مباشرة بوفاة زوجته واثنين من أطفاله، وهو الحادث الذي أثر في العالم، والمصور الصحفي معتز عزايزة الذي يتابعه 10 مليون، فضلا عن ثمانية صحفيين من مكتب وكالة الأنباء الفرنسية الذي دمر في بداية الحرب بواسطة ضربة جوية، لا يزالون عالقين في غزة مع عائلاتهم، حيث وضعت إسرائيل عراقيل مستمرة أمام إجلائهم. مرار وتكرارا، صنفت إسرائيل بعض الصحفيين الفلسطينيين كإرهابيين. وقد غرد وزير الدفاع، بيني غانتس، مشيرا إلى أنه إذا كان الصحفيون على علم ب"المجازر" في 7 أكتوبر 2023 مسبقا، "فإنهم ليسوا مختلفين عن الإرهابيين ويجب معاملتهم على هذا النحو". كما تحجح الجيش الإسرائيلي، إطلاقه النار القاتل على الصحفيين في الجزيرة جمزة الدحدوح (ابن وائل الدحدوح) ومصطفى ثريا (مراسل وكالة الأنباء الفرنسية)، متهما، الذان كان قيد حياتهما في العقد الثالث من العمر، بأنهم "عملاء إرهابيين" ينتمون إلى حماس وحركة الجهاد الإسلامي. في البداية، زعم الجيش أنه استهدفهم لأنهم نقلوا إرهابيا في سيارتهم، ثم غيّرت القصة معتبرة أنهم كانوا يستخدمون طائرة بدون طيار. أجاب العديد من أقارب الصحفيين الذين تواصلنا معهم في البداية، ثم لم يردوا بعد ذلك، دون أن نعرف السبب. كان من المقرر أن يعاود الصحفي الفلسطيني الكندي، منصور شومان، الاتصال بنا عندما يتم استعادة الشبكة. ثم، لم نسمع شيئًا لمدة أسبوعين. تم تدمير أجهزة الاتصال الخاصة به على يد قناصة إسرائيليين استهدفوه هو وفريق التصوير الخاص به، ولكنه كان على قيد الحياة. لقد اعتمدنا أيضا على المبادرات الجماعية مثل "Our Gaza"، وكذلك معرض "Witnesses of the Occupation" الذي نظم في إسطنبول من قبل جماعة من الصحفيين التركيين، الذين كانوا يتطلعون إلى تقديم الامتنان لزملائهم الصحفيين الفلسطينيين من خلال محاولة "نقل الحقيقة". واستندنا أيضا إلى مبادرات فردية، مثل مبادرة صحفي قام برسم خريطة للأماكن التي قتل فيها الصحفيون منذ 7 أكتوبر 2023، وكذلك مبادرة الرسام جيانلوكا كوستانتيني الذي قام برسم صورهم. كان لزاما علينا أن نكون حذرين ويقظين تجاه محاولات التلاعب، من الأشخاص الذين يتظاهرون بأنهم أحد الصحفيين الذين قتلوا ويقومون بمحاكاة لحظاتهم الأخيرة. في بعض الأحيان، لم نتمكن سوى من العثور على تاريخ الوفاة، أو المكان، وفي كل مرة، الوسيلة الإعلامية التي كانوا يعملون فيها. بالنسبة لتسعة أشخاص، لم نتمكن حتى من العثور على صورتهم. لإنجاز هذا العمل من إعادة البناء، اعتمدنا على الإحصاء الذي أجرته لجنة حماية الصحفيين، الذي يشير إلى وفاة 85 صحفيا وعامل إعلامي منذ السابع من أكتوبر، من بينهم 78 فلسطينيا، وأربعة إسرائيليين، وثلاثة لبنانيين. وبالتأكيد، يُعتبر قتل الصحفيين من أخطر الأسلحة لقمع الحقيقة، واستهدافهم عمدًا يُعتبر جريمة حرب. في حين قامت منظمات أخرى بإحصائياتها الخاصة، ولكنها لا تتفق دائمًا لأن أساليب العد تختلف. الاتحاد الدولي للصحفيين، الذي يوفر سترات وخوذ حماية، وكذلك مواد غذائية وملابس نظيفة للصحفيين الفلسطينيين، يسجل وفاة 99 صحفيا وعامل إعلامي، بينهم 92 فلسطينيًا. ويسجل الاتحاد الفلسطيني التابع له، أي نقابة الصحفيين الفلسطينيين 116 وفاة. لماذا هناك اختلافات بهذا القدر؟ عند سؤالها من قبل صحيفة ليبراسيون، قال الإتحاد الدولي للصحفيين إنه لا تحسب الصحفيين السابقين، أو المتحدثين أو الكتَّاب أو مدوني الويب، "الذين يضمهم النقابة الفلسطينية للصحفيين ضمن إحصائيتها". ويحسب الاتحاد الدولي للصحفيين ولجنة حماية الصحفيين، اللتان تتشابه تقريبا تقاريرهما، جميع حالات وفاة الصحفيين، بغض النظر عن ظروف وفاتهم وبغض النظر عما إذا كانوا يعملون وقت وفاتهم. دون نزع الشرعية عن أي صحفي، بحجة أنه سيكون مرتبطا، من خلال وسائل الإعلام، بحزب سياسي (بما في ذلك حماس، التي تدير قطاع غزة) أو لأنه سيكون مواطنا مدفوعا بالحرب، وهو أمر متكرر للغاية. قدمت منظمة مراسلون بلا حدود غير الحكومية شكوى أمام المحكمة الجنائية الدولية بشأن "جرائم حرب ارتكبت ضد صحفيين فلسطينيين في غزة وضد صحفي إسرائيلي". وحصل أن يدرج المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الجرائم ضد الصحفيين في تحقيقه في فلسطين. وأشار في بيانه إلى أن "الصحفيين يحميهم القانون الإنساني الدولي ونظام روما الأساسي ويجب ألا يتم استهدافهم تحت أي ظرف من الظروف في ممارسة مهمتهم الهامة". ليست هذه هي المرة الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل عمدا الصحفيين في قطاع غزة، كما وثق بلال جاد الله، مدير دار الصحافة الفلسطينية، على نطاق واسع مع لجنة حماية الصحفيين. وهو الصحفي رقم 47 الذي سقط تحت قنابل إسرائيل، في 19 نونبر 2023، في انفجار سيارته في غزة، يعدما استهدفته غارة جوية... في وقت مبكر من عام 2018، قدمت مراسلون بلا حدود شكوى أولى بعد إطلاق قناص إسرائيلي النار على الصحفيين الفلسطينيين خلال "مسيرة العودة الكبرى" في غزة. وقالت المنظمة غير الحكومية إن اثنين من الصحفيين قتلا وثمانية عشر جريحا قد استهدفا عمدا وأن هذه الأعمال ترقى إلى حد وصف جرائم الحرب. من جانبها، وثقت لجنة حماية الصحفيين خلال العقدين الماضيين ما لا يقل عن 20 جريمة قتل للصحفيين ارتكبها أفراد من الجيش الإسرائيلي. في كل مرة، واجه الإفلات من العقاب. لم يتم اتهام أي شخص أو تحميله المسؤولية عن هذه الوفيات. وقامت وكالة الأنباء الفرنسية بالتحقيق لعدة أسابيع في التفجير الذي أسفر عن مقتل أحد صحفييها وإصابة العديد من الزملاء الآخرين، في 13 أكتوبر 2023، على الحدود بين لبنان وإسرائيل. تؤكد التحقيقات الدامغة أن الصحفيين "قتلوا بقذيفة دبابة كان الجيش الإسرائيلي هو الوحيد الذي يمتلكها في هذه المنطقة الحدودية تحت توتر شديد." كما أصبحت إسرائيل لأول مرة واحدة من الدول التي تسجن معظم الصحفيين في جميع أنحاء العالم. مع وجود 17 صحفيا خلف القضبان في 1 دجنبر 2023، وفقا لإحصاء السجون الذي أجرته لجنة حماية الصحفيين، والذي يوثق الاعتقالات منذ عام 1992، أصبحت الدولة اليهودية الآن سادس أكبر سجن للصحفيين، على قدم المساواة مع إيران، وحفار القبور للصحافة في غزة. المصدر: ميديا بارت الترجمة: عبد الحكيم الرويضي