تعيش الملكية في المغرب حالة من المخاض الشديد الذي رُبما لم تعشه منذ انقلاب الصخيرات عام 1971 إبان حكم الراحل الحسن الثاني ،هذا المخاض الذي بدأت أعراضه تظهر مع بداية الربيع العربي ووصلت إلى حدتها في الشهور القليلة الماضية بعد عدة "أخطاء" سياسية واقتصادية للملكية في المغرب . أخطاء كان لها الدور البارز في زيادة عدد الاحتجاجات الشعبية وبالتالي زيادة عدد خصوم الملكية في المغرب، والذين لم يعودوا مُقتصرين فقط على أبناء تيار الإسلام السياسي واليساريين...! ، ولكن الحقيقة أن هذه الأخطاء لن تؤدي بطبيعة الحال إلى سقوط نظام قد غرس جذوره في التراب المغربي لعقود طويلة ويملك أزيد من 60 ألف عين تُراقب كل صغيرة وكبيرة في المغرب، ولكنها بالتأكيد ستزيد من حجم الضغط الشعبي المتزايد والتواق للحرية والعدالة والكرامة الاجتماعية ... ونرصد في هذا المقال ستة أخطاء قاتلة للملكية المغربية طيلة العشر سنوات الماضية من حُكمها: 1 الحرب على الإرهاب انخرط المغرب في الحرب العالمية التي قادتها الولاياتالمتحدةالأمريكية ضد الإرهاب مُباشرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، ونشرت منظمة "مبادرة المجتمع المفتوح للعدالة" الأمريكية تقريرا صادما يكشف الدور المغربي الكبير في هذه الحرب عن طريق الخطف والتعذيب والتهجير القسري، وكشفت المنظمة على أن الولاياتالمتحدةالأمريكية قد اعتمدت على محققين مغاربة للتحقيق مع "إرهابين محتملين " حيث يُعرف عنهم استخدام التعذيب والإكراه ! وبعد أحداث السادس عشر من ماي عام 2003 وأحداث عام 2007 ، انطلقت الدولة في حملة اعتقالات وُصفت بالعشوائية لآلاف من أبناء التيار الإسلامي السلفي منه على الخصوص وقد اعترف وزير العدل الراحل محمد بوزوبع باعتقال ما يُقارب الثمانية آلاف شخص عقب تلك الأحداث، واتُهمت الدولة المغربية باستعمال خفي لأحكام الطوارئ أنداك. وقد حاولت الدولة إحداث صُلح وطني عام تماما كالذي تم مع اليساريين في ما سُمي " بهيأة الإنصاف والمصالحة "، وقربت إليها في الوقت ذاته شيوخا من السلفية كانوا قد أتموا فترة محكوميتهم السجنية ، والحقيقة أن الدولة قد أخطأت في هذا ثانية لأن هؤلاء الشيوخ لا يحظون بشعبية داخل التيار السلفي، بل وإن كثيرا منهم لا يعتبرونهم شيوخا أصلا. وبقي الحال على ما هو عليه، وخرج هؤلاء الآلاف من المعتقلين من السجون ليملؤوا الشوارع وعائلاتهم في خرجات احتجاجية شبه أسبوعية، ومن المعلوم لدى القاصي والداني أن كثرة الاحتجاجات تُضعف الدولة وتُنقص من هيبتها. وقد اعترف الملك المغربي محمد السادس بنفسه بالأخطاء التي ارتكبتها الدولة المغربية في مسألة تعاطيها مع ملف الإرهاب في حوار له مع جريدة اسبانية، ورُبما كان هذا الاعتراف متأخرا بُحكم أن هؤلاء الآلاف وعائلاتهم كانوا من بين الوقود الذي أشعل العشرين من فبراير. 2 حزب الملك كان صديق الملك فؤاد الهمة يقود حزبا مغربيا وصفته وسائل الإعلام بأنه حزب الملك، وما زكى هذا الوصف هو حصول الحزب على أغلبية داخل البرلمان بعد أشهر معدودة فقط من تأسيسه. كان الحزب يُسيطر على عدد من الوزارات وكان يتدخل في عدة قضايا وطنية ومن بينها قضية الصحراء وأصبح الآمر والناهي في التعيينات الكُبرى والصغرى، ويخدمه السفراء والوزراء والحُكماء. والحقيقة أن تجربة الملكية الجديدة مع حزب "الكوكوط مينوت" ليست جديدة فقد كان الراحل الحسن الثاني سباقا لها، ففي سنة 1965 أسس الراحل حزب "الفديك" والذي كان يرأسه أحد أقطاب "السياسة" ،الحزب الذي حصل بسرعة البرق على أغلبية داخل البرلمان عن طريق انتخابات شبه مزورة، ولكن لم يمض إلا وقت قصير حتى اُعلن عن فشل الحزب ليكتشف الملك عدم جدوى الأمر ويقول مقولته الشهيرة : " لست غبيا ،إني أعرف أن أي حزب يتأسس في ثلاث سنوات ليدخل في أعماق المجتمع ويكسب الانتخابات فهذا خارج عن المنطق " "مذكرات الحسن الثاني لإيريك لوران" .ويبدو أن الابن قد تعلم من الوالد، فبعد فشل حزب الأصالة والمُعاصرة الذي كان لا يتوانى الفرنسيون عن تسميته سرا وعلانية ب " le primus inter parés " قرر الملك حله بطريقة غير مُباشرة وتعيين صديقه الهمة كمستشار شخصي له. ان الحكومة الجديدة التي يرأسها بن كيران لا تستطيع أن ترفع رأسها في وجه الهمة ولا أن توجه له أصابع الاتهام، إانها ضعيفة أمامه، ويكفي أن نتذكر أنه قبل عقد من الزمان، كان إخوان بنكيران يتصلون بوزير الداخلية أنداك مُصطفى الساهل من أجل اظهار حُسن السيرة والسلوك للنظام، وزير الداخلية الذي كان يرفض اللقاء بهم في مقر الوزارة، وكان يدعوهم للانتقال على عجل إلى منزل فؤاد عالي الهمة الذي كان يتلذذ باذلاهم بإعطاء كراس من الحجم الصغير لهم ليجلسوا عليها. 3 الهولدينغ الملكي كان الكتاب الفرنسي "الملك المفترس" والذي تُرجم إلى اللغة العربية لاحقا القشة التي قسمت ظهر البعير، الكتاب الذي كشف وبالأرقام الثروة الملكية الضخمة من شركات وأموال وأراض بالإضافة إلى إبراز تداخل القرارات السياسية والاقتصادية بالمغرب. كانت الثروة الملكية محط جدل واسع بالمغرب، وكان امتداد شركات الملك في مُعظم القطاعات الحساسة في البلاد أمرا حساسا للغاية لبعض رجال الأعمال، ويكفي أن نذكر أن رجل الأعمال المغربي ميلود الشعبي لم يُفوت الفرصة وأيد ما جاء في الكتاب، وقد قال في لقاء صحفي مع جريدة مغربية أن هنالك جهات داخل القصر تستحوذ على كل شيء وتمنع بالمقابل كل شيء. وجاءت المجلة الأمريكية فوربز لتزيد من إشعال الفتيل بنشرها للائحة أغنياء الملكيات في العالم، وقد جاء الملك المغربي محمد السادس في المرتبة السابعة بما مجموعه 2.5 مليار دولار متفوقا على أمير قطر السابق " الشيخ حامد بن جاسم" وأميري الكويت وموناكو. وتلطخت صورة الملكية المغربية كثيرا بعد كتاب "الملك المفترس" ومجلة "فوربز"، الملكية التي حاولت طيلة العشر سنوات الماضية أن تظهر لشعبها أنها قريبة من هموم الفقراء وأنها ملكية الفقراء. وكانت الملكية المغربية تستعد لاستقبال حناجر جديدة غاضبة خرجت في مُظاهرات العشرين من فبراير، ولم نستغرب أبدا أن جُل المظاهرات الناجحة للحركة كانت تلك التي تنطلق من أحياء شعبية، كانت تُطالب بحل الشركات الملكية وتوزيع عادل للثروات. لقد أخطأت الملكية في المغرب كثيرا بجمعها للحُكم والمال ورُبما استفادت من دروس الربيع العربي كثيرا ، ولذلك فقد قامت بتقليص أرباحها وبيع بعض من استثماراتها لشركات أجنبية وأعلنت أكثر من مرة عن فتح باب المنافسة على أسواق كانت هي وحدها من تحتكرها. 4 موقعة دانييل كانت القشة التي قصمت ظهر البعير وكان العفو الملكي عن الاسباني دانييل الذي تورط في اغتصاب أحد عشر طفلا مغربيا الرصاصة الفضية في نعش الملكية المغربية ! كان هنالك شبه اجماع على انتقاد القرار، ولم تستطع حتى وسائل الإعلام المقربة من القصر الدفاع عن القرار وباتت صامتة تنتظر ردة فعل القصر، كان كل يوم يتأخر فيه القصر باتخاذ القرار المناسب يزداد نزيفا وتزداد الجماهير معه انتقادا. لقد أخطأت الملكية كثيرا في هذا القرار وباتت تتعرض للانتقادات حتى من تلك الطبقة البعيدة كل البُعد عن دواليب السياسة، ومما زاد من إحراج الملكية هو الوجه الباهت الذي ظهر من خلاله "الحزب الحاكم" الذي صُور في أكثر من مرة على أنه يلعب دور المهرج و"الشاهد اللي ماشافش حاجة". خرج دانييل من السجن بغير حق وخرج من التراب الوطني بغير حق أيضا وبواسطة جواز سفر منتهية صلاحيته، وغادر صوب التراب الإسباني .هناك في مورسيا الاسبانية حيث سيتم القبض عليه ليُحال إلى مُحاكمة شكلية رُبما ويتم الإفراج عنه لاحقا ...! خرجت الملكية الإسبانية المتورطة في هذا الأمر كما تخرج الشعرة من العجين وتورطت الملكية المغربية في قرارها وضحت بسمعتها كثيرا، ولا أعتقد أن تلك الجماهير التي ملأ صراخها شوارع المدن المغربية احتجاجا على القرار الملكي قد تنسى الأمر بسهولة. 5 الزيادة في الأسعار لا يُمكن وبأي حال من الأحوال، أن نُفرق بين الغضب الشعبي العارم والفقر، فالثاني له دور فاعل في اشعال أي ثورة أو غضب شعبي ، ورُغم ما يكتسيه الربيع العربي من شعارات تُطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية، فهذا لا يُخفي أبدا أن فئات واسعة من المشاركين في تلك الاحتجاجات من الطبقة الفقيرة التي أهلكتها تكاليف الحياة، ولا شك أن الملكية في المغرب تسير في اتجاه خطير للغاية بالرفع من أسعار المواد الأساسية، ويكفي التذكير فقط على أن المغرب كان سيشهد ربيعا عربيا سابقا لأوانه في بداية الثمانينيات من القرن الماضي فيما سُمي أنداك بانتفاضة " الكوميرة " بمدينة الدارالبيضاء، وقد وصل عدد القتلى في تلك الاحتجاجات إلى ما يُقارب الألف قتيل على حسب رواية لجمعيات مغربية مُستقلة أنداك ، في حين نفى وزير الداخلية إدريس البصري تلك الأخبار وقال أن عدد من سقطوا في تلك الأحداث لا يتجاوز 66 قتيلا ! . إن الزيادة في الأسعار هو خطأ اقتصادي خطير ومن المؤكد أن آثاره ستكون سياسية على الملكية بالمغرب، تلك الملكية التي كانت تجتمع في شمال المغرب مع أمراء دول خليجية من أجل تلقي دعم مالي سريع لإنقاذ البلد من مأزق مالي خانق بات يعيشه المغرب منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية وبدء سحب الاستثمارات الغربية من المغرب. 6 التضييق على حرية الإعلام لم يكن قد مضى على اعتقال الكاتب الصحفي مُصطفى الحسناوي إلا أشهر معدودة حتى استيقظ الجمهور الإعلامي ومعه المدني على خبر اعتقال الصحفي علي أنوزلا من قبل الأجهزة الأمنية المغربية، الصحفي المغربي اعتقل بسبب ما أسمته الدولة "التحريض على الإرهاب " ! ، ورُغم ما يُعرف على الصحفي المغربي من نشره لأفكار متحررة قد تتعارض كليا مع أبناء التيار الإسلامي وفكره، إلا أن الدولة لم تتهاون اللحظة في توجيه تُهمة ضخمة كتلك. والحقيقة أن الدولة المغربية قد جرت على نفسها وابلا من المشاكل وطنيا ودوليا باعتقالها للصحفي المغربي، فقد نشرت جريدة لكم المغربية تقريرا رصدت فيه توقيع أزيد من خمسين منظمة عالمية تضامنها الكامل مع الصحفي المُعتقل، ويأتي اعتقال الصحفي المغربي بعد أيام قليلة فقط من وضع مؤسسة "فريدوم هاوس" المغرب في المركز 152 من أصل 197 دولة في مجال حقوق الصحافة والحريات، وقد وصفت المؤسسة المغرب بأنه فشل في تحقيق أي إصلاحات حقيقية في مجال حرية الإعلام داخل المملكة، وقالت على أن المغرب ما زال يُصنف على أنه بلد "غير حر". لا شك أن الدولة المغربية لم تتعلم جيدا من أحداث الربيع العربي ،ولم تُدرك أن التضييق في زمن العولمة وانفتاح الشبكات الاجتماعية أصبح أمرا مُستحيلا، وأصبح التضييق على وسائل الإعلام التي قد تكون الوسيلة الوحيدة التي يُفجر فيها المواطن المغربي جام غضبه على الدولة مصدر ضعف للدولة لا مصدر قوة، ولرُبما يبحث ذلك المواطن المقهور على وسائل جديدة لصب جام غضبه، وليس من المستبعد أن ينظم لتلك الحشود التي تخرج كل يوم في شوارع الرباط للاحتجاج على قرارات الملكية المغربية !. إن التحديات التي تواجه الملكية في المغرب خطيرة للغاية، وإن أي خطأ سياسي أو اقتصادي قد يهدم الصورة التي حاولت الملكية تصويرها طيلة العشر سنوات الماضية، والحقيقة أن مُشكلة النسيان التي كان يُعاني منها المجتمع المغربي لم تعد مُمكنة اليوم بسبب انتشار وسائل الاتصال الحديثة وتواجد شبكات التواصل الاجتماعية، وبالتالي فإن أي خطأ سيتم إضافته لمجمل الأخطاء السابقة فيما يُشبه متتالية في برمجة الهندسيات boucle والتي تنطلق من أول خطأ للملكية في المغرب حتى الوصول إلى عدد مُحدد من الأخطاء لتخرج المتتالية بثورة شعبية عارمة ! ...