دعت فعاليات حقوقية وجمعوية ونسائية، إلى الابتعاد عن توظيف ملف مدونة الأسرة في المعارك السياسية، مؤكدين على ضرورة فتح نقاش صحي يبني المشترك لتجاوز الإشكالات القائمة. جاء ذلك في ندوة نظمها أول أمس، بيت الصحافة بطنجة، تحت موضوع "مدونة الأسرة بين الثوابت والمتغيرات"، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، وشارك فيها إلى جانب الإعلامية إيمان أغوتان التي أدارتها، مجموعة من الأساتذة والخبراء المهتمين بقضايا المرأة والأسرة، سواء على مستوى الممارسة المهنية والقانونية أو في المجال الجمعوي والاجتماعي، انطلاقا من تجارب معاشة، تقارب بين أوجه الخلاف والاختلاف في الحقوق والواجبات، بنظرة تشريعية وفقهية لمضامين مدونة الأسرة بين النص والواقع. وفي هذا الصدد، دعت سعاد الشنتوف منسقة هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع بطنجة، إلى نقاش صحي بخصوص مدونة الأسرة يبني المشترك لتجاوز الإشكالات المطروحة، مؤكدة على ضرورة الابتعاد عن التوظيف السياسي لهذا الملف. وتساءلت الشنتوف، هل يمكن أن نتحدث عن ثابت في قانون يؤطر علاقة الأفراد، وهم في دينامية وتفاعل يومي فيما بينهم، كما أنهم عرضة لمجموعة من المتغيرات بحكم المتغيرات التي يعرفها الواقع. وأشارت المتحدثة، إلى أن هناك قراءة تريد أن تبرز لنا أننا أمام نصوص ثابتة، والحال أننا أمام واقع متغير، مضيفة، أن الملك بدوره دعا في خطابه إلى مراجعة مدونة الأسرة. واستحضرت الفاعلة الجمعوية، مجموعة من الدراسات والاحصائيات قدمتها المندوبية السامية للتخطيط، تشير إلى أن هناك تأخر على مستوى التقييم والمراجعة، وهي تحتنا على إعادة التفكير وتنظيم العلاقة، خاصة وأن الأرقام تبين أن المجتمع المغربي يعرف حركية كبيرة. وأضافت، كلما تعلق الأمر بحقوق النساء نعود دائما للنصوص، هذا قطعي وآخر ظني، متسائلة، لماذا لا نتعامل مع النصوص القطعية المتعددة عندما يتعلق الأمر بمجالات أخرى كالربا مثلا؟. وطالبت المتحدثة بالعودة للإجتهادات المتنورة في الجوانب المتعلق بالأسرة، ضاربة المثل بما قاله ابن عرضون في قضية الكد والسعاية، وذلك لإنصاف المرأة التي تعتبر نصف المجتمع وتساهم إلى جانب الرجل في تنميته. وطرحت المتحدثة مجموعة من الإشكالات التي تعاني منها المرأة، والتي اعتمدت فيها على ما يقع داخل مراكز الاستماع، كإشكالية المستحقات عند الطلاق، وقضية الولاية التي لا زالت بيد الرجل، مطالبة بالمساعدة القضائية للنساء، ومنددة بالعنف الذي يمارس على المرأة. في الحاجة إلى تعديل المدونة من جانبها، قالت وفاء بن عبد القادر رئيسة جمعية كرامة لتنمية المرأة، أن هناك ثغرات في مدونة الأسرة تؤكد أنها في حاجة إلى تعديل، وهي لم تعد تتلاءم مع المتغيرات المجتمعية، مشيرة، إلى أن جمعيتها أعدت مجموعة من التعديلات والمقترحات قدمناها للهيئات المسؤولة، قدمنا مذكرة ترافعية حول نسب الأطفال الذين يولدون خارج الإطار الشرعي بعدما قمنا بدراسة وضعية الأمهات العازبات، وخرجنا بتوصيات تطالب بتعديل هذا القانون، لأن الطفل من حقه أن يحظى بجميع حقوقه، التي يحظى بها باقي الأطفال. وبخصوص النقاش الدائر حاليا حول المدونة، قالت بن عبد القادر، نقول للفاعلات وللفاعلين الذين يريدون حقيقة تغيير مدونة الأسرة أن نضع يدا في يد، ونتخلى عن انتماءاتنا وتوجهاتنا ونناقش فقط الأسرة والمرأة، ماذا لديك ماذا لدي ونتناقش، من الخلاف والاختلاف نتوافق. وأضافت الفاعلة المدنية، أن الأسرة المغربية مهددة، بجميع الإشكالات بدء من العنف الذي تعاني منه المرأة سواء المتزوجة أو غير المتزوجة، في بيت الزوجية في الشارع في مكان العمل، ثم إشكال الولاية، وما يتبعها خاصة بعد الطلاق، ولا ننسى الحضانة وإشكالاتها. وأثارت رئيسة جمعية كرامة، المادة 49 من مدونة الأسرة، المتعلقة باقتسام الممتلكات المشتركة، فرغم أن المدونة تشير إلى إمكانية تضمين عقد ملحق بعقد الزواج، تسجل فيها الممتلكات المشتركة أثناء فترة الزواج، إلا أنه وللأسف لا يتم تفعيله، بالنظر للثقافة السائدة في المجتمع، مشيرة في هذا الصدد إلى دراسة سبق وأن قامت بها وزارة العدل، تبين أن 143 عقد مستقل فقط هو الذي كتب من أصل 279.353 بمعدل 0.5 في المائة. أما بالنسبة لإشكالية النفقة، فقد قالت بن عبد القادر أن الوصول للزوج أمر صعب جدا، أما أذا كان موجود فإنه يمتنع عن النفقة، بل ويفضل الإكراه البدني، ومع توالي الوقت تسقط النفقة وتبقى الأم هي المعيل الوحيد وسط الهشاشة التي نعرفها جميعا، إشكال آخر طرحته المتحدثة والمتعلق بنسب الأطفال الذين يولدون خارج الإطار الشرعي، حيث قدمت جمعيتها مذكرة في الموضوع، داعية إلى تفعيل الوساطة داخل القضاء الأسري. مأزق المدونة أما عصام بنعلال عضو نادي قضاة المغرب، فقد انطلق في تشخيصه لواقع الأسرة، من دراستين، الأولى أنجزتها وزارة العدل، والثانية أنجزتها وزارة التضامن والأسرة، مقسما مرحلة المدونة، إلى مرحلتين، العشرية الأولى من سنة 2004 إلى سنة 2013، حيث كان هناك احتفال بالمدونة، أما العشرية الثانية وهي من سنة 2013 إلى حدود 2023، فقد عرفت نقاش حقوقي كبير قادته فعاليات نسائية، ومؤسسات وطنية وما تبعه من خطاب ملكي دعا إلى مراجعة مدونة الأسرة. والسؤال الآن، يقول بنعلال، في أي اتجاه يجب أن يكون التغيير؟ وما الذي يجب تغييره بخصوص مجموعة من الإشكالات؟ فزواج القاصرات، مثلا فسيستمر النقاش حوله وسيبقى مستمرا إلى ما لا نهاية بين تيارين، داعيا إلى حسم الأمر تشريعيا بإلغاء زواج القاصرات، مشيرا إلى أن النيابة العامة مع إلغاء زواج القاصرات حيث عملت على تقليص العدد عبر مجموعة من الدوريات. أما على مستوى التعدد، فقد كشفت الوقائع يضيف القاضي، عن وجود مأزق، ففي الوقت الذي كان فيه الهدف هو منعه، والتعدد هو الاستثناء لكن مع الممارسة توسع التعدد بشكل كبير، عبر مجموعة من المداخل والثغرات، كتوثيق التعدد عبر اثبات البنوة، كما يمكن لأي رجل أن يذهب لأي منطقة نائية ويعدد، أيضا بخصوص التطليق والمعايير المعتمدة، فإنه يصعب على الزوجة إثبات مداخيل الزوج، وبالتالي يطرح إشكال المستحقات. وخلص، عضام بنعلال إلى أن النقاش يجب أن يصب في الجوهر وليس بتعديلات طفيفة، داعيا إلى فتح المزيد من الاجتهاد لتجاوز الإشكالات القائمة . الرجوع إلى أمير المؤمنين المؤسسة الدينية كانت حاضرة في هذه الندوة من خلال الجامعي أحمد الوجدي، رئيس المجلس العلمي لإقليم الفحص أنجرة، الذي اعتبر أن النقاش حول مدونة الأسرة يجب أن يكون نقاشا هادئا، وأن لا يتدخل فيه ما ليس منه، مستحضرا ما جاء في الخطاب الملكي، وهو قوله، لا يمكنني بصفتي أميرا للمؤمنين أن أحرم حلالا، أو أحلل حراما، ليضيف الخطاب، إن هذه المدونة مهما تضمنت من عناصر الإصلاح فإن تفعيلها يظل رهينا بإيجاد قضاء أسري عادل وعصري وفعال. وأبرز رئيس المجلس العلمي المحلي بالفحص أنجرة، أن نصوص المدونة مستمدة من النصوص الشرعية القطعية والظنية، معتبرا أنه كلما اختلفنا إلا ونرجع لصاحب الأمر الذي هو أمير المؤمنين لحسم الخلاف. وجوابا عن سؤال، هل تأخرنا في مراجعة المدونة ؟ قال أحمد الوجدي، السؤال هو عكسي، هل طبقنا، وقمنا بتنزيل وتفعيل كل مقتضيات مدونة الأسرة؟ مشيرا إلى المدونة المغربية لا مثيل لها في العالم العربي باستثناء دولة قطر. وأجاب الأستاذ الجامعي عن مجموعة من الإشكالات التي طرحتها المنصة، ومنها قضية الإرث، معتبرا أن التعصيب هو باب للاجتهاد في هذا الموضوع، لنحقق فيه للمرأة المزيد من المكاسب، لأن المرأة في الشريعة ترث بالفرد وهو ثابت قطعي الدلالة. العنف الزوجي من جهتها، قدمت لبنى الدوا نائبة وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بطنجة، رئيسة خلية التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف، في مداخلتها مجموعة من المعطيات والأرقام المتعلقة بالعنف الزوجي وذلك من موقعها داخل النيابة العامة. وأشارت، نائبة وكيل الملك، إلى مجموعة من الإشكالات المطروحة، معتبرة أن العنف الزوجي يصعب اثباته، فالزوجة قد تكون معنفة فعلا لكنها لا تحمل أثرا للضرب، فالزوج ذكي في ضربه واعتدائه، وبالتالي فهي لا تتوفر على أي وسيلة للإثبات، لا صور لا شهادة طبية تبين مدة العجز، فضلا عن السب والشتم والإهانة الذي تتعرض له في البيت، فهناك نصوص زجرية لكن يصعب اثبات العنف. وبخصوص الأرقام التي تبين العنف الزوجي، الخاصة بالمحكمة الابتدائية بطنجة لسنة 2022، أفادت لبنى الدوا أن عدد شكايات العنف الزوجي التي سجلت لدى النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بطنجة وصل سنة 2022، 2341 شكاية، مع العلم أن هناك وسيلة أخرى لتقديم الشكايات عند الضابطة القضائية، ولا ندري كم عدد المعنفات اللواتي لم يصلن لا إلى الضابطة القضائية ولا إلى المحكمة، وبالتالي فالعدد قد يكون أكثر من هذا بكثير، وفق المسؤولة. وطالبت المتحدثة بتوفير حماية كافية للمرأة، بخصوص حقوقها ومستحقاتها، خاصة وأن لها أطفال وهي الكفيل بهم، مؤكدة على ضرورة التمكين الاقتصادي للنساء.