الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرات توقيف في حق نتانياهو وغالانت والضيف    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    رفع العقوبة الحبسية في حق رئيس المجلس الجماعي لورزازات إلى 18 شهرا حبسا نافذا    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    المغرب يستضيف أول خلوة لمجلس حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    عمر حجيرة يترأس دورة المجلس الإقليمي بالناظور    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    "ديربي الشمال"... مباراة المتناقضات بين طنجة الباحث عن مواصلة النتائج الإيجابية وتطوان الطامح لاستعادة التوازن    تنسيقية الصحافة الرياضية تدين التجاوزات وتلوّح بالتصعيد    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    الجديدة: توقيف 18 مرشحا للهجرة السرية        عجلة البطولة الاحترافية تعود للدوران بدابة من غد الجمعة بعد توقف دام لأكثر من 10 أيام    دراسة: تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    جمعويون يصدرون تقريرا بأرقام ومعطيات مقلقة عن سوق الأدوية    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تقسيم الثروة بين الأزواج والتعدد .. أصداء فوران مجتمعي والملك يدخل على الخط
نشر في الأيام 24 يوم 07 - 10 - 2022


* الحسن ايت بيهي
زواج أو تزويج القاصرات، تقسيم الأموال المكتسبة بين الزوجين خلال فترة قيام العلاقة الزوجية، الطرد من بين الزوجية، الولاية الشرعية، الحضانة… وغيرها من القضايا ذات العلاقة بالأسرة، كلها كانت موضوعة فوق صفيح ساخن في مجتمع محافظ عمقا ومنفتح واقعا، وذي حساسية لكل ما يوجد في خطوط التماس مع الأحكام الدينية.

لقد كان تعديل المدونة في المغرب قبل 18 سنة ثورة حتى إنه تم الاستنجاد بمذاهب أخرى غير المذهب المالكي، في الولاية مثلا، إلا أن سنة الحياة وتجارب الواقع تجعل التطوير الدائم حتمية، ولكن في موضوع مثل هذا يصبح أمر التغيير فوق الحكومة ويدخل في دائرة إمارة المؤمنين، فالملك وحده الذي بيده المفاتيح، خاصة وأنه هو من أشرف على وضع حد لكل النقط الخلافية التي كادت تفجر المجتمع وتقسمه إلى قسمين.

في خطاب يوم 30 يوليوز الماضي، بمناسبة الذكرى 23 لعيد العرش، كانت المفاجأة وخصص الملك حيزا هاما في مقدمة الخطاب ليعلن عن انطلاق هذا الورش.

المفاجأة

«من أهم الإصلاحات التي قمنا بها، إصدار مدونة الأسرة، واعتماد دستور 2011، الذي يكرس المساواة بين المرأة والرجل، في الحقوق والواجبات، وينص على مبدأ المناصفة، كهدف تسعى الدولة إلى تحقيقه.

وإذا كانت مدونة الأسرة قد شكلت قفزة إلى الأمام، فإنها أصبحت غير كافية؛ لأن التجربة أبانت أن هناك عدة عوائق، تقف أمام استكمال هذه المسيرة، وتحول دون تحقيق أهدافها. ومن بينها عدم تطبيقها الصحيح، لأسباب سوسيولوجية متعددة، لاسيما أن فئة من الموظفين ورجال العدالة، مازالوا يعتقدون أن هذه المدونة خاصة بالنساء. والواقع أن مدونة الأسرة، ليست مدونة للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة؛ وإنما هي مدونة للأسرة كلها. فالمدونة تقوم على التوازن، لأنها تعطي للمرأة حقوقها، وتعطي للرجل حقوقه، وتراعي مصلحة الأطفال. لذا، نشدد على ضرورة التزام الجميع، بالتطبيق الصحيح والكامل، لمقتضياتها القانونية. كما يتعين تجاوز الاختلالات والسلبيات، التي أبانت عنها التجربة، ومراجعة بعض البنود، التي تم الانحراف بها عن أهدافها، إذا اقتضى الحال ذلك.

وبصفتي أمير المؤمنين، وكما قلت في خطاب تقديم المدونة أمام البرلمان، فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لا سيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية. ومن هنا، نحرص أن يتم ذلك، في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية. وفي نفس الإطار، ندعو للعمل على تعميم محاكم الأسرة، على كل المناطق، وتمكينها من الموارد البشرية المؤهلة، ومن الوسائل المادية، الكفيلة بأداء مهامها على الوجه المطلوب. وعلى الجميع أن يفهم، أن تمكين المرأة من حقوقها، لا يعني أنه سيكون على حساب الرجل؛ ولا يعني كذلك أنه سيكون على حساب المرأة. ذلك أن تقدم المغرب يبقى رهينا بمكانة المرأة، وبمشاركتها الفاعلة، في مختلف مجالات التنمية».

إن الكلمة المفتاح في هذه الرسائل الملكية هي «الاجتهاد». وهذا باب يتنافس فيه المتنافسون، ونحن نفتح هنا بعض النوافذ لنطل على القضايا الحارقة التي سيحتدم حولها النقاش من خلال العارفين والفاعلين والمعنيين.

بداية القصة

قبل خطاب العرش ليوم 30 يوليوز الماضي الذي كان بمثابة نقطة انطلاق من أجل تعديل مدونة الأسرة، وجه جلالة الملك محمد السادس قبل أربع سنوات رسالة سامية إلى المشاركين في أشغال الدورة الخامسة للمؤتمر الإسلامي للوزراء المكلفين بالطفولة، الذي نظمته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) بالرباط يومي 20 و21 فبراير 2018، وهي الرسالة التي تلاها المصطفى الرميد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان في حكومة سعد الدين العثماني، وتم من خلالها استعراض المنجزات التي تحققت لصالح الطفولة والمرأة منذ اعتلاء الملك العرش عام 1999، بما فيها إقرار مدونة جديدة للأسرة، والتي كان مر حينئذ عليها 14 عاما وأظهر تطبيقها الفعلي على أرض الواقع وجود مجموعة من الثغرات والمواد التي أصبحت متجاوزة وفي حاجة إلى التعديل لتتماشى مع النوازل التي واجهها القضاء الأسري خلال تطبيقها، علما أن الرسالة الملكية أشارت إلى أنها عملت على تعزيز تماسك الأسرة «من خلال اعتماد مدونة متقدمة للأسرة، تراعي المصلحة الفضلى للطفل وتصون حقوقه، في كل الظروف والأحوال، داعين إلى مواكبتها بالتقييم والتقويم، لمعالجة النقائص التي أبانت عنها التجربة».

الرميد يستشير الجمعيات النسائية

شهورا قليلة بعد الرسالة السامية، اجتمع مصطفى الرميد مع عدد من الجمعيات العاملة في مجال الدفاع عن حقوق النساء ووقع معهن اتفاقيات شراكة من أجل تقديم تعديلات على عدد من المواد الخاصة بالمدونة، خاصة ما يعرف بالمواد التي أثارت، ولا تزال تثير الجدل، بحكم تسجيل عدد من حالات التحايل أو التفسير الخاطئ لها مثل تعدد الزوجات الذي لم تنجح المدونة في إيقافه، أو تصعيبه، بحكم غياب نوع من التنسيق بين محاكم المملكة في هذا الإطار وغياب نظام معلوماتي موحد يمكن من خلاله معرفة الوضعية العائلية للراغبين في الزواج بامرأة ثانية، أو استمرار زواج القاصرات خاصة في المناطق القروية، وكذا استمرار طرد الزوجات من بيت الزوجية، وعدم تفعيل صندوق التكافل العائلي الخاص بأطفال الطلاق وغيرها من المواد التي اقتضى الظرف ضرورة انخراط كافة مكونات المجتمع المدني من أجل الوصول إلى نقطة مشتركة بخصوصها ترسيخا لمبدأ حكم القانون.

ملفات أسرية معقدة بالمحاكم

هناك اليوم مئات الآلاف من الملفات المركونة في مختلف محاكم الأسرة بكل جهات المغرب، وكلها تقف عند موضوع واحد يهم «الأسرة» خاصة الطلاق وما يرتبط به من نفقة وامتناع عن أدائها من طرف الأزواج الذين يفضل أغلبهم الخضوع للإكراه البدني على منح المطلقة حقوقها، وكذا استمرار غياب صندوق التكافل العائلي الذي من المفروض أن يتكفل بنفقات أبناء المطلقات، فضلا عن استمرار المحاكم الأسرية في الحكم بمبالغ هزيلة لصالح الزوجات في حالة الطلاق، كما أن مراكز الاستمتاع التابعة لعدد من الجمعيات تسجل حكايات عجيبة لها ارتباط على الدوام بمضامين المدونة. وحسب معلومات توصلنا بها من أحد هذه المراكز بمدينة الدار البيضاء، فإن أغلب القضايا التي ترد عليه تؤكد أن المرأة ضحية للتشرد على الدوام، علما أن أغلبها لها ارتباط بزواج القاصرات والامتناع عن أداء النفقة والحرمان من الولاية على الأبناء، ومن حق حضانتهم بسبب زواج الأم بعد طلاقها من الزوج الأول، والطرد من بيت الزوجية وغيرها، وهي كلها مواضيع ثبت من خلال المذكرات التي قدمتها الجمعيات المطالبة بتعديل المدونة أن لها ارتباطا بمواد تكررت على الدوام وأصبحت ذات أولية من أجل تغييرها وخاصة المادة 20 المتعلقة بزواج القاصرات والمادة 49 المتعلقة بتقسيم الممتلكات المتراكمة خلال فترة الزواج والمادة 53 المتعلقة بالطرد من بيت الزوجية، والمادة 175 المتعلقة بإسقاط الحضانة، والمادتين 236 و238 المتعلقتين بالولاية الشرعية على الأبناء، علما أن هناك مواد أخرى لكن لا تحظى بالإجماع من طرف أغلب الفاعلين الجمعويين كما هو الأمر بالنسبة لهذه المواد التي كانت هي أساس المشاورات التي سبق لوزارة حقوق الإنسان أن أطلقتها كما سلف ذكره في بداية هذا الملف.

رؤية المجلس الاقتصادي لتعديل المدونة

لقد كان الهدف من إقرار مدونة الأسرة خلق نوع من الانسجام العائلي وتجاوز بعض المعيقات التي تؤثر على تماسك الأسرة، لكن العكس هو الذي حدث، حيث أن 18 عاما من الممارسة أظهرت أن المدونة فشلت في تحقيق أهدافها ولم تحافظ على تلاحم الأسرة المغربية، بل أدت إلى ازدياد الهوة والخلافات العائلية مما يجعل التعديلات المطالب بها اليوم ملحة. في هذا السياق، سبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي كمؤسسة دستورية أن دعا إلى تطوير المدونة لتتلاءم مع المعايير القانونية الوطنية والدولية، وبالنظر إلى التحولات العميقة التي شهدها المجتمع خلال العقود الأخيرة في اتجاه المطالبة بإعمالٍ أكبر لمبادئ المساواة والإنصاف والعدالة الاجتماعية.

وأكد المجلس في التقرير الذي أصدره بخصوص المدونة أنه «لا يمكن تحقيق المساواة بين النساء والرجال وضمان المشاركة الكاملة للمرأة في جميع مناحي الحياة العملية دون إطار قانون ينسجم مع طموحات البلاد، يضمن للمرأة التمتع بحقوقها كاملة دون أدنى تمييز»، مؤكدا أن مرور 18 عاما على صدور المدونة سبب كاف لإعادة النظر فيها بحكم أن المغرب وخلال العقدين الأخيرين صادق على عدد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق المرأة، بما في ذلك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، كما اعتمد دستورا جديدا ينص على مبدأ المساواة بين المرأة والرجل، وعلى ملاءمة القوانين الجاري بها العمل مع الالتزامات الدولية للمملكة.

المجلس كمؤسسة تحظى بالقوة الاقتراحية دعا إلى إطلاق نقاش عمومي وتعددي وتفكير جماعي مسؤول من أجل مكافحة كافة أشكال الميز والعنف التي لا تزال المرأة ضحية لها، فضلا عن مناقشة كافة القضايا التي لا تزال ترخي بكلكلها على المدونة مثل «زواج القاصرات» و»الطلاق» والتركة والبنوة» و»حضانة الأطفال» و»الولاية الشرعية»، رغم أن المدونة ومنذ إقراراها ساهمت في تطوير العقليات إلا أنها لا تزال في حاجة إلى المزيد من التدقيق والتمحيص لتجاوزها، مشيرا مثلا بخصوص زواج القاصرات إلى أن «هذه الممارسة لا زالت خاضعة للسلطة التقديرية للقضاة، لذلك، يجب إلغاؤها تحقيقا للمصلحة الفضلى للطفل المنصوص عليها في الدستور، وفي الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، لا سيما اتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة»، فيما أشار إلى ضرورة تبسيط مسطرة الطلاق تفاديا لطول المدة التي قد تتجاوز ستة أشهر تجعل التعايش الأسري مستحيلا، وقد تزيد من حالات العنف الأسري.

المجلس تقاسم نتائج استطلاع رأي أجراه عبر منصته الرقمية «أشارك» والتي خلصت إلى ضرورة إلغاء زواج القاصرات بنسبة 62 في المائة من بين 1290 شخصا شاركوا في الاستطلاع، فيما كشف 80 في المائة من المشاركين فيه على أن تكون الولاية على الأطفال مشتركة بين الأبوين، ورأى 48 في المائة ضرورة ألا تتجاوز مسطرة الطلاق 3 أشهر على الأكثر، في حين أقر 48 في المائة أيضا بضرورة إلزامية إبرام وثيقة للتوزيع المنصف للأموال المكتسبة بين الرجل والمرأة أثناء فترة الزوجية، وذلك حفاظا على حقوق الزوجة على وجه الخصوص، خاصة وأن أغلب الأزواج يرفضون هذا الأمر، بالرغم وجود النص القانوني الذي يفرض اقتسام الممتلكات المكتسبة خلال فترة الزواج بين الزوجين.

وهبي ينطلق من محاكم الأسرة لتعديل المدونة

مرور أربع سنوات على هذه المشاورات وتوصل وزارة حقوق الإنسان من خلال المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان بمختلف التقارير الموضوعاتية والمقترحات التي رفعت لها من طرف الجمعيات الشريكة في هذا المشروع، لم يمنع وزير العدل الحالي عبداللطيف وهبي من إغلاق الباب أمام أي حديث عن إمكانية تعديل للمدونة بعد أن أعلن يوم الاثنين 27 يونيو أمام أعضاء مجلس النواب أن «قانون الأسرة يطرح إشكالات، وملاحظات متعددة، مشددا أنه ليس هناك لحد الآن أي قرار بخصوص تعديل مدونة الأسرة التي سبق وأن خضعت لنوع من التوافقات بين الجهات الدينية المتخصصة، وبين الجهات التشريعية، وبحضور المجتمع المدني، والتمثيلية السياسية، والنقاش القانوني، وهي العملية التي تمت تحت إشراف الملك شخصيا لأن ذلك يدخل في المجال الديني، ليضيف أنه وبناء على ما سبق، فإن أي تعديل للمدونة لا يمكنه أن يتم إلا من خلال هذا المسار، حيث أنه «لا يمكن تعديل قانون الأسرة إلا في إطار هذا المسار، وبناء على هذه الطريقة التوافقية نناقش هذه المواضيع، والقضايا ولكن يبقى التفكير موجودا لتغيير هذه الأمور، وما هي المسطرة وكيف سيتم ذلك وفق التوافقات التي يشرف عليها الملك».

ويبدو أن وهبي، من خلال وزارة العدل وبعد خطاب 30 يوليوز الماضي، التقط الرسائل التي تسمح لوزارته بالشروع في التفاعل مع انتظارات المجتمع المدني لتعديل المدونة، حيث باشر أولا إحصاء موظفي وزارته العاملين بقضاء الأسرة بمختلف المحاكم المغربية، تفاعلا مع الخطاب الملكي وذلك من خلال مذكرة موجهة إلى رؤساء مصالح كتابة الضبط بالمحاكم الابتدائية ورؤساء كتابة النيابة العامة لديها، موضحا في المراسلة التي حملت توقيع مدير الموارد البشرية بوزارة العدل، محمد اليونسي، أن هذا الإحصاء يأتي «في إطار الانخراط في تنزيل مضامين الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 23 للعيد العرش المجيد؛ والذي جاءت فيه دعوة: للعمل على تعميم محاكم الأسرة على كل المناطق وتمكينها من الموارد البشرية المؤهلة؛ ومن الوسائل المادية، الكفيلة بأداء مهامها على الوجه المطلوب». كما أنها تأتي وعيا من الوزارة بخصوصية المهام المنوطة بالموظفات والموظفين العاملين بأقسام قضاء الأسرة؛ ودورهم لتمكين المرأة والرجل من حقوقهما داخل المجتمع، ورغبة من وزارة العدل بتجويد الخدمات المقدمة لعموم المرتفقين.


عاطفة تمجردين: نطالب بإلغاء المفاهيم التي تكرس التمييز بالمدونة

عاطفة تمجردين، نائبة رئيسة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب بالرباط، أكدت أن أهم الإشكاليات التي يواجهنها داخل الجمعية بخصوص مدونة الأسرة تتمثل في موضوع "تزويج القاصرات" خاصة وأنه تم الاعتراف به وبوضع الاستثناء الذي وضعت سلطته التقديرية بيد القاضي، مما أصبح معها صعبا احترام الشروط الموضوعة من طرف القاضي نفسه، وبالضبط في ما يخص الخبرة الطبية للقاصر وكذا الجوانب الاجتماعية.

من بين المفاجآت التي تم الوقوف عليها هو أن مدينة الدار البيضاء باعتبارها كبرى حواضر المغرب تأتي في مقدمة المدن التي تسجل فيها نسبا أعلى من طلبات تزويج القاصرات، وهو ما يجعل الجمعية تطالب بضرورة العمل من أجل إلغاء المواد 20 و21 و22 والإبقاء فقط على المادة 19 التي تؤكد على أن سن الزواج هو 18 سنة خاصة وأن هذه المادة تطبق على الفتيات ولا تطبق في كثير من الأحيان على الذكور لأن هناك تواطؤا بين الأسرة والقضاء ما يجعل البنت ضحية مع ما لذلك من تبعات نفسية واجتماعية كما أن هذا الزواج يجعل القاصر في حكم الراشدة.

وشددت تمجردين، خلال حديثها مع «الأيام» على أن تزويج الطفلات يشكل مصدر قلق كبيرا. فعمليا، استفاد 12.42٪ فقط من القاصرات المتزوجات من بحث أجرته مساعدة اجتماعية، بينما قابل 87.56٪ منهن قاضٍ فقط، كما زادت طلبات الإذن بزواج القصّر من 30312 سنة 2006 إلى 32104 في سنة 2018، ومثلت في سنة 2015، نسبة 10 % من إجمالي عقود الزواج الصادرة كما تمت الموافقة على ما يقرب من 85 % من الطلبات المقدمة بين سنتي 2011 و2018 وتضمنت غالبية الفتيات اللائي يمثلن 94.8 % من إجمالي القصّر المتزوجين (حوالي 45.786)، علما أن هذه الإحصائيات لا تشمل الزيجات غير الرسمية (مثل الزواج بالفاتحة أو من خلال «العقود») أو الزيجات التي عقدت بموجب مادة ثبوت الزوجية (المادة 16 من مدونة الأسرة والتي تمثل وحدها 15 % من حالات زواج القاصرات المبرمة بين سنتي 2015 و2019، تؤكد المتحدثة.

وبخصوص باقي المواد الأخرى، قالت نائبة رئيسة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب أنه يجب منع الطرد من بيت الزوجية كإجراء حمائي للزوجات على أساس أن هناك مسطرة يتبعها الطرفان عندما لا يتفقان خاصة وأن هناك تبعات وأضرارا لهذه المادة التي يجب إعادة النظر فيها، فيما أكدت بخصوص التعدد أن فيه إهانة للمرأة ولكرامتها وعلى المرأة أن لا تقبل بالتعدد مهما كانت مسبباته، كما أن الدولة مطالبة بأن تحفظ للنساء كرامتهن وتضمن لهن الحماية الاجتماعية والاستقلال الاقتصادي حتى لا تقبل بوجود زوجة ثانية تجعلها تعيش على الهامش.

وأشارت المتحدثة إلى أن الجمعية لا تطالب بإصلاح بعض المواد، بل أكثر من ذلك تتطلع إلى أن تكون هناك مراجعة شاملة لها في لغتها التي أصبحت لا تناسب العصر وكذلك من حيث المقاربة الحقوقية، حيث لا يعقل أننا في المدونة نقول أنها يجب أن تعكس المشروع المجتمعي الذي يضمن الأمن والعيش الكريم لكل أطراف الأسرة في حين نجد أن هناك فصولا تكرس المكانة الدنيا للنساء، مثل النيابة الشرعية التي تعطى فقط للرجل، وكذلك زواج الأم الحاضنة وتزويج الطفلات وأشكال وأنواع الطلاق، فضلا عن كون المدونة كلها كتبت على أساس مبدأ القوامة والاتجاه الأبوي الذي يجعل الرجل رئيسا للأسرة، مؤكدة على أنه وعلى مستوى المقاربة والمرجعية، فيجب العمل على:

* إلغاء مصطلحات ومفاهيم تكرس التمييز: مثلا البناء/ المتعة/ الرجعة وإحالة المشرع على المذهب المالكي والاجتهاد الفقهي في المادة 400.
* تبني مقاربة تقدمية حداثية تشاركية لإصلاح قانون الأسرة مع جعل المرجعية الحقوقية والدستورية هي أساس بناء النص القانوني للأسرة.
* اعتماد نسق مفاهيمي يتلاءم والدستور والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.
* التبني العرضاني لمبدأ المساواة بين طرفي الأسرة في أفق بناء أسرة حداثية تضمن لجميع أفرادها حقوقا متساوية.

أما على مستوى الموضوع فيجب العمل على:

* اعتبار أساس الزواج هو الرضى والتراضي بين طرفي العلاقة الزوجية دون إكراه أو وصاية مع تبني القيم الانسانية لحماية الأسرة وأفرادها.
* حذف كل موانع الزواج المرتبطة بالعقيدة والدين.
* وضع نظام قانوني يكرس مبدأ المساواة بين الزوجين في تحمل مسؤولية الأسرة؛ تمكين الأم من الحق في الولاية على الأبناء القاصرين في إطار مبدأ المساواة بينها وبين الأب.
* التنصيص على حق الأم في الحضانة مع اعتبار المصلحة الفضلى للطفل هي المحدد والفيصل في كل نزاع حول مسألة الحضانة.
* تفعيل دور النيابة العامة في القضايا الأسرية بالشكل الذي يضمن التدخل الناجع لحماية حقوق الطفل والمرأة وممارسة الطعون بشأن أي قرار أو حكم لم يأخذ بعين الاعتبار مصالحهما.
* توحيد مساطر إنهاء العلاقة الزوجية بشكل يضمن مصالح كافة الأطراف على أساس العدل والمساواة والحد من التمييز مع ضمان الحماية القانونية اللازمة للأبناء إن وجدوا.
* إلغاء حق الرجعة الذي يملكه الرجل على المرأة المطلقة وإخضاع ذلك لرغبة وإرادة الطرفين، وحذف التمييز بين البنوة الطبيعية والبنوة الشرعية وترجيح نتائج الخبرة الجينية في مجال إثبات النسب على غيرها من باقي وسائل إقامة الحجة.
* وضع معايير موضوعية واضحة للاعتماد عليها في تقدير وتحديد واجبات نفقة الأسرة والأبناء.

زينب الفرنيني الخبيرة في الوساطة الأسرية: أغلب القضايا المعروضة على الوساطة الأسرية تتعلق بالنفقة وحضانة الأبناء

قالت زينب الفرنيني، الخبيرة في الوساطة الأسرية إن أغلب القضايا التي يتم حلها عبر هذه الآلية التي يعتمدها عدد من مراكز الاستماع التابعة للجمعيات النسائية لها علاقة بقضايا الخلافات حول النفقة وحضانة الأبناء أو تقسيم الممتلكات أو تفريد بيت الزوجية. وأشارت في حديثها مع "الأيام" إلى أن الوساطة الأسرية تنجح في كثير من الأحيان في ما يفشل فيه القضاء، خاصة عندما يتعلق الأمر بإثبات مدخول الزوج من طرف الزوجة.

ما هي أبرز العوائق التي تواجهنها في تطبيق بعض بنود مدونة الأسرة خاصة عندما يتعلق الأمر بالطرد من بيت الزوجية؟

للأسف، في حالة رفض الزوج تنفيذ أوامر النيابة العامة بإرجاع الزوجة، فلا يوجد ما يلزمه بذلك، أما في حالة سكن الزوجة مع عائلة الزوج وكان بيت الزوجية في ملكية عائلته ورفضت العائلة إرجاعها (قانونيا يجب تخصيص بيت زوجية مستقل عن عائلة الزوج والزوجة، لكن في حالة ما إذا كان بيت الزوجية مكترى وقرر الزوج أن يسلم السكن لمالكه، فإن هذا يعرض الزوجة المطرودة إلى التشرد في الشارع.

ما هي أغلب القضايا التي كنتم تتوصلون بها في إطار لعب دور الوساطة الأسرية، وهل كانت الحلول التي تطرح تساهم في حل هذه القضايا؟

من الطبيعي أن أشير بحكم المدة الطويلة التي قضيتها في مجال الوساطة الأسرية، أن أغلب القضايا التي تحال علينا تتعلق بالنفقة والطلاق الاتفاقي، وحضانة الأبناء، والوصاية على الأبناء، وتقسيم الممتلكات، وتفريد بيت الزوجية، وصلة الرحم. في الكثير من الملفات، يتوصل الأطراف إلى اتفاقات حبية ترضي الجميع أكثر من الأحكام المفروضة من القضاء والتي تكون السلطة القضائية هي الطاغية فيها، فمثلا، هناك أحكام نفقة تكون فيها واجبات النفقة قليلة لأن الزوجة لا تملك إثباتات حول مدخول الزوج رغم أنه مثلا يشتغل بالتجارة وأرباحه كثيرة، وفي الوساطة الأسرية قد يعطي الزوج نفقة أكثر مما حكمت به المحكمة. أما في صلة الرحم فأغلبية الأحكام تعطي يوما واحدا للأب لصلة الرحم مع أبنائه، وبالوساطة قد يتفق الطرفان على أيام صلة الرحم وطريقة الزيارة التي تناسب مصلحة الأبناء. أما مثلا في الولاية الشرعية فالقانون يعطيها للأب لكن بالوساطة يمكن يتقاسمها مع الأم، علما أن هناك الكثير من الملفات التي لا يحكم للزوجة فيها بتقسيم الممتلكات لكن بالوساطة يمكن للزوجين تقسيم الممتلكات وتقسيم الأثاث بالتراضي.

ما هي أبرز عوائق تنفيذ مدونة الأسرة عموما؟

أغلب العوائق التي تقف حائلا أمام تنفيذ مدونة الأسرة تتجلى أساسا في أنها لم تعد تواكب التغيرات المجتمعية، كما أن أغلبية الأحكام تواجه صعوبة التنفيذ خصوصا النفقة، وفضلا عن ذلك فإن بعض بنود المدونة فيها تمييز كبير بين الأم والأب كما هو الحال بالنسبة للولاية الشرعية، فضلا عن غياب الملاءمة بين مدونة الأسرة وباقي القوانين الأخرى.

إلى أي حد أصبحت الحاجة اليوم ضرورية لمراجعة مدونة الأسرة، وما هي العيوب التي تم الوقوف عليها بعد 18 عاما من دخولها إلى حيز التنفيذ؟

بعد مرور مدة 18 سنة على صدور المدونة وتسجيل العديد من النواقص والمؤاخذات على تطبيقها، أعتقد أنه آن الأوان لتغييرها، أولا لتواكب التغيرات التي يعرفها المغرب من حيث مفهوم الأسرة والزواج المختلط والعلاقات بين الرجل والمرأة التي تعرف تمييزا كبيرا في الكثير من الحقوق، وثانيا لتتلاءم مع الدستور والقوانين التشريعية الأخرى كإلغاء زواج القاصرات، والولاية الشرعية، وثالثا لإيلاء اهتمام كبير لمصلحة الطفل.

حفيظة بنصالح: تنمية المناطق الهامشية ترفع الوعي بمخاطر تزويج القاصرات

قالت حفيظة بنصالح، رئيسة جمعية نعمة للتنمية، إن تتبع تطبيق مواد مدونة الأسرة داخل محاكم الأسرة بعد مرور 18 سنة من تطبيقها مكن من الوقوف على الجوانب الإيجابية لمعرفة إلى أي حد ساهمت في حل المشاكل التي تعرفها الأسر وملاءمتها مع الواقع المعيش، والوقوف عند الثغرات والعوائق وأسبابها، مؤكدة أن التجربة أوضحت بالملموس وجود العديد من الثغرات بسبب عدم مراجعة كل المقتضيات، وكذا التأويل لها من جهة أخرى، داعية إلى ضرورة العمل من أجل ملاءمة مضامين المدونة مع المقتضيات الدستورية وهو ما أصبح يتطلب ضرورة العمل من أجل فتح نقاش حول عدد من المواد التي أثارت ولا تزال تثير الكثير من الإشكاليات.

ونوهت بنصالح في حديثها مع «الأيام» بمضامين الخطاب الملكي السامي ليوم 30 يوليوز الماضي، مشيرة إلى أن ما ورد فيه بخصوص مدونة الأسرة يتماشى مع رؤية الجمعية التي قامت قبل ثلاث سنوات في إطار شراكة جمعتها مع وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان بفتح نقاش واسع من أجل تعديل بعض فصول المدونة من بينها: المادة 20 المتعلقة بالإذن بزواج القاصر، والمادة 49 المتعلقة بتقسيم الممتلكات المتراكمة خلال فترة الزواج، والمادة 53 المتعلقة بالطرد من بيت الزوجية، والمادة 175 المتعلقة بإسقاط الحضانة، وغيرها… مشيرة إلى أن اختيار هذه المواد يأتي لكون الواقع أبان عن أهمية الدعوة إلى تعديلها حيث تمكنت الجمعية من جمع مجموعة من المقترحات التعديلية بخصوصها، ضاربة المثل بالمادة الخاصة بزواج القاصر، حيث أجمع ذوو الاختصاص الذين التقتهم الجمعية من قضاة ومحامين وفاعلين جمعويين وحقوقيين على ضرورة حذفها من المدونة لكونها أصبحت قاعدة يتم الاستناد إليها من طرف القضاة لمنح الإذن بزواجها.

وضربت المتحدثة المثال بما تم تسجيله عام 2018 من طرف مختلف محاكم المملكة التي أشرت على حوالي 34 ألف طلب إذن بزواج القاصرات، مؤكدة أن القاضي غالبا ما ينزع إلى تغليب ما أصبح يعرف ب»المصلحة الفضلى» للقاصر من أجل التعاطي إيجابيا مع الطلبات المتعلقة بالإذن بزواج القاصرات، مشيرة إلى أن أهم الخلاصات التي تم الخروج بها تتمثل في: الدعوة إلى اعتماد الخبرة الطبية والنفسية للزوجين معا، وإدماج التربية الأسرية للقاصرين في المناهج التعليمية، وحذف الاستثناء في زواج القاصرات وإقرار سن الرشد كأساس للزواج مواكبة للتحولات المجتمعية، وإحداث لجن متخصصة إلى جانب القاضي لإعطاء الموافقات تضم مختلف المتدخلين، وتنمية المناطق الهامشية لرفع الوعي بمخاطر تزويج القاصرات، ورفع مستوى التعليم والتمكين لمواجهة ظاهرة تزويج القاصرات، وإعادة النظر في مفهوم الولاية الشرعية، وتقييد السلطة التقديرية للقاضي ووضع معايير محددة للسماح بزواج القاصرات، والدعوة إلى بث وصلات إشهارية حول مخاطر تزويج القاصرات، وتجريم بعض الظواهر الماسة بحرمة القاصر تحت غطاء الزواج.

بثينة قروري رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية: التمييز بين المرأة والرجل في مسائل النيابة الشرعية يؤثر على حقوق الأبناء

هل تعتقدين أن هناك حاجة اليوم إلى مراجعة مدونة الأسرة في ظل العيوب التي تم الوقوف عليها من خلال تطبيقها منذ 18 عاما؟

لا بد في البداية من الإشارة إلى أن مدونة الأسرة في السياق الذي جاءت فيه سنة 2004 شكلت نموذجا للإصلاحات الجوهرية والبنيوية التي عرفها المغرب في بداية الألفية، إذ جاءت استجابة للتغييرات التي عرفتها بنية الأسرة المغربية وعكست عمق التطورات التي عاشتها، فأسست لنموذج أسري قائم على المودة والمساواة والعدل والمسؤولية المشتركة للزوجين. لكن تنزيل مقتضيات المدونة وتنفيذها عرف عدة إكراهات سواء ذات طبيعة مادية وبشرية أو إكراهات مسطرية، أو مشاكل مرتبطة بجوهر نصوص المدونة في حد ذاتها، وهو ما حد من الانتظارات المتوخاة من تحقيق أهدافها في السياق المجتمعي الذي عرفته. وفي هذا الإطار، أعتبر أن هدف المشرع من مدونة الأسرة والقاضي بإقرار المساواة والعدل والمعاشرة بالمعروف بين المرأة والرجل في الأسرة لم يتحقق بالشكل اللازم، فمن جهة لا زالت المرأة تعاني من الحيف والتمييز في غالب النزاعات الأسرية، دون أن تتم حماية حقوقها. ومن جهة أخرى فإن الارتفاع المضطرد لنسب الطلاق يطرح عدة أسئلة حول الأدوار التي ننتظرها كمجتمع من مؤسسة الأسرة التي يفترض أن تقوم بأدوار اقتصادية و تنموية وتوفير فضاء ملائم لتربية وتنشئة الأطفال وتنمية شخصيتهم، فإذا بها أصبحت عاجزة عن الاستمرار وتواجهها صعوبات حقيقية ذات طبيعة مركبة يتقاطع فيها ما هو اقتصادي وما هو اجتماعي بما هو قانوني وثقافي، وذلك في ظل ضعف وغياب مؤسسات للتكوين القبلي للأزواج على غرار بعض التجارب المقارنة في العالم الإسلامي (تجربة بعض دول جنوب شرق آسيا) حول طبيعة مسؤولياتهم الأسرية وكيفية مواجهة الصعوبات التي تعترضهم أثناء الحياة الزوجية، خصوصا في ظل ضعف وضمور مؤسسة الصلح المنصوص عليها في المدونة.

ما هي رؤيتكم لتجويد مواد المدونة، بما يساهم في رفع الحيف الذي لا يزال يطال النساء من خلال بعض مواده المثيرة للجدل؟

أهم الأمور الذي نعتقد أنها ينبغي أن تكون محل تعديل لتجويد المدونة هي تلك المتعلق بمسطرة الزواج خاصة ما يرتبط بالوثائق المشكلة لملف الإذن بالزواج ومدى صدقية هذه الوثائق، كما أن من شأن اعتماد شرط تأهيل الخاطب والمخطوبة وجعل شهادة التخرج من معهد أو مؤسسة للتأهيل شرطا أو وثيقة أساسية مكملة للملف المشار إليه أعلاها قد يشكل إجراء وقائيا لانتشار ظاهرة الطلاق. كما نعتقد بأهمية اعتماد آلية الوساطة الأسرية كبديل عن الصلح القضائي الذي أثبت محدوديته الواضحة في إيقاف النزيف الذي تعرفه الأسر المغربية، لذا ينبغي الانتقال بالوساطة من المبادرة المدنية إلى عملية مقننة بضوابط وصيغ قانونية، ناهيك عن التمييز البين بين المرأة والرجل في مسائل النيابة الشرعية مما يؤثر على ضمان حقوق الأبناء خاصة الإدارية، وذلك بمنح حق النيابة الشرعية للأم الحاضنة والراعية للمحضونين دون أن يتوقف ذلك على موافقة الطليق. وينبغي أيضا الاتجاه بشكل واضح لاعتماد الخبرة الجينية في إثبات بنوة الأبناء المزدادين خارج إطار الزواج لضمان حقوقهم الأساسية من نفقة مستحقة لهم وغيرها من الواجبات المترتبة على الأب، وذلك استلهاما من الاجتهادات الفقهية المالكية القوية في هذا الإطار. وكذلك نطالب بضرورة تعديل المادة 49 من المدونة لمزيد من التدقيق لأن الإشكال القضائي المطروح هو عدم التمييز بين الكد والسعاية ونظام الأموال المكتسبة، إضافة إلى أن المشرع لم يبسط حالات تقديم المجهودات وتحمل الأعباء لتنمية أموال الأسرة، والمطلوب الاستنارة بالتراث الفقهي المغربي الذي اجتهد في إرساء هذا المبدأ وضمان حق المرأة في المطالبة بمقابل كدها ومساهمتها في تنمية أموال الأسرة وتنشئة أبنائها حتى لو لم تكن عاملة سيما وأغلب الرجال يوثقون ممتلكات أسرهم باسمهم دون إشراك المرأة في ذلك.

ما رأيكم في الدعوات التي تدعو إلى المنع النهائي لزواج القاصرات؟

بخصوص زواج القاصرات، نعتقد أن المنهجية التي ينبغي اعتمادها في هذا السياق هو التدرج لأن الأمر يكتسي حساسية خاصة، فلا يمكن أن نمنع فجأة زواج القاصرات بشكل نهائي، بل ينبغي تهيئ المجتمع عن طريق عدد من الإجراءات المصاحبة من خلال سياسات عمومية دامجة للفتيات في مختلف مسارات التعليم والتكوين المهني وغيرها من الإجراءات. لذا نقترح تحديد حد أدنى لزواج القاصرات في سن 16 سنة، وذلك حتى نتمكن من منع تزويج الفتيات في سن صغيرة جدا، مع القيام بعمليات تحسيس واسعة لتشجيع الأسر والفتيات على استكمال دراستهن، لأن هذا الأمر مرتبط في رأيي بعدة جوانب على رأسها الثقافة المجتمعية والوضع الاقتصادي. في هذا السياق، نجد أن جميع التجارب المقارنة تفتح الاستثناء المتعلق بزواج القاصرات، لكن على مستوى الأرقام الرسمية نجد عدد زيجات القاصرات نسبة قليلة، فالأمر أساسا مرتبط بعوامل ومتغيرات أخرى غير العامل التشريعي والقانوني، هي المتحكمة في ارتفاع نسبة زواج القاصرات، وبالتالي ينبغي الذهاب رأسا للأسباب وليس النتائج، وإلا فإن حصر سبب المشكل في القانون سيؤدي بنا لنتائج يصعب معالجتها في المستقبل، لأننا سندفع بالمجتمع للتحايل على القانون وستكون الفتيات ضحية هذا الوضع بلا شك. فأهم خصائص القاعدة القانونية أنها قاعدة اجتماعية تراعي تطور المجتمع وأن تعمل على الرفع من وعيه بمستوى متدرج لا يؤدي إلى نوع من «العصيان» المجتمعي لهذه القاعدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.