لا تزال المرأة بالمغرب ترى نفسها مُفتقرة للكثير من الحقوق، ولا زالت تُعاني من قصور التشريعات القانونية، بالرغم من أن دستور 2011 يُكرس لمبادئ المساواة بين كل من النساء والرجال دون تمييز؛ الشيء الذي دفع أصوات نسائية للمطالبة بتعجيل تعديل مُدونة الأسرة. وفي أفق مراجعتها، وتمهيدا لفتح نقاش عمومي حولها، كشف وزير العدل، قبل شهر، عن بدء جرد القضايا التي تثير جدلا في مدونة الأسرة؛ فيما اعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في مذكرة حديثة له أنه "آن الأوان لمراجعة مدونة الأسرة، بما يتلاءم مع مقتضيات الدستور ومضامين الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وبما ينسجم مع طموحات تحقيق التمكين للنساء المغربيات وتعزيز المساواة بين الجنسين المعبر عنها في النموذج التنموي الجديد". وقبل أسبوع، طالب فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، من وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، الإعلان عن تفاصيل خططه لتعديل مدونة الأسرة، في كل ما يرتبط بالزواج والطلاق والبنوة وحضانة الأطفال وزواج القاصرات والاعتراف بالعمل المنزلي للمرأة، مشيرا إلى أنه "قد آن الأوان لمراجعة مدونة الأسرة، المعتمدة منذ سنة 2004، بما يتجاوز عددا من أشكال التمييز الواردة فيها". قوانين تُساهم في تهميش المرأة وترصد زينب الإدريسي، فاعلة على مواقع التواصل الاجتماعي ومهتمة بشؤون المرأة، جُملة من النقص الذي يطال حقوق المرأة في مدونة الأسرة، انطلاقا من المادة 231 من مدونة الأسرة، التي تحرم الأم من الولاية الشرعية على أطفالها وتخصها للأب فقط، مما يُحرم الأم في هذه الحالة من استخراج نسخة من الحالة المدنية، أو تنقيل أبناءها من مؤسسة تعليمية إلى أخرى". "ليس لها الحق في استخراج جواز سفر أو السفر بهم خارج المغرب دون موافقة كتابية من الأب والعكس غير صحيح، وفي حالة غياب الأب وتخليه عن رعاية أطفاله تمر الولاية من الأب إلى قاضي الأسرة" تضيف الإدريسي خلال حديثها للأيام 24، مشيرة أن هذا الأمر يأتي بعد مصادقة المغرب على عدة قوانين دولية، ورفعه التحفظات على اتفاقية سيداو. وتردف المتحدثة نفسها، أن المادة 173 تحرم الأم من الزواج لمرة ثانية، وتعطي للأب حق إسقاط الحضانة على الأم لمجرد أنها قد تزوجت، والعكس غير صحيح، فيما تحرم المادة 148 من نفس المُدونة، المرأة في حقها من إثبات نسب طفل حملت به خارج إطار الزواج أو حتى في حالات الاغتصاب، وتُواجه بالتالي بتهمة الفساد، وفي غياب إمكانية القيام باختبار الحمض النووي لا تكون أي متابعة للأب"، مشيرة إلى أن مثل هذا التمييز في القوانين يساهم أكثر في زيادة نسب الهشاشة للمرأة. وتسترسل الإدريسي، في حديثها للأيام 24، بالقول إن "المادة 20 تُمكن من تزويج القاصر بتقديم طلب للمحكمة، والاستثناء أصبح قاعدة، إن أن عدد طلبات إذن تزويج قاصرات في سنة 2020 كان هو 20.000. 85% مما جعل عدد من الآباء يسعون إلى تزويج بناتهم القاصرات بدون إذن من القاضي، وبدون أن يكون قد ارتكب جُرما". مع الأسف، إن تقزيم دور المرأة في مدونة الأسرة، واعتبارها مُواطن قاصر يجب الوصاية عليه من طرف الزوج، يتعارض بشدة مع الدور الذي تلعبه المرأة اليوم في المجتمع المغربي" تؤكد الإدريسي في ختام حديثها، مشيرة إلى أن "مدونة الأسرة الحالية تشمل ثغرات ومواد كثيرة مفتوحة للتأويلات المحافظة، مما بات يستدعي تعديلها". مُقتضيات ثورية بتنزيل ضعيف من جهتها، أسماء مهديوي، باحثة في العلوم السياسية ومختصة في قضايا المرأة والنوع الاجتماعي، تؤكد على أن "مدونة الأسرة كانت ثورة إصلاحية حقيقة بالنسبة للأسرة عامة، والمرأة على وجه الخصوص، إلا أن تنزيل المدونة لم يكن بتلك الثورية التي جاءت بها بنودها، والتي عرفت اجتهادات استطاعت التوفيق في الرؤى بما لا يقطع مع الهوية المجتمعية، وفي الآن نفسه يواكب مسيرة المغرب في مجال حقوق المرأة والطفل". "لازالت المرأة تعاني من التمييز وانعدام الحماية والعنف في أغلب النزاعات الأسرية، فما زال النيابة الشرعية بيد الأب دون الأم، كما أن مشكل إثبات البنوة لا يزال مطروحا بالنسبة للأطفال المزدادين خارج إطار الزواج، حيث لا يتحمل الرجل مسؤوليته وتقع كامل المسؤولية على المرأة" توضح مهديوي في حديثها للأيام 24. وتزيد المختصة في قضايا المرأة والنوع الاجتماعي، بأنه "كذلك مسألة الكد والسعاية كنظام غير واضح، يحرم المرأة بعد الطلاق من الاستفادة من الأموال المكتسبات للأسرة خلال فترة الزوجية" مشيرة إلى أنه "بالفعل المدونة تحتاج إلى تعديل يلاءم وضعية المرأة حاليا، و'يحفظ حقوقها أثناء الزواج وبعد الطلاق كذلك". وفي ختام حديثها للأيام 24، تردف مهديوي بأنه "يجب إعادة النظر في مدونة الأسرة بما يحافظ فعليا على استقرار الأسرة وترابطها باعتبارها الخلية الأولى للمجتمع وبما يحفظ لكل فرد داخلها حقوقه، وهو أمر يستدعي جدية في الطرح ومواكبة من كل الفاعلين والمتخصصين".