سجلت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن السلطات المغربية كثفت خلال سنة 2022 من مضايقاتها على النشطاء والمنتقدين، واستمرّت في احتجاز وإخضاع المعارضين والصحافيين والمدونين والمدافعين الحقوقيين لمحاكمات جائرة، فضلا عن استمرار القوانين المقيّدة للحريات الفردية، وانتهاك حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء. كما رصدت المنظمة في تقريرها السنوي استمرار انتهاك حرية تكوين الجمعيات، مشيرة إلى مواصلة السلطات إعاقة عمل "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان" وفروعها، مما عرقل قيامها بأدوارها، إضافة إلى تأثر جمعيات مدنيّة أخرى برفض السلطات منحها الوضع القانوني أو استكمال إجراءاتها القانونية. انتهاك حرية التعبير وبخصوص حرية التعبير والمدافعين عن حقوق الإنسان، فقد توقف التقرير على محاكمة صحافيين ونشطاء ومدوّنين على وسائل التواصل الاجتماعي بموجب القانون الجنائي وليس قانون الصحافة والنشر، بسبب خطابهم النقدي وغير العنيف. كما حاكمت السلطات المغربية صحافيين ونشطاء بارزين على جرائم لا تتعلق بالتعبير منذ منتصف العقد الأول من القرن الحالي؛ حيث حُوكم المنتقدون في محاكمات جائرة تتعلق بجرائم خطيرة، مثل غسيل الأموال، والتجسس، والاغتصاب، والاعتداء الجنسي، والاتجار بالبشر. وفيما يتعلق بالأساليب المعتمدة لإسكات المعارضة، فإن السلطات، حسب ذات المصدر، تلجأ إلى إجراءات المحاكمة الجائرة، والمراقبة الرقمية وبالكاميرا، وحملات المضايقة من قبل وسائل الإعلام المقربة، والمراقبة الجسدية، والاعتداء والترهيب، واستهداف أقارب النشطاء. وتوقف التقرير على عدة نماذج؛ منها الحقوقي سعيد عمارة الذي أدين بتهمة "إهانة موظف أثناء القيام بعمله"، والمعطي منجب الذي أدين بتهمة "تلقي أموال من منظمة أجنبية للمس بالأمن الداخلي للمغرب"، مع منعه من السفر وتجميد أصوله، وربيع الأبلق الذي أدين بتهمة الإخلال بواجب التوقير والاحترام للملك، ومحمد زيان الذي أدين بتهم تشمل إهانة مسؤولين ومؤسسات، والتشهير، و"بث ادعاءات ووقائع كاذبة ضدّ امرأة بسبب جنسها"، "المشاركة في الخيانة الزوجية" و"التحرش الجنسي" وغيرها. وقالت المنظمة إن الشرطة المغربية ومنذ سنوات عديدة تستخدم أساليب قسريّة للضغط على المحتجزين حتى يوقّعوا على اعترافات تورّطهم، ويستخدمها القضاة لإدانتهم. وأشارت إلى أنه وبعد مرور القضايا إلى مرحلة المحاكمة، يواجه المعارضون البارزون على وجه الخصوص انتهاكات أخرى للإجراءات القانونية الواجبة، بما في ذلك الاحتجاز المطوّل قبل المحاكمة، والمنع من الوصول إلى ملفات المحاكمة، وإكراه الأفراد على الإدلاء بشهادات لصالح الادعاء، وعدم الإبلاغ بجلسات المحاكمة ما نتج عنه إدانات غيابية. تمييز ضد النساء ومن جهة أخرى، لفت التقرير إلى تمييز مدونة الأسرة ضد النساء، إضافة إلى إعطائها للقضاة حق منح "إذن خاص" لتزويج فتيات تتراوح أعمارهن بين 15 و18 عاما بناء على طلب أسرهن. وبينما يُجرّم القانون المغربي لعام 2018 المتعلق بالعنف ضد المرأة بعض أشكال العنف الأسري، ويُنشئ تدابير وقائية، ويوفر حماية جديدة للضحايا، إلا أنه يطالب الضحايا برفع دعوى جنائية للحصول على الحماية، وهو ما لا يمكن إلا لعدد قليل من الضحايا القيام به. ونبه التقرير إلى أن القانون لا يحدد أيضا واجبات الشرطة، والنيابة العامة، وقضاة التحقيق في حالات العنف الأسري، أو تمويل مراكز إيواء النساء، لا تعاقب "المسطرة الجنائية" مرتكب العقوبة البدينة بحق الأطفال إذا تسبب ب "إيذاء خفيف". وانتقدت المنظمة عدم تجريم القانون المغربي صراحة للاغتصاب الزوجي، كما يمكن أن تجد النساء اللواتي يبلغن عن الاغتصاب أنفسهن معرضات للمتابعة القضائية بسبب مشاركتهن في علاقة جنسية خارج الزواج إذا لم تُصدقهن السلطات. كما انتقد التقرير عدم قدرة الفتيات الحوامل والأمهات المراهقات المعرّضات للعقاب الجنائي إذا كُنّ غير متزوجات، البقاء في المدرسة، كما أن الإجهاض غير قانوني في المغرب ويُعاقب بالسجن لفترة تصل إلى خمس سنوات، باستثناء الحالات التي تكون فيها صحّة المرأة في خطر، ناهيك عن استمرار تجريم العلاقات الرضائية. التضييق على المهاجرين وبخصوص اللاجئين وطالبي اللجوء فلم تُصادِق الحكومة بعد على مسودة أول قانون مغربي بشأن الحق في اللجوء، الذي تم تقديمه في 2013، حيث يبقى القانون الحالي مشتملا على أحكام تجرّم الدخول غير النظامي ولا ينص على استثناءات للاجئين وطالبي اللجوء. ونقلت "هيومن رايتس ووتش" عن جمعيات مدنية أن السلطات واصلت تعسفا احتجاز المهاجرين في مراكز احتجاز مؤقتة، وتلا ذلك عمليات نقل قسري أو طرد، وزادت اعتقالات المهاجرين واللاجئين من قبل السلطات في منتصف 2022 في العيون، مع احتجاز الأشخاص في ظروف غير صحية قبل طردهم إلى مواقع صحراوية نائية، بما في ذلك قرب الحدود المغربية-الجزائرية. وتوقف التقرير على فاجعة مليلية حيث لقي 23 مهاجرا حتفهم، خلال محاولة حوالي ألفي شخص من المهاجرين وطالبي اللجوء، دخول إسبانيا عبر تسلق السياج المرتفع المحيط بالمدينة. ولفتت المنظمة إلى أن الفيديوهات والصور من الحادث تظهر قوات الأمن المغربية وهي تستخدم القوة المفرطة، بما فيها الضرب، و"الحرس المدني" الإسباني يطلق الغاز المسيل للدموع على الرجال المتشبثين بالسياج. وانتقد التقرير حكم المحاكم المغربية على عشرات المهاجرين بالسجن في تهم كثيرة على خلفية المأساة، منها تهريب البشر، ودخول المغرب بطريقة غير شرعية، والعنف ضدّ سلطات إنفاذ القانون. كما أشار تقرير "هيومن رايتس ووتش" إلى أن الناشط الإيغوري إدريس حسن ظل يواجه تهديد التسليم من المغرب إلى الصين منذ اعتقاله في يوليوز 2021 عند وصوله إلى المغرب قادما من تركيا، حيث اعتقلته السلطات المغربيّة بناء على "نشرة حمراء" صادرة عن "الإنتربول"، بطلب من الصين، بتهمة "الانتماء إلى منظمة إرهابية". ونبهت المنظمة الحقوقية إلى أن تسليم حسن سيخرق التزامات المغرب الدولية بعدم إعادة أي شخص قسرا إلى بلد قد يتعرّض فيه إلى الاضطهاد والتعذيب.