قالت أمينة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان إن تطبيق مدونة الأسرة لأكثر من 18 سنة، كشف عن وجود ثغرات على مستوى النص، وإشكالات في التفسير واختلالات على مستوى الممارسة، أدت في كثير من الأحيان الى الابتعاد عن روح وفلسفة المدونة، بل واتخاد منحى معاكس لهما. وأشارت بوعياش خلال مشاركتها، في ندوة نظمها مركز سوس ماسة للدراسات القانونية والقضائية المعاصرة، أمس الجمعة بأكادير، أن هناك إشكاليات كثيرة رصدها المجلس في المدونة، والتي تتعلق أساسا بتزويج الطفلات، وزواج الفاتحة وتشعب مساطر الطلاق والتطليق، وحقوق الأطفال وبالأخص ما يتعلق بالنسب والحضانة، والنيابة القانونية على الأبناء، واقتسام الممتلكات، والإشكاليات المتعلقة بالزواج المختلط لمغاربة المهجر، والمساطر المتعلقة بقضايا الأسرة، والاشكاليات المتعلقة بالوساطة، وبالمساعدة القضائية. وأوضحت أن المجلس سيعمل على تقديم توصياته المتعلقة بمراجعة مدونة الأسرة على ضوء الالتزامات الدولية لبلادنا، وتوصيات لجنة "سيداو" دون إغفال أهمية استحضار الجوانب غير القانونية التي يطرحها الموضوع. ولفتت إلى أن المجلس رصد عدة إشكاليات عملية أفرزها التطبيق العملي لبنود المدونة من بينها: الصعوبات القانونية والواقعية في وصول الأطفال لحقهم في النسب، نتيجة الاستعمال المحدود للخبرة الجينية، واستمرار التمييز بين البنوة الشرعية وغير الشرعية، بما يمس بحقوق الأطفال وخاصة حقهم في الهوية. إضافة إلى استمرار مظاهر التمييز بين الأبوين على مستوى النيابة القانونية على الأبناء، باعتبار ولاية الأم على سبيل الاحتياط، وهو ما يتعارض مع مبدأ تقاسم المسؤوليات الأسرية بين الزوجين، و وجود عقبات قانونية وواقعية تحد دون وصول النساء والفتيات الى نصيبهن في أموال الأسرة؛ وأبرزت بوعياش أنه من بين هذه الإشكاليات كذلك، عدم وضوح مساطر الطلاق والتطليق، نتيجة تعدد أنواعها واختلاف الآثار التي ترتبها بشكل قد يحول دون فعلية الولوج إلى العدالة، والتحايل على مقتضيات التعدد، وتزويج الطفلات من خلال مسطرة ثبوت الزوجية، حيث كشفت دراسة رئاسة النيابة العامة، صدور حوالي 14000 حكما بثبوت الزوجية يتعلق بقاصر خلال الفترة ما بين ما بين 2015 و2019، (علما أن هذا الرقم يشمل فقط 18 قسما من أقسام قضاء الأسرة وأن 94 بالمائة من هذه الدعاوى رفعت الى القضاء بعد بلوغ الطرف القاصر سن الرشد القانوني). واعتبرت أنه إذا كانت الأرقام الرسمية في الآونة الأخيرة تشير إلى تراجع معدلات تزويج الطفلات نتيجة جهود كل الفاعلين والمتدخلين، وحملات الترافع والعمل الميداني، فإنه ثمة عوامل على درجة كبيرة من الأهمية، تبعث على القلق بأن تأخذ هذه الظاهرة صورا أخرى ملتبسة، من خلال زواج الفاتحة أو زواج الكونترا، فتراجع الأرقام الرسمية لا يمنع من وجود رقم أسود يتنامى في ظل استمرار الاعتراف القانوني بالزواج غير القانوني، ودعت بوعياش لضرورة تحقيق الالتقائية في التصدي لهذه الآفة، من خلال القطع مع تزويج الطفلات سواء من خلال مسطرة الاستثناء الواردة في المواد 20 وما بعدها من مدونة الأسرة، أو مسطرة إثبات الزواج الواردة في المادة 16 من المدونة، وتجريم كل تحايل على المقتضيات القانونية على حساب حقوق الطفلات وأكدت أن حصيلة ما قام به المجلس من رصد حول الإشكاليات الحقوقية المتعلقة بتطبيق مدونة الأسرة، تلتقي في عمومها مع الملاحظات الختامية التي وجهت إلى بلادنا بشأن التقرير الجامع للتقريرين الدوريين الخامس والسادس، حيث عبرت اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة عن القلق الذي لا يزال يساورها إزاء عدم التنصيص على حد أدنى قانوني لسن الزواج. إلى جانب عدم حظر تعدد الزوجات قانونا، وكون الأمهات غير المتزوجات معرضات، عند مطالبتهن بحقوقهن وحقوق أطفالهن، لخطر الملاحقة القضائية ، واستمرار أحكام تمييزية معينة في التشريعات، تؤثر على المساواة في الحقوق بالنسبة للمرأة في المسائل المتعلقة بالممتلكات المكتسبة أثناء الزواج، وبالطلاق، وبحضانة الأطفال. وشددت بوعياش على أن النهوض بحقوق الانسان لا يقتصر على مراجعة مدونة الأسرة، وإنما ينبغي أن يشمل كافة القوانين ذات الصلة الموضوعية منها والاجرائية بما فيها القانون الجنائي وقانون الجنسية وقانون المسطرة المدنية والجنائية وقانون المساعدة القضائية، بما يكفل مواءمة الترسانة القانونية مع مقتضيات دستور 2011 الذي ينهل من المرجعية الدولية لحقوق الانسان والوفاء بالتزامات بلادنا المتعلقة بالنهوض بالحقوق الإنسانية عامة وحقوق النساء والأطفال خاصة.