بعد عام من التراجع الديمقراطي، مرت تونس إلى مرحلة أخرى الأسبوع الماضي عندما أضفى الرئيس قيس سعيّد الطابع الرسمي المؤسسي على حكمه الاستبدادي من خلال استفتاء على دستور جديد يمنحه سلطة شبه مطلقة. لم تكن نتيجة التصويت موضع تشكيك: بعد أن ألغى البرلمان وحصل على دعم الجيش، كان سعيّد قد أضاف جرعة من التحكم من خلال تعيين لجنة تدبير الانتخابات والهيئة القضائية المشرفة عليها و أقدم على سجن المعارضين وتكميم وسائل الإعلام. وبما أن الموافقة على الدستور كانت مقررة سلفا، فقد أظهر معظم التونسيين رفضهم من خلال مقاطعتهم للعملية: فقد اختار أكثر من ثلثي الناخبين عدم التصويت. هذه هي بالضبط الطريقة التي تراجعت بها الديمقراطية في مصر، البلد الآخر الوحيد الذي ترسخت فيه البذور التي زرعت في فترة الربيع العربي – حقبة الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بالعديد من الديكتاتوريين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في أوائل العقد الماضي. ومثل نظيره في القاهرة، الجنرال عبد الفتاح السيسي، يجسد الرئيس سعيّد العودة المظفرة للنظام القديم. هناك الكثير من اللوم الذي يمكن سرده عند الحديث عن هذه الإخفاقات. هيا نبدأ بالقوى الثورية في تونس كما في مصر، فقد أهمل المتظاهرون الشباب، ومعظمهم من الليبراليين والعلمانيين الذين أطاحوا بالطغاة، جوهر الديمقراطية – تشكيل أحزاب سياسية، بناء برامج سياسية، وخوض الانتخابات. وقد سمح ذلك في البداية للأحزاب الإسلامية المحافظة، التي كانت أفضل تنظيما، بالفوز بالأصوات ثم تشكيل حكومات. كان لدى المتظاهرين أيضا توقعات غير واقعية بالحصول على مكاسب اقتصادية فورية من الديمقراطية وعندما لم تتحقق الوظائف والفرص التي كانوا يريدونها على الفور، فقدوا الثقة في النظام السياسي الجديد. وردا على ذلك، أعادت المؤسسة التي حدث التخلص منها تجميع صفوفها حول شخصيات رجعية مثل السيسي وسعيّد، اللذي استغلا الاستياء الشعبي من النظام الديمقراطي الجديد للاستيلاء على السلطة – ثم إعادة كتابة الدساتير لاستكمال استعادة الاستبداد. ويجب أن نلقي بعض اللوم أيضا على قادة العالم الحر، الذين ابتهجوا أولا بازدهار الحرية العربية، لكنهم تركوا الأوراش الجديدة الديموقراطية تتضاءل وتضمحل. كان هناك غموض غربي واضح بشأن العمل مع الحكومات التي يقودها الإسلاميون في القاهرةوتونس، الأمر الذي قوض قدرتها على إصلاح الأضرار التي خلفتها عقود من الحكم الديكتاتوري. مثل سلفيْه المباشرين، لم يبذل الرئيس الأمريكي جو بايدن جهدا يذكر لمساعدة الحكومة التونسية على إنقاذ اقتصاد البلاد المنكوب. ولم تعبّر إدارته سوى على انتقادات سريعة لاستيلاء سعيد على السلطة. قد يكون الأوان قد فات لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ولكن يجب على بايدن وغيره من القادة الديمقراطيين التعلم من إخفاقاتهم الأخيرة والتصميم على التصرف بشكل أفضل في المرات القادمة ومن شبه المؤكد أنه ستكون هناك مرات قادمة. سوف يكتشف الشباب العربي قريبا أن حكامهم المستبدين الجدد ليس لديهم حلولا للمشاكل الاقتصادية الكامنة وراء سخطهم ومظاهراتهم. لم يظهِر سعيّد إدراكا أكبر من الحكومة التي أقالها للتحديات الاقتصادية في بلاده. في عهد السيسي، نما الاقتصاد المصري، وكذلك ارتفعت نسبة السكان الذين يعيشون في الفقر. ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية على الصعيد الدولي، لا يمكن لسعيّد والسيسي أن يتوقعا المزيد من الصبر من الشباب التونسي والمصري أكثر من الحكومات التي أطاحا بها. قد لا تكون الاضطرابات السياسية القادمة طويلة الأمد. وعندما تدور العجلة، يجب أن يكون العالم الديمقراطي مستعدا للعمل بسرعة. وستكون الأولوية القصوى هي احتضان الحكومات المنتخبة ومساعدتها، بغض النظر عن توجهاتها الفكرية ( ليبرالية أو إسلامية). بعد ذلك، يتعين على الدول الغربية الغنية أن تجهز حزمة من المساعدات الخارجية والتخلي عن الديون، فضلا عن الشروط التجارية المواتية، وأن تكون مصممة للسماح للحكومات المنتخبة بتحقيق مكاسب اقتصادية لجمهور نفد صبره. وبنفس القدر من الأهمية، يجب أن تكون هناك يقظة حذرة حول أدنى علامات التراجع الديمقراطي. يجب على أي زعيم يظهر خطا استبداديا أن يواجه عواقب حقيقية. وينبغي للنخب العسكرية، على وجه الخصوص، أن تفهم أن حصولها على بعض الموارد الغربية يتوقف على الالتزام بالدفاع عن المؤسسات الديمقراطية. سيحاول العرب مرة أخرى تأسيس أنظمة ديمقراطية. وفي المرة القادمة، يجب على بقية العالم ألا يخذلهم. المصدر: واشنطن بوست