من الطبيعي أن يسعى السياسي لاستغلال تعطش وسائل الإعلام للمعلومة، ليمرر خطابه، الخطاب السياسي الآن أصبح له عدة مواصفات، لا يعتمد فقط على الكلام والخطابة، بل (وبالأساس) على الصورة والرمز وإشراك الوجوه المعروفة.. ولكن، على الإعلامي المتمكن أن يفرز ويستوعب المقالب الموضوعة له، حتى لا يصبح مجرد قنطرة أو أداة.. لنعطي مثلا بما يحدث في مصر الآن، حيث هناك صراع بين طرفين أساسيين، التيار "الديني" أو "الإسلام السياسي"، الذي يريد أن يستعمل الدين في السياسة، وتيار آخر من توجهات مختلفة لا تخلو بدورها من استغلال جزئي للدين حتى لا تتركه أداة في يد الخصم وحده.. ما أود الإشارة إليه أساسا هو حول كيفية انتباه "الإخوان المسلمين" للعبة الإعلامية، خاصة أن جل وسائل الإعلام تريد إظهار وإبراز كل الآراء، ووجهة نظر كل الأطراف، في إطار ما يسمى بالموضوعية أو "الرأي والرأي الآخر".. وطبيعي أن يكون للإخوان في مصر خبراء في الإعلام والتواصل، ولا يرغبون في ترك أي فراغ يستغله "المناوئون"، لهذا عندما قامت "حركة تمرد" بجمع توقيعات المعارضين لاستمرار محمد مرسي في الرئاسة، وقد أعلنت عن جمع أزيد من 22 مليون توقيع، في نفس الوقت قال الإخوان وهم يخوضون "حرب الإعلام" إنهم جمعوا 26 مليون توقيع من قبل من يؤيدون بقاء الرئيس في الحكم.. وليس هذا فحسب، بل حشدوا أنصارهم في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة، وقد ذكرت أخبار بقناة فضائية أن الإخوان جمعوا بهذه الساحة 350 ألف وفق إفادتهم، لكن ليس لديهم تجمعات مماثلة في كل مصر، بل إن مؤيدين لهم حجوا من مختلف المحافظات لدعم "وقفة" رابعة العدوية.. كما انسحب أمس الإخوان من ميدان الاحتجاج (دعما الرئيس) في الإسكندرية مباشرة بعد الخطاب الثاني لمرسي.. ونلاحظ كيف يلعب الإخوان على "فكرة التنوع"، بحيث سمحوا لأول مرة بحضور نساء غير متحجبات وسطهم، كما أخذت الكلمة أمس شابة في المنصة التي وضعوها وهي ترتدي لباسا عصريا وشعرها مسدول وتحاط بكوكبة من أصحاب اللحى الطويلة ! إنها لعبة الصورة.. أما معارضي "الإخوان" فيحتجون بمدن عديدة، وحتى بعدة أماكن بنفس المدينة كما هو عليه الحال بمصر.. فهناك مثلا ميدان التحرير، وقصر الاتحادية .. في إطار لعبة الإعلام وتقاذف الصور لم يشأ الإخوان الغياب في هذه الفترة الحرجة من تاريخهم السياسي.. خاصة أن بعض وسائل الإعلام تساندهم بشكل واضح كحال قناة " الجزيرة" القطرية التي تبدأ وتنتهي بميدان رابعة العدوية.. لنتصور الحرج الذي كانت ستقع فيه هذه القناة لو لم يخرج مؤيدو الإخوان بدورهم.. إن للعلام دورا حيويا في نشر الحقيقة، كما يمكنه أن يكون وسيطا غير مباشر بين الفرقاء، وأمام تعدد وسائل الإعلام حديثا سرعان ما يكتشف الجمهور (المتلقي) الغث من السمين، الجيد "المحايد" من المطبل والمتهافت والخادع... وطبيعي أنه هناك قضايا عادلة تجد طريقها نحو النشر والإعلام، وأخرى لا تجد من يتحدث عنها..