لماذا لم تنفع شريعة الله في إخماد غضب الشعوب وحقدهم على المستبدين باسم الدين؟ أليس الفشل الذي أبانت عليه حركات الإسلام السياسي في مصر وتونس والمغرب، والتي رفعت شعار الإسلام هو الحل قد جنت على هذا الدين حيث أقحمته في محك الإختبار وأصبح شعار الإسلام هو الحل غير قادر عن الإجابة عن سؤال الإقتصاد إلى أين؟ وسؤال الحريات والحقوق هل هي مقترنة بدولة المؤسسات ام هي مؤجلة إلى حين؟ سؤال التربية والتعليم؟ أسئلة اللغة والثقافة والهوية هل هي لبنات بناء المواطنة الكاملة ام سيشملها عفو "إنا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا". وهل الإقتراض من صندوق النقد الدولي الربوي الكافر هو الحل لأزمات التنمية المتعثرة؟ وهل تكفي ديمقراطية الصندوق وإكرامية القفة، لضمان الولاء والتحكم في البلاد والرقاب؟ وهل تكفي أدعية الاستخارة وعبارات "وما توفيقي إلا بالله" و"عفا الله عما سلف" في محاربة الإستبداد والفساد، والإجابة على المؤشرات الدقيقة للتوازنات الماكرو اقتصادية؟ فلماذا فشل المبشرون الجدد في إعادة أمجاد الأمة التليدة وإعادة بعث ثراتها القديم؟ إن صمود مقولات " لا يمكن صلاح الخلف الا بما صلح به السلف" تتهاوى أمام صعوبة تحديد أي سلف سيحتدى به؟ هل السلف قبل وقوع الخلاف؟ ام سلف الخلاف ومن تلاه بعده بالمخالفة والخلاف؟ وقد أتبث التاريخ ان التابث في معادلة الديني/السياسي هو أن الديني كان دائما مسايرا وداعما لاختيارات السياسي - مند اختلاف الصحابة في سقيفة بني ساعدة إلى اختلاف الأنصار والمتمردون بميدان التحرير وبساحة تقسيم، وشارع بورقيبة وداخل مجالس حكومة بنكيران- فالصراع السياسي كان وسيبقى هو المحدد لرسم ملامح دولة الله فوق أرضه، رغم أن من يريدون أن يغلفوا الصراع فقط بين المؤمنين وبين الفساق الفجار بين الملائكة والشياطين بين حمائم الإصلاح وفلول التماسيح والعفاريت لا يملكون أية إجابة عن الأزمة الخانقة التي دخلتها بلدان الخريف الديمقراطي إلا النهل من قاموس ابن المقفع ومن أساطير جلجاميش لنحت مفاهيم العبث السياسي. فلماذا كل هذا الزعيق والعويل؟ اليس تجار وكهنوت الدين هم تجار حروب يغتنون على حساب تلابيب الدراويش والفقراء وعلى حساب دروع ورماح من يصطفون في الخندق الأول؟ من الرابح في حروب داحس والغبراء، في حرب خطط لها وجُيِش الغوغاء لحطبها بدعوى الضفر بالشهادة في غزوات الميادين؟ وعندما ينقشع غبار الوطيس يجتمع تجار الموت في هجير كل غزوة يتقاسمون الغنائم والسبايا، محكمين سلطة النص ثارة، وسلطة السيف في غالب الأحيان. لماذا تم التطبيع مع الفساد في كل تجارب ما سمي بالربيع الديمقراطي؟ هل هو تكتيك حركات الإسلام السياسي؟ أم هو واقع فرض نفسه؟ لأن الفساد والإستبداد أصبح بنى قائمة في جينات الانظمة والشعوب ولا يمكن اجتثاتها إلا عبر طفرات جدرية. إن متفحص تاريخ الحركة السياسية الاسلامية مند فجر الاسلام لن يجد إلا أن مقولات التطبيع مع الإستبداد والفساد كان معطى ثابتا نتيجة التحالفات الفوقية المبنية على المصلحة المادية والطبقية وليس حسب المصلحة الدينية او المصلحة الفضلى للأمة. ألم تتحالف الأغَارشية الهاشمية مع الأرستقراطية القُريشية بعد سقوط مكة، تحت مقولة واضحة عنوانها "من دخل دار ابا سفيان فهو آمن" وبالتالي أصبح التطبيع مع المفسدين وأعداء الأمس وأعداء الدين والمشركين فعلا نضاليا من أجل بناء أسس الدولة الدينية الجديدة. أليست نفس المقولة تنطبق على السيد بنكيران وحوارييه؟ ألم يكن أبو جهل وأبو سفيان وأم جميل، هم نفس شخوص الهمة، والماجدي والرويسي، في خطابات البيجدي بالأمس القريب، و حسب فقه النوازل وقياس ابن تيمية وأدعية الريسوني؟ أليست مقولة "من دخل دار ابو سفيان فهو آمن" تنطبق على مقولة "من دخل دار المخزن فهو آمن" التي تبناها حزب القنديل وبالتالي فالتطبيع مع المفسدين والمستبدين ليس بدعة ابتدعها السيد بنكيران وإنما هي تكتيك استلهمه من نُسُك السلف الصالح، وهو الخبير بأن مقولة ابن خلدون "إن العمران وبناء الدولة لا يستقيم بالآذان والصلاة فقط..." بل وجب التحالف مع الرأسمال ولو كان حراما والتطبيع مع الريع والفساد لبقاء بنيان الدولة ودوامها ما دام تبادل المصالح والمواقع لن يؤثر على التوازنات السياسية الكبرى، وإن للمخطئ في علم الكياسة أجر المحاولة والإجتهاد في آخر المطاف.