هل سقطت مبررات الاستثناء؟ تقديم: الملكيات في مرمى الثورات تعيش الأمة ربيعا سياسيا يحمل في رحمه تحولات عميقة قد تحتاج زمنا لاستيعاب أسسها ومقوماتها وسياقاتها، واحدة من أهم هذه التحولات التي يعيشها المشهد العربي الثائر اليوم، هي انتقال شرارة هذه الثورات، وإن في مراحلها الأولى، إلى داخل الأنظمة الملكية، المتمترسة ب"شرعيات إضافية" عن الجمهوريات، وهو ما يشكل تغيرا كبيرا غير مسبوق. فقد زار طيف الثورة الجميل دول البحرين والأردن والمغرب، وما زال يخيم هناك في مخاض صعب لولادة شرعية، مكذبا التوقعات التي تحدثت عن انحصار الثورة وانحباسها داخل النظم الجمهورية وعجزها عن الانتقال -فكرا ووعيا وحراكا- إلى أقطار النظم الملكية في الوطن العربي، وليخيب ظن من قال بأن الملكيات بعيدة عن "تهديد" الثورة الملتهبة، آمنة في سربها العربي الهائج المائج، مطمئنة لما قدمته يدها السياسية والاجتماعية، ما دامت متكئة على شرعية "الحق الأبدي للعائلة المالكة في الحكم". وإذا كانت الشعارات المرفوعة في بعض تلك الملكيات لم تحمل بعد عنوان "الشعب يريد إسقاط النظام"، وما تزال منحصرة، إلى حدود اللحظة، في مطلب الإصلاح الجذري الذي يقطع مع الملكيات التنفيذية لصالح الملكيات البرلمانية والدستورية، فإن الفرق بين النظامين يعطي لحركة الشارع توصيف الثورة عن جدارة، كما أن مآلات الأحداث ونتائجها لا يمكن حصرها في شكل سياسي واجتماعي محدد، فقد انطلق التوانسة بمطلب اجتماعي تضامنا مع بائع خضر لينتهي بإسقاط الرئيس وإنهاء النظام. إن مؤشرات هذا التحول الهام، ضمن حركة الثورة العربية الحديثة، تطرح أكثر من سؤال وتثير أكثر من نقاش، فهي تطرح سؤال الفارق الدستوري والسياسي بين الجمهوريات والملكيات على النظم الملكية التي تريد إيهام شعوبها ب"استحقاق الاستثناء"، وتطرح سؤال كيفية "استيراد الثورة" ومداخل التغيير السياسية وفاعلية الحركة الميدانية على المعارضات القابعة تحت سطوة هذه النظم، وتطرح سؤال الوعي و"قَدَرية" التوريث على مزاج وفكر وذهن الشعوب. ولعل السؤال الأولي الذي يفرض نفسه على خط سريان الثورة العربية الحديثة، والذي يبدو أنه أخذ يستهدف الملوك كما الرؤساء، هو: لماذا أخذت شعوب الملكيات تتحرك على نفس خط شعوب الجمهوريات؟ نطرح هذا السؤال لاعتبارين رئيسين، أولا لأننا، ونحن نعمل على صناعة الحركة في الميدان لصالح الشعوب، في حاجة إلى تأسيسها على بناء سليم في الوعي، ووعي جزء من الأمة يتوهم أن النظم الملكية لا يمكن أن يحدث فيها أي تغيير شعبي إلا ما أفاء به الملك أو الأمير، فقط لأننا في ملكية، هكذا. وثانيا لأن الأنظمة الملكية نفسها تتصور أن لها "شرعيات" أقوى وأمتن مقارنة بنظيراتها الجمهورية. لذلك فالسؤالان المهمان هما: أيحق للشعوب أن تثور على الملوك كما الرؤساء أم لا؟ وهل ثمة استحقاق تتميز به الملكيات العربية عن الجمهوريات يجعل الخروج عليها خارج الشرعية؟ أعتقد أن الإجابة على هذين السؤالين تتأتى في التعاطي مع سؤال أصلي أهم: هل ثمة فروق جوهرية حقيقية بين النظم الجمهورية والملكية في عالمنا العربي والإسلامي تمنح الملكيات "شرعية الاستثناء"؟ وبعيدا عن الأفكار النمطية التي ورثها كثير من أبناء أمتنا، وحتى بعض مثقفيها، والتي لا تستند إلا على سلطان العادة، ملغية العقل والمنطق والشرع، لنجب على هذا السؤال المحوري من خلال مساءلة الملكيات العربية في ثلاثة مستويات مركزية: ديمقراطية ودينية وتاريخية. أولا: سؤال الشرعية الديمقراطية أو "الحكم المطلق" أبدع الفكر السياسي الإنساني مجموعة من أنظمة الحكم، لتنظيم الاجتماع البشري وعقلنة تدبير السلط، الملكية واحد منها. ولأن هذا الإبداع حدث في الإطار الديمقراطي، المرتبط بإرادة الأمة من جهة ومسؤولية الدولة من جهة ثانية، فإن الصيغة التي ارتضاها عقلاء الفكر والسياسة للنظام الملكي هي الملكية البرلمانية. في الملكية البرلمانية يسود الملك ولا يحكم، حيث تحتفظ مؤسسة القصر بالدور الرمزي، ما دامت غير منتخبة ولا تعدو أن تكون رمزا ل"تاريخية" الأمة والدولة، مقابل منح الصلاحيات الواسعة لباقي مؤسسات الدولة حكومة وبرلمانا وقضاءً ومجالس عليا دستورية واقتصادية واجتماعية. وفق هذا الأساس لا تجد الملكيات الغربية في السويد وإسبانيا والمملكة المتحدة حرجا مع الديمقراطية، ولا ترى غضاضة عندما تقارن بنظرائها من الجمهوريات في فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدةالأمريكية، لأن وراثة الحكم في الغرب والحفاظ على الملكية هناك لا يتعارض مع مبدإ السيادة الشعبية التي هي ركيزة الديمقراطية. تتجلى هذه السيادة الشعبية، فيما تتجلى، في الانتخابات التشريعية الحرة التي تخرج منها السلطة التنفيذية، هذه الأخيرة تملك دستوريا وسياسيا سلطة إدارة البلد وتنفيذ سياساتها العامة، والشعب يراقب ويحاسب من خلال مؤسسات القضاء والإعلام والمجتمع المدني، ويكافئ أو يعاقب من منحهم الثقة في الانتخابات اللاحقة. في البلاد العربية لم تتأسس الملكيات في الإطار الديمقراطي، ولم يعكس سلوكها قيم المواطنة، ولا تقيدت سلطاتها بمبدإ المساءلة، ولا استمدت شرعية الحكم من الإرادة الشعبية، ولا منحت المؤسسات المنتخبة حقيقة السلطة لممارسة الحكم وتطبيق البرنامج. في البلاد العربية الملك أو الأمير يسود ويستأسد، ويحكم ويتحكم، ويمنح ويمنع، ويقرب ويبعد، الكل في يده وتحت أمره، رغم أنه لم ينتخب من الشعب ابتداءً ولن يساءل عما يفعل انتهاءً. خارطة دساتير العرب في الملكيات، كما الجمهوريات، تقول بأن الحاكم يسمو فوق الدستور، فهو مصدر السلطات، ورأس المؤسسات، والمقدس الذي لا يخطئ ولا يحاسب. وقوانين وأعراف سياسة العرب تقول بأن الملك أو الأمير رغم أنه يملك صلاحيات التعيين والعزل فإنه غير مسؤول عن فساد مستشاريه ووزرائه والنافذين في محيطه، بل إنه لا يعلم بفسادهم أصلا، إذ هو الوحيد الذي لا يعلم، والأوحد الذي يصلح وما دونه يفسد. إذ يمكن أن نضحي بالجميع، خبراء ووزراء وعلماء وحتى الأمة ذاتها، إلا هو، فلا وجود للأمة بدونه. لا فرق إذا بين الملكية والجمهورية على مستوى الشرعية الديمقراطية، ولا أساس يمكن بناء عليه أن نفاضل الملوك على الرؤساء حتى تلتزم شعوب النظم الملكية الطاعة ولا تتطلع إلى التغيير. بل إن الجمهوريات تشهد، شكليا، وكيفما كان الحال، ما يسمى بالانتخابات الرئاسية، حيث يظن الناس أنهم اختاروا رأس الدولة، على خلاف الملك الذي لا شرعية ديمقراطية له سوى أنه موروث مقدر لا فرار منه. ثانيا: سؤال الشرعية الدينية أو "بدعة التوريث" لأن الغالبية العظمى من الشعوب العربية مسلمة، ولأن الحكام العرب، ملوكا وأمراء ورؤساء، حريصون على إضفاء الطابع الشرعي (بمعناه الديني) على حكمهم، ولأن للإسلام نظرة ورؤية في الحكم والسياسة وعلاقة الأمة بالحاكم، فإن مساءلة الملكيات عن سندها الديني في توريث السلطة أمر محوري في نقاش شرعية حكمها. * هل الإسلام أمر الحاكم بتوريث الحكم لابنه أو أحد أفراد عائلته خوفا على الأمة من الفراغ وعدم الاستقرار؟ * إذا لم يأمر الإسلام في نص صريح بذلك، فهل رجح وألمح إلى ترحيبه وتفضيله توارث السلطة في عائلة "عرق خالص" دون باقي عائلات وأفراد الأمة؟ * هل يعقل أن الدين الذي جعل الناس كأسنان المشط، لا تمايز بينهم ولا تفاضل إلا بالتقوى والكفاءة، يعدم حق كل أفراد المجتمع في الاختيار في سبيل توارث الحكم في نسل واحد؟ * وبماذا يتميز هذا النسل، من الناحية الشرعية، عن غيره حتى يحكم الأجداد والآباء والأبناء والأحفاد وأحفاد الأحفاد أجيال الأمة المتلاحقة دون أحقية لأحد في الاعتراض وللأمة في التغيير؟ * ألا يتعارض مبدأ التوريث مع مبدأ الاختيار الذي جاء الإسلام ليضمنه في الدين وليس في السياسة فحسب حين قال ربنا "لا إكراه في الدين"؟ * لماذا لم يورّث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المؤيد بالوحي الحكم لأحد أقاربه؟ * ولماذا لم يصادر الخلفاء الراشدون الأربعة حق الأمة في الاختيار ويمنحوا الحكم للمقربين وأفراد العائلة تحت أي مبرر أو داع؟ * وإذا كان بعض الخلفاء الراشدين اقترحوا، من خارج دمهم ونسبهم، خلفاء لهم على أساس مصلحة الأمة، فعلى أي أساس يورث حكام العرب والمسلمين السلطة في نُطَفِهم؟ أليس استئثارا بمغانم السلطان واحتكارا للسلطة والثروة؟ يقوم نظام الحكم في الإسلام على أصلين لا يجادل فيهما أحد: الحكم بالعدل والاستقرار على الشورى، والشورى الإسلامية لا تتحقق إن لم تنطلق من أعلى هرم الدولة ولم تتجسد في أسمى صورها السياسية: اختيار الحاكم وتعيينه ومتابعة عمله وعزله عند الضرورة أو تجديد الثقة فيه عند الإنجاز. والعدل لا وجود له في ظل عادة سياسية قبيحة تورث للابن الأمة من الأب، كأنها متاع لا يملك له من أمره شيء أمام قدره المقدّر. لم يعرف الإسلام في تاريخه الذهبي، مرحلة النبوة والخلافة الراشدة، توريث الحكم، وما كان تعيين سيدنا أبي بكر سيدنا عمر رضي الله عنهما خليفة له إلا اقتراحا لم يكتس قوة وشرعية النفاذ إلا بعد أن رضيت الأمة واختارت وبايعت، وفي هذا قال ابن قتيبة في كتاب "الإمامة والسياسة" أن "أبا بكر خطب الناس عند احتضاره، وخيَّرَهم بين أن يترك لهم أمرهم يأتمرون ويتشاورون فيه، وبين أن يختار لهم. فقالوا: "يا خليفة رسول الله! أنت خيرُنا وأعلمنا، فاختر لنا، ثم إن الصديق لم يول ابنه عبد الله أو عبد الرحمن أو محمد، بل رجح الفاروق العدل لتقواه وكفاءته، وليس لقرابة في الدم والنسب. ويشهد التاريخ الإسلامي أن بدعة توريث الحكم ظهرت في الأمة غصبا مع بداية حكم الأمويين، حين ورَّث الصحابي معاوية بن أبي سفيان ابنه يزيد، دون أن تختار الأمة وفيها الأخيار من الصحابة والتابعين. وصدق الصادق المصدوق حين أخبرنا أن أول عرى الإسلام نقضا الحكم. توريث الحكم ليس إلا بدعة في الدين، ومعارضة صريحة لمقاصده في العدل والإنصاف، وضرب في الصميم لمبدإ الاختيار الذي يرتكز عليه نظام الحكم في الإسلام. ثالثا: سؤال الشرعية التاريخية أو "سلطان الزمن" تروج الآلة الإعلامية والدعائية الرسمية الخادمة بين يدي سلطان بعض الأنظمة الملكية أن مؤسسة القصر تتمتع بشرعية تاريخية، وأن الملك هو ابن الملك وحفيد الملك وحفيد حفيد الملك، في إشارة إلى تجذر العائلة الملكية في تاريخ الدولة وجغرافيا الوطن. إن الشرعية التاريخية تقحم معطى الزمن ليصبح حاسما في معترك السياسية والفكر، فتستدعي الماضي (ملوك العائلة الملكية) ليحكم الحاضر (الملك الحالي) ويحدد مصير المستقبل (ولي العهد الذي سيحكم الأبناء، والحفيد الذي سيحكم الجيل الذي يليه)، لنجد أنفسنا في النهاية أمام فكرة غاية في الغرابة والتخلف مفادها أن الأمة أسيرة "سلطان الزمن". إذ يجب عليها الخضوع لمقتضياته وما صدر من قرارات ماضيه الفائت على مستوى هرم الحكم، وإن خالف إرادتها الحرة في التغيير حاضرا ومستقبلا، فالشعوب التي فتحت عينيها، ووجدت أن آباءها وأجدادها اختاروا، أو فرض عليهم، نظام سياسي ملكي، لا حق لها في إعادة اختيار طبيعة النظام، فقد اختار السلف وحكم الماضي وقضى الفائت!! وإذا كان الأسوياء يؤكدون على أن الحسب والنسب والعائلة بعد مهم في تقييم الشخص، فإن العقلاء يجمعون على أنه غير كاف على الإطلاق للحكم له أو عليه حتى ينظرون في باقي جوانب شخصيته، وعلى رأسها الكفاءة والأمانة. ف"من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه"، وهي حكمة إن كانت تصلح أن تسري على عموم الناس، فإنها تليق أيضا أن تطبق على الحكام ملوكا كانوا أو رؤساء. إذ لا أحقية لذاك الطفل في حكم أمة من الناس،لم يتميز عن باقي مواليدها سوى بأنه ازداد وراء جدران قصر وفتح عينيه فوجد أباه ملكا، لا أحقية شرعية وعقلية له في ذلك إلا إن نظرت إليه الأمة على أرض مستوية مع أقرانه فتميز عنهم، إلى جانب "سلطان الزمن" الذي يقف في صفه، بميزات ذاتية وكفاءات أهلته فعلا للحكم. إن الذين يرفعون في وجه الشعوب العربية، القابعة تحت تسلط النظم الملكية التنفيذية المستبدة، لافتة مكتوب عليها "الشرعية التاريخية للمؤسسة الملكية"، تواجههم مجموعة من الأفكار والأسئلة والاعتراضات المحرجة، وتظهرهم كمن يريد من الأمة أن تضع عقلها في جيبها، وتتنكر لصريح قول دينها، وتسلم بمقولاتهم الخرافية. ومن هذه الأفكار المحرجة: أولا: مقولة الشرعية التاريخية تضع أصحابها أنفسهم في الزاوية الضيقة، إذ إن نظامهم الملكي خرج على الشرعية التاريخية سلفا، يوم أنهى النظام السياسي السابق عليه وأطاح بالدولة التي حكمت قبله (مثلا: الدولة العلوية في المغرب جاءت على أنقاض الدولة السعدية عام 1664). ثانيا: إذا سلّمنا أن العائلة الملكية تميزت بشرعية ما في زمن ما منحها أحقية الحكم، فما هو السند الشرعي والعقلي والمنطقي الذي يعطي لهذه العائلة، دونا عن باقي العائلات، حق سريان هذه "الشرعية" على كل الزمن المقبل وإلى قيام الساعة، وبغض النظر عن سير وسيرة هذه العائلة وكفاءة أفرادها المحتملين للحكم؟ ثالثا: إحدى عجائب "الشرعية التاريخية" أنها تقبل التغيير والتجديد في كل شيء، في عوائد الناس وسلوكياتهم وقيمهم وثقافاتهم وحتى أديانهم إلا طبيعة نظامها الحاكم الذي يلزم أن يبقى ثابتا لا يتغير، رغم أنه لا يعدو أن يكون صنعة بشرية وليس نصا إلهيا قطعي الدلالة لا يمكن تأويله أو الخروج عنه. رابعا: إن توريث الحكم يطرح سؤالا شديد الدقة والحرج للملوك ومن ينتصر لحكمهم، وهو: هل شرعية الحكم تكتسب بالأهلية والكفاءة والتفوق والجدارة أم عبر الحيوانات المنوية للملك التي تحمل في خلاياها جينات الحكم إلى ولده؟ أظن أن التنصيص المبكر في الدساتير على ولاية العهد، لحَدَثٍ لمّا يبلغ الحلم بعد، ولما تظهر عليه علامات الأهلية السياسية، يوحي بأن شرعية الحكم تكتسب، حسب الفهم الرسمي للشرعية التاريخية، عن طريق التلاقح والنكاح والوضع!!. خامسا: "المؤسسة الملكية هي ضامنة وحدة الشعب" إنها خامسة أثافي "الشرعية التاريخية"، وهي تقول بلسان فصيح أن مكونات الشعب لا يمكنها التعايش في أمن وسلم ورفاهية ونماء إلا بوجود شخص الملك وفي حماية القصر. وهي فكرة، إن صحت، تتهم الأمة جمعاء وتاريخها ولغتها ودينها وحضارتها ورغبة أهلها في العيش المشترك بفقدان مقومات الاستقرار والوجود خارج ذات الملك!! ثم هي فكرة تكذبها نماذج الأمم ووقائع السياسة في تاريخها وحاضرها، فالثورة الفرنسية عام 1789 أنهت مئات السنين من حكم الملكية، وها هي اليوم شامخة لم تتفكك ولا تقاتلت قبائلها ولا انتهت إلى مزع ودويلات وطوائف، والثورة الإيرانية التي أتت سنة 1979 على حكم الشاه البهلوي لم تقع في فزاعة "محذور" التفكك والتحلل والحروب الأهلية. خاتمة: مبررات الاستثناء في مهب رياح الثورات تعيش الأمة اليوم على إيقاع لحن ثوري جميل، فعلى غير ميعاد رفعت عدد من الشعوب العربية المسلمة شعار التغيير الجذري وإسقاط النظم وخلع الحكام، وهو ما أيقظ المجتمعات ونفض غبار اليأس عن خط حراك الشارع والرهان على الشعب، وبعث أملا حقيقيا في إمكانية معانقة الأمة لحياة تستعيد فيها الدولة دورها الاجتماعي وطابعها الديمقراطي وهويتها الرسالية. وإذا كانت شعوب النظم الجمهورية لا تعترض طريقها كثيرُ شرعيات موهومة، وترى أن الرئيس، الذي عشّش في الحكم زمانا وعاث في البلاد فسادا واستبداد، من حقها خلعه وتغييره، فإن من حق شعوب النظم الملكية إعادة بناء وعيها وترتيب حركتها وفتح نقاش جاد حول "مبررات الاستثناء" المرفوعة. بناء على كل ما سلف يمكننا القول بأن المساءلة الديمقراطية لنظم الحكم الملكية في الوطن العربي تضعها على صعيد واحد مع الأنظمة الجمهورية، كما أن "الشرعيات الإضافية" للملكيات، وأساسها "ثابت التوريث" المرتكز على شرعية دينية وأخرى تاريخية، لا تصمد مطلقا أمام المساءلة الجادة والموضوعية المبنية على العقل والشرع، بل إنها تؤدي إلى خلاصة رئيسية مفادها أن مبررات استثناء الملكيات قد سقطت. [email protected]