حاول العاهل السعودي ارضاء شعبه عبر رزمة تقديمات بمليارات الدولارات على وقع الانتفاضات الشعبية التي تغير وجه المنطقة بأسرها. إلا أن ذلك لم يعد كافيا بالنسبة لكثيرين يطالبون بالمشاركة السياسية. وقبيل وصوله إلى الرياض، الأربعاء 23 فبراير 2011، بعد غياب استمر ثلاثة أشهر تخلله سقوط نظامين عربيين واندلاع حركات احتجاجية واسعة لدى الجار الشرقي البحرين والجنوبي اليمن، أمر الملك عبدالله بن عبدالعزيز بتقديمات اقتصادية جديدة ضخمة في الإسكان والأجور والوظائف. وقدر البنك السعودي الفرنسي إجمالي قيمة التقديمات الجديدة ب36 مليار دولار، وهو مبلغ لا يشكل عبئا على المملكة التي تملك فوائض مالية ب450 مليار دولار، وفي ظل ملامسة أسعار النفط مستوى 120 دولارا. وقالت المحللة السياسية والباحثة مي اليماني المقيمة في لندن لوكالة فرانس برس "هذا نوع من الرشوة. فمن منطلق مبدأ ولي الأمر، يعتقد الملك أنه يعطي كوالد المال والوظائف لأولاده لإرضائهم". وترى اليماني التي نشرت كتابا تحت عنوان "هويات متغيرة، تحدي الجيل الجديد في السعودية"، أن "هذا النظام بكل بساطة لم يعد يجدي نفعا من الآن فصاعدا". وتعتبر الباحثة أن الملك عبدالله، وهو ملك إصلاحي بالنسبة لبلد شديد المحافظة مثل السعودية، "يؤمن بصدق بأنه يعطي الناس المال، والناس يحبونه وكل شيء سيكون على ما يرام بعد ذلك، وهو ليس قريبا من الفساد"، لكن "الأيام تغيرت والطريقة القديمة للدفع من أجل إخضاع الناس وإسكاتهم عفى عليها الزمن". والسعودية التي تعوم على ربع الاحتياطي النفطي العالمي ليست بلدا فقيرا بالطبع، لكنها تعاني من معدلات بطالة بين الشباب تتجاوز 10% ومن تغييب النساء عن قطاعات واسعة من الحياة الاقتصادية وسوق العمل. والسعودية بمنأى حتى الآن من موجة الاحتجاجات المطالبة بالتغيير التي تجتاح العالم العربي بالرغم من دعوة على موقع الفيسبوك، فالتوترات تحيط بها من جميع الجهات، في اليمن والبحرين وحتى الأمس القريب في مصر حيث خسرت الرياض حليفها الكبير حسني مبارك، إلى جانب المشكلة القديمة الجديدة مع الجار الشيعي إيران. وقالت اليماني في هذا السياق إن نموذج الثورات الموجودة في مصر واليمن يقوم على "المطالبة بالخبز" لكن "الثورة في دول مثل ليبيا والبحرين، وهي ليست دول فقيرة، يعني أن هناك في العالم العربي شباب غاضبون ومثقفون يطالبون بحقوق مواطنة" تتجاوز المطالب المعيشية. ويرى سمير نصر أن التقديمات الجديدة في السعودية التي وصفها بأنها "جيدة"، تشكل "نوعا من تحسين التوزيع للثروة الوطنية". وقال نصر لوكالة فرانس برس انه لا يمكن الفصل بين الخطوات السعودية الأخيرة والأوضاع في المنطقة، مشيرا إلى أن "أي تدوير لعملية توزيع الثروة يخفف من وطأة وحدة الأزمة ويجعل الأمور تميل إلى الهدوء". وأكد أن هذه التدابير سيكون لها "فائدة كبيرة على مستوى رفع الاستهلاك وجلب الكفاءات وتحسين نوعية الخدمات وتوزيع الدعم على المناطق التي لم تحظ ربما بقدر كاف من التنمية في السابق". من جهته، كتب كبير المحللين في البنك السعودي الفرنسي جون سفاكينياكيس إن رزمة التقديمات الاقتصادية "تستهدف بشكل شامل مجموعة من مكامن القلق لدى السعوديين وتقدم الدعم بشكل خاص لذوي الدخل المنخفض الذين سيستفيدون بشكل كبير من توسيع تقديمات الضمان الاجتماعي". لكن سفاكينياكيس اعتبر انه "يتعين على الحكومة الاستمرار في بذل جهود مركزة لإرضاء ودعم أولئك الذين هم بأمس الحاجة إلى المساعدة". إلا أن المشكلة بالنسبة لمي اليماني ليست اقتصادية أو معيشية في المملكة حيث تحكم نخبة "ثمانينية" متمثلة بأمراء آل سعود الطاعنين في السن، مقابل "بروز طبقة وسطى هائلة شابة ومثقفة تسأل عن دستور حقيقي، وتطلب في الحد الأدنى أن يكون مجلس الشورى منتخبا وليس معينا". وبالرغم من رغبة الملك عبدالله بالإصلاح، يبقى الإصلاح السياسي مجمدا تماما في المملكة، لاسيما تحت وطأة قوى غير متحمسة للإصلاح داخل الأسرة الحاكمة. وكان ناشطون إسلاميون أعلنوا هذا الشهر تأسيس أول حزب في المملكة وطلبوا الاعتراف به، لكن مؤسسيه اعتقلوا بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش. ونقلت محطة "بي بي سي" البريطانية عن الأمير طلال بن عبدالعزيز، وهو أخ العاهل السعودي، قوله قبل أسبوع إن بلاده قد تشهد بدورها اضطرابات على غرار ما يحصل في العالم العربي في حال لم يتم إجراء إصلاحات عاجلة. وأوضح الأمير طلال "كل شيء قد يحصل في حال لم يبدأ الملك عبدالله ببرنامج إصلاحات سياسية" معتبرا أن العاهل السعودي "هو الشخص الوحيد الذي يمكنه إجراء هذه الإصلاحات". وفي هذا السياق، قالت اليماني "إذا كان هناك مثال لدولة مجمدة، فهي السعودية حيث حول المال الوفير البلاد إلى ثلاجة ضخمة". وإذ أشارت إلى أن الرد التقليدي على المطالبين بالإصلاح يكون عموما "إما بنكران المشكلة أو بالقمع"، اعتبرت انه "يتعين على الحكام القديمين أن يتقاعدوا وان يعطوا المجال للمثقفين الشباب ويفتحوا أبواب الحوار والمشاركة لاسيما عبر تنظيم انتخابات" و"تنظيف البيت الداخلي". *أ ف ب --- تعليق الصورة: سعوديون يحملون صورة الملك عبدالله