نصت خطة الشرق الأوسط الكبير التي أنكب المحافظون الجدد في فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق بوش على تنفيذها بعزيمة قوية على إقامة 54 أو 56 كيانا في المنطقة الممتدة من أفغانستان حتى سواحل المحيط الاطلسي وذلك محل الأقطار الموجودة حاليا وغالبيتها عربية، وذلك من أجل خلق أوضاع سياسية وإقتصادية تسمح للولايات المتحدة وما يوصف بالديمقراطيات الغربية من إيجاد مناخ ملائم لضمان تزودها على المدى الطويل بمصادر الطاقة النفطية والمتجددة والتحكم فيما يصفه بعض الجغرافيين بمركز العالم القديم، بكل ما يعنيه ذلك من قدرة على صياغة الوضع العالمي خلال عقود. التطبيق العملي للخطة او للمشروع الذي شكل الصيغة الأحدث للعملية الإستعمارية، بدأ مع بداية القرن العشرين واستهدف تفتيت الأقاليم التي انتزعت من الإمبراطورية العثمانية وتشكيل دول مختلفة وتمهيد الطريق لتحويل المنطقة الفلسطينية إلى مركز استيطان لليهود وبالتالي تشكيل حاجز جغرافي بين شرق وغرب الأمة العربية. غير أن هذا التفتيت لم يعد كافيا خاصة وأن أقطارا عربية تمكنت من بناء قواها الذاتية وأصبحت قادرة على إعادة تشكيل موازنات الأمن الإقليمي التي فرضتها القوى الإستعمارية، كما أن أقطارا أخرى تمكنت من استعادة أجزاء كبيرة من أراضيها وتوحيدها ومنع مزيد من التشرذم وبناء الكيانات الهزيلة. في عهد الرئيس الأمريكي السابق بوش طرح مسيرو البيت الأبيض عدة أساليب للوصول إلى تنفيذ المخطط فزيادة على العمل العسكري المباشر أو بالوكالة، شكلت الفكرة التي سموها «الفوضى الخلاقة» أحد أعمدة التدخل الخفي لرسم الخارطة الجديدة للمنطقة. ويرى بعض المحللين أن فكرة «الفوضى الخلاقة» تبلورت من التجربة الأمريكية في الصومال فبعد أن عجزت واشنطن عن الأحتفاظ بقواتها في هذا البلد استطاعت استكمال تدميره كدولة في عقد التسعينات وحتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عن طريق تغذية الصراعات الداخلية، والاستعانة بأطراف خارجية. المحاور التالية شكل غزو الولايات المتحدة لإفغانستان سنة 2001 مدخلا لإستهداف العراق للسيطرة على ثرواته النفطية التي هي من الأكبر في العالم وتدميره كقوة إقليمية كبيرة تهدد الكيان الصهيوني، ثم في وقت لاحق باكستان التي لم ترض غالبية الدول الغربية عن تمكنها من دخول النادي النووي، والتي تريد واشنطن تقسيمها على أسس عرقية ودينية. بعد العراق وأفغانستان أنتقل ثقل تدخل المحافظين الجدد ومكمليهم من الحركة الصهيونية العالمية، إلى المحاور التالية الضرورية لإستكمال مشروع الشرق الأوسط الكبير. وهكذا تم التركيز على تفتيت السودان، والعمل على زعزعة اليمن الموحد جريا وراء إعادة تقسيمه ثم استخدامه كساحة خلفية لضرب كل أقطار الجزيرة العربية. الولايات المتحدة وإسرائيل لم تكونا اللاعبين الأساسيين في عملية صياغة شرق أوسط جديد، فقد ضمت اليهما قوى أخرى اقليمية تلاقت مصالحها الاستراتيجية معهما، رغم أن البعض من هذه القوى يوجد نظريا في صراع مع اللاعبين الأساسيين، ولكن فقط حول حجم تقاسم الغنائم. يجب هنا التأكيد أن العنصر المشترك في هذا التحالف الأمريكي مع القوى الإقليمية، كان هو أن الأقطار المستهدفة بعملية «الفوضى الخلاقة» والغزو تشكل أحد أمنع المواقع لعملية التشييع التي تقوم بها طهران وتصرف عليها مليارات الدولارات سنويا من أجل مد نفوذها عبرها، وهي العملية التي يرى فيها المحافظون الجدد أجدى أسلوب لتمزيق المنطقة وخاصة منها العربية وعلى أمد طويل جدا. محللون غربيون أشاروا إلى أن انتشار المذهب الشيعي سيزيد من ضعف المسلمين وسيشكل حجر عثرة أمام جهود توحدهم خاصة وأن احتمالات الصدام قوية حيث أن الجميع يعلم موقف الشيعة من صحابة رسول الله بدءا من أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان بن عفان، ومرورا بأمهات المؤمنين، وعلى رأسهن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وانتهاء بعامة هذا الجيل العظيم، فكتبهم ومراجعهم، بل وعقيدتهم وأصولهم، تزعم بفسق هذا الجيل أو رِدته، وتحكم بضلال غالبيته، وتتهمهم بإخفاء الدين وتحريف القرآن. وقد العديد من العلماء المسلمين ومنهم الشيخ تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين ورئيس المحكمة العليا الشرعية أنه لا يثق في الشيعة التابعين لطهران لأن لهم أهدافا لا تصب في مصلحة القضية ولا الأمة فلهم أهداف إيرانية شيعية فارسية توسعية. المنافسة الهدامة في سنة 1942، أصدر عالم الاقتصاد النمساوي جوزيف شامبيتر (1883-1950) كتابه الشهير عن «الرأسمالية والاشتراكية والديموقراطية» مضمنا إياه تصوره لآليات اشتغال النظام الرأسمالي. يقول شامبيتر متحدثا عن الرأسمالية: «ليس القديم بالرأسمالية هو الذي يفرز الجديد، بل إن إزاحته التامة هي التي تقوم بذلك... والذي يتمترس وراء الإزاحة إياها إنما هو المقاول المبدع الذي يثوي خلف السلعة الجديدة والمزج الإنتاجي الجديد والسوق الجديد ومصادر الطاقة الجديدة...هو نظام تقدمي بالتأكيد حتى وإن بدا ظاهريا غير مرغوب فيه». ويتابع موضحا: «إن المنافسة الهدامة...هي أيضا تدمير هدام يساهم في خلق ثورة داخل البنية الاقتصادية عبر التقويض المستمر للعناصر الشائخة والخلق المستمر للعناصر الجديدة». وأمريكا بإسم هذه الأطروحة فرضت على المنطقة العربية بذور التفتيت من الداخل، فبعد احتلال وتدمير العراق قوضت سبل النهوض من بين ظهرانيه ووزعته إلى طوائف ومذاهب وأحزاب تتناحر، وأثارت حساسيات السودانيين على بعضهم البعض بإسم حق تقرير، والمصريين ضد المصريين تحت مسوغة «اضطهاد المسلمين للأقباط» واستنفرت العصبيات العرقية في منطقة الشام والجزيرة العربية وشمال أفريقيا وفتحت المجال شاسعا للمنظمات المعارضة تمويلا وتأييدا بغرض زعزعة هذا البلد أو ذاك. وهي إذا كانت قد ناهضت وحاربت الفكر القومي العربي، فإنها دافعت عن الأفكار القومية المدمرة والمفتتة داخل الوطن العربي، وعملت في الخفاء والعلن على تشجيع التطرف بإسم الدين لأنه يخدم في النهاية أهدافها الأساسية وإن كان يسبب أحيانا خسائر جانبية لها، ولكنها مقبولة اذا قورنت بالنتائج المتوخاة. لا تنحصر إيديولوجيا «الفوضى الخلاقة»، في جانب إشاعة الفوضى كغاية في حد ذاتها فحسب، بل وأيضا كوسيلة وأداة تتمكن «الأمبراطورية الأمريكية» من خلالها إدراك ما لم يتم لها إدراكه إن استقام النظام بهذه الجهة أو تلك. فهي تتطلع لخلق مسوغات على الأرض عسكريا بالأساس تفتح لها في سبل احتلال الأرض والمواقع الجيوستراتيجية ثم بعد ذلك تملي طبيعة نظام الحكم السياسي الذي من المفروض وفق تصورها إقامته وتعزيز مقوماته «وضمان الاستقرار» لمكوناته. بالتالي، فهي لا تقتصر على تسويغ «إيجابية الاحتلال العسكري»، بل وتريد إبرازه كما لو أنه «الممر الطبيعي والضروري» لبناء الدولة والاقتصاد عبر التدمير وإعادة «البناء الإيجابي». المعركة ضد الحوثيين مع بداية سنة 2010 انتهت عمليا جولة المواجهة العسكرية السادسة بين القوات اليمنية وجماعة الحوثيين بعد أن تكبد المتمردون خسائر فادحة، ورغم أن بعض المحللين اعتبروا أن الأمر يتعلق بمحاولة الحوثيين استعادة انفاسهم ربما استعدادا لجولة سابعة قادمة، فأن الخبراء العسكريين رأوا أن الرهان على الحوثيين لزعزعة استقرار ووحدة اليمن سقط مرحليا وان على القوى الخارجية التي تحرك وتسند التمرد أن تبحث عن بديل. في صيف سنة 2009 اندلعت الحرب مجددا في شمال اليمن بين الجيش النظامي والمتمردين الحوثيين الزيديين الذين يتمتعون بمساندة إيران المادية والمعنوية، وقبل أن تمر خمسة أشهر، تحولت تلك المواجهات رسميا ويوم الثلاثاء 3 نوفمبر 2009 الى حرب إقليمية، عندما أنضمت السعودية اليها بعد أن هاجم الحوثيون الأراضي السعودية واحتلوا جبل دخان بمنطقة الملاحيظ وأراضي سعودية إستراتيجية مجاورة للحدود اليمنية. في ذلك الحين أشار غالبية من المحللين السياسيين والعسكريين الى أن تلك الحرب هي محاولة لإقامة طوق تابع لطهران يمتد من الخليج العربي حتى مشارف البحر الأحمر لتعديل خريطة المنطقة خاصة في الجزيرة العربية، والسعودية واليمن بشكل أساسي. تكررت محاولات الحوثيين سنة 2010 لخرق وقف اطلاق النار ولكن الأمر لم يكن فعالا، وبموازاة مع ذلك تحركت أطراف أخرى، وهذه المرة تم التركيز على جماعات الإنفصال في جنوب البلاد، وفي نفس الوقت ضخمت الولايات المتحدة وسائل الإعلام التابعة لها ما سمته تهديدات القاعدة المتمركزة باليمن للأمن الأمريكي والغربي، وضمن هذه الحملة صدرت المزيد من التقارير الأمريكية عن الدول الفاشلة وخطر إنهيار اليمن وقرب نضوب نفطه وغازه وإفلاس حكومته إلى غير ذلك. كان الأمر بكل بساطة تكرارا لنفس الاطروحات التي استخدمت من قبل ضمن أخرى لتبرير غزو دول وتدميرها. نظرا لتعثر كل المحاولات السابقة الذكر في التوصل إلى الهدف كان من الضروري أيجاد سبيل مكمل. حصان طروادة يوم 29 أكتوبر 2010 ذكرت السلطات في بريطانيا إنها رصدت «طردين مشبوهين» كانا في طريقهما من اليمن إلى الولايات المتحدة عبر دبي. بعد ساعات وفي نفس اليوم أعلن مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي «أف بي آي» أن الطردين كانا مرسلَين الى مؤسسات دينية في شيكاغو. وقال المتحدث بإسم مكتب التحقيقات الفدرالي في شيكاغو روس رايس لوكالة «فرانس برس» إن «الطردين المشبوهين لا يحتويان على متفجرات، ولا أعتقد أن هناك هجوما وشيكا»، لكنه طلب من المؤسسات الدينية تلك أن «تكون في حالة تأهب». رايس أضاف: «لم يصدر أي تهديد ولم نتسلم أي اشارة تفيد أن شخصا ما أو مقرا ما في شيكاغو معرض للخطر»، رافضا تحديد ما اذا كان الطردان مرسلين الى كنس يهودية او اي نوع آخر من اماكن العبادة. نفس التأكيدات النافية لوجود متفجرات نقلتها وكالة رويترز عن مكتب التحقيق الفدرالي. في حين ذكرت محطة «سي إن إن» الأمريكية ونقلا عن مصدر أمني إن الشرطة البريطانية عثرت في الطرود المشبوهة على محبرة من النوع المستخدم في الطابعات، لكنها «تعرضت للتلاعب»، من دون أن يحدد طبيعة التلاعب، غير أنه أكد أن الفحوصات التي أجريت على المحبرة أكدت عدم احتوائها على مواد متفجرة. يذكر أن الكثير من المحابر المذكورة تتعرض لعمليات تلاعب تجارية لزيادة الربح. القضية تحولت 180 درجة بعد ذلك بمدة قصيرة ليم فجأة الاعلان في لندن والبيت الأبيض بواشنطن، أن الطرود كانت مفخخة، وانها من تدبير تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب. سادت بعد ذلك أجواء من الهلع في عدد من العواصمالغربية، وتم اتخاذ إجراءات اعتبرها الخبراء مبالغا فيها. وفي تكذيب لتصريحات مكتب التحقيق الفدرالي ذكر البيت الأبيض أن الرئيس باراك أوباما أبلغ في وقت متأخر من مساء الخميس عن وجود «تهديد إرهابي محتمل» من طرود مشبوهة قادمة من اليمن على متن طائرتي شحن. وأشار المتحدث بإسم البيت الأبيض إلى أن أوباما وجه الاستخبارات الأمريكية والأجهزة المختصة الأخرى لإتخاذ المزيد من الإجراءات الأمنية، وتحديد ما إذا كانت التهديدات جزءا من أي «مخطط إرهابي». في تلك الساعات سادت الفوضى في الأخبار والتقارير المتحدث باسم شركة «فيديكس موري لين»، أكبر شركة للشحن الجوي في العالم، والتي قيل أن الطرود الملغومة كانت على متن رحلتها قال: «كإجراء أمني إضافي حظرت فيديكس كل الشحنات القادمة من اليمن». مضيفا أن «الطرد الذي يجرى الحديث عنه لم يصل أبدا إلى طائرات فيديكس. نحن لا نطير إلى اليمن. في حين أكد مسئول إماراتي لرويترز، أن الرحلة الأخيرة من دبي إلى نيويورك لم يكن على متنها طرود من اليمن. يوم الجمعة 29 أكتوبر وبعد ساعات على صدور الأخبار المتضاربة، أكد الرئيس الأمريكي تصميمه على «تدمير» تنظيم القاعدة في اليمن، وقال اوباما من البيت الابيض «اريد ان اعلم الامريكيين بتهديد ارهابي حقيقي يطال بلدنا». وأضاف ان الطردين كانا موجهين الى «اماكن عبادة يهودية في شيكاغو» معقله الانتخابي حيث من المقرر ان يمضي ليل السبت الاحد في اطار جولة اخيرة على الولايات الامريكية قبل الانتخابات التشريعية المقررة الثلاثاء. وكما توعد الرئيس الأمريكي جورج بوش بالقضاء على تنظيم القاعدة وملاحقته في جبال أفغانستان، عقب تفجير برجي التجارة العالمي بنيويورك في سبتمبر من العام 2001، خرج الرئيس أوباما بعد مضي نحو عقد من الزمن ليتوعد بذات الطريقة أمام ملايين الأمريكيين الذين كانوا يتابعونه بذعر عبر شاشات التلفزة ب «تدمير القاعدة في اليمن». تناقض غريب صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية أشارت إلى تناقض غريب، حيث ركزت يوم الثلاثاء 2 نوفمبر في صفحتها الأولى على أن رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون لم يعلم بمسألة وجود الطرود المشتبه بها «إلا بعد 11 ساعة من العثور على أحدها في مطار إيست ميدلاند البريطاني، فيما تم إبلاغ الرئيس الأمريكي باراك أوباما عما كان يحدث خلال 5 دقائق فقط من العثور على الطرد المشبوه». نفس الصحيفة وفي ذات العدد كشفت عن أن هناك تفكيرا بين لندنوواشنطن للتدخل عسكريا في اليمن بحجة الطرود الملغومة. فقد رفض رئيس الأركان البريطاني الجديد الجنرال دافيد ريتشاردز استبعاد التدخل العسكري في اليمن للقضاء على ما اسماه ب «التهديد المتزايد لإرهابيي القاعدة المتمركزين هناك». ونقلت الصحيفة عنه قوله: «لا رغبة هناك في «فتح جبهة ثانية هناك»، إلا أن ذلك «قد يكون» ضروريا في المستقبل». وردا على سؤال طرح عليه عبر إذاعة «بي بي سي» حول احتمال أن يصبح اليمن «أفغانستان جديدة»، حيث ينتشر حاليا أكثر من 150 ألف جندي أجنبي بينهم 10 آلاف بريطاني، أجاب ريتشاردز: «يجب ألا يحدث ذلك»، ولا أعتقد أيضا أن اليمنيين يريدون ذلك». من جانبه أبلغ رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون البرلمان بأن بريطانيا «ستتخذ كل الخطوات اللازمة لاستئصال سرطان الإرهاب الذي يربض في شبه الجزيرة العربية». في هذه الأثناء كشف أن عددا متزايدا من المسؤولين العسكريين في إدارة الرئيس باراك أوباما يقدرون أنه من الضروري أن ترسل بعض فرق القوات الخاصة الأمريكية إلى اليمن وتوضع تحت السيطرة العملانية لوكالة الاستخبارات الأمريكية «سي آي إيه». وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية أنه في حال تولت «سي آي ايه» قيادة فرق القوات الخاصة المكلفة تصفية «المتمردين» وخصوصا مقاتلي تنظيم القاعدة في اليمن، فسيكون بإمكان الولايات المتحدة التركيز على أهداف إرهابية بشكل أسرع وأكثر سرية. وفي هذه الحالة سيكون لدى الولايات المتحدة هامش أكبر للمناورة لضرب عناصر القاعدة دون الحصول على ضوء أخضر من الحكومة اليمنية. رفض التدخل في رد على هذه المناورات الأمريكية صرح الرئيس اليمني: «نحن لا نريد ولن نسمح لأحد أن يتدخل في الشأن اليمني ويقوم بمطاردة العناصر الإرهابية لتنظيم القاعدة في اليمن». وأبدى صالح استعداد بلاده للتعاون مؤكدا أن اليمن وانطلاقا من إرادته السياسية القوية سيواصل جهوده في مكافحة الإرهاب ولن يتوانى أو يتراجع عن ذلك، مبديا في ذات الوقت الحرص على تعزيز التنسيق والتعاون والشراكة مع المجتمع الدولي ممثلا ب»الدول الصديقة والشقيقة وفي المقدمة دول الجوار حتى يتم القضاء على آفة الإرهاب واجتثاثه من جذوره». وقال: «لقد دفعنا ثمنا باهظا جراء الأضرار التي لحقت بوطننا واقتصادنا الوطني جراء الأعمال الإرهابية سواء الخسائر الكبيرة في مجال السياحة أو في مجال الاستثمار أو في مجالات عديدة أخرى». وأضاف: «نحن لا نريد ولن نسمح لأحد أن يتدخل في الشأن اليمني ويقوم بمطاردة العناصر الإرهابية لتنظيم القاعدة في اليمن، بل نحن الذين سنقوم بتعقبهم ومطاردتهم ودك أوكارهم بطائراتنا وآلياتنا ومعداتنا الأمنية والعسكرية أينما تتواجد تلك العناصر». وقد أيد مجلس النواب «البرلمان» اليمني بمختلف توجهاته موقف الرئيس علي عبدالله صالح الرافض لأي تدخل في شؤون البلاد الداخلية، وأكد النواب، أن هناك استهدافا استخباراتيا وصهيونيا لليمن، وقال النائب سعيد دومان إن استهداف اليمن ليس جديدا، بل إنها قضية موضوعة على أجندة النظام العالمي الجديد، وعبر عن خشيته من أن تكون دول كبرى تحاول إيجاد مبرر للعدوان على اليمن.أما النائب عبدالكريم جدبان فحمل الولايات المتحدة المسؤولية الكبرى في تأليب العالم ضد اليمن، واصفا إياها ب «العدو الأول»، وقال إنها تعمل على زرع الفتن المذهبية لتقديم نفسها إلى الشعوب كمخلص، وقال إنها بعد استكمال مشاريع الفتنة في الصومال والعراق ولبنان تعمل على احتلال اليمن لموقعه الجغرافي. من جانبه، طلب النائب عبدالقادر الدعيس حضور نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن، لتوضيح ما إذا كانت العملية مفبركة ولها علاقة بالانتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي. نقلة نوعية في غضون ذلك، يري إبراهيم أحمد الأكوع، الباحث المتخصص في دراسة تاريخ الحركات الأصولية، أن التدخل العسكري الأمريكي المباشر سيشهد نقلة نوعية خلال الفترة القادمة من مرحلة العمل العسكري السري وغير المعلن إلى مرحلة العمل العسكري المعلن. وذكر في حديثه لصحيفة «الخليج» الاماراتية، أن «التدخل العسكري الأمريكي بشكل معلن سيتسبب، في حال حدوثه، بتداعيات خطيرة من قبيل إسقاط الحكومة الحالية وتعزيز وجود القاعدة في البلاد». كما اعتبر الشيخ ناصر أحمد صالح فراس، أحد وجهاء القبائل في مأرب، شرقي البلاد، أن الوجود العسكري الأمريكي في اليمن مرفوض شعبياً، وأن إقدام الولايات المتحدة بالتدخل العسكري المباشر وبشكل مكشوف في الحرب ضد القاعدة سيضاعف من قوة هذا التنظيم لاعتبارات أهمها أن هذه القوات لن تواجه فقط القاعدة، لكنها ستواجه قبائل يمنية مسلحة ستقاتل ليس لنصرة تنظيم القاعدة، ولكن دفاعا عن الأرض والعرض، فنحن لا نقبل وجود الأمريكيين في العراق فما بالك لو وجدوا في اليمن». تقول تقارير مصادر الرصد الألمانية أن هناك مبالغة في التقارير التي تتحدث عن تنظيم القاعدة في اليمن، فحجم هؤلاء لا يتجاوز 300 إلى 400 فرد ونسبة 80 في المائة من هؤلاء أميون ولا خبرات تقنية لديهم وقلة لا تتعدى 30 أو أربعين فردا لهم قدرات تقنية متوسطة، وهذه المجموعة معزولة تقريبا عن العالم الخارجي ولهذا فإن الضجة عن خطورتهم على الأمن الغربي مفتعلة، ولها خلفية سياسية. وأشارت المصادر الألمانية إلى ان المبالغات بخصوص عجز اليمن يروج لها منذ مدة. وذكرت أن القيادة المركزية الأمريكية كانت قد حذرت في وقت سابق من ما وصفته بانهيار قوات الأمن والجيش اليمنيين، اللذين تشكك في قدرتهما على إدارة الحرب على الجبهتين الشمالية حيث المعارك المتقطعة مع أنصار عبد الملك الحوثي، والجنوبية في مواجهة الحراك الجنوبي وتنظيم القاعدة. وأشارت المصادر الألمانية إلى أن القيادة المركزية الأمريكية، في تقويم لها، ذكرت أن نظام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح يكافح لاحتواء «حركتي التمرد» في الشمال والجنوب، وأن وزنهما يعرض قوات الأمن والجيش اليمنيين لخطر الانهيار، وخصوصا إذا أضيف إليهما تآكل الاقتصاد اليمني. ورسم قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال جيمس ماتيس، صورة قاتمة للوضع في اليمن، بعدما أبلغ لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي وجود «دلائل على تراجع قدرة الرئيس اليمني على ضبط الوضع»، بعدما «كان قد أدار هذه التهديدات عن طريق المفاوضات وبتسلسل مع خصومه». باريس تكشف المسكوت عنه هناك أحداث وأخبار تمر أحيانا دون أن تثير تساؤلات أو تفرض تفسيرات تكشف عن حقائق معينة. خلال حرب صنعاء والرياض ضد الحوثيين سنة 2009 كثر الحديث عن المساندة الأمريكية ضد التمرد. الأمر لم يكن كذلك، فبذكاء تمكنت مصادر فرنسية أن تضع عبر وسائل إعلام أمريكية أمام العالم حقيقة مغايرة. يوم الخميس 11 نوفمبر 2010 ذكرت صحيفة واشنطن بوست ان فرنسا زودت السعودية بصور اقمار صناعية سمحت لقواتها بضرب مسلحين في اليمن في عام 2009. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين سعوديين لم تكشف عن هوياتهم ان باريس بدأت في تزويد السعودية بتلك المعلومات بعد زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للرياض في نوفمبر 2009. وفي ذلك الوقت كانت السعودية تخوض حربا ضد المتمردين الحوثيين على حدودها مع اليمن. وفي البداية واجه الاف الجنود السعوديين تدعمهم المدفعية الثقيلة قتالا صعبا مع الحوثيين نظرا لمعرفتهم بطبيعة المنطقة على طول الحدود. وطلب مسؤولون سعوديون من واشنطن صورا تلتقطها الاقمار الصناعية لضرب المتمردين بشكل لا يوقع عددا كبيرا من القتلى بين المدنيين، الا ان مسؤولين امريكيين رفضوا بحجج واهية. ولكن فرنسا وافقت على تقديم المساعدة. وعندما زار ساركوزي الرياض في 17 نوفمبر «كان مستعدا لفتح قناة تعاون استخباراتي جديدة»، طبقا للواشنطن بوست. واضافت الصحيفة ان «المسؤول السعودي قال انه في اول ليلة من زيارة ساركوزي بدأت صور مفصلة لمنطقة المعارك اليمنية في الوصول الكترونيا الى السعوديين». واستطاع السعوديون باستخدام صور الاقمار الصناعية رصد تحركات المتمردين «وقامت المقاتلات السعودية بعد ذلك بمهاجمتهم بفعالية مدمرة» حسب الصحيفة التي اضافت انه خلال اسابيع بدأ الحوثيون يطلبون هدنة، «وبحلول فبراير 2010 انتهى هذا الفصل من الحرب الحدودية». وذكرت الصحيفة ان السعودية تسعى الان لامتلاك القدرة على الرصد بواسطة الاقمار الصناعية، وستطلب شراء مثل هذا النظام من شركات غربية وفي مقدمتها الفرنسية قريبا. التعاون الإقليمي في تدمير النسيج العربي يتم فضحه عنه من حين لآخر وفي العديد من الأحيان بهدف مغاير لما يترتب عنه هذا الكشف، فيوم الخميس 11 نوفمبر افادت وكالة فرانس برس نقلا عن تقرير استخباري غربي ان عددا من قياديي شبكة القاعدة بينهم المتحدث السابق بإسمها الكويتي سليمان ابو غيث، انتقلوا مؤخرا من ايران الى اليمن. وان «بعض هؤلاء القياديين تسلموا مسؤولية القيادة والتنسيق في عمليات القاعدة». في نفس التوقيت تقريبا أستبعد السفير الفرنسي بصنعاء جوزيف سيلفا يوم الاربعاء تأثر الرحلات الجوية بين فرنسا واليمن، بحادثة الطرود بناءا على معلومات استخباراتية وليس عبر اجهزة أمن المطارات. وأكد السفير استمرار الرحلات الجوية بين البلدين. رفض أوروبي قبلها وفي رفض أوروبي مخفف للهلع الذي أثير حول ما يسمى قضية الطرود الملغومة والاجراءات التي أتبعت بتوصية من الولايات المتحدة والتي فرضت على اليمن حصارا، طالب مفوض المواصلات في الاتحاد الأوروبي سيم كالاس يوم الجمعة 5 نوفمبر دول الاتحاد والولايات المتحدة بعدم المبالغة في رد الفعل بإقدامها على فرض تدابير أمنية تعرقل حركة الرحلات الجوية. وقال سيم كالاس: «الحرب على الإرهاب أمر أبدي وإن الطيران يظل هدفا أكثر حساسية لمثل هذه الهجمات ولكن الفزع ليس الحل الناجع، يجب علينا إيجاد رد مناسب وملائم». وحذر كالاس من فرض تدابير صارمة من شأنها إعاقة الرحلات والشحن الجويين. وأشار إلى أنه بعد حالات الذعر «يكون هناك دائما محاولة فورية لطرح تدابير مبالغ فيها للغاية وجمع كميات كبيرة من المعلومات لا يمكن لأي شخص تحليلها». وقال يجب أن ينصب التركيز على تطبيق تدابير «منطقية ومناسبة» بحيث «لا تمثل عبئا كبيرا بالنسبة للشركات المطارات علي السواء». بعد ذلك ب 24 ساعة ووسط أخبار مصدرها أمريكي عن كشف طرد مفخخ في الهند قبل ساعات من زيارة أوباما لها، نفت السلطات الهندية العثور على أي شحنة مريبة على متن طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الأمريكية «دلتا إيرلاينز» بعد أن هبطت اضطراريا في المطار الدولي بمومباي بغرب البلاد. كلمة السر قبل حوالي 48 ساعة على ترويج قصة الطرود المفخخة ذكر أنه تم اعتقال أمريكي من أصل باكستاني يدعى فاروق أحمد خطط لشن هجمات على محطات مترو الأنفاق في واشنطن بالاشتراك مع أشخاص قيل أنهم على صلة بتنظيم القاعدة. وذكرت وزارة العدل أن أحمد قام منذ شهر أبريل 2010 برصد التحركات الأمنية وتصوير المحطات المستهدفة في العاصمة واشنطن وضاحيتها أرلنيغتون تمهيدا لتنفيذ هجمات متزامنة العام المقبل. البعض حتى داخل الولايات المتحدة، قالوا أنه يبدو أن الأمن وليس الاقتصاد بات كلمة السر في الفوز بالانتخابات الأمريكية، فالإعلان في 27 أكتوبر عن اعتقال شخص من أصل باكستاني للاشتباه في أنه كان يخطط لتنفيذ هجمات على محطات مترو الأنفاق في واشنطن وما أعقبه من حديث عن الطرود المفخخة إنما يرجح أن أوباما لم يجد أفضل من اللعب على «بعبع» القاعدة لاستعادة شعبيته. فمعروف أن الجمهوريين طالما اتهموا أوباما بأنه أظهر ضعفا أمام «أعداء» أمريكا في العالم عبر تراجعه عن سياسة الأمن القومي المتشددة التي كان يتبعها سلفه بوش والتي كانت تقوم على شن الحروب الوقائية، وبالنظر إلى أن زعيم القاعدة أسامة بن لادن ظهر في تسجيل صوتي جديد قبل أيام قليلة من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس ، فقد تضاعف مأزق أوباما خاصة وأنه لم يضع حلولا ناجعة للأزمة المالية، كما أنه لم يف بوعده باعتقال بن لادن رغم مرور حوالي عامين على وصوله للسلطة. بعيدا عن توجيه اتهامات مباشرة إلى القوة التي لا تزال تعتبر نفسها الأقوى عالميا، اختارت صنعاء نفس أسلوب باكستان للمناورة الذكية، فيوم 2 نوفمبر أبدى مسؤولون حكوميون في اليمن تحدثوا ل «سي إن إن» خشيتهم من تحول البلاد إلى «عراق آخر»، وإمكانية حصول تدخل أمريكي معاكس، كما أكدوا خوفهم من «سيناريو صومالي». وأعرب نائب وزير المالية، جلال يعقوب إن اليمن عن ثقته بأن بلاده «ليست دولة على طريق الانهيار أو تعاني ضعفا في النظام،» لكنه شدد على أنها «بحاجة إلى دعم مادي على شكل استثمارات تتراوح ما بين 45 إلى 50 مليار دولار خلال العقد المقبل لتوفير العمل والمياه والكهرباء للسكان لأن التطرف ينمو في بيئة يسودها الفقر وتنقصها الخدمات». ولفت يعقوب أنه لن يشعر بالاستغراب إن قامت أمريكا بعمليات سرية باليمن، وأضاف قال إنه كمواطن يمني لن يسره حصول غارات لطائرات من دون طيار على أراضي بلاده. هناك أجندة أمريكية بريطانية في التواجد العسكري على الأراضي اليمنية ومياهه الإقليمية، للسيطرة على الموقع الاستراتيجي الهام على المستوى الإقليمي والدولي، وما يتطلبه ذلك من مبررات وذرائع مقنعة للتواجد في المنطقة. حركات التمرد وشماعة القاعدة والدعوات للانفصال أدوات تستغل لتحقيق أطماع أطراف أجنبية في اليمن وغيره، ولكن تنفيذ المؤامرة في تلك المنطقة من الجزيرة العربية أصعب من مناطق أخرى، في اليمن العرق واحد، والدين واحد، واللغة واحدة، والثقافة واحدة، حتى كثير من ألقاب العائلات ومسميات العديد من المناطق اليمنية في المحافظات الشرقية والجنوبية والشمالية والغربية واحد.