هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    أخبار الساحة    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عالم تعاد صياغته: مصر في قلب عواصف الشرق الأوسط الكبير
نشر في العلم يوم 14 - 02 - 2011

شهدت الصين الشعبية ما بين 15 ابريل 1989، و4 يونيو 1989، مجموعة من المظاهرات الضخمة التي شارك فيها الملايين في مناطق واسعة من البلاد. وتمركزت المظاهرات في ساحة تيانانمن في بكين التي احتلت من قبل طلاب جامعيين ومؤيدين لهم من العمال وغيرهم مطالبين بالديمقراطية والإصلاح.
خلال تلك الأيام كان الإعلام الأجنبي موجودا بكثافة غير مسبوقة في الصين، نتيجة لزيارة رئيس الاتحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوڤ في مايو، و قد كانت تغطية الإعلام الغربي للمظاهرات واسعة جدا وفي صالح المتظاهرين. وكتبت كبريات الصحف الغربية وخاصة الأمريكية في حينها أن الصينيين يريدون زعيما مثل ميخائيل غورباتشوف ليبدل وجه بلادهم داخليا وخارجيا.
غورباتشوف كان قد بدأ قبل ذلك بسنوات سياسة «البيريسترويكا» وتعني «إعادة البناء» وهي عبارة عن برنامج وصف بأنه للإصلاحات الاقتصادية والسياسية، وذلك من أجل إعادة بناء اقتصاد الإتحاد السوفيتي كما قال أنصار هذا التوجه. صاحبت «البيريسترويكا» سياسة «الغلاسنوست» والتي تعني الشفافية.
أدت السياستان معا إلي انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه سنة 1991، وتمكنت الولايات المتحدة من أن تتخلص من عالم ثنائي الأقطاب لتفرض هيمنتها التدريجية على العالم. وغرقت الجمهورية الروسية التي بقيت الجزء الأكبر والأقوى المتبقي من الاتحاد السوفيتي في الأزمات الاقتصادية والسياسية وانتشرت البطالة والفقر وأغلقت المصانع فيما تحولت دول أوروبا الشرقية إلى ميدان تجاذب بين الولايات المتحدة والقوى الأوروبية لفرض مناطق النفوذ وفتح الأسواق.
ألمانيا استطاعت أن تحقق حلم شعبها في إعادة توحيد البلاد وإعادة رسم خريطة تشكوسلوفاكيا التي كانت قضية مقاطعة السودت لاند سنة 1938 أحد أسباب نشوب الحرب العالمية الثانية.
في الفترة التي تلت إنهيار الاتحاد السوفيتي جاء عهد حكم يلتسين مشكلا حسب غالبية المرجعيات غربية وشرقية فترة مظلمة في التاريخ الروسي الحديث لم يشهد الروس مثلها حتى أثناء الاحتلال الألماني الواسع خلال الحرب العالمية الثانية أو قبل الثورة البلشفية وهي فترة شهدت انتشار الفساد، وانهيار اقتصادي هائل، ومشاكل سياسية واجتماعية لا يمكن حصرها، غير أنه يجب تسجيل حقيقة تاريخية وهي أن حكم يلتسين تلقى دعما مطلقا من جانب واشنطن وعملت كل الأجهزة الأمريكية على تصويره كالرجل المنقذ، وتم اللعب على نفسيته بأسلوب متقن حتى خدع بنفسه وكاد يجرد روسيا من أسلحتها النووية ويقسم البلد إلى دويلات.
في أغسطس 1999 انتهت اللعبة وأصبح فلاديمير بوتين المدير السابق لجهاز الأمن الفيدرالي الحاكم الحقيقي. وتولى اختصاصات رئيس روسيا الاتحادية بالوكالة في 31 ديسمبر 1999 بعد استقالة الرئيس بوريس يلتسن. وانتخب في 26 مارس 2000 رئيسا لروسيا الاتحادية. وتولى منصبه في 7 مايو 2000. وأعيد انتخابه للرئاسة في 14 مارس 2004 وهو يشغل منذ 8 مايو 2008 منصب رئيس وزراء روسيا الاتحادية.
تدمير دولة
مع تولي بوتين السلطة أخذت روسيا تستعيد قوتها ومركزها الدولي.
يقول محللون لا يحسبون على أنصار الشيوعية عن عهد يلتسين، بدأت عمليات «التفكيك الشامل» «و»اللامركزة» و»اللاتنظيم» في الفضاء الإمبراطوري الواحد. وبرزت السلطة الفيدرالية الجديدة بنفسها باعتبارها صاحبة المبادرة في عمليات التقطيع واللامركزة والتفكيك التي لا حصر لها، وقد التقت في الأعلى قوتان وراحتا تتعاونان: المتحمسون الديمقراطيون الذين لا يعرفون غالبا ما يصنعون، وماجنو الخصخصة الذين أظهروا مقدرات رائعة في تحويل الحريات الجديدة إلى أكبر ما يمكن من الحصص غير الخاضعة للرقابة.‏
وحين صار الفضاء ما بعد السوفييتي أول الأمر، ثم فضاء روسيا الاتحادية لاحقا يتجزأ إلى مناطق ذاتية لا حصر لها اكتشف أن ما بعد الحداثة الراديكالية قد انقلبت لتصير مضادة للحداثة. لقد استبدل بالفضاء الكبير الواحد - موطن التنوير - عدد من الفضاءات الإثنوقراطية الصماء المغلقة تجرى فيها التجارب من أجل ترميم سلفية الزعامات القبلية والتعصب الديني ورهاب الأجانب والانتهاكات الشاملة لحقوق الأفراد. وقد كتب أحد المراقبين الأجانب المتمتعين بنظر ثاقب قائلا: «لقد ظهرت على الخارطة السياسية الروسية بضع عشرات من الأنظمة الطائفية الأولغرشية، التي حولت حقوقَ المواطنين الدستورية والانتخابات الحرة وحريةَ الطباعة والقضاءَ المستقل إلى مهزلةٍ. تكون أشكال هذه الأنظمة طيفا واسعا لا يلحظ فيه وجود الديمقراطية إلا قليلا، بل على العكس، تسود فيه الأنظمة الإقطاعية والأنظمة التي يمكن تسميتها مافيوية إجرامية، والأنظمة التي يغلب عليها المذهب الديني الواحد والأنظمة البوليسية».‏
ركوب التحولات
على مدى التاريخ كانت الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في كل الدول والمجتمعات محكومة بحتمية الانتقال من مرحلة إلى أخرى وذلك طبقا لنظريات التطور والتحول التي تحكم الجنس البشري. كتاب التاريخ كانوا في أغلب الأحيان هم من يحكمون على نجاعة أو فشل هذه التحولات في تحقيق أهداف الذين يقودون عملية التطور والانتقال والتغيير، أو من حيث تمكنها من خلق مجتمعات أفضل أولا بالنسبة لمواطنيها ثم بعد ذلك لجوارها الإقليمي.
كذلك على مدى التاريخ وخاصة منذ أن تشعبت وتعقدت تركيبات المجتمعات والدول وقامت الإمبراطوريات وتزايدت الصراعات بينها، تولدت عملية تداخل التأثير على حركة التطور من خارج محيطها. هذا التدخل الخارجي كانت له جوانبه السلبية أحيانا والإيجابية أحيانا أخرى. التأثير السلبي حسب حكم التاريخ كان أخطر خاصة عندما تعلق الأمر بتدخل القوى الأجنبية ذات الأطماع الاستعمارية والتوسعية لتوجيه عملية التطور الطبيعية في مجتمع ما أو دولة في الاتجاه الذي يخدم هذه القوى الطامعة.
إذا كان الاتحاد السوفيتي في فترة تطوره وانتقاله من مرحلة إلى أخرى قد سقط وتمزق، فإن الصين لم تقع في نفس الفخ الذي شاركت في حبكه للكرملين قوى داخلية وخارجية.
ففي عام 1978، قام دينغ زياوبينغ بمجموعة من التحولات الاقتصادية والسياسية التي غدت ممكنة بفضل نجاح صين ماوتسي تونغ في العبور من مرحلة الاستعمار والنظام الفيودالي إلى الثورة الصناعية.
أدت هذه الإصلاحات إلى تنفيذ تدريجي إلى اقتصاد سوق لا يسمح للرأسمالية المتوحشة بإستعباد الشعب.
أدت هذه الإصلاحات في بدايات 1989 إلى مجموعتين من الناس غير راضيتين عن الحكومة.
تضمنت المجموعة الأولى الطلاب والمفكرين، الذين اعتقدوا أن الإصلاحات لم تكن كافية. وكانوا منزعجين من السيطرة الاجتماعية والسياسية للحزب الشيوعي الصيني. بالإضافة لذلك، رأت تلك المجموعة مثالا في التوجه السياسي والاقتصادي الذي قام به ميخائيل غورباتشوف في الاتحاد السوفيتي. تضمنت المجموعة الثانية العمال الذين اعتقدوا أن الإصلاحات قد زادت عن حدها. فقد سبب إطلاق الاقتصاد البطالة والتضخم المالي وهدد حياتهم.
أطلق المظاهرات موت النائب العام للحزب الشيوعي الصيني السابق، هو ياوبانغ، الذي تم عزله في فبراير عام 1987، بسبب المرض. اعتبر هو ياوبانغ متحررا مع لمسة شيوعية، وقد اعتبر عزله بسبب مظاهرات الطلاب غير عادل على نطاق واسع.
الصين تنجو من الفخ
شارك في المظاهرات معظم طلاب كليات وجامعات بكين العديدة، بإشراف من مدرسيهم وغيرهم من المفكرين. رفض الطلاب الروابط الموضوعة من قبل الحزب الشيوعي وأسسوا روابطهم الخاصة. رأى الطلاب انفسهم كوطنيين صينيين، وكورثاء حركة 4 مايو «للعلم والديمقراطية» التي جرت في 4 مايو 1919. تطورت مظاهرات الطلاب التي بدأت كتكريم لهو ياوبانغ الذي اعتبره الطلاب مطالبا بالديمقراطية، من مظاهرات ضد الفساد، إلى مطالبة بحرية الصحافة وانهاء حكم الحزب الشيوعي للصين ودينغ زياوبينغ، وهو عضو قديم في الحزب، حكم من وراء الستار.
في 20 مايو، أعلنت القوانين العسكرية، إلا أن هذا لم يكن كافياً لإنهاء المظاهرات، بعد عدة أسابيع، اتخذ قرار تنظيف الساحة بالقوة من المتظاهرين. قاوم المعتصمون دخول القوات العسكرية. وأعاقت عوائق الطرق الكثيرة التي وضعها بعض سكان بكين تقدم القوات العسكرية، إلا أن تنظيف الساحة تم في ليلة 4 يونيو. استمرت المعارك على الطرق حول الساحة، حيث كرر الناس تقدمهم باتجاه قوات جيش التحرير الشعبي المسلحة بالأسلحة الثقيلة، التي ردت بنيران الأسلحة الآلية. لم يكن قمع المظاهرات معتادا بالنسبة لجيش التحرير الشعبي، ولذلك فقد حدثت الكثير من المحاكمات ضد جنود وضباط رفضوا التحرك ضد الطلاب.
مع بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين أصبحت الصين تقف على عتبة إبعاد الولايات المتحدة من مرتبة القوة العالمية الأولى وإنهاء أسطورة النظام العالمي الجديد والإمبراطورية الأمريكية العالمية.
نعم سقط مئات بل آلاف الضحايا في الصين ولكن التكلفة الإنسانية كانت أقل كثيرا مما دفعته موسكو.
ويقر محللون غربيون أن الصين كانت قد بدأت في نهاية عقد الثمانينات عملية تحول وتطور واكبت تقدمها الاقتصادي، وأن قوى خارجية وداخلية حاولت التدخل في الإصلاحات التي كانت تطبق وتأليب المواطنين ضدها على أمل الوصول بالصين إلى ما كان يمر منه الإتحاد السوفيتي من أزمات. ويشير هؤلاء إلى الكيفية التي عالجت بها واشنطن أحداث ساحة تيانانمن حيث شجعت على التمرد على السلطة الحاكمة، وضجت وسائل إعلامها بالحديث عن تفكك الصين ترابيا وانفصال التبت وخطر الحرب الأهلية. وعندما هدأت العاصفة تم الكشف عن مدى تورط الأجهزة الأمريكية تجسسا وتخريبا في الصين.
واشنطن اختارت معسكرها
بعد الساعات الأولى ليوم 26 يناير 2011 أي بعد 24 ساعة تقريبا من انطلاق المظاهرات المعارضة للحكم في مصر كان واضحا أن البيت الأبيض قد اختار معسكره، ومع مرور الأيام تكثف التأييد الأمريكي لمعارضي النظام، حتى بلغ أشده مع اقتراب منتصف شهر فبراير مما دعا حكومات روسيا والصين والبرازيل إلى التنديد بما وصفته التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية لمصر. في حين انتقدت فرنسا وبعض الدول الأوروبية بشكل غير مباشر تدخل إدارة البيت الأبيض مؤكدة انه يجب أن يترك للمصريين أن يقرروا بأنفسهم مستقبلهم والاصلاحات السياسية والإقتصادية التي يريدونها.
فيوم 10 فبراير ذكرت الخارجية الفرنسية بأنها ما زالت متمسكة بمبدأ عدم التدخل، ردا على سؤال حول التوتر الذي ظهر يوم الأربعاء 9 فبراير بين واشنطن والقاهرة.
وردا على سؤال خلال مؤتمر صحافي حول موقف فرنسا حيال الانتقادات الأمريكية الموجهة إلى مصر، ذكر المتحدث باسم الخارجية برنار فاليرو بتصريح ادلت به وزيرة الخارجية الفرنسية ميشال اليو ماري أمام الجمعية الوطنية حيث قالت أن «اتفاقا بين كافة الأطراف لن يكون سهلا» و»من الضروري أن اذكر بأن مبادءنا، مبادىء سياستنا الخارجية تنص على عدم اتخاذ قرارات عن الشعوب بل دعمها وتشجيعها».
وكان المتحدث بإسم البيت الابيض روبرت غيبس قد صعد من تدخله يوم الاربعاء حيث إعتبر أنه «من الواضح أن ما قدمته الحكومة المصرية حتى الآن لا يلبي الحد الأدنى لما يطالب به المصريون». وانتقد غيبس الخطوات التي اتخذها نائب الرئيس المصري عمر سليمان الذي بدأ حوارا مع عدد من جماعات المعارضة للتخطيط للانتقال السياسي. وقال غيبس ان «العملية الانتقالية لا تنسجم على ما يبدو مع تطلعات الشعب المصري. ونعتقد أنه يجب القيام بالمزيد».
قانون «باتريوت اكت»
وزير الخارجية المصري احمد أبو الغيط كان وبعد تحذيرات متعددة نقلت إلى واشنطن قد خرج للعلن بإنتقاد سياسة البيت الأبيض وندد بمواقف الولايات المتحدة متهما اياها بأنها تسعى إلى «فرض إرادتها» على مصر.
وأعرب وزير خارجية مصر عن دهشته لمطلب جوزيف بايدن نائب الرئيس الأمريكي بإنهاء العمل بقانون الطوارئ، قائلا «اندهشت حقا لأن لدينا الآن 17 ألف سجين طليق في الشوارع خرجوا من السجون التي دمرت.. كيف يمكنك أن تطلب نوعا من إلغاء قانون الطوارئ، بينما أنا في وقت شدة.. امنحني الوقت، اسمح لي بالسيطرة من أجل استقرار البلاد واستقرار الدولة، وبعدها سننظر في الأمر».
وكان بايدن قد حاول فرض أربع خطوات تريد الولايات المتحدة من مصر اتخاذها.
وتوقع أبو الغيط أن يتدخل الجيش لحماية الأمن القومي إذا حاول من سماهم المغامرين انتزاع السلطة. كما دعا إلى المحافظة على الدستور «حتى لو تم تعديله لأنه عندما نسير في عملية دستورية نحمي البلد من محاولة بعض المغامرين الأخذ بالسلطة والإشراف على العملية الانتقالية».
وقد سجل ملاحظون أنه في الوقت الذي تطالب فيه واشنطن القاهرة بإنهاء العمل بقانون الطوارئ كان الكونغرس الأمريكي يناقش يوم الثلاثاء 8 فبراير تمديد العمل بقانون «باتريوت اكت» لمكافحة الارهاب الذي وضعته إدارة الرئيس جورج بوش بعد هجمات 11 سبتمبر ويمنح سلطات استثنائية لقوات الأمن. ويرغب البيت الأبيض بتمديده حتى 2013 رغم الانتقادات الشديدة له، حيث تصف منظمات لحقوق الإنسان في أمريكا القانون بأنه سالب للحريات.
وكان رئيس لجنة المخابرات الجمهوري مايك روجرز قد أعلن عن دعمه تمديد القانون معربا عن أمله في استعمال الأشهر التسعة المقبلة لبحث «تمديد دائم» للقانون.
غضب البنتاغون
تفيد مصادر رصد أن واشنطن فقدت صبرها بعد تعثر عملية ركوبها للإنتفاضة في مصر حين شعرت أن القوات المسلحة المصرية تناور أمام الضغوط التي تمارس عليها مباشرة من البنتاغون والبيت الأبيض للقيام بتغييرات مملاة عليها.
وهكذا عقد الرئيس الأمريكي باراك اوباما بعد ظهر يوم الخميس 10 فبراير حسب توقيت الولايات المتحدة، اجتماعا عاجلا، بمستشاريه للأمن القومي بعد خطاب الرئيس المصري حسني مبارك الذي أعلن فيه انه باق في السلطة حتى سبتمبر وتفويض سلطاته إلى نائبه، خلافا لتقارير المخابرات المركزية ولكافة التكهنات ورغم الضغوط الأمريكية.
وخلال خطاب القاه في ميشغن قبيل خطاب مبارك وبعد أن تلقى تقرير المخابرات قال اوباما «ما هو واضح بالتاكيد هو اننا نشهد كتابة التاريخ». وذكر في مستهل كلمة عن الانترنت فائق السرعة في مدينة ماركيت (ميشيغن) التي زارها الخميس «أن عملية الانتقال تحدث لان شعب مصر يطالب بالتغيير».
وتحدث عن الشباب المصريين الذين اطلقوا الانتفاضة بقوله «خرجوا بأعداد لا مثيل لها يمثلون مختلف الفئات العمرية وشتى الانتماءات، ولكن الشباب كانوا في الصدارة، جيل جديد جيلكم انتم، يريدون لأصواتهم أن تسمع».
وأضاف أمام حشد في أغلبيته من الطلاب، «نريد أن يعرف هؤلاء الشباب وان يعرف كل المصريين أن أمريكا ستفعل كل ما هو ممكن لدعم عملية انتقال منظمة وحقيقية نحو الديمقراطية في مصر، ونحن نتابع الوضع».
من جانبه أعرب السناتور الجمهوري الواسع النفوذ جون ماكين المعروف بتأييده المطلق إسرائيل، عن أسفه وقال «إن خطاب مبارك الذي اعلن فيه بقاءه في السلطة مؤسف للغاية». وأضاف ان «اصوات الشعب المصري تتعاظم وتتحد أكثر فأكثر وهي لا تطالب بنقل جزئي للسلطة ولا بتعديلات طفيفة». وقال إن المصريين يطالبون باستقالة مبارك «للبدء بانتقال حقيقي نحو الديمقراطية».
باريس وموسكو وبكين...
يوم الأربعاء 2 فبراير أعلنت موسكو الرسمية عبر وكالة «ريا نوفوستي» عن رفضها لأي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية لمصر. وقال سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسية ان بلاده «لا ترى من المفيد ما وصفه بفرض وصفات وإنذارات من الخارج على السلطة والشعب في مصر». وأضاف المسؤول الروسي ان مصر شريك استراتيجي وبلد رئيسي لروسيا في منطقة الشرق الأوسط وان السياسيين والشعب في مصر يعرفون كيفية حل ما يصادفهم من مشاكل».
ويوم الجمعة 4 فبراير انتقدت روسيا دعوات الامين العام للامم المتحدة للتغيير في مصر وبنفس الأسلوب الفج الذي تصرفت به واشنطن، ووصفتها بأنها سياسية بشكل واضح وتتجاوز مهام الأمم المتحدة.
وقال السفير الروسي في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين للصحافيين «لقد دهشت لبعض هذه التصريحات. اعتقد ان علينا إعادة التفكير في دور المراتب العليا في الأمانة» العامة للامم المتحدة.
وأضاف ان دور الامم المتحدة «لا يشتمل على تقديم نصائح سياسية للدول ذات السيادة التي تربطها بالامم المتحدة علاقات طويلة»، «هناك أمور سياسية حساسة للغاية يجب تركها للدول ذات السيادة.. بينما يجب أن تركز الأمم المتحدة على مهامها التي لا تشتمل توجيه الانتقادات للقادة السياسيين».
وتعارض روسيا والصين، الدولتان الدائمتا العضوية في مجلس الأمن، أي عمل يمكن أن يعتبر «تدخلا» في الشؤون الداخلية لمصر. وساند دبلوماسيون من دول أخرى ذلك الموقف بقولهم إن الأحداث في مصر لا تشكل بعد تهديدا للسلام والأمن الدوليين.
سلاح النفط
السعودية أنضمت إلى موسكو وبكين في التنديد بالتدخل الأمريكي، فيوم الخميس 10 فبراير ومن الرباط أعرب وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل عن «استهجانه الشديد واستنكاره البالغ لتدخلات بعض الدول الأجنبية، وممارسة المزايدات على الشعب المصري، في تدخل سافر في شؤونه الداخلية، وعلى نحو يتنافى وابسط القواعد الدبلوماسية والسياسية وميثاق الأمم المتحدة».
وأعرب الفيصل عن ثقته «بقدرة مصر على تجاوز محنتها»، منتقدا «مزايدات» بعض الدول على الشعب المصري من دون ان يسميها. غلا أن تصريحات الفيصل كان من الواضح أن المقصود منها الولايات المتحدة غداة محادثة هاتفية بين الملك عبد الله بن عبد العزيز الموجود حاليا في المغرب حيث يمضي فترة نقاهة والرئيس الأمريكي. وكانت معلومات قد انتشرت على الانترنت أشارت إلى أن الحديث شابه توتر بين الرجلين. وكانت مصادر رصد سابقة قد ذكرت أن الملك عبد الله حذر واشنطن من انه لا يمكن ضمان استمرار تدفق النفط السعودي إلى الأسواق الدولية إذا واصلت واشنطن التدخل لتأجيج الأزمة في مصر.
وبحسب صحيفة التايمز اللندنية فان العاهل السعودي أبدى «امتعاضه» خلال محادثة هاتفية مع اوباما في 29 يناير، ملوحا بتعويض المساعدات العسكرية والاقتصادية المقدمة إلى القاهرة إذا ما أوقفتها الولايات المتحدة.
قصة «غوغل»
عندما شبت أزمة في شهر مارس 2010 بين شيكة غوغل الأمريكية العملاقة والصين بعد اتهام بكين لها بالترويج للعنف والاباحية والفوضى وهو ما يحتم على الشركة فرض رقابة ذاتية عند تقديم الخدمات لزهاء 400 مليون صيني على الشبكة العنكبوتية، ضجت الولايات المتحدة وأطراف غربية أخرى، وانتهت المواجهة بعد شهرين بعد ان أكدت بكين أن الشركة وافقت على مطالبها.
جان فيليب بيجا من مركز الدراسات الفرنسية حول الصين المعاصرة في هونغ كونغ، قال في حينها إن «شيئا ما قد حصل»، أن القضية يمكن أن تكون في نظر غوغل مجرد «مسألة استراتيجية تجارية»، في وقت يريد فيه العملاق الأمريكي الذي شكك فيه عدد كبير من البلدان «إعادة تلميع صورته على الساحة الدولية».
اتهمت شبكة غوغل بأنها تخدم الأجهزة الأمريكية وخاصة الاستخباراتية منها. ويعود هذا الاتهام إلى تاريخ نشوء شبكة الانترنت التي تعتبر غوغل من كبار محركيها.
فقد ظهرت الإنترنت نتيجة لمشروع «أربانت» الذي أطلق عام 1969، وهو مشروع من وزارة دفاع الولايات المتحدة. أنشئ هذا المشروع من أجل مساعدة الجيش الأمريكي عبر شبكات الحاسب الآلي وربط الجامعات ومؤسسات الأبحاث لاستغلال أمثل للقدرات الحسابية للحواسيب المتوفرة.
وفي الأول من يناير 1983 استبدلت وزارة دفاع الولايات المتحدة البروتوكول «إن سي بي» المعمول به في الشبكة واستعاضت عنه ببروتوكولات الإنترنت، وهو التحول الذي أسهم في نمو الشبكة على الصعيد الداخلي الأمريكي في البداية ثم عبر العالم بعد ذلك. وقد كانت المخابرات الأمريكية وجهاز الموساد الإسرائيلي وخاصة منذ عقد التسعينات من كبار مستخدمي الشركة والداعمين لها. وقد كشفت في عدة مناطق من العالم وفي فترات مختلفة عمليات تجسس كبرى شكلت عمودها الفقري الشبكة العمودية وهو ما دعا العديد من المحللين إلى اعتبارها سلاحا ذا حدين.
على أساس هذه الخلفية تابع المراقبون بحذر وأحيانا بشكوك دور بعض مواقع الشبكة العنكبوتية في الأحداث مثل التي حدثت وتحدث في تونس ومصر ودول أخرى حيث يجرى التشجيع والتنسيق على التظاهر وأعمال العنف وحيث تنشر في العديد من الأحيان أخبار كاذبة لإثارة الاضطرابات.
موقع ال «سي اي ايه»
يوم 8 فبراير 2011 أطلقت وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية (سي اي ايه) موقعها على الانترنت بعد تجديده حيث أضافت إليه روابط لموقعي «يوتيوب» و»فليكر». وقال مدير الوكالة ليون بانيتا في بيان ان «الفكرة وراء هذه التحسينات هي توفير قدر اكبر من المعلومات حول الوكالة لعدد اكبر من الناس وبسهولة اكبر».
ومن المثير للإهتمام أنه موازاة مع خطوة المخابرات المركزية لبث أفكارها ووسط انتقادات أمريكية لحجب القاهرة شبكة الانترنت لمدة خمسة أيام خلال الأيام الأولى لمظاهرات القاهرة شرع الكونغرس الأمريكي في مناقشة قانون يسمح للرئيس بحجب الشبكة.
ورغم الجدل في الولايات المتحدة حول مدى القدرة التي ينبغي ان يمتلكها البيت الأبيض للتحكم في الانترنت في حال نشوب أزمة كبرى، الذي يقول معارضوه أنه خرق لحرية التعبير وحقوق اساسية اخرى. يشق مشروع القانون طريقه الى الكونغرس، ويدافع عن هذا المشروع اعضاء نافذون في الكونغرس هم من الذين انتقدوا الرئيس المصري واعتبروا انه «مخطىء تماما».
قال أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة جو ليبرمان (مستقل، رئيس لجنة الامن الداخلي في مجلس الشيوخ) وسوزان كولينز (جمهورية) وتوم كربر (ديموقراطي) أن ما قام به مبارك لوقف الانترنت «كان يرمي إلى إسكات الانتقادات الداخلية التي تستهدف حكومته».
كتب المحلل كريس ليفكو في وكالة فرانس برس يوم 10 فبراير: «عندما قطعت مصر خدمة الانترنت، وحد غوغل جهوده مع «توتير» للالتفاف على هذا الإجراء بتوفيرهما للمصريين خدمة جديدة تمكنهم من نشر رسائلهم على «تويتر» عبر الهاتف.
وقالت غوغل انها قدمت هذه الخدمة لمساعدة المصريين «على البقاء على اتصالهم في هذا الظرف الصعب للغاية».
ومذاك، وجدت غوغل نفسها منغمسة أكثر في التطورات المصرية مع بروز اسم احد المسؤولين التنفيذيين في الشركة وائل غنيم البالغ من العمر 39 عاما والذي يتولى مهام مدير التسويق في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واعتبر من جانب بعض الأوساط صوت المتظاهرين المطالبين برحيل الرئيس حسني مبارك.
علامات الاستفهام التي يطرحها عدد من الملاحظين أن هذا الشخص الذي أطلق حسب اعترافه الموقع المحرك والمساند للمظاهرات في مصر غادر مقر عمله في دبي مع بداية الأزمة واستقر في مصر ولم تبد شركته أي قلق من تركه لعمله لأيام وتحركت فقط عندما اعتقل من طرف جهاز مباحث أمن الدولة للتحقيق في علاقته بجهات استخباراتية أجنبية.
يقول الخبراء في الأعمال «ان الدور البارز الذي لعبه غنيم في التظاهرات يطرح إشكالية أمام عالم إدارة الأعمال حول علاقاته مع أجهزة الدول، حتى لدى شركة مثل غوغل التي لم تتوان عن خوض معارك في السابق ضد بلدان كالصين».
واعترف تشارلز سكوبا أستاذ التجارة الدولية في معهد العلوم الاقتصادية التابع لجامعة جورج تاون «انه منزلق كبير»، «حينما يتم الربط لدى الجمهور بين موظف في شركة ووضع سياسي فالوضع يمثل خطرا على الشركة أكثر منه نقطة قوة».
وقال ايمن الطرابيشي الأستاذ الباحث في الإدارة في معهد العلوم الاقتصادية بجامعة جورج واشنطن ان الدور البارز لغنيم في التظاهرات «سيف ذو حدين» ينطوي معا على مخاطر ومنافع.
سقف المطالب المفقود
بشير ملاحظون في أوروبا وخاصة في ألمانيا أنه من الواضح في الجهود الأمريكية لدعم القوى المناهضة للنظام في مصر، هو أن البيت الأبيض يوجه الكثيرين من المعارضة إلى عدم تحديد سقف لمطالبهم. وهكذا بعد أن طالب متظاهرون برحيل الرئيس مبارك قالوا أنهم يرفضون نائبه عمر سليمان، وبعد ذلك أكدوا رفضهم لوزير الدفاع طنطاوي وانتقلوا إلى رفض رئيس الأركان سامي عنان حتى خلال الفترة الإنتقالية. وبكلمات أخرى فهؤلاء يسعون للتخلص من كل النظام حتى الجيش الذي لعب البعض على وتر إمكانية تمرده ولو أدى ذلك إلى حرب أهلية.
ويضيف هؤلاء أن أحدا لم يتحدث عن مؤيدي النظام القائم في مصر، البلد يضم 85 مليون نسمة وإذا كان مليون أو مليونا شخص قد تظاهروا فما أمر بقية الشعب، كل المنطقة جنوب القاهرة أي أكثر من ثلثي البلاد لم تتظاهر ومناطق واسعة من مناطق شمال القاهرة لم تعرف أي اضطرابات وكذلك الأمر بالنسبة لكل موانئ البحر الأحمر.
عودة إلى السوق الأمريكية
إذا كانت قوى خارجية متهمة بالتدخل لإستغلال تطور طبيعي وتدريجي نحو الاصلاح وتوجيهه نحو عنف قد يؤدى إلى تدمير بلد، فإن المعطيات الملموسة تثبت ذلك.
أعلن المصرف الفرنسي «كريدي اغريكول» أن «الأزمة الحالية تكلف الاقتصاد المصري 310 ملايين دولار يوميا» وتم خفض توقعات نسبة النمو في مصر للعام 2011 من 5.3 في المائة إلى 3.7 في المائة.
وأفادت مصادر مالية في أوروبا أن السياحة نحو مصر تلقت ضربة قاسية وابتعدت رؤوس الأموال عن الاستثمار ليس في مصر وحدها بل في العديد من الدول العربية التي تعتبر مهددة بإضطرابات داخلية. عملية التحول هذه استقبلت بترحيب كبير في الأسواق الأمريكية التي تضررت من فرار رؤوس الأموال في السنوات الماضية بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية وذكر متعاملون في بورصة وول ستريت «الأموال تعود لأنه أمنة في أمريكا».
وقال رشاد عبدو استاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة «لن يكون من السهل استعادة ثقة المستثمرين. كما أن المجموعات الغائبة عن مصر حاليا ستفكر مليا قبل الاستثمار في هذا البلد».
وكانت عائدات القطاع السياحي قد بلغت 13 مليار دولار عام 2010 وبلغ عدد السياح في السنة نفسها 15 مليونا.
يشار كذلك أن البورصة المصرية خسرت أكثر من 26 مليار دولار منذ بدء المظاهرات، في حين أغلقت العديد من الشركات الأجنبية مصانعها التي تشغل مئات آلاف المصريين.
ويمثل الاقتصاد المصري ثالث أكبر اقتصاد عربي بعد الاقتصاد السعودي والإماراتي، كما تعد مصر أيضا شريكا تجاريا رئيسيا للسعودية بميزان تجاري يميل لصالح السعودية. وكشف تقرير أصدره البنك السعودي الفرنسي أن الفترة المقبلة ستشهد خشية من قبل المستثمرين الأجانب القلقين للغاية حتى يعود الاستقرار السياسي إلى مصر.
كما أشار معد التقرير الدكتور جون اسفيكياناكيس، مدير عام وكبير الخبراء الاقتصاديين في البنك السعودي الفرنسي، إلى أن المنطقة العربية ستخضع لإعادة تقييم من المستثمرين الأجانب من ناحية المخاطر المرتقبة، قائلا ان المستثمرين سيراقبون المنطقة لرؤية ما إذا كانت دول عربية أخرى، ستشهد مواجهات مماثلة.
أدوات زعزعة الاستقرار
قال خبير ألماني في تقدير مناخ الاستثمار بمنطقة الشرق الوسط أن أحد المقاييس المهمة لوضع خطط للمستقبل، تحديد متانة الاستقرار الداخلي والضمانات المقدمة لرؤوس الأموال الأجنبية، وضمن مقومات حجم الاستقرار يدخل عنصر مدى فعالية قدرة أطراف خارجية على التدخل لزعزعة الأمن، وفي هذه المعادلة يتم استطلاع حجم التمويل والتأثير الخارجي على القوى السياسية والمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام التي انتشرت في السنوات الأخيرة بسرعة مذهلة في المنطقة العربية.
نشرت صحيفة «افتنبوستن» النرويجية يوم الجمعة 28 يناير برقيات حصل عليها موقع ويكيليكس أظهرت أن الولايات المتحدة دفعت عشرات ملايين الدولارات إلى منظمات غير حكومية في مصر تعارض النظام. وجاء في برقية مسربة صادرة عن السفارة الأمريكية في القاهرة بتاريخ 6 ديسمبر 2007 أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (يو اس ايد) خصصت مبلغ 66 مليون دولار في عام 2008 و75 مليون دولار في عام 2009 لبرامج مصرية لنشر ما سمته الديمقراطية والحكم الجيد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.