أتيح لي متابعة حلقة من برنامج ملف للنقاش –الذي تبثه قناة ميدي1 تي في، مساء كل أحد-؛ حيث كان موضوع الحلقة هو مناقشة حصيلة تدبير قطاع التعليم هذه السنة.. جلست كما جلس الكثيرون أمني النفس بنقاش عميق يبحث في النتائج ويقارب الاختلالات ثم يزكي المنجزات ، لكني فوجئت بانحراف النقاش إلى تفاصيل بسيطة تسلط الضوء على الإجراءات التي اتخذتها الوزارة للحد من الغش في امتحانات البكالوريا. وعوض البحث في الأسباب التي دفعت الوزارة إلى اتخاذ هذه الإجراءات، والنظر في مدى شرعيتها خاصة وأننا بصد مؤسسات للتربية والتكوين، - عوض ذلك- استل ممثل جمعيات آباء وأمهات التلاميذ سيف النقد الجارح محاولا بدماء الحقد رسم صورة لأساتذة غلاظ شداد –كما وصفهم- أرعبوا التلاميذ، حتى إنه دخل غالبيتهم في حالة من الإغماء الشديد! إنها صورة أخرى تنضاف إلى صور دأبت وسائل الإعلام منذ مدة طويلة على رسمها لرجال ونساء التعليم ، فقد اعتادت التوقف عند وقائع معزولة ، و بثها للمتلقي بلغة تعويمية تهدف إلى تشكيل صورة ممقوتة لرجل التعليم؛ صورة الأستاذ الشاذ، الذي يتحرش بتلامذته ، و الأستاذة التي تعد "البغرير" في حجرة الدرس، الأستاذ المتغيب بسبب وبغيره، المتعلل بشواهد طبية لا تنتهي، المدمن على الإضراب واللاهث وراء مطمع مادي لا تحفظ معه مصلحة التلميذ... وهي صور وجدت لها صدى عند الغالبية – المغيبة - حتى صارت لا تذكر رجل التعليم إلا مقرونا بصيغة الدعاء عليه.فاستبدلت بذلك مكانة حفظت في اللاوعي لمعلم كاد أن يكون رسولا، وجردته من كل رصيد رمزي تقتضيه مهمة الرسالة التي كان ومايزال عاكفا عليها بتفان ونكران ذات. إنه مسخ يروم من جهة، الالتفاف على رجل التعليم، تصريفا لحقد دفين، وتصفية لحسابات قديمة، أيام كان رجل التعليم صاحب الدور الطلائعي في المعارك الكبرى التي خاضها الشعب المغربي لأجل الحرية و الدمقرطة ؛ المسهم في تشكيل وعي جمعي رافض للقهر والذل ومتطلع للكرامة والعدالة الاجتماعية.كما يهدف من جهة أخرى إلى النيل من سمعة المدرسة العمومية دعما لمشروع خصخصة التعليم، غافلا عن الأدوار التي لعبتها هذه المدرسة على مدى عقود في بناء الشخصية الوطنية ، وزرع قيم الانتماء لهذا البلد، فضلا عن إسهامها في تكوين كفاءات وطنية هي قطب رحى الإدارة المغربية إلى اليوم. هي مخططات واضحة إذن تبدأ بالتنكيت وتنتهي بالتشويه ، مخططات تقف وراءها نخب مفصولة تسعى إلى تبضيع المعنى وتزييف الوعي ليسهل بذلك بسط سيطرتها على البلاد والعباد مستفيدة من بؤس الساسة وانتهازية النقابييين. إن مما يحز في القلب هو أن تقرأ وتسمع عن دول تصارع ظروفها الاقتصادية بالاستثمار في أبنائها والعمل على إرساء قواعد تعليم فعال ومنتج، تبذل الوسع في الأخذ بأحدث أساليب العصر وطرقه ووسائله في تطوير مناهج التدريس، بينما أخرى تسعى جاهدة إلى حطم ماتبقى من شروط قوتها بخدش صورة العلم والمعرفة وتبخيس حاملهما... إنا إذا لمن العاجزين