هل لدى الأمة الإسلامية في هذاالعصرقابلية للغزوالفكري كما كانت لديها قابلية للا ستعمار؟وبعبارة أخرى: هل بلغ ضعف جهازالمناعة ضد الاغتراب والا ستلاب والدخيل الذي يسلخها عن هويتها درجة أصبحت معها قابليتها للغازي بالإيديولوجيات والأفكارالفاسدة بدل الدبابات والمدرعات أكبرمن ذي قبل؟ ما هي وسائل هذاالغزوالفكري المعاصر؟ماهي أهدافه؟ولماذا يستهدف الأمة الإسلامية أولا ويركز عليها دون غيرها؟ ألثرواتها؟أم لقيمها؟أم لرسالتها السماوية المكلفة بتبليغها للعالمين؟ أم لكل ذلك؟ وكيف تواجه الأمة هذاالغزوالمتزايد؟ بل كيف تقاوم جيوبه الداخلية التي يمثلها بعض أبناء جلدتها«المغرربهم»؟ لماذا نجحت الأمة في صد الحملات الصليبية السابقة، ولم تنجح جماهيرها حتى في الوعي بخطرالغزوالفكري المعاصر؟ أسئلة يستشفها قارئ كتاب الدكتورمحمد أمين السماعيلي أستاذ العقيدة الإسلامية والأديان في جامعة محمد الخامس بالرباط، ويجيب عنها المؤلف بطريقة منظمة، فيها من التوثيق والتأريخ والتحليل والتقويم والفحص الدقيق للخلفيات والغايات، والرصد المتأني للتطورات والمنعطفات ما يبصرالمسلم بأخطارالغزوالفكري المعاصر وأهدافه ووسائله. لا سيما وأن هذا الموضوع -كما قال المؤلف- من المواضيع التي ينبغي أن تتوجه إليها أبحاث الباحثين ودراسة الدارسين وجهود المفكرين، لأنه موضوع اليوم والغد، وهو بخطورته وأهميته يحتاج إلى تضافرالآراء وتبادل الأفكارحتى نكون على بصيرة من مستقبل الجيل الجديد الذي يجب أن يكون سويا متسقا مع الإسلام، ومتفقا مع لغة القرآن وبمعزل عن تأثيرالمذاهب الوافدة بالدخيل الفكري القاصدة لهدم الشخصية الإسلامية واستبدالها بهوية أخرى . ميادين الغزو الفكري ويضيف المؤلف أن الإسلام اليوم يواجه كل أنواع الكيد من مذاهب وعقائد متعددة تعمل لإضعافه في نفوس أهله والتقليل من شأنه، ثم إزالته وإزالة آثاره في مختلف بلاد الإسلام، وعلى تباين شعوبه الكثيرة، التي سوف تجد نفسها تحارب دولا وجيوشا وشعوبا من العلماء والمفكرين الذين يسعون للاستيلاء والتسلط وبسط النفوذ على بلاد الإسلام، والسيطرة على مقدرات المسلمين وأرضهم، قصد إزالة كيان الأمة الإسلامية وذهاب سلطانها وإذابة حضارتها، وتشتت الشمل أكثر مما هو عليه اليوم، والعمل الدائم على عدم الوحدة والا جتماع ضمن كيان الإسلام . وتتلخص الميادين الني يسعى هؤلاء إلى تحقيق النصر فيها في ما يلي : - الجانب العقدي والفكري حيث تتوجه أجهزة الغزوالفكري جاهدة إلى هذا الجانب الحساس من الإسلام عاملة على إضعافه وإحلال فلسفات مادية ومذاهب فكرية واجتماعية وسياسية مكانه على اختلاف وتنوع مدارسها دون مراعاة الوحي السماوي وصلة السماء بأهل الأرض، بل اعتماد العقل فقط مصدراللحقائق سواء فيها الكونية الطبيعية والغيبية، وتكاد تنتهي في مجملها إلى اعتبارالمادة أيا كانت صورتها بداية الوجود وغايته، والقيمة العليا في المجال الأخلاقي والسلوكي. - الجانب التشريعي حيث حل محل الفغقه الإسلامي الذي يضمن ويتكفل في معظم اجتهادات أئمته بإقامة الحياة الاجتماعية على أساس الحق والعدل والحرية، كما تأمرهم العقيدة الإسلامية. أخذ هذا الفقه ينحسرعن مجالاته التطبيقية ، وحلت محله القوانين الوضعية الغربية،خصوصا بعد الحرب الباردة ، ويرى المؤلف أن الوقفة المنكرة التي وقفها أهل السنة والجماعة عن الا جتهاد، قد أعطت بعض العذرللذين يتربصون بالفقه الإسلامي لعزله عن مجالاته التطبيقية. - جانب النظم الإسلامية حيث شمل الغزو الفكري النظم الإسلامية، وقصد الجماهيرالإسلامية كي يتغلب على إرادتها في التوق إلى تحقيق الإسلام في واقع حياتها، ويحول كل تصوراتها إلى شبهات ساعد على حمايتها عامل الانبهارالذي أصيبت به الجماهيرمن جراء انفتاحها المباغت على الحضارة الغربية بعد انغلاق دام قرنا من الزمن أو يزيد، وجدت الجماهيرالإسلامية نفسها منفتحة على عالم لم تعهده من الآلات والماديات، وأقبلت عليها دون وعي بأن كل هذه الماديات تحمل روح أصحابها وعقيدتهم فوقفت بوعي منها أو بدونه في الا نبهارالذي قادها إلى الا ستسلام . إن هذه الجبهات الثلاث العقدية والفكرية والتشريعية، والنظم المختلفة، قد دفعت بنا إلى الا شتغال بمواضيع كنا في غنى عنها ... فأصبحت تكتسي أهمية بالغة. وقد عرف المؤلف الغزوالفكري بأنه الغزوعن طريق الأفكار، أي محاولة إخضاع أمة لأخرى عن طريق تغيير أفكار الأمة المغزوة، واستدراجها لا عتناق أفكارالأمة الغازية حتى تصيرتبعا لها، منقادة لما تأمرها به أو توجهها إليه . وهو مقابل للغزو العسكري. ولعل الفرق بينهما هو الفرق بين المحسوس والمعنوي، إلا أن المتفق عليه أن كلا منهما غزويراد منه تحقيق أطماع الغازي في السيطرة على مقدرات الأمة المغزوة . غير أن الغزوالعسكري يستعمل القوة بجميع أنواعها للسيطرة على الأمة المغزوة، بخلاف الغزوالفكري فإنه يتخذ الكلمة والفكرة وغيرذلك من المعنويات غير المحسوسة ليقدم الباطل في صورة يخدع بها الأمة المقصودة بهدمه، فيسهل عليه تحقيق أهدافه من داخلها. ووجه الخطرفيه أنه يستهدف أصل الأمة وجذورها، فلا يلفظها إلا وهي خاوية الوفاض، امتص منها مقوماتها، ولم يبق فيه إلا الإطار.ما ذلك إلا لأنه يمسخ شخصية الأمة بقتل روح الأصالة والإبداع فيها، وشل قدرتها على النمو والتحرك السليم، بينما الغزوالعسكري لا يهدم إلا العمران والمباني المشيدة، وهي أموريمكن تعويضها وإعادة بنائها ،لأنها لا تتلف جوهرالحضارة، ولاروح الأمة . كما أن الغزوالعسكري يمكن مقاومته، وتبدأ المقاومة عادة مع ظهوره في ساحة القتال، فتبدأ الأمة في التعبئة العامة لطرده من أرضها، وقد يكون هو بذاته عاملا قويا في إيقاظ الأمة المغزوة حيث يستثير كوامن المقاومة في نفسها، فتتحد ضد الغزاة، وتعمل على طردهم بالوسائل المتوفرة لديها، من أصغر أداة إلى أعظمها. وإن مجرد رؤية المعتدي لحافز على مقاومته، بخلاف الحال مع الغزوالفكري الذي يقصد الأمة في فكرها وعقيدتها، ولا يدرك خطره ومداه إلا جهابذة الأمة وعظماء مفكريها، ويبقى في يدهم وحدهم مقاومته، إذ يقاومونه في ذات أنفسهم أولا، ثم يتجهون إلى أمتهم كي يقنعوها بفداحة سيطرة الفكر الأجنبي الا ستعماري عليها. وقلما تستطيع الجماهيرإدراك المعنويات لخفائها، إذ لا يتصورعندها قدوم خطريستهدف استعمارالأفكاروالآراء . فالغزوالفكري يهدف إلى محاولة اقتلاع العقيدة من الأمم العقدية عن طريق إفساد عقائدها، وتصوراتها، ونظمها، وسلوكها، وأخلاقها، وتقاليدها، وجعلها أمة مسلوبة الإرادة تابعة لغيرها، ليسهل انقيادها إلى أي مبتغى استعماري ، ولكن لا تقوم لها قامة بعد إبعادها عن عقيدتها وتشكيكها في دينها وأصالتها ودورها القيادي . يعتبر المؤلف أن الدافع القوي الذي يدفع الغرب لمحاربة الإسلام هو الصليبية الد فينة في نفسه رغم ما يسود حياته من علمانية وترك للدين،كما يعترف أحد المستشرقين وهو يشرح السبب في كراهية الغرب للإسلام إذ يقول «لأن الإسلام عقيدة عملت بإصرارعلى إنكار المبدأ الرئيسي للعقيدة المسيحية، التي كانت بالنسبة لأوروبا الاعتقاد السامي الذي أخذت تبني حوله - في بطء - حضارتها، وكان التهديد الإسلامي موجها بقوةوعنف، وكان ناجحا مكتسحا نصف العالم المسيحي تقريبا، والإ سلام هو القوة الإيجابية الوحيدة التي انتزعت من بين المسيحيين أناسا دخلوا في الدين الجديد، وآمنوا به .. بعشرات الملايين» [ولفرد كانتول سميث، الإسلام في التاريخ المعاصر] . ويضيف المؤلف أنه إذا كان العنصر النفسي - وهو الحقد الصليبي- هو الدافع الأول والأقوى في حرب الغرب للإسلام، فإن ذلك لا ينفي وجود دوافع أخرى إلى جانبه. فإن هناك الدافع الا قتصادي الذي يدفع الصليبية الغربية إلى تكثيف الجهود قصد إزاحة العقيدة التي توحد الصف الإسلامي، والتي تقف بينهم وبين الا ستيلاء على الخيرات التي حبا الله بها الأرض الإسلامية، والتي يقتضي الا ستيلاء عليها تمييع العقيدة في نفوس الجماهير الإسلامية بما يجعلها تعيش بدون جامع يجمعها، إذ كلما ابتعدت عن العقيدة وانحرفت عنها تجد نفسها بدون ضابط يضبط أمور حياتها، مما يفتح الباب أمام أعدائها كي يحققوا مآربهم . الدوافع والأهداف وعلى هذا يمكن القول إن الغرب الا ستعماري جاء إلى البلاد الإسلامية بدوافع صليبية ودوافع اقتصادية . وقد استهدف الغرب الصليبي الفكر الإسلامي بعد أن علم من حال الجماهيرالإسلامية الشئ الكثير، وعلم أن هذه الجماهيرتمثل وهي متمسكة بالإسلام قوة رادعة لا يمكن ضغطها بالقوة. وحتى إذا حصل ذلك وتمكن منها، فإنه لا يصل بالقوة والإكراه إلى شئ دائم الأثر، إذ مهما بلغت قوة الجيوش الغازية من تحطيم قوة المسلمين وإذلا لهم فترة من الوقت فإنها لا تتوصل إلى إطفاء نورعقيدة المسلم من نفسه أو اقتلاعها بالكلية منه. من أجل هذا كانت النتائج التي خرجت بها الجيوش العسكرية الغازية للجماهيرالإسلامية وعقيدتها سلبية من هذه الناحية، وهي الناحية التي كانت مقصودة من الغزو العسكري بالذات، في كل زمان، لأن إخماد الحقد بالحقد والغلو في استخدام القوة يخلق مشيئة الا نتقام في النفوس المؤمنة مهما امتد به الزمن فإنه لا يزيد إلا قوة في النفوس وعزيمة . لقد انشغل رواد الفكر الإسلامي في تركيز أوضاع جماعاتهم أشتاتا عوضا عن الوقوف صفا واحدا في مواجهة الفكرالأجنبي الصليبي، واليهودي، واللا ديني. بل انصرف معظم المفكرين المسلمين إلى العناية والتركيزعلى نقاط الخلاف بين الفرق الإسلامية، وإقامة حواجزكثيفة بين كل فرقة وأخرى تاركين للمفكرين الغربيين المجال واسعا لتحقيق أهدافهم في توهين العقيدة الإسلامية، وإزاحتها عن مجالاتها التطبيقية، وحصرها في جانب الأحوال الشخصية حتى تنتهي بنفسها عن طريق المسلمين أنفسهم . كل هذا يحققه الا ستعمارالفكري وأهل الفكرالإسلامي في اهتمام بالغ بقضايا جانبية لم تعد مطروحة على بساط البحث ، تاركين الجماهيرالإسلامية بمعزل عن قيادتهم وتوجيههم، مما سهل على الغرب تحقيق أهدافه التي لم تتضح لنا إلا من خلال مخلفاته في البلاد الإسلامية التي غادرتها جيوشه، ومن خلا ل الشخصيات التي نصبها الا ستعمارعلى رأسها وسلمها زمام القيادة فيها رغم أن تحطيم قدرات تلك الأمم وهي على الحالة التي عليها من التمزق اقتضى قرنا من الزمن كاملا رغم الإمكانيات الضخمة المادية والمعنوية التي كان يمتلكها الا ستعمار . شاء المفكرون الغربيون أن يفصلوا بين الإسلام والمسلمين بخطى وئيدة، تتضح من خلال إلقاء نظرة على حالة الوطن الإسلامي بعد مغادرة الجيوش الا نجليزية والفرنسية وغيرها من الجيوش الا ستعمارية أرضه. فهي لم تكتف بسلب اقتصادياته بل خطط مفكروها لما سوف يعملون بشعوبها فيما بعد . ففي الميدان القيادي عمل المقننون الغربيون على تنحية الشريعة الإسلامية عن مركز الحكم، وفصلوا بذلك الفعل الدين عن الدنيا، وأوجدوا من المسلمين أنفسهم من يدافع عن إيمان أو تقليد بأن لا علاقة للدين بالدنيا، بل إن الدين علاقة بين العبد وربه لا علاقة له بالمعاملات الدنيوية، ويتم كل هذا تحت ستاردعوى الحضارة. وهذا الزيف الحضري الذي سيطرعلى الألباب لم يكن هدف الا ستعمارمن نشره هو تمدين البلاد التي استعمرها كما كان يتشدق به ويزعمه، ولكنه كان يقصد بذلك إزالة الحواجزالتي تقوم بينه وبين هذه الشعوب وهي حواجز تهدد مصالحه الا قتصادية، وتجعل مهمة حراستها والمحافظة عليها صعبة غيرمأمونة العواقب. إن الأصول العقدية التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي هي التي تحول دون تحقيق أهدافه الصليبية فيه فكرا وسلوكا . لذلك كان الهدف المقصود مما سخره الغرب من وسائل فكرية في المجتمع الإسلامي هو عزل العقيدة عن الشريعة حتى يتمكن الا ستعمارالفكري من توجيه الشعوب الإسلامية نحو المصالح الغربية التي تطمح إلى إذلال المسلمين وسلبهم كل مقوماتهم الإنسانية. وعندما يدفع بقوانينه الغربية التي يعرف أنها جسم غريب على أمة الإسلام، يصنع ذلك عن وعي كامل وهدف واضح، فهو يعلم أنها تنظرإليه وهي في نظامها الإسلامي نظرة ريب وحذر، وتجعل من وجوده بين جنباتها وجودا غيرشرعي ولا مقبول، وسيطرته على الناحية التشريعية والقانونية، وتنحيته للشريعة الإسلامية كان أمرا القصد منه إيجاد الظروف التي تحمي وجوده في الأرض الإسلامية، وتمكنه من استغلال الشعوب المسلمة والا ستعلاء عليها ، وأداته الأولى إلى ذلك بعد الفكرهي القوانين «التي نقلت للبلاد الإسلامية لتوجه الناس إلى الشرور والعدوان، وتدفع الشعوب إلى الفساد والدمار، وليس أدل على ذلك ولا أصدق من الواقع، فلقد كنا قبل هذه القوانين - كما قال عبد القادر عوده في كتابه «الإسلام وأوضاعنا القانونية» -أحرص الناس على الخيروأقربهم إلى البروأسرعهم إلى التعاون والتراحم، حتى جاء تنا هذه القوانين فدعتنا إلى التحررمن عاداتنا الكريمة وتقاليدنا المجيدة، وأغرتنا بالانطلاق من حكم الأخلاق الرفيعة والفضائل الإنسانية العالمية، وحسنت إلينا الأنانية الممقوتة، وبثت فينا النزعة المادية الطاغية، وأقامت مجتمعنا على المنفعة والمصلحة، ودفعت الكثيرين منا إلى التحلل والإباحة، وأحالتهم من أناس يعيشون في مثلهم وأخلاقهم القرآنية، إلى حيوانات تخضع لغرائزها ووحوش تبحث عن فرائسها». إن عقيدة المسلم هي التي يقوم عليها تصوره الكامل للحياة وارتباطاتها كما يقوم عليها سلوكه الواقعي . فإذا ضعف أثرهذه العقيدة في النفوس فإن الضعف يؤثرعلى سيرحياتهم، ويدفع بهم إلى الا نحراف عن الطريق السوي ، تحقيق هذا الهدف الذي يخرج المسلم عن النظام الإسلامي الذي يحفظ له كيانه ويحقق له وجوده المتميز. لذلك كان الهدف الصليبي الذي يتخذ الغزوالفكري وسيلة له هوإحداث التفكك العقدي الذي يرمي بالمسلمين في الضياع الفكري ويجعلهم فريسة في يد أعدائهم يدحرجونهم حيث يشاءون. والغرب عندما يخطط لا قتلاع العقيدة من نفوس المسلمين بالدهاء الممزوج بالحقد فهو لا يفعل ذلك قصد إنقاذ المسلمين - كما يدعي- على اعتبار أنه يسلك بهم نفس السبيل التي سلكها في بداية تقدمه المادي لكي يصلوا إلى حيث وصل هو من الرقي المادي، وإنما يفعل ذلك الهدم العقدي في الفكر الإسلامي لإزاحة الحواجزالتي تقف بينه وبين أغراضه الا ستعمارية . الوسائل وحدد المؤلف وسائل الغزوالفكري في خمس وهي التبشيروالا ستشراق والتعليم والإعلام والمرأة . قال مثلا عن الوسيلة الأخيرة - المرأة- إن دور المرأة في المجتمع الإسلامي دورعقدي، تقوم فيه المرأة بالسهرعلى تمكين الأجيال الإسلامية من معرفة الرسالة العقدية التي تدين بها. ويكون ذلك بممارسة الأم للعقيدة فكرا وسلوكا، لتكون القدوة التي بواسطتها يتعلم النشء الصغيركيف يشق طريقه في الحياة على هدى عقيدته. وهذا الدورالذي تقوم به الأم في تنشئة الأجيال يجعلها -و أكثرمن غيرها - ضامنة لتماسك كيان المجتمع المسلم وفق منهج الله، كما كان شأن الرعيل الأول من الصحابيات الطاهرات، وهو الذي يجنبها الوقوع في المخطط الذي يشرف عليه أصحاب الغزوالفكري ليضلوها عن سبيل الرشاد، ويسهل عليهم توجيهها نحو تحقيق أهدافهم في صياغة المجتمع الإسلامي بالصورة التي تسهل السيطرة عليه، وأخذه بعيدا عن العقيدة التي تحفظ كيانه. وقد سخروا لهذا الهدف كل وسيلة : سخروا التعليم والإعلام ... إلخ، ومع ذلك وجدوا أن تماسك الأسرة المسلمة لا يفضه إلا إخراج المرأة التي هي القاعدة التي يشد إليها زمام البيت، فبدأوا يزينون للمرأة المسلمة ما حرمه الشرع عليها صيانة لها وتطهيرا كي تنقض هذا الشرع خطوة بعد خطوة، وتسيروفق المبادئ المتفشية في الغرب والتي تحقق لها مطامعه التي ترمي إلى إفساد المرأة، واتخاذها وسيلة للهدم، بعد أن تصبح لعبة في أيديهم، يديرونها كيف يشاءون لتنفيذ مخططاتهم الا ستعمارية. لقد صدر مخططو الغزوالفكري قضية المرأة كما هي في الغرب إلى العالم الإسلامي، وأوهموا المرأة المسلمة بأن قضية المرأة في العالم هي قضية واحدة حيثما كانت، وأن اتباع المسلك الذي نهجته المرأة الغربية وتحصلت بواسطته على مطالبها أمرحتمي عليها اتباعه، وسخروا لإقناعها بهذه الفكرة المدسوسة إنتاج المبشرين والمستشرقين، وأدرجوه ضمن برامج التعليم والإعلام كي يرسخ في فكرالمرأة المسلمة، تتخرج مشبعة به لا تعرف غيرهذه الشبه التي تحولت في ذهنها إلى حقائق . وخصص المؤلف الباب الثالث من هذا الكتاب للحديث عن نتائج الغزوالفكري، والا ستشراف نحو المستقبل . وبين فيه أن دعوى الغرب الا ستعماري الإصلاح دعوى كاذبة، لأن الواقع كذبها بما نشره الغربيون وسط الأمة الإسلامية وتغلغل في قلوب جماهيرها من مفاسد أصبحت بها تقدس أفاعيل الحضارة الغربية المنحرفة التي أقبلت عليها وهي جاهلة لمداها البعيد المراد لها تحقيقه. فأصبحت القيم والمبادئ والتصورات، والمظاهرالإسلامية في حس الجماهير ممتزجة بالمفاهيم الغربية، وفي نفس الوقت تخرجت فئة من المسلمين لم تعد تمزج بين الحضارتين بل تؤمن فقط بالقيم والمفاهيم والتصورات والمظاهرالغربية، وتشبعت نفوسهم بالمفاهيم الغربية، وأصبح من المستحيل تجريدهم عما ربوا عليه، وأصبحوا فكريا مدينين للغرب بالولاء التام والتبعية المطلقة ليس على سدنة الفكر الغربي إلا الأمروعليهم هم التنفيذ مما حال بينهم وبين الرؤية الصادقة للحق في الحضارة النبوية .