خلال الخمسة عشر شهرًا من إبادة غزة، كان الدعم العسكري الوحيد للمقاومة الفلسطينية في غزة قادمًا من إيران، وحزب الله اللبناني، والمقاومة العراقية، واليمن. أما الدول العربية، فقد تركت المجازر تُرتكب، بل إن بعضها تواطأ من خلال فتح موانئه وأجوائه للعدو بينما كان يذبح الأبرياء، إخوتنا وأخواتنا الفلسطينيين. الولاياتالمتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، على سبيل المثال لا الحصر، سخرت كل ثقلها العسكري والاقتصادي والإعلامي والدبلوماسي لدعم الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين. والتاريخ سيسجل عليهم ذلك. ورغم الفارق الهائل في موازين القوى، لم تتمكن هذه الحملة الصليبية من القضاء على المقاومة الفلسطينية، التي فرضت وقف إطلاق النار بشروطها، وهي نفس الشروط التي رفضها نتنياهو في مايو 2024. التغيير الذي حدث في 20 يناير، مع وصول ترامب إلى السلطة، هو تغيير في التكتيك وليس في الاستراتيجية. المسيحيون الصهاينة والأوليغارشيون المحيطون بترامب متعصبون في دعمهم لإسرائيل تمامًا كما كان المحافظون الجدد في الإدارة السابقة. الفرق يكمن في الأسلوب: فترامب يتميز بكونه يقول بصراحة ما يفكر فيه ويظهر للعالم أنه القائد الفعلي. بناءً على ذلك، فإن قرارات نتنياهو وحكومته الحربية لا تعدو كونها مجرد تنفيذ للمسار الذي رسمه ترامب، الذي لم يعد يريد الحرب. ولكن كيف يمكن إيقاف حرب لم تحقق فيها إسرائيل أيًا من أهدافها: تحرير الرهائن بالقوة، تفكيك المقاومة المسلحة، وتهجير الفلسطينيين إلى سيناء لإعادة استعمار غزة؟ ترامب، الذي استقبل نتنياهو في 10 فبراير بالبيت الأبيض، فاجئ العالم بمطالبته ب "إجلاء" الفلسطينيين من غزة إلى الأردن ومصر. وفي الوقت نفسه، يأمر حماس بالإفراج عن جميع الرهائن المحتجزين لديها قبل يوم السبت 15 فبراير عند الظهر، وإلا فسيكون هناك "جحيم"، كما وعد! هل يسعى بهذه التصريحات الاستعمارية المتخلفة إلى التغطية على هزيمة عسكرية استراتيجية لحليفه؟ وبالالتفات إلى الدول العربية، يطالبها بالتعاون، باسم المليارات التي منحتها لها الولاياتالمتحدة، لإخراج إسرائيل من مأزقها، عبر تنفيذ أوامره واستقبال الفلسطينيين من غزة في مصر والأردن. وبذلك، يوجه لها تحديًا وجوديًا: إما أن تقبلوا بإسرائيل الكبرى وهيمنتها على المنطقة، أو أن تزولوا من الوجود. كان هذا التحدي يتطلب جبهة عربية قوية واستراتيجية موحدة تتلاءم مع الموقف. فلو تم الجمع بين دعم فعال للمقاومة الفلسطينية، وقطع كل العلاقات مع إسرائيل، واستخدام الأدوات الاقتصادية والدبلوماسية، لكانت الدول العربية قد لعبت دورًا حاسمًا في إفشال مشروع إسرائيل الكبرى وتعزيز حل عادل ومستدام للقضية الفلسطينية، وبذلك تضمن أيضًا بقاءها كدول ذات سيادة. لكن الدول العربية تتبع سياسة "كلٌّ لنفسه" و"النجاة الفردية"، مما يجعلها فريسة سهلة. الأمل الوحيد يكمن في قدرة المقاومة الفلسطينية والعربية على مواصلة النضال من أجل التحرير والدفاع عن المقدسات الإسلامية. والمسجد الأقصى ثالث الحرمين. ومن المفارقات، أن ترامب، بمحاولته إزالة القضية الفلسطينية من الأجندة، جعل منها القضية التي توحد العرب جميعًا، ونقطة التقاء لتحقيق السلام. إذن، ماذا سيفعل القادة العرب خلال القمة القادمة في القاهرة في 3 مارس؟ هل سيتركون إسرائيل تفعل ما تشاء في فلسطين، ولبنان، وسوريا، وتحتل أراضي جديدة، وتواصل تهجير الفلسطينيين بصمت – حيث تم ترحيل 50,000 فلسطيني من الضفة الغربية في شهر واحد – وتخترق دولًا مثل المغرب الذي لا يزال مستمرًا في تجارة السلاح مع إسرائيل، ويستقبل على أراضيه مجرمي الحرب، ويستعد لإعادة فتح الرحلات الجوية المباشرة؟ أم سيتخذون موقفًا هجوميًا ينقذ مستقبل الأمة العربية؟