لن نيأس في طرح مسألة تجديد النخب في الصحراء، التي قيل عنها الكثير، وذلك من خلال فسح المجال أمام أجيال جديدة مسلحة بالوسائل المعرفية والتقنية الضرورية، التي ستمكنها من خدمة مناطقها من موقع المسؤولية ونكران للذات في حال الوصول إلى تسوية معينة للنزاع حول الصحراء، يكون الاعتماد فيها كليا على العنصر البشري المحلي لتسيير الشأن العام. إلا أن هذا التوجه لم تتم بلورته إلا بشكل جزئي ، مما عزز شكوك الأطر المحلية في أن حاجزا نفسيا ما يزال يعتمل على عقلية المسؤولين في المركز ويحول دون اتخاذهم للقرار الحاسم الذي يجب أن يتم إعماله في هذه المرحلة ، التي أعلن فيها المغرب وما زال يعلن صدق نواياه أمام العالم ، أنه ملتزم بجميع الضمانات التي ستمكن من أجرأة مبادرته الجدية بشأن تمكين جهة الصحراء من حكم ذاتي موسع. ومن نافلة القول ، أن أرض الصحراء حبلى بالطاقات التي يمكنها أن تُحدث الفرق في معادلة غير متكافئة ، ذلك أن قوة المغرب تتجلى بالأساس في موارده البشرية ، قبل موارده الطبيعية ، وسيكون واهما من يعتقد أن البلاد ستعول على شراء الذمم والضمائر من أجل الحصول على مساندة ودعم هذا الفصيل أو ذاك. لقد كانت فكرة بعث الروح، من جديد في المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية عين الصواب ، ذلك أن تجديد هياكل المجلس، سيساهم لامحالة في امتصاص حالة الاحتقان التي سادت في المناطق الصحراوية ، في فترات متفرقة ، على الرغم من الأسئلة الحرجة والتحفظات الكبيرة التي طرحها مبدأ التعيين في حد ذاته لدى عامة الصحراويين ، الا اننا اليوم في أمس الحاجة الى هيئة تمثيلية حقيقية وليست استشارية في الترافع على حقوق الصحراويين اينما تواجدوا . بيد أن ما تشهده جلسات المجلس من نقاشات، تتسم بالحدة أحيانا، يعطي الانطباع بأن الصحراويين لا يمكن أن يجتمعوا على أمر سواء بينهم، بالنظر لعمق الخلافات ولحجم الشقة التي تفصل بين الفرقاء ، وما يزيد الأمر تعقيدا هو سكوت المجتمع المحلي عن الصدامات الرمزية، الحادة والعنيفة، بين الأطراف المتناحرة، التي تحركها مصالحها الشخصية الصرفة. ولعل من العلامات الملموسة السيئة، في زمن السياسة الجديد في الصحراء، هو دخول التشكيلات السياسية، المتحالفة مركزيا، في حلبة الصراعات المحلية هاته، ذلك أن كل فريق يحاول كسب النقاط على خصمه بالاعتماد على دعم قيادة الحزب وبدعم أعضائه في الحكومة. وحري بالجميع أن يفكر، هنيهة، في تجفيف منابع اليأس، الذي تسربت خيوطه إلى بعض شباب المنطقة، مما دفع الكثير منهم الى ركوب قوارب الهجرة غير الشرعية للالتحاق بالفردوس الأوروبي في وقت من الأوقات !، واليوم ينكب تفكيرهم حول تحقيق الإستقلالية بعيدا عن المغرب وتحقيق الذات في آخر مستعمرة بإفريقيا !. إن انصراف العائلات الصحراوية في الفترة الأخيرة للبحث عن سبل الهجرة إلى إسبانيا لمباشرة تسوية الوضعية القانونية لأبنائها من الذين يتوفر آباؤهم على أوراق ثبوتية تعود إلى الفترة الاستعمارية، يطرح أكثر من سؤال. ذلك أنه سيكون من المفارقة أن يعمد المغرب على تشجيع سكان مخيمات تيندوف على العودة إلى المغرب في إطار القولة المعروفة "إن الوطن غفور رحيم " ، وفي نفس الآن يغض الطرف، عن مظاهر الزبونية واستغلال النفوذ، التي تزيد الثري ثراء والفقير فقرا، وتساهم في توفير شروط الهجرة الجماعية إلى المجهول. ولا مناص من تعزيز التوجه الديمقراطي، والاستمرار في تكريس مبدأ تكافؤ الفرص في شتى المجالات وتجسيد المفهوم الحقيقي لدولة المؤسسات، التي ينعم في كنفها الأفراد بحقوقهم كاملة، غير منقوصة حتى يتسنى للجميع النهوض بالواجب لجهة حماية الوطن والمحافظة على وحدة أراضيه. وليس السبيل إلى ذلك، سوى بالقطع مع المقاربة الأمنية الضيقة والمضي قدما في دعم بناء المؤسسات القوية القادرة على رفع التحديات، بالاعتماد على الطاقات البشرية المؤهلة في الأقاليم الجنوبية. وفي هذا الإطار، يجدر التنويه بمبادرة إحداث المجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي ، الذي وقف وسيقف بدون شك على حجم الإختلالات التي تشوب العملية التنموية بالمناطق الصحراوية ، املنا كبير في التقرير الذي سيقدم للملك شهر أكتوبر المقبل ، والذي سيسجل نسب البطالة المرتفعة في هذه الربوع التي تعتبر خطرا نائما يهدد المنطقة بانفجارات كبيرة سيكون لها وقعها على قضية الصحراء ، وفكرة الإنصات للمواطنين في شكل المجتمع المدني كان لها الأثر الإيجابي في احتواء ما كان يعتمل من توترات مرتبطة بهذا الملف. باحث في الدبلوماسية المغربية